بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
|
نعم انها القادسية الثالثة فرصوا الصفوف ايها العرب 2-2(1-2 هنا)
|
شبكة البصرة
|
صلاح المختار |
يهب الله الطيور غذاءها لكن لا بد أن تطير حتى تصل إليه
مثل هولندي
ما هو الدرس الاكبر والاستنتاج الاهم؟
1- يجب ان نقر حقيقة ميدانية هي ان القادسية الثالثة ابتدأت فعلا عندما سلمت امريكا العراق الى ايران، فتلك الخطوة، ورغم التعتيم على معانيها الخطيرة، يعرف كل وطني عربي معناها ونتائجها اذا كان واعيا لحقيقة ما يجري ومجردا من الانحياز لايران لاي سبب كان. والسبب واضح وبسيط وهو ان العدو الرئيس الذي يخوض المعارك مع الشعب العراقي بقيادة المقاومة العراقية تغير، فبدلا من تصدر امريكا وقواتها المعارك تراجعت الى الخلف، ودعمت خطة تولي ايران، بقواتها ومخابراتها وعصاباتها واموالها، مهمة القضاء على مقاومة الشعب العراقي. اذن نحن ورغما عنا في مواجهة مباشرة مع استعمار فارسي للعراق تدعمه امريكا مباشرة وصراحة، لذلك فان الاولويات الستراتيجية التي كانت سائدة حتى الانسحاب الامريكي قد تغيرت، فبدلا من اعتبار امريكا العدو الرئيس وايران العدو الاخر الذي يليه، كما كان الحال حتى الانسحاب الامريكي، فان العدو الاول الان اصبح ايران وامريكا العدو الاخر الذي يليه في ترتيب الخطورة. هذه حقيقية ميدانية وليست اتجاها فكريا او نزوعا نفسيا او رغبة فئوية.
2 – تماما مثل القادسية الثانية التي فرض فيها خميني الحرب على العراق في عام 1980 بقراره الحاسم والرسمي اسقاط النظام الوطني وحشد كل طاقات ايران لتحقيق ذلك الهدف، بما في ذلك القوات المسلحة والعصابات الارهابية التي شرعت بمهاجمة ونسف المؤسسات والدوائر الرسمية ومقرات الحزب في العراق واغتيال القادة والكوادر وتفريغ المدن والقرى الحدودية من السكان نتيجة القصف المدفعي...الخ، فان ايران بدأت حملة جديدة اكثر تنظيما واوسع نطاقا لفرض سيطرتها التامة على العراق حالما سحبت امريكا قواتها من العراق، واخذت تعتقل الالاف وتصفي العشرات شهريا من الوطنيين العراقيين وعادت الى اسلوب التهجير الطائفي والاستيلاء على اموال واماكن العراقيين ممن لا يدينون لها بالولاء.
ومثلما كان العراق في عام 1980 يواجه القرار الايراني الحاسم والثابت بفرض الحرب عليه فان العراق بعد الانسحاب الامريكي لم يختار الحالة الجديدة بل فرضتها عليه امريكا وايران ولم تتركا له خيارات سوى التعامل مع ايران على انها العدو الاول والاخطر، وتلك من بديهيات خوض الحروب او الصراعات فلا انتصار الا بتحديد من هو العدو الاخطر والاول ومن هم الاعداء الذين يلوه في الخطورة في ظرف ما.
3 - ان ايران، في هذه المرحلة بالذات وليس في مرحلة ما قبل الانسحاب الامريكي، هي الاداة والعدو الاخطر والاول للعراق والامة العربية ويكفي ان ننظر في مسألتين لنتيقن من تلك الحقيقة :
أ - فلولا ايران واثارتها للفتن الطائفية وشراء ذمم بعض العرب منذ وصول خميني للحكم لما تمكنت، بمباركة ودعم امريكي – صهيوني، من تحويل الصراع عن مجراه الاصلي والطبيعي وهو انه صراع مع العدو الصهيوني وداعميه، الى صراع طائفي بغيض ومدمر. لقد فرضت ايران الصراع الطائفي ليكون بديلا عن الصراع القومي والتحرري.
ب - ولولا دعم ايران لامريكا لما تمكنت الاخيرة من غزو العراق وتدميره بمشاركة اساسية من الاولى، وهو ما اعترف به اكثر من مسؤول ايراني مرارا، وبذلك انزاح السد الهائل الذي كان يمنع ايران من الوصول لبقية الوطن العربي وزرع نبتاتها السامة في اقطاره بمستوى يشكل خطرا مميتا. ويجب ان نتذكر دائما ولا ننسى ابدا ان انهيار السد العراقي بقوة امريكا وبدعم ايراني كامل ورسمي هو الذي سمح بتدفق الايدز الايراني المتبرقع بغطاء طائفي زائف الى اقطارنا العربية ليقلب حياة شعبنا راسا على عقب ويدفعنا الى الهجرة الملايينية وفقدان الوطن والاهل والبيت والهوية. ان من جعل اكثر من ستة ملايين عراقي لاجئين مثل الشعب الفلسطيني هو ايران لان عصاباتها، مثل فيلق بدر وجيش المهدي وعصابات احمد الجلبي، هي التي تولت التهجير المنظم وبدعم امريكي كامل عبر المجازر ضد عرب العراق تماما كما فعلت العصابات الصهيونية مثل الهاجاناه في فلسطين.
لذلك فالرد يبدأ من هنا، من السبب الاول لنجاحات امريكا في فرض استعمارها علينا وهو توفير جيوش من الخونة التابعين لايران تحت الامرة الامريكية، كما حصل في العراق حيث ان عماد الاحتلال وقوته الاساسية لم تكن عملاء المخابرات الامريكية، فهؤلاء كانوا قوة ثانوية هامشية، بل كانت الجماعات الموالية لايران التي شكلت كل الحكومات، باستثناء حكومة علاوي، ومنها انشأ الجيش والشرطة والمخابرات وبانتشارها تمكنت من اطالة امد الاحتلال وتحويله الى اكبر كوارث العراق. ومن هذه الجماعات حزب الدعوة والمجلس الاعلى والتيار الصدري والاهم المرجعية الطائفية في النجف التي تولت تحشيد البسطاء بفتاوى تدعم الاحتلال وتدعو للتعاون معه.
تخيلوا فقط لو ان العراق القوي لم يسقط ويحتل هل كانت ايران ستتمكن من العربدة والاستهتار بكرامتنا وحريتنا وهويتنا وعروبتنا؟ هل كانت ستتمركز بحرية تامة وبسهولة مدهشة في الاقطار العربية كما جرى ويجري بعد غزو العراق وتثير الفتن والقلاقل والازمات الخطيرة؟ يقينا ان المشهد العربي برمته كان سيختلف لو كان العراق القوي مازال موجودا. وتخيلوا فقط لو ان ايران لم تتعاون مع امريكا في تدمير السد العراقي العالي هل كانت امريكا ستتمكن من التمدد السهل، واحيانا المجاني، في اقطارنا العربية واشعال الفتن والاضطرابات، وبمشاركة ايرانية - تركية واضحة، والاخطر تحويل مشاريع ثوراتنا الوطنية المنتظرة والمختمرة ضد انظمة القمع والفساد والعمالة الى كوارث حروب اهلية لا تبقي ولاتذر؟
4 - اذن الرد الكبير والاهم هو اعادة بناء السد العراقي العالي والقوي، فقط بوجود هذا السد يمكننا ان نعيد ايران الى حجمها وحدودها ونحولها من الهجوم الى الدفاع، وتذكروا جميعا باننا في هذه المرة سنكون مسلحين بعشرات الاسباب المشروعة لتنفيذ اي مخطط ضدها والتدخل المباشر والصريح في شؤونها الداخلية من اجل وضع حد لشرورها القاتلة، بعد كل الجرائم التي ارتكبتها في العراق وسوريا واليمن ولبنان ودول الخليج العربي، خصوصا في البحرين، وبعد ان اصبحت الداعم الاول والاخطر لغزوات امريكا.
وخطوات اعادة بناء السد العراقي تبدأ بدعم المقاومة العراقية كي تطرد ايران وتنظف العراق من شرورها القاتلة، فالمقاومة التي هزمت امريكا ومنعتها من تحقيق اهدافها الاصلية في العراق قادرة على الحاق الهزيمة بايران وتحقيق النصر.
بتوجيه ضربة قاتلة لايران داخل العراق نجبر امريكا على الانكشاف مرة اخرى امام ضربات المقاومة ونجرها الى مقتلها وهو الاضطرار لخوض الحرب مباشرا مجددا في العراق رغم انها لا تملك مقومات مواصلة الحرب، وحينما سيحصل ذلك فان امريكا لن تجد امامها الا خيارين اما التسليم الرسمي بانتصار المقاومة او الانسحاب الذليل من العراق. وفي الحالتين فان امريكا وايران ستجدان نفسيهما امام خيارات مرة. لذلك لابد من ادراك ان اعادة الصراع الى حالته الاصلية قبل ان تخرب ايران اولوياتنا القومية العربية وهو صراعنا مع العدو الصهيوني وداعميه، لن يكون ممكنا الا بالتصفية التامة والحاسمة للوجود الايراني في العراق.
5 – ان التصفية الكاملة لكافة اشكال النفوذ الايراني في الوطن العربي واجتثاثه من الجذور هو المهمة الاساسية بعد تحرير العراق ويجب مطاردة ايران ونفوذها في كل شبر من الوطن العربي والقضاء التام عليه، خصوصا في البحرين ولبنان وسوريا واليمن ودول الخليج العربي، وهي المراكز الاخطر التي انتشر فيها الايدز الايراني القاتل.
6– وعلينا ان ننتبه الان لحقيقة بارزة معرفتها تخدم المناضلين في الاقطار العربية التي تتعرض لازمات خطيرة، وهي ان تدمير الدولة والمجتمع في العراق كان مخططا له قبل الغزو ولم يكن اخطاء ارتكبت اثناء الغزو او بعده كما تبرر امريكا رسميا جرائمها، بدليل ان تسع سنوات قد مرت على احتلال العراق وكان يمكن خلالها معالجة الاخطاء واعادة الوحدة وايقاف االفتن الطائفية والعرقية ووضع حد لنهب الثروات واستمرار التغييب المتعمد للخدمات الاساسية وللامن... الخ لو كان الامر مجرد اخطاء غير مخطط لها، ولكن القرار الستراتيجي المسبق بتقسيم العراق وكل الاقطار العربية كان هو المحرك لكل خطوات الاحتلالين الامريكي والايراني للعراق لذلك اوصل العراق الى مرحلة تحول ثلث الشعب العراقي الى مهجرين ومهاجرين يعانون من الجوع والتشرد وكل مفاسد ذلك الوضع اللاانساني ودمرت الدولة والمجتمع وابيد اكثر من مليوني عراقي ورملت اكثر من مليون عراقية طبقا لاحصاءات رسمية لحكومة الاحتلال ذاتها.
فهل الذي حصل للعراق صدفة؟ وهل هو مقتصر على العراق؟ ام انه يشمل كل الاقطار العربية؟ كلا انه ليس صدفة كما انه ليس مقتصرا على العراق، بدليل ان ما حصل ويحصل الان خصوصا في تونس ومصر والبحرين وسوريا واليمن وليبيا يتخذ نفس مسار ما جرى في العراق واحيانا يكاد التشابه ان يصبح تطابقا، فباسم الديمقراطية وحقوق الانسان بدأت الاحداث لكن مجراها الفعلي لم يصل الى الديمقراطية ولا الى تحسين شروط عيش الانسان وانما تم تفجير مسلسل من الازمات المتتابعة التي تولد احداها عشر ازمات في اطار اصرار اللاعبين الرئيسيين، وهم امريكا وايران والكيان الصهيوني وتركيا ودول اوربية، على تعميق الازمات بدل حلها ودفعها نحو الحروب الاهلية. ان من لا يأخذ هذه الظاهرة بعين الاعتبار ويعترف بها اما يريد الانتحار او انه مشارك في التأمر على هوية الامة ووجودها الوطني والقومي.
7– في هذه الاحداث نجد امامنا خمسة اطراف فعالة وهي امريكا والنيتو وايران واسرائيل وتركيا، فكل طرف من هذه الاطراف يلعب دورا خطيرا في الاحداث ونموها وتوسعها وزيادة مخاطرها ومنع حلها. ولكن من بين هذه الاطراف دولة تولت دور مثير الفتن الاخطر والانجح وهي الفتن الطائفية، اما نيابة عن الاطراف الثلاثة الاخرى لعجزها، او لان ايران تحركها مطامع اقليمية توسعية قوية ومتجذرة اكثر من مطامع امريكا وتركيا، ولا توازيها الا مطامع اسرائيل في الارض والثروات العربية. لذلك لم تكن صدفة ان تركيا عضو حلف النيتو والمعتمدة على امريكا قبل اردوغان وبعد وصوله للحكم، لم تكن الطرف الاول في تنفيذ المخطط منذ عام 1991 بل كانت ايران التي لم تكن عضوا في الحلف، والسبب ذكرناه، ونكرر ذكره لخطورته، وهو ان لايران مطامع اقوى واقدم وارسخ من مطامع وتركيا، والاهم ان لديها انصار اكثر واقوى من انصار تركيا في بعض الاقطار العربية، لذلك اختارت امريكا ايران لتكون شريكتها الاولى، وليس تركيا ولا بريطانيا، في غزو وتدمير العراق ثم في عمليات نشر الفوضى الهلاكة في تونس ومصر واليمن والبحرين وسوريا ولبنان وبقية الاقطار العربية.
8– ثمة ثلاثة ملاحظات خطيرة المعنى وتزداد خطورتها بتزامنها وتبلورها ومع ذلك يتم تجاهلها غالبا وهي :
أ – ان ايران كانت المستفيد الاقليمي الاول والرئيس من انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشيوعية حيث اشترت العلماء والمعامل والاسلحة والخبرات باموال ضخمة، واعادت بناء قوتها العسكرية والعلمية بطريقة خطيرة لتصبح خلال اقل من عقد القوة الاقليمية الابرز.واحد اهم مصادر خطورة هذه الظاهرة هي ان ايران المهزومة امام العراق تحركها ثأرات خطيرة من العراق، لذلك فان من المستحيل تجنب الاستنتاج القائل بانها ستسخر كل ما امتلكت من عوامل قوة ضد العراق اولا.
ب- ان امريكا والغرب واسرائيل لم تبدي اي اهتمام بمنع ايران من شراء القوة الجاهزة ومن تكوين مصادر القوة العسكرية بل المؤشرات كلها تؤكد ان هذه الاطراف ساعدت ايران، خصوصا عبر شركات مموهة امريكية واسرائيلية، على امتلاك تلك القوة وبناء ترسانة عسكرية ضخمة تمكنها من الابتزاز والتهديد وخلق الاضطرابات ومصادر القلق الاقليمي واحيانا الدولي، فهل كان سماح امريكا والكيان الصهيوني لايران بامتلاك تلك القوة خاليا من دعم نزعة الثأر الايراني من العراق؟ وهل من ساعدها او سمح لها بتحقيق تلك النتيجة كان يجهل انها ستسخر تلك القوة الكبيرة لتحقيق مطامعها في الخليج العربي والجزيرة العربية؟
ج - واخيرا وليس اخرا لوحظ، ولهذه الملاحظة معان اخطر من سابقاتها، ان دعم توجهات ايران لاكتساب القوة بكافة اشكالها قد اقترن بتعمد القضاء المنظم لمصادر القوة العراقية، ففي عقد التسعينيات وبداية القرن الجديد كانت ايران تشتري كل شيء عسكري وعلمي وبشري وتكدسه وتوظفه وتطوره لتحقيق التفوق في عوامل القوة على العراق والعرب مجتمعين، تماما كاسرائيل، بينما كان العراق يواجه الحصار والتدمير المنظم لدولة تقدمت كثيرا علميا وتكنولوجيا ووصلت مرحلة دخول (نادي دول الدرجة الاولى) كما اشار احد تقارير الامم المتحدة لو تواصلت عمليات التطور العلمي والتكنولوجي، فهل هي الصدفة التي ادت الى دعم التقدم الايراني وتدمير العراق بصورة متزامنة؟ ام انه المخطط الموضوع مسبقا لانهاء القومية العربية وصنع ادوات تساهم في ذلك كأيران؟
9– لم تدعم امريكا الدور الايراني وتعززه عمليا قبل غزو العراق وتدعمه عمليا ورسميا بعد غزو العراق؟ ثمة اسباب علينا تذكرها دائما للشراكة الامريكية - الايرانية، التي تباركها اسرائيل دون ادنى شك، واهمها ما يلي :
أ – ايران تضمر احقادا وثأرات تجاه العرب يعود احد اسبابها الى فرض الاسلام على بلاد فارس بالسيف وتحطيم امبراطوريتها الاخيرة، وهذا الحقد ونزعة الثأر ليس سرا تخفيه النخب الايرانية حتى المعممين منها بل تجاهر به علنا ورسميا، لذلك فايران لديها دافع ثأري كبير.
ب – لايران مطامع قديمة عمرها الاف السنين في ارض العراق، لاسباب جيوبولتيكية صرفة قبل ان تتحول الى ثقافة قومية عدائية، وتتمثل في ان هضبة فارس تفتقر للمياه بشدة ومساحة الارض الصالحة للزارعة منها لا تتجاوز ال 13 % من مجموع الاراضي الايرانية، وحتى هذه النسبة الضئيلة ليس هناك ماء كاف لريها، لذلك فان عدم سقوط الامطار سنتين متتاليتين، كما قال شاه ايران في اخر كتاب له قبل موته منفيا، يؤدي الى مجاعات كبرى في ايران، وكان (الحل الغزيزي) هو الخيار المتاح اي غزو اراضي الغير اذا كان فيها ما ينقص الغزاة، والعراق كان ارض السواد، حيث المياه وفيرة جدا والارض خصبة كلها، لذلك كان العراق الهدف الاول لغزوات بلاد فارس، وهذا يفسر سر التوجه التاريخي لبلاد فارس في اغلب غزواتها نحو الغرب اي العراق وليس نحو الاتجاهات الاخرى.
وفي هذا الاطار لابد من الاشارة الى ان قيام امبراطوريات فارسية كبرى كان مشروطا بغزو العراق للحصول على مياهه وارضه الخصبة وتوفير مصدر غذاء وثراء وقوة لابد منه. ومنذ منتصف سبعينيات القرن الماضي وفي زمن الشاه وفي ذروة قوة ايران اخذت تواجه مشاكل خطيرة اقتصادية وسكانية كانت تتفاقم بسرعة، وبلا امل في حلها لانها غالبا مشاكل جيوبولتيكية، والمفارقة التاريخية الكبرى ان التدهور الاقتصادي والاضطراب السكاني والسياسي الداخلي يقع في زمن اتيحت لايران فرصة كبرى لتحقيق مطامعها التوسعية، فهل تترك الفرصة تمر مع انها لن تتكرر على الارجح لعدة قرون؟ ام تتشارك مع امريكا في الغزو والتوسع الامبرياليين من اجل تسهيل تحقيق الاحلام التوسعية لها؟
ج – تملك ايران اداة الفعالة للتدخل الناجح وهي الاداة الطائفية داخل العراق وفي العديد من الاقطار العربية وتستطيع تحريكها من اجل نشر الفوضى وفرض ما تريد، ولعل دور الاداة الايرانية الحاسم في غزو العراق يقدم لنا مثالا ساطعا على هذه الحقيقة. وبما ان الادارة الامريكية قد توصلت في عام 1998 بعد فشل (عملية ثعلب الصحراء) التي قامت بها ادارة بيل كلنتون الى استنتاج خطير وهو ان غزو العراق لا يمكن ان ينجح الا بالتعاون مع ايران لكي تستخدم فيه الاداة الايرانية في جنوب العراق، لذا فان عملية نشر الفتن الطائفية كان مهمة ايرانية في المقام الاول والاخير، ولم تكن بين هذين المقامين فسحة لاي دور منافس اخر، فلا الشاه امتلك النفوذ الطائفي الذي يمتلكه ملالي ايران داخل العراق والاقطار العربية الاخرى ولا امريكا وفرنسا وبريطانيا واسرائيل نجحت في اشعال فتن طائفية في العقود الثمانية الماضية رغم صرف ملايين الدورلارات لشراء الذمم، وهكذا انفردت ايران بامتلاك اهم عوامل التدخل والتأثير في الاقطار العربية.
واخيرا وليس اخرا : لماذا اختارت امريكا وايران العراق ليكون بداية غزواتهما للوطن العربي؟
اولا لانه اصبح القوة الضاربة والحاسمة في الصراع الذي شهده الوطن العربي منذ تأميم النفط في عام 1972 وتلك كانت خطوة هي الاخطر من وجهة نظر المصالح الامبريالية لان النفط كان حكرا على الشركات الغربية وكان منطقة محرمة لا يمكن الاقتراب منها والا اشعل الغرب الحرب الشاملة واسقط مصدق في ايران لانه امم النفط. وحسب (مبدأ كارتر) فان تهديد منابع النفط لابد ان يواجه بالحرب وكل الوسائل، ان النفط وبقاء السيطرة عليه باي ثمن احد الاعمدة الثابتة في ستراتيجيات الغرب الاستعمارية.
وثانيا وصل التصادم مع العراق مرحلة متميزة عند تصديه لاخطر خطوات الاعتراف باسرائيل التي قام بها السادات ومحاصرته بقرارات قمة بغداد وقتها، فالعامل الصهيوني حاضر بقوة في قرار غزو وتدمير العراق.
وثالثا لان العراق نجح في الخروج من قيود التخلف العلمي والتكنولوجي وتغلب على كل المعوقات الداخلية التي كانت تمنع تقدمه ونهوضه الحضاري، ومنها القضاء على الامية والفقر وتوفير الطب والعلاج والتعليم مجانا، وبدأ فعلا نهضة شاملة في السبعينيات اوصلته لمرتبة متقدمة ادهشت العالم، ومن مظاهر تقدمه صنعه لصواريخ عراقية متوسطة المدى واطلاقه صواريخ عابرة للقارات وضعها على مدار في الفضاء، وصنع قمر صناعي عراقي كان جاهزا للاطلاق، واخترع طريقة عراقية في تخصيب اليورانيوم، وصنع اجهزة دقيقة تدخل في الصناعة النووية المعقدة...الخ، وبما ان العرب غير (مسموح) لهم بتحقيق التقدم العلمي والتكنولوجي فلابد من تدمير العراق المتقدم واعادته لمرحلة ما قبل الصناعة، كما قال حرفيا وزير الخارجية الامريكية جيمس بيكر.
ورابعا لان في العراق طاقات بشرية قتالية مجربة عبر التاريخ لذلك فان فرض الهزيمة النهائية على العرب لن يتم الابتدمير المخزون البشري العراقي وتفتيته.
وخامسا وجد في العراق الشرط الاهم لتحقيق الاستقرار المطلوب للتنمية والتقدم، وهو وجود التنظيمات الشعبية الكبيرة التي تمثل كل مكونات العراق السكانية دينيا واثنيا وثقافيا، وتجلى ذلك في الطابع المدني للاحزاب العراقية الكبرى كالبعث والشيوعي والقوميين الاخرين، المتجاوز للطائفية والعرقية...الخ،، ولم تظهر فيه احزاب طائفية قبل الغزو بصيغة احزاب ذات نفوذ جماهيري فعال، الا بعد صعود خميني للحكم، وبما ان احد اهم شروط تقدم العراق وجود قوة تنظيمية منسجمة وكبرى تمنع تشتت ارادة العراقيين وتعبر طموحاتهم الكبرى لذا كان يجب تفتيت اي قوة عراقية كبيرة تمثل كل العراق وليس جزء منه. وعندما افشل العراق خطة خميني لتدمير التنظيم الشعبي المجسد لتطلعات كل العراقيين اصبح احتلال العراق ضرورة لابد منها لتدميره بطرق اخرى من الخارج فكان الغزو المشترك للعراق الامريكي- الايراني هو الحل.
وسادسا عندما الحق العراق الهزيمة بايران في الحرب التي فرضها خميني واستمرت ثمانية اعوام، وكان احد اهم اهدافها تحطيم التجربة النهضوية العراقية الشاملة، تكونت قناعة في الاوساط الامريكية بان العراق الجديد اكبر من الاحتياطيات الاقليمية، كايران وتركيا واسرائيل، وانه تجاوز كل الخطوط الحمر ولذلك لابد من القضاء عليه مباشرة بواسطة القوة الاعظم في التاريخ وهي امريكا.
اذن كما بدأت كوارث الامة من العراق فلابد ان يبدا الخلاص القومي والوطني منه ايضا، فهل نحن قادرون على تحقيق النصر؟
نعم، وبكل جزم وحزم، نحن قادرون على دحر ايران ولدى شعبنا القدرة والرغبة لتحقيق ذلك، ولكن ثمة شروط لابد من توفرها لتحقيق النصر الحاسم على ايران وامريكا :
1 - دعم المقاومة العراقية، فهل هذا صعب؟ بالتاكيد انه ليس صعبا مادام الدعم المقصود هو توفير بعض المتطلبات المتواضعة جدا لتصعيد العمل المسلح ضد الاحتلالين الايراني والامريكي. وهي معروفة ورخيصة مقارنة بتكاليف شراء اسلحة وصرف اموال بالمليارات على كسب الانصار...الخ.
2 - وتلك المهمة تفرض الان وليس غدا موقفا تاريخيا من جميع العراقيين يقوم على الاتحاد باي شكل في جبهة واحدة شاملة لكل من يناهض النفوذ الايراني ويرفض الغزو الامريكي، وبغض النظر عن مواقفه السابقة، مادام تحرير العراق هو الهدف الاعظم. نؤكد، وفي ضوء تطورات العامين الماضيين الخطيرة، لا حزب بمفرده ولا اشخاص مهما كانوا ولا جماعة بعينها قادرة على تحرير العراق، فقط بالاتحاد الجماعي والمتكافأ لكل العراقيين بكافة احزابهم وكتلهم وشخصياتهم يمكن تحرير العراق. لذلك فالتسامي فوق التحزب والنظرات الضيقة هو البداية الصحيحة. ولكي لا تقف عملية التحرير او تنتكس بعد الانتصار علينا جميعا ان نضع ميثاق عمل وطني ملزم للجميع يقوم على تحريم العنف بين العراقيين واعتماد الاساليب السلمية والديمقراطية في الوصول للحكم وفي حسم الخلافات.
فهل نحن بمستوى التحدي التاريخي؟ لنترك جميعا، احزابا وافرادا وكتل، خلافاتنا الحالية والسابقة خلفنا ونعمل بقلب مفتوح من اجل هدف لا يعلوه اي هدف، وهو تحرير العراق، وايقاف نزيف ابناءه ووضع حد لتشردهم بالملايين، ومعالجة امراضهم القاتلة وتوفير الامن والامان للجميع وبلا اي استثناء. ان الاجيال الحالية المعذبة من العراقيين المشردين بالملايين او الذين يواجهون كوارث الاضطهاد داخل العراق، سوف لن يغفروا لمن يتقاعس عن نداء الواجب الوطني هذا. وتلك خطوة البداية في انهاء مأساة كل الاقطار العربية.
3 - كما ان تحقيق هذا الهدف الستراتيجي يفرض اعادة النظر في طريقة تفكير كل العرب حكاما ومحكومين، فالحكام الذين افسدوا واستبدوا مهدوا الطريق لايران وامريكا كي تحققا نفوذا وتاثيرا، واصبح هؤلاء الحكام الان هدفا لايران وامريكا سوية لذلك لم يعد لديهم خيارات سوى اعادة النظر فورا وبلا ابطاء بممارساتهم وفسادهم وتبعيتهم وقبول تحقيق اصلاحات كبرى تضمن للشعب الحرية والكرامة والعيش الكريم وحكم انفسهم بأنفسهم.
4 - يجب اقامة تحالفات حقيقية مع القوى الايرانية التي لديها الاستعداد لاحلال السلام بيننا وبغض النظر عن هويتها وتاريخها، فايران ليست دولة طارئة كاسرائيل بل هي دولة طبيعية في الاقليم والحرب الابدية معها ليس خيارنا ولا خيار اي حكيم، وهناك مجال للتعايش السلمي معها وان لم يوجد الان فيجب ان نخلقه، فدماء ابناءنا ليست رخيصة حتى لو استرخص حكام ايران دماء ابناءهم، وتغليب عوامل التعاون على عوامل الصراع معها هدف ثابت لنا. ومهما قيل حول صعوبة تحقيق ذلك التعاون فلا مفر منه ويجب عدم الاستكانة لليأس والعثور على قواسم مشتركة مع ايران تضمن التعايش السلمي معها لانه ضرورة ستراتيجية كبرى تضمن لنا سد الثغرة الشرقية الخطيرة. وهذا التوجه هو الوجه الثاني المرافق في ستراتيجية الحاق الهزيمة بايران، فبالحرب او جعل الايرانيين يدركون اننا مستعدون لها ووفرنا متطلبات النصر فيها نضمن الانتصار على ايران لان سايكولوجيا النخب الفارسية تتسم بالعناد وتصور الميل للسلم ضعفا، وبالاستعداد للسلام نكرس الامن والامان لجميع شعوب المنطقة بما فيها شعوب ايران ذاتها.
المثل الهولندي الذي اوردناه في مقدمة المقال يقول (يهب الله الطيور غذاءها لكن لا بد أن تطير حتى تصل إليه) فهل نطير للوصول الى شروط النصر؟
12/6/2012
|
شبكة البصرة
|
الثلاثاء 22 رجب 1433 / 12 حزيران 2012
|
قال سبحانه وتعالى
قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم
الأربعاء، 13 يونيو 2012
صلاح المختار:نعم انها القادسية الثالثة فرصوا الصفوف ايها العرب 2-2
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق