بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ |
فاتورة اليوم... استحقاق موجب لبناء دولة النظام والقانون |
شبكة البصرة |
عبدالواحد هواش* |
على مدى 49 عاماً مضت ونحن – وكثيرون غيرنا – نكتب ونتحدث عن ثورة الـ26 من سبتمبر الخالدة، هذه الثورة المعجزة التي أذهلت العالم، وذِكرَته بعد قرونٍ من النسيان والعزلة، إن هناك في هذا الكون وطنٌ اسمه اليمن، يقبع في الركن الجنوبي من جزيرة العرب.. كان يُسمى قبل عهود الظلام الإمامية (بالعربية السعيدة)، ولا شك إن ثورتنا السبتمبرية – كحدثٍ وطني وقومي تاريخي أحدث أثره البالغ والكبير في الواقع الدولي.. لا شك إنها ستبقى على مر السنين علامةٌ مُضيئة في تاريخ الإنسانية، ونقطة تحولٍ عظيمة في مسار النضال الوطني والقومي على الساحة العربية، وبالتالي فإنها ستكون على الدوام محط اهتمام الأجيال المتعاقبة التي لن يتوقف يوماً كُتابها ومفكريها اليمنيين والعرب والأجانب على حدٍ سواء، عن الكتابة عنها وعن ظروفها ومُسبباتها وإنجازاتها وأهدافها وتأثيراتها الوطنية والقومية والإقليمية والدولية.. ولكن دعونا اليوم في أشْهُرِ ذكراها والدفاع عنها، أن نربط ذلك الحدث الثوري التاريخي العظيم، بما يحدث اليوم في يمن الإيمان والحكمة، بعد 49عاماً من عمر الثورة... دعونا من زاوية نقدية تحليلية مُجَردة إلا من الحقيقة، أن نُلامس جوهر أزمة اليوم، ونبحثُ في الأسباب الحقيقية لهذا الانحدار المخيف الذي إعترى البعض في أزمة اليوم، وعلى هذه الشاكلة وهذه الصيغ الموغلة في الذاتية والحقد والكراهية والتخلف والرجعية المنافية لكل القيم الروحية والأخلاقية، والخارجة عن الثوابت الدينية والوطنية والقومية والإنسانية، والمُتاجرةُ بمستقبل ومصالح الوطن والشعب والأجيال القادمة، في سبيل الوصول إلى السلطة وإن على جماجم الآلاف من أبناء الوطن وشلالاتٍ من دماء الأبرياء، بعد هذه السنوات الطوال التي عشناها وعاشتها أجيالنا في كنف الثورة وتحت مظلة أهدافها التقدمية التحديثية، وفي رحاب الديمقراطية وحرية الرأي والرأي الآخر والشرعية الدستورية منذ العام 1990م!!.. إنها حالة لاشك تؤكدُ إن هناك خطأً ما إرتكبناه في مسارنا، أو استحقاقٍ لمْ نستطع الإيفاء به أو تحقيقه في موعده وتوقيته، فجاءت الفاتورة اليوم بهذه الكلفة المضاعفة وعلى كافة المستويات!؟. حقا.. لقد حققت الثورة السبتمبرية معظم أهدافها والكثير من المنجزات العظيمة، التي نقلت اليمن من ظروف وواقع العصور الوسطى إلى فضاءآت القرن العشرين، وربطته بعجلة التاريخ وحركة العصر ومتغيراته، وإن ببطء شديد حكمته قلة موارد البلاد، وإرث التخلف المجتمعي الذي كان ولا يزال من أهم وأخطر عوائق التقدم والتحديث.. ثم افتتحنا العشر السنوات الأخيرة من القرن العشرين، بمنجزٍ عظيمٍ تمثل بإعادة تحقيق الوحدة واعتماد النظام الديمقراطي – ألتعددي، الذي – وإن كان قد جعلنا ندخل باقتدارٍ مستحقٍ بوابة القرن الواحد والعشرين – إلا إن الظروف الموضوعية والذاتية التي كان يعيشها الشطران حينها والتي دفعت بتسارع خطوات هذا المنجز العظيم بمضامينه الديمقراطية – التعددية، في ظلِ واقعٍ للشطرين تهيمن عليه سلطوياً واجتماعياً مراكز قوى تقليدية مُضادة ورافضة للوحدة وأهدافها ولمضامينها الديمقراطية، قد تركت في مسار الوحدة والتجربة الديمقراطية ألغاماً موقوتة كلفتنا وبلادنا الكثير، منها ما تجاوزناه بلُحْمةِ ووحدةِ قوى الثورة في معركة الاستفتاء على دستور دولة الوحدة، وفي حرب الردة والانفصال، وفي جولات التخريب الحوثية والقاعدية، وفي المماحكات والمناورات والإرهاصات السياسية القاتلة، التي أنهكت كاهل الدولة الوليدة على مدى العشرين عاماً الماضية.. ومنها ومن صلْبها ما نواجهه اليوم في ظل هذه الأزمة الطاحنة المفتعلة!؟. نعم.. لقد حققت الثورة المباركة العديد من أهدافها، ولكنها – وهذا ما يجب الاعتراف به – تعثرت بالمقابل في إنجاز واستكمال أهدافٍ وحلقاتٍ مهمةٍ وجوهريةٍ من مضامين أهدافٍ أُخرى في مواعيد استحقاقها وعندما كان ذلك ممكناً، وعلى الأخص ما يستهدف منها " تحقيق العدل والمُساواة الاجتماعية والديمقراطية وبناء دولة النظام والقانون "، المُعَبرْ عنها بشكلٍ أساس بالهدف الرابع من أهدافها الستة الخالدة، وجزءٍ مهمٍ من مضامينٍ حددها الهدف الأول للثورة.. وهي الأهداف والمضامين المركزية والأساسية للانتقال من مجتمع القبيلة والأعراف المتخلفة، إلى مجتمع المؤسسات والدولة المدنية الحديثة، والتي لم يجرؤ أيٍ ممن تعاقب على إدارة البلاد التوجه الجاد للشروعِ في خطوات تحقيقها إلا بعد العام 1978م، عندما تولي فخامة الرئيس/علي عبد الله صالح مقاليد الحكم، و توفرت في عهده ألمناخات السياسية والأمنية المستقرة، والظروف الملائمة والمؤهلة لمثل تلك التحولات الإستراتيجية في البلاد، بغض النظر عن آراء وتقييمات هذا الطرف أو ذاك من فترة حكمه. لقد كان لذلك الإخفاق والتعثر الذي سبق العام 1978م العديد من الأسباب والعقبات والمصاعب والتحديات، التي حالت دون التوجه نحو هذا الاستحقاق، وكانت فوق طاقة وإمكانيات وقدرات البلد وقوى التحديث والثورة، الذين كانوا الطرف الأضعف في الصف الجمهوري مقارنة بمراكز القوى القبلية، وكانت موجبات الدفاع عن الثورة والحفاظ على النظام الجمهوري، أقصى مستطاعهم خلال تلك الفترة.. ومن أهم تلك العوائق والتحديات قبل إعادة تحقيق الوحدة، هي إن الثورة استغرقت 8 سنوات من عمرها (62-1970م) في حربٍ ضروسٍ للدفاع عن النظام الجمهوري، ونفس القدرِ من السنوات تقريباً (70-1978م) في حروبٍ ونزاعاتٍ وصراعاتٍ داخليةٍ قبليةٍ، ومواجهاتٍ دمويةٍ مؤسفة بين شطري الوطن الواحد، استنزفت كل موارد الوطن على شحتها، وأدخلته في ديونٍ داخلية وخارجية، أثقلت كاهلِ الشطرين على حدٍ سواء، وحالت دون التوجه نحو التنمية بأوجهها المختلفة الاقتصادية منها والسياسية والاجتماعية..الخ، وأدت بالتالي – وبالأخص في الشطر الشمالي – إلى المهيمنة المطلقة لمراكز القوى التقليدية القبلية منها والدينية على مصادر القرار وعلى موارد البلاد، وبخاصة عقب أحداث 23-24 أغسطس 1968م، عندما نجحت تلك القوى في إبعاد قوى التحديث من مفاصل الدولة، وتوزعت فيما بينها كعكة السلطة، وعملت مجتمعة ومتضامنة على مدى 41 عاماً، على قتل وإجهاض أيةِ بادرةٍ أو خطوةٍ باتجاه بناء دولة النظام والقانون، رغم العديد من المحاولات التي كان مُفتتحها، برنامج حكومة الأستاذ/محسن العيني (عقب اتفاقية السلام عام 1970م)، ثم حكومة الأستاذ الكبير المرحوم/أحمد محمد نعمان، فحكومة المرحوم المهندس/عبد الله الكرشمي وغيرهم، إلا أن كل تلك المحاولات – التي لم تكن أيٍ من حكوماتها تُعَمرْ أكثر من ثلاثة أشهر!!؟ - كانت تصطدم دائماً بصخرةِ مراكز القوى التقليدية المهيمنة، وعلى الخصوص " القبلية " منها، التي كانت ولا زالت تَعْتبرُ نفسها فوق الدستورِ والقانون، والوريث الشرعي لأسرة بيت حميد الدين في مُلْكها وأملاكها!!؟، لأن هذه القوى والمراكز ألمتنفذة كانت ولا زالت تُدركُ جيداً، إن أيةِ خطوةٍ باتجاه دولة النظام والقانون، ستكون حتماً على حساب نفوذها وسلطاتها المكتسبة غير المشروعة، وهي ذات مراكز القوى التي لا زالت حتى اليوم تستميت – كما نرى – في رفضِ ومقاومةِ وإجهاضِ كل وأية خطوة باتجاه الممارسة الديمقراطية، والاحتكام للدستور والنظام والقانون!!؟. لذلك.. أستطيع القول : إن تَعثر الثورة وأداتها الوطنية في إنجاز مهمة تحقيق دولة النظام والقانون في موعد استحقاقها المفترض (عقب اتفاقية السلام 1970م) وعجز قوى التحديث عن أن تكون نداً لمراكز القوى التقليدية القبلية والدينية المهيمنة طيلة الفترة من 70- 1978م -، جَعَلَ كُلفة الخلاص من هذه الهيمنة الغاشمة باهظة وتستلزم وقتاً ليس بالقليل.. ألأمر الذي دفع بقيادة ما بعد العام 1978م إلى تبني " مشروعٍ وطنيٍ مُبرمج وطويل المدى "، يبدأ بتفكيك هذه المنظومة المتخلفة، التي كانت قد تقاسمت وظائف الدولة وأصبحت مُتحكمة بكلِ مفاصلها، مروراً بإعادة بناء مؤسسات الدولة بدءاً من المؤسسة العسكرية والأمنية، التي كانت هي الأُخرى قد وُزعت وحداتها قبلياً!! والعمل على إعادة تشكيلها على أُسسٍ وطنية بعيدة عن العصبيات القبلية والمناطقية والعشائرية والمذهبية.. كل ذلك تزامن مع خطوات جادة ومثابرة نُفذت لإنهاء الحروب الداخلية القبلية منها والشطرية، ومعالجة " قضايا الثارات " في المناطق الوسطى وغيرها، ومليء الفراغ السياسي، لترسيخ الأمن والاستقرار وتعزيز وتقوية الجبهة الداخلية وتحقيق السلم الاجتماعي، كأرضية مُثلى سُعيَ لإنجازها على طريق إعادة تحقيق وحدة الوطن أرضاً وشعباً.. فتمكن الشطر الشمالي من الوطن حينها خلال الفترة (78- 1990م) من إنجاز خطوات مهمة وكبيرة من ذلك البرنامج وعلى مختلف الصُعُدْ، شكلت في مجملها القاعدة الأساسية لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة، من خلال استعادة هيبة الدولة، وتحرير القوات المسلحة – وإن جزئياً - من سيطرة القبيلة والتقليص التدريجي لهيمنة مراكز القوى على مرافق الدولة المختلفة، وإنهاء الملاحقات الأمنية للسياسيين وإطلاق حرية الرأي والتعبير...الخ.. ثمً استبشرت جماهير التحديث والديمقراطية خيراً بما تضمنه دستور دولة الوحدة، الذي اعتمد النظام الديمقراطي – ألتعددي وسيلةٍ للحكم، فدَعَمَتْ بكل قوتها خطوات الفترة الانتقالية بدون تحفظ – رغم الكثير من التجاوزات التي حدثت أثنائها – وذلك لتمكين حكومة تلك الفترة من إرساء واستكمال شروط وأُسس التجربة الديمقراطية، وتنقية مؤسسات دولة الوحدة من مراكز القوى بمختلف مكوناتها، على طريق بناء دولة المؤسسات والقانون، وكان يمكن إنجاز مُهمة تخليص الدولة من تلك الهيمنة حينها وبأقل كلفة وجهد، إذا ما تضافرت قوى التحديث، في إطار ذلك المشروع التحديثي الكبير، الذي بدأ العام 1980م، إلا أن تفويت تلك الفرصة التاريخية من قبل حكومة تحالف أحزاب الفترة الانتقالية والحكومات اللاحقة لها، الذين أعمتهم صراعاتهم الثانوية عن ثوابتهم المشتركة، ففقدوا الثقة فيما بينهم وذهبوا يتسابقون على كسب ود وتأييد ونصرة تلك القوى المتربصة بهم جميعاً للإستقواء بها على الآخر!!، بل أنهم حجزوا لهذه القوى الظلامية المتخلفة، مقاعد على حسابهم وعلى حساب بقية قوى التحديث في قطار المستقبل الوحدوي الديمقراطي، عندما البسوها (على علاتها) أردية الحزبية لتصبح – وهي التي أعلنت معارضتها الصريحة والواضحة لدستور دولة الوحدة - الشريك المُدلل والأكثر حُظوة لدى حلفاء الحكم، في شراكة المُحاصصة الثلاثية التي اعتمدت حينها – بضغوطٍ علنية من تلك القوى – أُسلوباً وقاعدةً لتقاسم مؤسسات ومفاصل دولة الوحدة الوليدة، ولإدارة شؤؤن البلاد والعباد خلال الفترة من 1990 حتى العام 1997م!!، وهو الأمر الذي عزز من جديد وضاعف من قدرات وسطوة ونفوذ تلك القوى التقليدية، لِتُحْكمْ سيطرتها من جديد على حلقات مهمة وأساسية من مرافق دولة الوحدة ومؤسساتها، ولِتَجْعل من تلك الأماني والتطلعات الجماهيرية، الحالمة بالدولة المدنية الديمقراطية الحديثة سراباً، خاصةً عندما بدأت تلك القوى توجه ضربات قاتلة ومدمرة للتجربة وللمشروع الديمقراطي – ألتعددي التحديثي خلال العشرين عاماً الماضية. لقد نبهنا وحذرنا مراراً في كتاباتنا ونُصْحنا وبياناتنا من خطورة التزاوج المخيف (بين الثروة وبين السلطة – وبين الحزبية وبين القبيلة) الذي طرأ بعد إعادة تحقيق الوحدة المباركة، وقلنا حينها من واقع التجربة، إن " لحام الأكسجين لا يربط بين الخشب وبين المعدن ".. وإن " القبيلة لا تستقيم مع الديمقراطية.. وإن الديمقراطية تتعارض كلياً مع مجتمع المليشيات المسلحة.. وإن الديمقراطية لا تتجسد ولا تكون بدون دولة المؤسسات – وسيادة القانون.. وإن مراكز القوى لا يمكن أن تبني مجتمعاً ديمقراطيا حديثاً ".. واليوم وفي خضم هذه الأزمة الطاحنة - وبغض النظر عن درجة مسؤؤلية كلٍ منا في ما آلت إليه قوى التحديث من ضعفٍ في الانتصار لمشروعها -، فإنه يجبُ على قوى التحديث وجماهيرها في طرفي الأزمة، أن تعيد النظر وتصحح حساباتها وتحالفاتها، وتغادرُ نفق سلبياتها القاتل، وتكون ولو لمرة واحدة في مستوى مسؤؤلية الاستفادة من تلك الدروس والأحداث، وتُدرك إن معركة الشعب اليمني اليوم، هي معركة بناء الدولة المدنية الحديثة - دولة النظام والقانون، التي لا يمكن أن تتحقق إلا بوحدة صفها في مواجهة قوى التخلف والإرهاب، وهو الاستحقاق المُوجب الذي تضمنته أهداف الثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر)، الذي لم تتمكن قوى الثورة في كلا الشطرين بفعل خلافاتها من تحقيقه خلال الـ 49 عاماً الماضية.. وأن تدركُ إن خوض هذه المعركة اليوم في مواجهة القوى الرجعية التقليدية الرافضة للدولة المدنية الديمقراطية والمتشبثة بنفوذها ومصالحها الغير مشروعة، أمرٌ لا مفر منه لاستكمال تحقيق أهداف الثورة، وتصحيح وتطوير وتجذ ير التجربة الديمقراطية، ووضع أُسس وأحزمة الأمان اللازمة لمواجهة تحديات العصر ومتطلباته، ولحماية بلادنا ومستقبل أجيالنا القادمة مهما كانت الكلفة.. ما لم فإن فاتورة الغد – إذا لم تتمكن جماهير التحديث من الانتصار لمشروعها اليوم – ستكون أضعافٍ مُضاعفة مما هي عليه اليوم، هذا إذا لم يكن مجرد التحرك لمواجهتها بعد ذلك مستحيلاً.. ناهيكم عن تحقيق الانتصار لهذه الإرادة الشعبية!!. صنعاء - 22 نوفمبر 2011م. * الرفيق عبدالواحد هواش مناضل بعثي يمني وهو نائب امين سر قيادة قطر اليمن للبعث |
قال سبحانه وتعالى
قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم
الخميس، 5 يناير 2012
فاتورة اليوم... استحقاق موجب لبناء دولة النظام والقانون
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق