قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الاثنين، 25 يونيو 2012

الدكتور عبد الواحد الجصاني: خسر (الإخوان) وإن كسبوا: معالم في طريق الإخوان المسلمين


بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
خسر (الإخوان) وإن كسبوا: معالم في طريق الإخوان المسلمين
شبكة البصرة
بقلم الدكتور عبد الواحد الجصاني
أولا : بدأت النتائج الأولية للجولة الثانية للإنتخابات الرئاسية المصرية بالظهور وهي تشير إلى فوز بفارق بسيط لمرشح الإخوان الدكتور محمد مرسي على حساب الفريق أحمد شفيق. هذا الحدث هو جزء من مخاض عسير تشهده مصر، قلب العروبة وكنانة الله في أرضه، ضمن مسيرة النهوض والتجديد الوطني والقومي. وإذا كان شعب مصر قد حقق الكثير في هذا الطريق منذ إنطلاق ثورة 25 يناير 2011، فإن الصراعات السياسية الداخلية والمتربصين بالأمة من الداخل والخارج لا زالوا يشكلون تهديدا جديا للثورة. وتميّز الإخوان المسلمون بأنهم أكبر الحركات السياسية التي إنغمست في تكالب مرير وغير مبرر على السلطة والنفوذ بعد الثورة وتسببت في خلق عقبات كبيرة أمام تحقيق أهداف الثورة الأساسية المتمثلة في بناء نظام ديمقراطي تعددي يحقق الرفاه لشعب مصر ويعيد لمصر دورها الرائد في النهضة القومية.
بعد ثورة 25 يناير خرج الإخوان المسلمون إلى العلن كأكبر فصيل سياسي في مصر محاطين بتعاطف شعبي كونهم كانوا ضحايا النظام السابق، وظهرت هذه الشعبية الجارفة لهم وللتنظيمات السلفية بشكل عام في أول إستفتاء بعد الثورة حيث صوّت 77% من المصريين يوم 19/3/2011 لصالح الإعلان الدستوري الذي أرادوه بديلا مؤقتا للدستور. ثم فازوا مع التنظيمات السلفية بثلاثة أرباع مقاعد مجلسي الشعب والشورى، ثم بدأت مرحلة الإنحسار نتيجة قرائتهم الستراتيجية والتكتيكية الخاطئة لمصر ما بعد ثورة يناير. الإخوان إعتقدوا أن الثورة جلبت فرصتهم التاريخية للإستحواذ على السلطة والهيمنة على الحياة السياسية في مصر، وسلكوا طرقا ملتوية للوصول إلى هذا الهدف فرفعوا شعار (المشاركة وليس المغالبة) لتهدئة خواطر المتخوفين من هيمنتهم لكنهم طبقوا العكس أي شعار (المغالبة وليس المشاركة) ودخلوا في صراع مرير مع القوى الوطنية والقومية ومع المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومع السلطة القضائية فخسروا الكثير من شعبيتهم وخسروا معاركهم القانونية والسياسية وخسروا أغلبيتهم في مجلس الشعب بعد حله بقرار المحكمة الدستورية العليا يوم 14/6/2012، ولم يحصل مرشحهم للرئاسة الدكتور محمد مرسي سوى على 24% من الأصوات في الجولة الأولى. ثم أصدر المجلس العسكري يوم 17/6/2012، وقبل إعلان النتائج الأولية لإنتخاب رئيس الجمهورية، إعلانا دستوريا أعاد لنفسه السلطة التشريعية لحين إنتخاب مجلس شعب جديد، كما قلّص من سلطات رئيس الجمهورية وفتح الطريق لحلّ الهيئة الدستورية الحالية وإبدالها بأخرى لن يكون للإخوان المسسلمين فيها الأغلبية قطعا، كما أقر إعلان يوم 17/6/2012 مبدأ إنجاز الدستور قبل الإنتخابات التشريعية القادمة، أي بإختصار فإن الثورة المصرية بحاجة إلى نصف سنة أخرى من أجل وضع قطار الديمقراطية على السكة الصحيحة، وكل ذلك بسبب ممارسات الإخوان الخاطئة.
والسطور أدناه محاولة لدراسة تجربة الإخوان في مصر بعد الثورة وإستنباط بعض الدروس التي قد تفيد الإخوان المسلمين لإجراء مراجعة نقدية لمواقفهم السابقة والإنخراط في عمل جماعي مع بقية قوى الثورة المصرية لتحقيق أهداف الثورة الوطنية والقومية وجعل منصب رئيس الجمهورية الذي نالوه أداة لتسريع تحقيق أهداف الثورة وليس أداة لإبتزاز منافسيهم أو لتحقيق إمتيازات زائله لحزبهم وجماعتهم.
 
ثانيا : لقد كانت ثورة شعب مصر في 25 يناير لحظة فارقة في التاريخ الإنساني وإنعطافة كبرى في مسيرة مصر والأمة العربية. لقد أدّت سياسات حكام مصر منذ رحيل القائد الخالد جمال عبد الناصر إلى تراكم المشاكل الإقتصادية والإجتماعية وإنحسار دور مصر العربي والدولي مما خلق حالة من الإحباط والإذلال لدى شعب مصر قادت إلى ثورة عارمة تفجّرت فيها القوة الجماعية للجماهير ونزل الملايين ممّن لا إنتماء حزبي محدد لهم الى الميادين مطالبين بالحرية والديمقراطية وإستعادة دور مصرالرائد في مسيرة النهوض القومي والإسلامي. خصوصية ثورة شعب مصر تتمثل في أنها لم تكن ثورة حزب أو حركة، بل هي صعود عنيف للجماهير الغاضبة لتعتلي مسرح التاريخ من غير قائد محرّك. وقد تفاجأت جميع الأحزاب والتيارات الوطنية والقومية والإسلامية المعارضة لنظام الرئيس حسني مبارك بهذه الثورة والتحقت بها باوقات متفاوتة.
الثورة حققت هدفها الأساسي وهو إسقاط النظام والشروع ببناء نظام ديمقراطي بديل، فبعد أن أصبح النظام غير قادر على إحتواء غضبة الجماهير بادر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأخذ زمام المبادرة وأجبر الرئيس حسني مبارك على التنحي في 11 شباط، واصدر المجلس في 13 فبراير 2011 إعلانا دستوريا أوقف فيه العمل بدستور 1971 وأقر تشكيل لجنة تأسيسية لصياغة دستور جديد للبلاد، كما حل مجلسي الشعب والشورى وتولى إدارة شئون البلاد بصفة مؤقتة لحين انتهاء انتخابات مجلسي الشعب والشورى ورئيس الجمهورية وتسليم السلطتين التشريعية والتنفيذية لهما. وكانت خطوة المجلس العسكري هذه قد جنبت مصر حصول فراغ دستوري وسياسي كاد يقود البلاد الى فوضى عارمة، خاصة بعد إنهيار جهاز الشرطة وتسلل عناصر تخريبية وعصابية من الداخل والخارج، إلى ميادين الثورة.
وإستنادا إلى هذه الوقائع، فإن القراءة الصحيحة للثورة تقود إلى تقريرالحقائق الآتية التي لربما كانت غائبة عن تحليل الإخوان المسلمين :
1- ليس من حق أي حزب أو حركة أو شخصية سياسية او دينية الإدعاء بأنه قائد الثورة أو مطلق شرارتها أو والدها الشرعي أو الوصي على أهدافها، فكيف بالإخوان المسلمين الذين التحقوا بالثورة بعد أربعة أيام من إنطلاقها بعدما تأكدوا أنها ثورة تاريخية وليست (فورة) وقتية كثورة الخبز في عام 1977 مثلا.

2- إن سعي الإخوان لإعادة إنتاج الثورة بتجميع عشرات الآلاف من المتظاهرين في ميدان التحرير ورفع شعار شرعية الميدان كلما ارادوا الضغط على المجلس العسكري إنما يمثل قراءة خاطئة لجوهر الثورة المصرية ويحمل مخاطر جسيمة علي المسار الديمقراطي المصري. الثورة الشعبية تتجمع أسبابها في اللاوعي الجمعي للشعوب ثم تتفجّر في ظروف تاريخية معينة لا يتنبأ بها أحد وتضحي فيها الجماهير بالانفس بسخاء وكرم أسطوري من أجل القضايا الكبرى فتسقط الطغاة لتبني الحياة.هكذا قامت الثورة المصرية وأبهرت الجميع وأسقطت النظام السابق ووضعت مصر على طريق حكم الشعب، وأصبح مجال التنافس بين الأحزاب السياسية ليس بعدد (المليونيات) وحجمها بل بقدر المصوتين لهذه الأحزاب في صناديق الإقتراع، خاصة بعد أن أثبت القضاء المصري نزاهته وحياده في الإشراف على الإستفتاء والإنتخابات التي جرت.

3- الثورة المصرية لم تقم على أنقاض دولة بلا مؤسسات، فمصر دولة عريقة ولديها نظام إداري وقانوني راسخ ومن يجازف بتجاوز هذه المؤسسات للهيمنة على السلطة السياسية تحت شعار (شرعية الميدان) يسيء إلى نفسه وإلى الثورة. ومن جانب آخر فإن السلطة السياسية في مصر لا تمثل لوحدها مقياس القوة في المجتمع، فهناك مؤسسات أخرى لها قوة فعلية وتأثير معنوي وشعبي مثل الجيش والأزهر والكنيسة والمكونات الإجتماعية المختلفة والإعلام والفن، إضافة إلى أن مصر بحكم موقعها الجغرافي وتاريخها تتميز بتنوع سياسي فريد لا يحتمل إستئثار تيار آيدلوجي واحد بالقرار، فكيف إذا كان هذا التيار الآيديولوجي ذو مرجعية دينية متزمته تعمل باسلوب باطني يعتريه الكثير من الغموض والشبهات! ولقد إستشعر الإخوان هذه الحقائق بعد نجاح الثورة، وفي لحظة صدق نادرة، أعلنوا أنهم لن يرشحوا لأكثر من 30% من مقاعد مجلس الشعب ولن يتنافسوا على منصب رئيس الجمهورية، لكن الطبع غلب التطبع ولم يلتزموا بالوعدين واساؤا إلى مصداقيتهم وأضعفوا ثقة الشعب بهم.

ثالثا : من أخطاء الإخوان المسلمين الإستراتيجية سعيهم لتكييف خطوات تحقيق الديمقراطية في مصر الثورة وفق أجندتهم وليس وفق السياق القانوني والمنطقي الصحيح المتمثل بالبدء بكتابة دستور جديد للبلاد تقوم على أساسه الإنتخابات التشريعية ثم الرئاسية. قلب الإخوان السياق راسا على عقب، وطالبوا المجلس العسكري بإصدار إعلان دستوري (ترقيعي) وصوتوا في الإستفتاء عليه بكثافة، وسمّوها (غزوة الصناديق)، ثم إنتقلوا إلى الإنتخابات التشريعية لكي يضمنوا هيمنتهم على مجلسي الشعب والشورى ثم إلى الإنتخابات الرئاسية ثم بعد ذلك تشكيل لجنة كتابة الدستور بإغلبية أخوانية ليضمنوا الهيمنة على جميع مؤسسات الدولة وقانونها الأساسي الذي هو الدستور. لكن هذا المخطط غير المنطقي فشل لإنه وضع العربة أمام حصان الديمقراطية، وهكذا أجريت الإنتخابات التشريعية على أسس واهية وجرى تشكيل لجنة كتابة الدستور على أسس غير دستورية، وحتى الإنتخابات الرئاسية إعترضتها عقبات كثيرة بسبب إختلاف االتفسيرات للإعلان الدستوري وإصدار الإخوان قانون العزل السياسي قبل إجراء الإنتخابات.
أدناه بعض الأمثلة على ممارسات الإخوان التي عرقلت تقدم مسيرة الثورة :
1- في خضمّ تصاعد الثورة لإسقاط نظام حسني مبارك أرسل الإخوان مجاميع مسلحة تابعة لهم (وقيل شارك فيها عناصر من حماس وحزب الله) وهجموا على السجون وأطلقوا سراح المجرمين والمعتقلين من أنصارهم على حد سواء، وأحرقوا السجون ومراكز الشرطة ومقرات النيابة وأربعة آلاف سيارة تابعه للشرطة، وتسببوا في إنفلات أمني خطير رافق الثورة واساء لصورتها البيضاء.

2- أساؤا تفسير قانون الإنتخابات ورشحوا ممثلي حزبهم ضمن القوائم الفردية المخصصة للمستقلين، وأدى ذلك إلى صدور قرار المحكمة الدستورية العليا في 14/6/2012 بإبطال عضوية ثلث نواب مجلس الشعب مما ترتب عليه حل المجلس بأكمله.

3- الأغلبية المطلقة التي نالها الإخوان وحلفائهم من التنظيمات السلفية في مجلسي الشعب والشورى كان متوقعا إستثمارها لإصدار تشريعات تحقق المطالب الرئيسية التي خرجت من أجلها الجماهير في ثورة يناير وعلي رأسها قضية العدالة الاجتماعية، لكنهم إستخدموا هذه الأغلبية لإصدار تشريعات وقرارات لتصفية الحسابات مع خصومهم وبالذات المجلس العسكري وحكومة الجنزوري ومسؤولي النظام السابق والحزب الوطني المنحل. ومن ذلك :
- اصدارهم قرار سحب الثقة عن حكومة الجنزوري ومطالبتهم بتشكيل حكومة تمثل أغلبية مجلس الشعب، رغم علمهم بإنه حسب الإعلان الدستوري، الذي قاتلوا من أجل إصداره، لا يحق للبرلمان سحب الثقة من الوزارة بل المجلس العسكري هو المخول بذلك كونه يقوم مقام رئيس الجمهورية. وواصلوا تهييج الشارع والقيام بالمليونيات وتعطيل عجلة الإقتصاد ومصالح الناس لإجبار المجلس العسكري على تشكيل الوزارة من ممثليهم خارج الأطر الدستورية، لكن المجلس العسكري كان حازما وصارما ورفض مطالبهم غير الدستورية وهددهم بإن يحصل لهم ما حصل للإخوان المسلمين عام 1954 بعد محاولة إغتيال الرئيس الخالد جمال عبد الناصر (حادثة المنشية). وعندما يئسوا من إستجابة المجلس العسكري لضغوطهم عمد رئيس مجلس الشعب إلى تعليق أعمال المجلس، وهدد رئيس حزب العدالة محمد مرسي (رئيس جمهورية مصر المنتخب فيما بعد) باسقاط المجلس العسكري في ثلاثة ايام من المظاهرات المليونية، وهذا إجراء تصعيدي لا مبرر له رفضه عدد كبير من أعضاء البرلمان بضمنهم السلفيين، وإنتهى الأمر نهاية ساخرة بحلّ مجلس الشعب وبقاء حكومة الجنزوري.

- اصدارهم قانون العزل السياسي بهدف حرمان مسؤولين إثنين من النظام السابق (عمر سليمان وأحمد شفيق) من حقوقهم السياسية وهو قرار كانوا يعلمون أن به شبهة عدم دستورية وقالوا ذلك بصراحة، لكنهم أصروا على إصداره ونقضته المحكمة الدستورية العليا يوم 14/6/2012 كونه غير دستوري وذو طابع إنتقامي ضد أفراد معينين ويصدر إدانة ضد أفراد بدون حكم قضائي.

- حددوا نسب أعضاء الهيئة التي ستكتب الدستور وجعلوا نصفها من أعضاء البرلمان وإنتخبوا اعضاء هذه الهيئة بما يضمن تفوقهم العددي داخلها خلافا للإعلان الدستوري الذي يحصر مهمة البرلمان بإنتخاب اعضاء الهيئة الدستورية ولم يخول اعضاء البرلمان أن ينتخبوا انفسهم اعضاء فيها، وقررت المحكمة الإدارية في 10/4/2012 بطلان هذا الإنتخاب. ثم إجتمع المجلس العسكري مع ممثلي الحركات السياسية، بضمنهم الإخوان، وإتفق معهم على معايير إنتخاب أعضاء هيئة كتابة الدستور، وفي اليوم التالي رفضت اللجنة التشريعية في مجلس النواب التي يرأسها إخواني هذا القرار. وإقتنع المجلس العسكري أن الإخوان يماطلون لتأخير تشكيل اللجنة لما بعد نتائج إنتخابات رئيس الجمهورية فإن فاز مرشحهم فلديهم مضمونا للدستور وإن فاز غريمهم فلديهم مضمونا آخر، ولذا هدد المجلس باصدار بيان دستوري تكميلي يتضمن معايير انتخاب أعضاء الهيئة الدستورية مما إضطر الإخوان للرضوخ والمشاركة في الإجتماعات التي عقدت بإشراف المجلس العسكري، ووافقوا على المعايير التي إقترحها المجلس العسكري وأقروها بسرعة قياسية في مجلس الشعب ولكن عند التنفيذ إلتفوا عليها وإستخدموا أغلبيتهم في مجلس الشعب والشورى لضمان الأغلبية لهم في هيئة كتابة الدستور. وفي النهاية أضاع الإخوان خمسة أشهر في محاولات عبثية للهيمنة على هيئة كتابة الدستور، وإنتهى الأمر بحل مجلس الشعب ومن المتوقع حل هيئة كتابة الدستور التي شكلوها وتشكيل هيئة جديدة من قبل المجلس العسكري.

رابعا : كان مأمولا أن يتسامى الإخوان فوق الولاء الحزبي الضيّق والولاء الفئوي والإنطلاق إلى مستوى العمل الجبهوي الشعبي العريض والإجماع الوطني القائم على أساس عقد اجتماعي وطني يترجم نفسه بالدستور وحقوق المواطنة المتساوية، إلاّ أن الإخوان أحبطوا الآمال فيهم وأعطوا الإنطباع بإنهم غير قادرين بعد على مغادرة موقع المعارضة إلى موقع الحكم، ولا على مغادرة موقع الجماعة إلى موقع إدارة الدولة. وتسابق قادتهم في إطلاق التصريحات التي أثارت مخاوف الأقباط والقوى المدنية، ومن ذلك نيتهم تطبيق الحدود الشرعية من خلال النص في الدستور على أن (أحكام الشريعة الإسلامية) المصدر الرئيس للتشريع بدلا من النص السابق الوارد في دساتير مصر المتوالية والذي يقول (مباديء الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع)، كما تحدثوا عن تشريعات مقبلة تقيد الحريات العامة والنشاط السياحي، وبدأ محامون تابعون لهم بإثارة قضايا ضد الفنانين بدعوى تجاوزهم على الدين (قضية عادل إمام). والطريف ان الجماهير حمّلتهم وزر تصريحاتهم هذه وتصريحات وأعمال آخرين محسوبين على التيار الديني من الذين خرقوا القوانين وأساءوا تفسيرها وكذّبوا وزوّرا الحقائق، فالشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل اصبح سبّة في جبينهم وهو يكذب جهارا نهارا مدعيا ان أمّه لم تحصل على الجنسية الامريكية والنائب السلفي البلكيمي كانت فضيحته اكبر فقد إدعى تعرضه للإعتداء والسرقة من أجل التغطية على عملية جراحية تجميلية أجراها في أنفه مخالفة للفتاوى السلفية التي تحرم عمليات التجميل للرجال، والنائب علي ونيس مسك في عمل فاضح مع فتاة في سيارة متوقفة في الشارع العام وتلك أم الفضائح!!!

خامسا : تجلت عبقرية شعب مصر في قدرته على التقييم الصحيح لمن يتصدى للأمر العام بغض النظر عن الشعارات التي يرفعها، وهكذا لم ينفع شعار الإخوان (الإسلام هو الحل) أمام سيل من ممارساتهم الإنتهازية والفئوية الضيقة، ففي الجولة الأولى من إنتخابات رئاسة الجمهورية يومي 16 و17/5/2012 لم يحصل مرشحهم محمد مرسي إلا على 24% من أصوات الناخبين (5،7 مليون صوت)، أي أنهم خسروا نصف الأصوات التي كسبوها في الإنتخابات التشريعية. وبالمقابل صوّت(5،5) مليون ناخب لصالح مرشح (النظام السابق)، كما أسموه، الفريق أحمد شفيق الذي حصل على المركز الثاني، وصوت (4،8) مليون ناخب لمرشح القوى الناصرية حمدين صباحي الذي حلّ بالمركز الثالث. وقد أقرّ المرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين في مصر محمد مهدي عاكف بهذه الهزيمة قائلا (إن الجماعة خسرت الكثير من قاعدتها الجماهيرية بحصول مرشحها على خمسة ملايين صوت، مقابل عشرة ملايين حصل عليها في الانتخابات البرلمانية). ولو كان حمدين صباحي قد حصل على المركز الثاني بدل الفريق أحمد شفيق لكان فوزه على مرشح الإخوان في إنتخابات الجولة الثانية شبه مضمون، لكنها الديمقراطية التي على الجميع القبول بنتائجها.

سادسا : معالم في الطريق
ليأذن لي الإخوان أن أستعير عنوان أشهر مؤلفات مفكرهم المرحوم سيد قطب عنوانا لهذه الفقرة واقول الإخوان فصيل وطنى مهم، ومن حقهم المساهمة الفاعلة في بناء وطنهم لكن عليهم أن يتحلوا بالوعى والإيثار وألا تغلب عليهم روح الاستحواذ والهيمنة التي أشرنا إلى العديد منها في الفقرات السابقة. عليهم مراجعة مواقفهم الداخلية والخارجية. إن نقد الذات والإعتراف بالأخطاء هو أول طريق المشاركة بحكم مصر بالعدل وأكرر المشاركة وليس المغالبة. أدعوهم إلى أن يكون فوز مرشحهم السيد محمد مرسي برئاسة الجمهورية بداية لإنطلاقة جديدة لهم وأقترح عليهم إيلاء الإهتمام للمهمات العاجلة الآتية :
1- فك الإزدواجية الحالية في الولاء لحزب الحرية والعدالة وللمرشد الأعلى للجماعة، والخطوة الصحيحة في هذا الإتجاه هي دمج حركة الإخوان المسلمين بحزب الحرية والعدالة وترك كل أشكال العمل السري وإعتماد الديمقراطية في داخل حزب الحرية والعدالة بدل السمع والطاعة والولاء المطلق.

2- العودة إلى تطبيق مبدأ (المشاركة وليس المغالبة) الذي وعد به الإخوان في بداية الثورة والمشاركة الفاعلة في الحياة السياسية وفق مبدأ تفضيل مصلحة الأمة على مصالح الطائفة أو التنظيم والحفاظ على هيبة القضاء المصري وإحترام قراراته. الثورة قامت لتحقيق حلم المصريين بالحرية والكرامة والرفاهية، وتغيير النظام السياسي الظالم لا يكفي لوحده، بل يجب الشروع ببناء ديمقراطية حقيقية وسيادة القانون وفصل السلطات واحترام حقوق الإنسان وخلق التنمية المستدامة، وتلك أهداف لا يحققها حزب او جماعة لوحدهما بل تتطلب تظافر جهود جميع ابناء الشعب وأحزابه ومؤسساته. إن التحديات التي تنتظر مصر أكبر بكثير من أن يتصدى لها حزب أو جماعة، إنها بحاجة إلى الشعب بكل مكوناته، وبحاجة إلى تأييد ودعم الأمتين العربية والإسلامية.

3- إذا أراد الإخوان الإسراع في نقل السلطة بالكامل إلى سلطة مدنية فعليهم التعاون التام مع المجلس العسكري لإنجاز خطوات الإنتقال إلى مؤسسات تشريعية وتنفيذية مدنية منتخبة، أما المناكفة والضغوط والإتهامات والتخوين فقد أثبتت التجربة أنها تعرقل التحول السلس للسلطة إلى حكومة مدنية.

4- التخلي عن نزعة الإنتقام وشيطنة، واحيانا تكفير، الآخرين. لربما كانت المزايدات الثورية في بداية الثورة وسيلة إنتهازية لكسب قلوب الشباب الغاضب، أمّا اليوم فإنها تسيء إلى مطلقيها قبل غيرهم. لاشك أن الإخوان لاحظوا جيدا كم إمتعض الناس من تصريح السيد محمد مرسي أنه لو إنتخب رئيسا للجمهورية فإنه سيبقي حسني مبارك في السجن إلى الأبد أو إصراره على عزل أعضاء الحزب الوطني من العمل السياسي (وعددهم أربعة ملايين عضو)، وقارنوها بسماحة الإسلام وموقف الرسول محمد (ص) يوم فتح مكة أو بسماحة غاندي أو نلسون مانديلا وهما غير مسلمين! ليت الإخوان يتشبهوا بالشيخ محمد حسان وبحزب النور السلفي الذي أطلق فكرة المصالحة الوطنية وتفعيلها من خلال شطب كلمة الفلول من القاموس السياسي بل والسماح للشرفاء من اعضاء الحزب الوطني المنحل بالانخراط في العمل السياسي من جديد.

5- لقد أظهرت نتائج الجولة الثانية للإنتخابات الرئاسية تقاربا في نتائج التصويت للمرشحين محمد مرسي واحمد شفيق مع أفضلية بنسبة 1% أو 2% لمحمد مرسي، وهذا يستوجب من الرئيس القادم الدكتور محمد مرسي أن يضع بإعتباره الثقل السياسي للكتلة التي لم تصوت له. وقبل ذلك أظهرت نتائج الجولة الأولى للإنتخابات الرئاسية الإتجاهات الرئيسية للناخب المصري بصورة أكثر جلاء، وعلى الإخوان إحترامها. الفائز الثالث في هذه الإنتخابات كان المرشح حمدين صباحي الذي مثّل الخط العروبي الوطني لثورة 23 يوليو وقائدها الرئيس الخالد جمال عبد الناصر. الأخوان مطالبون بالعمل الجبهوي مع الفكر القومي العروبي الذي يمثله السيد صباحي ومع بقية القوى الوطنية المصرية وتشكيل حكومة إئتلافية تضم هذه الأطراف حسب ثقلها الحقيقي الذي أظهرته الإنتخابات، ومن المناسب التذكير بالتصريح الإيجابي لرئيس جمهورية مصر المقبل الدكتور محمد مرسي للأهرام يوم 14/6/2012 الذي قال فيه (أمنيتي أن تنهض مصر لأن نهضة العرب مرتبطة بنهضة مصر, لأنها قبلة العرب في الثقافة والفكر والعلم والإدارة, والوحدة العربية هدف منذ سنوات, وأخذ هذا السعي للوحدة أشكالا عدة, تمثل في جامعة الدول العربية والسوق العربية المشتركة واتفاقات الدفاع المشترك وغيرها من الجهود لجمع الدول العربية التي تجمعها قواسم عديدة من اللغة والنسب والدين).
لقد تألّم العرب من سياسات السادات ثم مبارك منذ توقيع المعاهدة مع إسرائيل، وتهميشٍ دور مصر العربي، ويحدوهم الأمل اليوم بعودة مصر إلى دورها الريادي لصالح مصر والعرب والإنسانية جمعاء.
والله المستعان
بغداد 18/6/2012
شبكة البصرة
الاثنين 28 رجب 1433 / 18 حزيران 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق