قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الاثنين، 25 يونيو 2012

د. منهل سلطان كريم: لا تحترم آدمية الإنسان إلا حين تنبثق حكومة من رحم الشعب


بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
لا تحترم آدمية الإنسان إلا حين تنبثق حكومة من رحم الشعب
شبكة البصرة
د. منهل سلطان كريم
لاشك إن اشاعة لغة ثقافة التسامح بدلا من ثقافة العنف والانتقام وردود الأفعال المتشنجة هي من صميم واجبات أي حكومة تنبثق من رحم الشعب، لذا هي دائما تكون رحيمة مع أبنائها الذين انتموا لوطنهم وأوفوا لأرضهم في مواقف صعبة ومصيرية قادت الى المشاركة في تعزيز الايمان بالقيم النبيلة، ويقابل ذلك مواقف الحكومات الدخيلة والمنصبة من الخارج تكون أداة طيعة تنفذ ما مرسوم لها وفق الاجندة المعدة لها، وهي على الدوام تكون في صف معادي للشعب لكونها حاقدة وتعاني من عقد فهي لا تمتلك الارادة، فتعمل بتفنن من أجل اذلال الشعب تنفيسا عن حقدها الذي توارثته وتنفيذا للأوامر الخارجية.
هذا هو الفرق بين الحالين، الحكومة التي يكون عمقها الشعب تفسر فلسفتها بأنها الراعي والحامي الذي يجب إن ينظر للجميع بعين العطف فتصدر قرارات وفق هذا المنظور،والحكومة الدخيلة المنصبة ترى العكس وترى في اذلال الشعب وإفقاره متعة.
ما نود الحديث عنه اليوم هو نظرة البعث وحكومة العراق الشرعية للإنسان وكيفية تعاطيه ومبدأ احترام أدميته من خلال التفاعل مع الحالات التي حتمتها ظروف معينه ومتداخلة تعرض لها العراق في السنوات التي سبقت الاحتلال، فقد حصلت أحداث متلاحقة جسام لم تكن عادية حتمت ابداء المرونة والحكمة في كيفية معالجتها ووفق ما يناسبها، حيث كان الهدف من طريقة التعامل ينصب باتجاه الاصلاح وليس الانتقام، ومن بين تلك الأمور تكرار صدور قرارات العفو عن السجناء وممن صدرت بحقهم أحكام مختلفة، وسنسلط الضوء بحيادية على هذا الموضوع لكونه تاريخ أرتبط بمرحلة مهمة من تاريخ العراق وكل ما زال ينظر لتلك القرارات من زاويته.
يقينا ان وجود شخص في السجن سواء كعقوبة لجرم تم اقترافه أو حجز تحفظي لإجراء وقتى بغية منع التلاعب بالأدلة ولحين التحقيق والنظر فى القضايا المعروضة أمر مفهوم، ومع الاقرار ان ذلك يعتبر قيدا على الحرية إلا ان الفلسفة من تحديد العقوبة تكون لغاية سامية أعلى شأنا وأكبر أهمية تكمن في حماية المجتمع مع انها في الوقت نفسه تعتبر تهذيب وإصلاح وتكفير عن الخطأ.
وأمام ذلك كان لابد ان تكون هنالك دراسات ومقررات جريئة، فحينما يستشعر ويستنتج وفي أوقات وظروف معينة بان العقوبة بدأت تخلف آثار سلبية على سلوك السجين أو الاسرة أو المجتمع أو الرأي العام، فلابد ان يكون هنالك موقف يناغم ذلك، فتنصب الجهود وحسب مبدأ الرعاية للدراسات وللخروج بقررات تنحصر في العمل على تحويل النظرة الى العقوبة السالبة للحرية، وكذلك الآثار المترتبة عليها من كونها انتقام يقود الى انعكاسات سلبية الى إصلاح وتقويم وتهذيب وتغيير في السلوكيات، وهو الهدف والغاية الذي ينشدهما غالبية أبناء المجتمع والمصلحين وعلماء النفس على اعتبار ان ذلك يكون مرتبطا بالحد من وقوع الجرائم في المجتمع.
وفق هذا النهج ومن أجل هذه الغاية ومن أجل إتاحة الفرصة لمن أخطأ بالعودة إلى الاندماج في الحياة الاجتماعية وإشاعة روح التسامح تكررت قرارات العفو من قبل القيادة الشرعية،فإصلاح من زل عن الطريق السوي هدف سامي على اعتبار ان المؤسسات الاصلاحيةهى ليست وسيلة لإهدار آدمية الانسان وكرامته ومعاقبة أسرته، فقد ترتكب جرائم لأسباب مختلفة قد يكون من بينها التفكك الاسري والفقر وأشياء خارج إرادة البشر، وليس من المقبول والمعقول ان يتسبب خطأ فردي بمعاناة نفسية واجتماعية وجسمانية ينسحب تأثيرها على الآخرين، بالإضافة الى الاختلاط وما ينتج عنه من مخاطر جمة.
من أجل ذلك عمدت بين الحين والآخر القيادة الشرعية الى اصدر قرارات العفو واستندت الى تلك الحقائق التي تستوجب مد يد العون والسعي للإصلاح، وكان من بين المؤشرات على صحة نهج قيادة الحزب والدولة فيما يخص فلسفة صدور قرارات العفو هو ان نسبة تكرار ارتكاب الجرائم (العود) ممن شمل بالعفو كانت حالات محدودة جدا تكاد لا تذكر، وهو ما مثبت لدى الجهات المختصة في وزارتي العدل والداخلية والجهات البحثية، وهذا رد يدحض ما يتحجج به البعض من وجود هواجس معينة أو اشارات مقصودة من بعض من ينظر لهذا الموضوع من زاويته.
إن قرارات العفو لم تصدر بشكل كيفي أو وفق الاهواء، بل كانت في أغلبها مشروطة، ومنها في بعض الاحيان أن يمضي المحكوم عليه نصف مدة العقوبات المقررة بحقه وأن يفي بما عليه من حقوق مالية خاصة مترتبة على الجريمة ان وجدت، وتنازل المدعين بالحق الشخصي، أو يكون العفو مشروطا بحفظ القرآن الكريم أو بعض أجزائه وعلى ان يجتاز الاختبار المعد لذلك باعتباره أفضل وسيلة في تهذيب السلوك وإصلاح وتأهيل النزلاء ومدى تأثرهم وتأثيرهم، فكان النجاح الذي حققه قرار العفو هذا في تهذيب النفس والإصلاح لدرجة قيام بعض الدول العربية والإسلامية الى ان تطبقه في بلدانها ومنها الإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت وسلطنة عمان وغيرها، ويمكن الاستناد في ذلك الى قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ)سورة آل عمران/الآية: 135.
فالحفظ: هو من (حفظ) الشيء حفظًا: أي صانه وحرسه، وحفظ العلم والكلام: أي ضبطه ورعاه، والحافظ، هو: مَن يحفظ القرآن الكريم أو عددًا عظيمًا من الأحاديث النبوية، وحفظ القرآن الكريم: تلاوته غيبًا دون الرجوع إلى المصحف، أي: حفظه في الصدور واستظهاره.
وفضل حفظ القرآن الكريم يتضح من فعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) حيث لم يترك الرسول (صلى الله عليه وسلم) أمرًا فيه حث على حفظ القرآن إلا وسلكه وأمر به، فكان يفاضل بين أصحابه بحفظ القرآن، ويعقد الراية لأكثرهم حفظًا للقرآن، فضلاً عن الأحاديث الكثيرة الداعية لحفظ القرآن وتعلُّمه وتعليمه.
وحين كان العراق يتعرض الى هجمة شرسة من جارة السوء ايران الصفوية الفارسية تنفيسا عن حقدها الدفين على كل ماله مساس بالعروبة والإسلام بشنها اعتداء سافر على قاعدة العروبة وبوابة الامة الشرقية بحربها الظالمة، كان لابد ان تنظر أي قيادة تتمتع بالمواصفات التي أشرنا لها من بعد نظر وحنكة سياسية، وكما هو الحال في كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية في اصدار قرارات من أجل إدامة زخم المواجهة ومن أجل تحقيق النصر وهذا أمر لا غبار عليه، ولكنها بالمقابل كانت تصدر قرارات العفو بين الحين والآخر، وكم من قادة البعث قاموا بأنفسهم بالذهاب الى السجون والمعتقلات وتكفلوا البعض ممن تأخر عن تنفيذ الواجب والنداء الوطني ومن ينكر ذلك ما هو الى كاذب على الله جلت قدرته وناكر جميل وجاحد.
ليس هذا فحسب فقد سبق وان أتجه كثير من مناضلي البعث وقادته الى النظر الى الرحمة على اعتبار ان فلسفة التشريع في جوانب متعددة كانت تتجه لخلق ظروف وأعذار مخففة للعقوبات وفق ظروف الواقعة، وهو شعور كامن في النفس يوحي به الضمير الانساني الحي النقي، ويكشف عنه العقل السليم ومرجعها المثل العليا التي تهدف الى خير الانسانية بما توحي به من حلول منصفة ومساواة واقعية تقوم على مراعاة دقائق ظروف الناس وحاجاتهم، فتم التعامل وفق رؤيتهم الى ان (الرحمة فوق القانون) فعمدوا عن قناعات داخلية ووفق مواقف انسانية لتغليب المطلب الانساني والتصرف وفق دراسة كل حالة لتحقيق ذلك، وهم محقين فالرحمة يجب ان تكون فوق القانون كلما كان ذلك ممكنا، لان غاية القانون هي العدالة والعدالة كمفهوم انساني وأخلاقي لا يمكن ان تتنكر للرحمة وللعلاقات والقيم السائدة حتى في اشد الاحوال والظروف قسوة.
ففي هذا المجال وعلى سبيل المثال لا الحصر كان عدد غير قليل من مناضلي البعث ووفق هذه المعطيات ومع تحملهم المسؤولية القانونية يعملون على تغيير الحالات وفق رؤية انسانية فكم من مرتكبي جريمة الهروب من الخدمة العسكرية قد القي القبض عليهم ولكن حين كان يرسل من منظمات الحزب الى الوحدات العسكرية كان يرسل على انه سلم نفسه نادما، والغاية من كل ذلك هو تخفيفا للعقوبة واحتراما لآدمية الانسان ومراعاة لشعور العائلة وتعزيزا للروابط المجتمعية، وهذه لم تكن حالات فردية وإنما هو ما كان يحصل في أغلب الاحيان، ومازالت الذاكرة العراقية متقدة لم تجف ولله الحمد.
نعم هذا هو البعث الذي أثبت جدارته في القيادة، وهذه رؤيته العميقة لمعنى العمل السياسي في وطن بني على التسامح، فقد فتح الطريق لاحتواء آثار الأزمات كي يكون العراق في بر الامان، وهذا هو فعله في جانب معين، ولا غرابة في ذلك فهو تصرف المقتدر، فمن من العراقيين لا يتذكر ان مقرات الفرق والشعب والفروع تحولت في أوقات محددة الى (مضايف) لحسم النزاعات والترضية والتوفيق بين الأطراف المختلفة لتنفيذ رؤية البعثبالصلح باعتباره سيد الاحكام، فكانت تقرب المتخاصمين وتصلح بينهم من أجل المصلحة العامة.
أما اليوم فنرى الاحزاب الطائفية تتصرف وفق الأهواء وتطبق شريعة الغاب بإجحاف ولا تعرف لأبسط معايير الانسانية طريقا، ولا تعترف بالحماية القانونية إلا لميليشياتها، فبدأت تنظر الى الواقع بشكل معاكس فتكافئ وتعفو عن المجرم القاتل بحيث أصبح وطنيا بنظرهم وكذلك المزور والمرتشي ومن أقدم على فعل مخالف للقانون يعدوه بطلا لان فعله يبعث على الفخر وفق رؤيتهم، هكذا يتم تفسير القانون اليوم من قبل الحكومة الطائفية العميلة، تفسره وتطبقه تبعا للأهواء الشخصية والمصالح الذاتية الفئوية وبعيدا عن العدالة والإنصاف والمساواة.
من حق رجال البعث الذين سخروا جل وقتهم وحياتهم للقيام بتلك الافعال والمواقف الانسانية أن يعتبوا على من استفاد من مواقف رجال البعث ولا يتحدث فيه أو يكتب عنه، والعتب موصولا لمن شاهد وساهم بأي موقف انساني للبعث ولا يكتب عنه، ليس في هذا الجانب فحسب بل في مجالات حياتية وإنسانية أخرى.
هذا تاريخ البعث المشرف وهذا فعله الانساني في وقت عصيب، أقدم عليه عن رغبة وقناعة ويرى فعله واجبا تجاه الشعب وليس منة.
mmsskk_msk@yahoo.com
شبكة البصرة
الجمعة 2 شعبان 1433 / 22 حزيران 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق