قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الثلاثاء، 19 يونيو 2012

معن بشور : مصر... مراجعة لا مواجهة


بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مصر... مراجعة لا مواجهة
شبكة البصرة
معن بشور*
سواء اكدت النتائج النهائية الرسمية للانتخابات الرئاسية في مصر فوز الدكتور محمد مرسي برئاسة مصر أم انها لم تؤكده، خصوصاً مع تكرار المفاجآت التي شهدتها الحياة السياسية مؤخراً في أرض الكنانه كحل مجلس الشعب، واصدار الاعلان الدستوري المكمّل عشية اعلان نتائج الرئاسيات، فان الامور تتجه الى مواجهة خطيرة يرى فيها البعض انقاذاًَ للثورة من نظام قديم يحاول إعادة انتاج نفسه، ويرى فيها البعض الآخر مدخلاً لنوع من الاحتراب الاهلي يودي بالثورة نفسها ومعها كل طموحات الشعب المصري.

ولتجنب مثل هذه المواجهة المرتقبة، وقد رأينا مثلها في غير قطر عربي اصطدمت فيه النتائج الانتخابية بموازين القوى الفعلية، لا بد من مراجعة عميقة تقوم فيها كل الاطراف المصرية الفاعلة والمعنية بمصير مصر كما بمصير الثورة نفسها.
والنقطة الاولى في هذه المراجعة تكمن في إقرار الجميع بأن ثورة 25 يناير هي ثورة اطلقها شباب مصر، واحتضنتها جماعة الاخوان المسلمين في مصر وأحزاب أخرى، وانتصرت لها القوات المسلحة في مصر، فجاءت تعبيراً عن ائتلاف كل قوى التغيير، الاسلامية والناصرية واليسارية والديمقراطية، كما عن وحدة الشعب والجيش معاً، وبالتالي فإن تذكّر هذه الحقيقة أمر ضروري كي لا يضيع الجميع في متاهات الصراع على السلطة، وكي لا ينزلق الجميع في مهاوي التسلّط او التفرد او الاستئثار.

والنقطة الثانية في هذه المراجعة تكمن في ان يقوم الجميع بنقد ذاتي لتجربته الخاصة خصوصاً في الفترة الواقعة ما بين سقوط مبارك في 11/2/2012، وانتخاب مرسي 17/6/2012، قبل ان يتوجه بسهام نقده للآخرين، فقوى الثورة الشعبية مدعوة لأن تفسّر للناس كيف يتمكن مرشح كان رمزاً للنظام السابق ان يحوز على حوالي نصف اصوات الناخبين المصريين، كما ان المجلس الاعلى للقوات المسلحة مدعو لأن يفسر لنفسه، ولغيره ايضا، كيف تحوّل اكثر من نصف المصريين الى مواقع العداء العلني له بعد ان كانوا يهتفون بأسمه في الميادين في شعار خالد" شعب وجيش يد واحدة".

والنقطة الثالثة في هذه المراجعة تكمن في ان يدرس الجميع، ونقول الجميع، تجارب حصلت حوله، بعضها قام على الاقصاء وعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات فقاد بلاده الى الدمار والحروب الاهلية، وفيها من قام على الائتلاف فحفظ الثورة وحفظ البلاد ايضا مما كان يحاك لها من مخططات ومؤامرات.

اما النقطة الرابعة فتكمن في ان يتنبه الجميع، ونقول الجميع، لدور القوى المضادة للثورة، سواء كانت محلية او اقليمية او دولية، والتي توزع الادوار فيما بينها، فيغري بعضها هذا الطرف لجره الى صدام مع الطرف الاخر، فيما يبتز بعضها ذاك الطرف لمنعه من التفاهم مع الاطراف الاخرى.
فالمطروح اليوم هو مصير مصر التي اذا اعتزت اعتز معها العرب كلهم، واذا اهتزت اهتزت معها الامة من مشرقها الى مغربها، وحين يكون مصير مصر في الميزان ينبغي ان نتصور حجم القوى داخل مصر وخارجها، والتي يرعبها ان تستعيد مصر قوتها ودورها وان تحرر ارادتها من قيود التبعية في الخارج ومن سلاسل الاستبداد والفساد في الداخل.

اما النقطة الخامسة في المراجعة المطلوبة فهي أن يدرك الجميع، ان مرحلة التحول الديمقراطي، وهي بالضرورة مرحلة انتقالية، تختلف عن مرحلة النظام الديمقراطي الذي نطمح الى قيامه جميعاً، داخل مصر وخارجها، فاذا كان النظام الديمقراطي المتجذر في الواقع يقوم على اغلبية واقلية يمتلكان مقومات التداول السلمي للسلطة، فان التحول الديمقراطي يقوم بالضرورة على فكرة التوافق الوطني الواسع حيث ينخرط الجميع في بناء نظام ديمقراطي بكل مؤسساته فلا غلبة ولا اقصاء، لا هيمنة ولا إبعاد.
هناك بالتأكيد نقاط عديدة تستدعي ايضا المراجعة، وهي نقاط يعرفها كل طرف معني بمصير مصر وثورتها العظيمة، لكن هذه النقاط تصب جميعها في دعوة للجميع ان يستعيدوا روح الثورة التي هزت العالم كله، فيما هي تهز نظام مبارك، اي روح الائتلاف بين قواها، والتكامل بين شعبها وقواته المسلحة، والاندفاع في تطبيق ما يتفق عليه، وتنظيم الخلاف في موضوعات التباين، وتحديد الاولويات الداخلية والخارجية، والاصرار على التعبير السلمي عن موضوعات الخلاف.
في الجزائر، وفي بداية التسعينات دفع الجزائريون وما زالوا ثمن إقصاء استولد عنفاً، فكادت ارض المليون ونصف المليون شهيد ان تحترق، اما في تونس فقد اختار قادتها طريق الائتلاف بغض النظر عن الاحجام، فحصنت الثورة نفسها، واستوعبت تناقضات داخلية عديدة، وهي تقود اليوم مرحلة التحول الديمقراطي نحو ديمقراطية لا تستبعد احداً، ولا تسمح لأحد ان يستأثر بالسلطة. لا بل اعتمدت اعتبار الدستور هو المدخل لهذا التحول فانتخب الشعب مجلساً تأسيسياً من اجل وضع دستور ينظم حكم البلاد في ظل توافق يحترم التنوع الفكري والسياسي في بلد كتونس، كما يراعي نمط حياة عصرية يتمسك بها التونسيون.
فهل تدرك مصر العظيمة، بشعبها وقواها المسلحة، بنخبها الفكرية وقواها السياسية، بمكوناتها المتنوعة وتياراتها المتعددة، انها امام فرصة تاريخية ينبغي ألاّ تضيعها، او تترك نفسها امام اختبار خطير قد يهدد كل ما حققته ثورتها من انجازات.
*الامين العام السابق للمؤتمر القومي العربي، رئيس المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن
18/6/2012
شبكة البصرة
الاثنين 28 رجب 1433 / 18 حزيران 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق