ماذا وراء تهريب السجناء؟ 1
حكمة
وجهات نظر
صلاح المختار
هذا المقال ليس تشكيكا بالعاملين في القاعدة بل نصيحة تبصير لهم لأن من يضحي بنفسه لا يمكن ان يكون عميلا او تابعا لأي مخابرات معادية، والنصيحة والتبصير لهؤلاء يتركزان حول بعض قياداتهم المقررة والمخترقة مباشرة، وهو تنبيه الى خطر كبير جدا يتعرض له المناضلون والمجاهدون في الانتفاضة الوطنية العراقية المباركة وكافة علماء الدين وشيوخ العشائر الوطنيين الداعمين للانتفاضة وللقوى السياسية المساندة لها وللشباب المشارك فيها.
والنصيحة والتبصير يتعلقان بعملية هروب السجناء من السجنين في بغداد وما رافقها من ملابسات تثير اشد الشكوك المشروعة حول الاهداف الحقيقية لها، فهناك عدد كبير من الظواهر تجعلنا نميل بقوة الى الاعتقاد بأنها عملية لن تقتصر فقط على تحرير اسرى في السجون بل هناك توابع لها حتما.
ان السؤال التالي ضرورة لا غنى عنها في ضوء ما حدث: هل عملية تحرير اسرى تخدم انتفاضة شعب العراق؟ ام انها خطة لإجهاضها؟
لكي نرى الصورة كما هي، من الضروري التذكير بما حصل للمقاومة العراقية الباسلة بين عامي 2005 و2007، فحينما وصلت انتصارات المقاومة بكافة فصائلها القومية والاسلامية والوطنية في عام 2005 الى ذروتها بتبلور دروس معركتي الفلوجة الاولى والثانية لدى صناع القرار العسكري الامريكي والمحللين الستراتيجيين الامريكيين والاوربيين ، واهمها ان دحر المقاومة المسلحة بالقوة العسكرية وحدها خيار اثبت واقع العراق فشله التام ، لانها متجذرة وقوية ومنتشرة في المجتمع العراقي وليست عمل نخب معزولة وبلا قواعد وخبرات . لذلك وبعد دراسة متـأنية تم تبني واعلان ستراتيجية امريكية جديدة في العراق تعطى الدور الاول والاهم للمخابرات وتخضع فيها القوات المسلحة الامريكية لخطط المخابرات بينما كانت ستراتيجية رامزفيلد والمحافظون الجدد تقوم على العكس اي الاعتماد على حسم الجيوش للحرب بدعم من المخابرات .
وتطبيقا لهذه الستراتيجية رأينا فجاة اقدام القاعدة على اعلان قيام (الامارة الاسلامية في الانبار)، في عام 2005 وقد كتبت وقتها رسالةتبصيرية واضحة جدا لـ(مجلس شورى المجاهدين) في الانبار أبصِّرهم فيها بما يترتب على تبني هدف إمارة اسلامية في محافظة او اقليم، وكانت الخلاصة ان اعلان الامارة ليس سوى جزء من مخطط الاحتلال وهي خطوة ستؤدي الى تمزيق صفوف المقاومة. فماذا حصل؟ ان ماحصل هو المعول عليه وليس اي ادعاء من اي طرف:
أ-برز الزرقاوي في سلسلة افلام دعائية مدروسة واخذ الاعلام الغربي والعربي يلمعه وبدلا من قيامه بتصعيد المقاومة قام بتأسيس ما اسماه (فيلق عمر) ردا على وجود جيش المهدي وفيلق بدر، واصدر فتوى بتحليل دم الشيعة! وقد كتبت وقتها مقالا عنوانه (انه ليس فيلق عمر بل فيلق الموساد) خلاصته ان من يحلل الدم الشيعي هو كمن يحلل الدم السني والدم الكردي والدم التركماني والدم الصابئي والدم المسيحي العراقي لذلك فهو يخدم الموساد مهما كانت نواياه .
الابراز المشبوه للزرقاوي كان اشارة لا تخطئ لعمل مخابراتي دقيق ومحسوب، هدفه الاهم تحويل المقاومة من مقاومة احتلال وحركة تحرر وطني الى فتنة طائفية عمياء تحرق الاخضر واليابس .
لقد قامت المقاومة العراقية بواحدة من اعظم انجازاتها وهي تعريف العالم بانها تمثل حركة تحرر وطني ضد احتلال وهي لذلك تمثل كل مكونات الشعب العراقي وبلا اي استثناء، وحصلت بناء على هذه الصورة على دعم كافة انصار التحرر في العالم حتى داخل امريكا . الزرقاوي بقتله للشيعة نجح في تقديم صورة اخرى سلبية اضعفت المقاومة عالميا وعربيا وهي ان المقاومة من (عمل المثلث السني) فقط حسب تعبيرات الاعلام الصهيوامريكي وليست مقاومة كل العراقيين كما هو الواقع ! صرفت امريكا الملايين شهريا لترويج هذه الفكرة ففشلت لكن الزرقاوي ومن يشابهه في الاعتقاد نجح في تقديم المبرر لايران وامريكا وغيرها للتشكيك بهوية المقاومة العراقية وهل هي حركة تحرر ام رد فعل طائفي ؟!
ب - قامت القاعدة باعمال شوَّهت سمعة المقاومة في البيئة الحاضنة لها فقد اخذت تطالب بقية فصائل المقاومة الوطنية والقومية والاسلامية بمبايعتها ومبايعة امير دولتها، ومن كان يرفض يقتل ويصفى فذهب ضحية ذلك عدد كبير من خيرة قادة المقاومة العراقية الميدانيين ومن كافة الفصائل، وهكذا نجحت القاعدة في اشعال صراعات مسلحة بين فصائل المقاومة العراقية .
ج - قامت القاعدة بفرض امراء يمثلونها في كافة مناطق الانبار وكان اغلبهم من حثالات العشائر لكن هؤلاء تنمروا واخذوا يهينون الشيوخ، خصوصا شيوخهم، ويقتلون من يعترض منهم ويرفض مبايعة (امير امارة العراق الاسلامية) او يرفض دفع المال شهريا لهم! فأذلوا الشيوخ بطريقة لا تحتمل! كما انهم اخذوا يفرضون على اصحاب المصالح البسيطة كاصحاب الدكاكين والمحلات التجارية نسبة معينة من دخلهم تدفع لها شهريا ومن لا يدفع يقتل او يحرق محله! وهكذا غيَّر الاجبار موقف الحاضنة الشعبية الداعمة للمقاومة فقل دعمها مع انه اهم شروط ديمومتها وتواصلها وتوسعها وحمايتها.
بهذه الخطوات التي قامت بها القاعدة تغيرت قواعد عمل المقاومة فبدلا من الاستمرار في مواجهة قوات الاحتلال اصبح الهم الاول هو كيفية تجنب هجمات القاعدة، وبدلا من الاقتصار في الهجمات على قوات الاحتلال اخذت القاعدة تنفذ عمليات انتحارية على تجمعات سكانية عراقية فيها شيعة واستغل (جيش المهدي) تلك الجرائم ضد شيعة العراق لتأليب البعض ضد السنة ودفعهم لقتلهم بعد تفجيرات سامراء والتي ثبت انها من عمل المخابرات الايرانية. اما الناس العاديين فقد اخذ البعض منهم يتوقف عن دعم المقاومة قلبيا واختيارا كما كانوا واصبحوا يتجنبون دعمها الا لتجنب العقاب!
وبرز بين الناس من يتمنى التخلص من القاعدة بأي ثمن!
وهذه اللحظة هي التي خططت لها المخابرات الامريكية للتحرك السريع وطلبت تأسيس الصحوات تحت غطاء التخلص من ارهاب القاعدة وابتزازها للناس، وقامت الصحوات وضمت بالاضافة للشيوخ وانصارهم الكثير من عناصر القاعدة التي انتمت اليها تحت الضغط بالاضافة للكثير من عناصر عملت في صفوف الفصائل الاخرى للمقاومة، وبدأت عمليات ضرب القاعدة لكنها لم تقتصر عليها بل وجهت المخابرات الامريكية والايرانية من لديها في الصحوات لاستهداف الفصائل الاخرى تحت غطاء القاعدة!
بعد معارك دامية بين القاعدة والصحوات وبقية الفصائل تضررت المقاومة وتقلص حجم وعمل القاعدة وانزوت ولكن بعد توجيه الضربة المطلوبة لبقية الفصائل وتعرضها لمشاكل معقدة!
ما هو الدرس الكبير من هذه التجربة المريرة؟
اهم الدروس التي لابد من استيعابها هو ان الاوضاع العراقية حينما وصلت مرحلة تقدم هائل للمقاومة وعجز كامل عن قهرها من قبل القوات الامريكية وعملاء ايران اخرجت القاعدة من القمقم واطلقت لاحتكار العمل المقاوم بالقوة مع انه مستحيل وجعل الطائفية محركا لها ! وهكذا انتبه العالم لامر خطير وهو ان حركة التحرر العراقية الممثلة بالمقاومة قد (انحرفت) استنادا لسلوك القاعدة! وهنا بدأ العد العكسي لتراجع العمل المقاوم وابتعاد بعض الناس عنه ، وهذا هو الهدف الاساس للمخابرات الامريكية والايرانية والذي تحقق على يد القاعدة وليس بفضل قوة العسكرية الامريكية او الابادة الايرانية للكوادر.
كانت القاعدة تتمتع بموارد مالية كبيرة مدهشة (لماذا ومن اين؟) بينما كانت اغلب فصائل المقاومة فقيرة وبعضها ليس لديه مال لشراء السلاح او توفير العيش لمجاهد يقاتل ، ومن جهة اخرى كانت الفصائل لا تواجه مشكلة المال والسلاح فقط بل كانت تواجه أيضا مشكلة صعوبة تعويض الكوادر المدربة والخبيرة بالقتال والقيادة فمن يستشهد يصعب تعويضه وما قامت به القاعدة من اغتيال منظم للكثير من ضباط المقاومة وكوادرها لم يعوض بسهولة وبنفس الدرجة والامكانيات بينما مقابل ذلك كان دفق المتسللين الى العراق من تنظيم القاعدة العالمي مستمرا وبلا انقطاع، فمن يقتل يعوض بخمسة بنفس التدريب والاعداد ، كل ذلك تم بدعم عربي وامريكي وايراني!
لهذا ونتيجة للاسباب المذكورة توفرت مرونة عالية لدى القاعدة لملء الفراغ العسكري والنجاح في السيطرة على مناطق كانت تحت سيطرة الفصائل الوطنية والقومية والاسلامية ، الى ان ضربت فحصل الفراغ الكبير والذي جاءت الصحوات وملأته! هل ينبهنا هذا الامر الى شيء غريب يحدث الان؟ نعم الان في سوريا تتكرر نفس القصة: المعارضة وصلت الى مرحلة اسقاط النظام وكانت قوتها الاساسية هي الجيش الحر واصبحت دمشق هي ساحة المعركة واخذ العالم يعد عكسيا لسقوط النظام وقدم بشار تنازلات كبيرة جدا مذلة له ولنظامه.
وفي هذه اللحظة وما ان اقترب سقوط النظام حصل ما يلي: اولا ادخال مجاميع تعمل تحت اسم القاعدة باعداد كبيرة جدا وبتسليح افضل بكثير ومال اكثر ودعاية منظمة، واخذت تقوم بالسيطرة على مناطق كان الجيش الحر سيطر عليها فتقلص دوره ووجوده وكانت تستخدم الابتزاز وفرض خوات (دفع مال لها) وتتجاوز على الشيوخ والشباب والفصائل الاخرى، وهكذا تغيرت صورة المعارضة وعملياتها المسلحة واصبحت اقرب للحرب الطائفية ، فمقابل طائفية النظام ظهرت طائفية القاعدة تحت اسم مختلف كرد عليه! وهذا ما فعله الزرقاوي تماما في العراق .
اما التطور الثاني المكمل فكان نزول حزب الله وقوات ايرانية الى المعركة في سوريا علنا ومباشرة وبكل ثقل ايران وبدعم روسي مفتوح، وكان تصريح حسن نصرالله واضحا جدا في معناه ومبناه اذ قال بلا تردد (دخلنا المعركة لان دمشق كانت على وشك السقوط بيد الارهابيين) وتدخلنا لمنع سقوطها .
اذن حينما برزت امكانية حسم الصراع في سوريا وايقاف الدمار والخراب بانتصار المعارضة المسلحة تدخلت ايران وامريكا وانظمة عربية لمنع السقوط كل بطريقته وحسب دوره ولابقاء عجلة الحرب تدور ، فمن دعم القاعدة ، وهي امريكا وذيولها العرب بالاضافة لايران ، ارادت توجيه رسالة بان بديل نظام اسد هو القاعدة بتكفيريتها ولذلك لا يمكن تسليح المعارضة خوفا من وقوع الاسلحة بيد القاعدة !! فتراجعت امريكا واوربا عن وعود التوريط للمعارضة السورية حينما اطلقت تصريحات علنية ورسمية امريكية واوربية تؤكد بوضوح كامل على ان نظام بشار انتهى وفقد شرعيته وعليه الرحيل ، وان النيتو سوف يقوم اما بالتدخل المباشر او بفرض منطقة حظر جوي ، لكن ذلك لم يحدث واصبحت احدى اهم مميزات الكارثة السورية هو الموقف المخادع والتوريطي الامريكي - الاوربي الذي ابتدأ بدعم مفتوح ووعود اكثر انفتاحا لكنه انتهى برفض حازم لاي تدخل بل منع السلاح عن المعارضة !
وبنفس الوقت دفعت القاعدة للعب دورها في قطف الثمار فجردت الجيش الحر من الكثير من المناطق التي سيطر عليها ! اما الانظمة العربية وتركيا التي دعمت المعارضة واطلقت وعودا بالحسم العسكري فوجدت انها هي الاخرى ورطت في صراع مكلف وخطير دون ان تعرف التطور اللاحق فيه ، فتركيا وجدت انها تواجه تحديات داخلية لم يعد سرا ان نفس القوى الدولية التي تلعب في سوريا على صلة بها ، كما ان الانظمة العربية التي تطرفت في وعودها بتقديم الدعم للمعارضة للاسراع باسقاط النظام فوجأت بان امريكا واوربا تضغطان عليها للتراجع وعدم مواصلة الضغط على النظام السوري وقبول حل سلمي ووسط في مؤتمر جنيف 2 ، وكانت النتيجة هي تغيير ادوار اطراف اللعبة العرب وتراجع الدور التركي رغم ان الازمة السورية ازدادت حدة وخطورة !
كل ذلك حصل لتحقيق هدف مركزي خطير كان ذاته الهدف المركزي في العراق وهو استمرار المذبحة السورية حتى تصل سوريا الى الخراب الكامل ونسف الوحدة الوطنية وتقسيمها وتقاسمها طائفيا واقليميا ودوليا . هذه الحقائق يجب علينا كعراقيين فهمها وتذكرها الان وبلا ابطاء اذا كنا نريد عدم تكرار تجربة القاعدة في عامي 2005 و2006 ، واذا كنا نرفض وصول الانتفاضة العراقية لما وصلت اليه انتفاضة الشعب السوري، فالانتفاضة وصلت مرحلة تجاوز عقدة تردد اوساط جماهيرية واسعة وانطلقت تتحدى وبعد مجزرة الحويجة حصل تطور نوعي وهو الانتقال من التظاهر السلمي الخالص الى دعمه بالقوة المسلحة لضمان استمراره، الامر الذي خلق تحديا كبيرا لامريكا بالذات وليس لايران فقط.
امريكا التي تدخلت في العراق لاسقاط النظام الوطني لم تكن جاهلة بما تفعل ولا تريد فقط تنفيذ هدف واحد فقط هو اسقاط النظام الوطني بل كان لديها مخطط قديم وثابت وهو تدمير العراق القوي وتحويله الى كانتونات طائفية عرقية متصارعة ويتحكم بها امراء حرب فاسدين وساقطين وطنيا واخلاقيا ، والهدف البعيد هو انهاء العراق العربي القوي الى الابد بتقسيمه وتقاسمه ، لان المخطط الصهيوامريكي المشترك المدعوم ايرانيا كان ومازال عدم السماح ببروز اي قطر عربي قوي لان ذلك تهديد لاسرائيل ومستقبلها وتحد للمصالح الغربية الاستعمارية بنفس الوقت . وسيكون خطأ مميتا الظن بان امريكا قد تخلت عن هذه الخطة .
في ضوء هذه الملاحظة الجوهرية والحاسمة التي اذا لم نتذكرها جميعا سنقع في فخ امريكا وتجهض الانتفاضة ويضرب امل العراقيين في التحرير. واهم واخطر ما تخطط له امريكا وايران الان هو اعادة تشكيل هيكل الانتفاضة واستبعاد القوى الوطنية الحقيقية التي تقودها وتمكين طرف او اطراف اخرى مدجنة من جعلها مجرد مطلب طائفي صرف.
كيف يمكن تحقيق ذلك؟
يتبع..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق