قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الجمعة، 22 يونيو 2012

القاعدة بين النمو الحركي والضمور الفكري


بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
القاعدة بين النمو الحركي والضمور الفكري
شبكة البصرة
د. حسن طوالبه
مراهنات عديدة على انتهاء دور "تنظيم القاعدة" في البلدان العربية والإسلامية، ويزداد هذا الاعتقاد كلما تم اغتيال أو قتل أحد قيادي "القاعدة". فعندما اغتيل أسامة بن لادن في 2/5/2011 في (ابوت أباد) في باكستان، قالت الولايات المتحدة أن قواتها حققت نصرا كبيرا، بل قالت ان "تنظيم القاعدة" لن تقوم له قائمة بعد غياب بن لادن. ونفس الكلام قيل بعد مقتل العولقي، وبعد قتل أبو مصعب الزرقاوي. وقد تفاءل الغرب والولايات المتحدة بخاصة بعد نجاح القوات اليمنية باستعادة السيطرة على محافظة ابين التي سيطر عليها "تنظيم القاعدة" منذ سنة تقريبا. ولكن "القاعدة" ردت بسرعة على نجاح القوات اليمنية بطرد "القاعدة" من أبين باغتيال اللواء سالم قطن قائد المنطقة العسكرية الجنوبية بعملية انتحارية نفذها شاب صومالي تمكن من الوصول إلى اللواء سالم وصافحه ومن ثم فجر نفسه وقتل اللواء وعدد من مرافقيه.
"القاعدة" موجودة في معظم البلدان العربية وقادرة على تنفيذ عمليات انتحارية ضد أهداف معادية حسب عرفها أو معتقداتها، وقادرة على التسلل إلى الساحات الملتهبة أو التي تشهد فوضى سياسية وأمنية، كما حصل في ليبيا واليمن والعراق وسورية. هذا التواجد وهذه القدرة على الحركة العسكرية تؤكد أن "القاعدة" موجودة ولم تغب، وكلما غاب قيادي منها ظهر آخر، غاب أسامة بن لادن فظهر أيمن الظواهري، وظهر قادة آخرون في مناطق الصراع، قادة ميدانيون يتصرفون دون الرجوع إلى القيادة العليا، وهذا التطور في الإدارة اللامركزية منح "القاعدة" سرعة الحركة واتخاذ القرارات الفورية في الرد والانتقام من الخصم. وبات من الصعب القول أن كل عملية انتحارية أو إرهابية يمكن نسبها إلى "القاعدة"، بل هناك عدد كبير من التنظيمات تعمل بفكر "القاعدة"، وقد لا تتوافق معها في الجزئيات والتفاصيل أو في المعتقدات التفصيلية. مثل "جماعة الزرقاوي" أو "جماعة أنصار الشام"، و"جماعة فكرة الاستشهاد"، أو "جماعة الدفاع عن الدين"، وكذلك جماعات "أنصار السنة"، وغيرها من التنظيمات التي تعمل تحت غطاء الدين، أو تحت شعارات دينية لأغراض سياسية بهدف الوصول إلى الحكم بدعوى اقامة دولة اسلامية كما حصل في العراق او في الصومال.
لقد شنت الولايات المتحدة الحرب على الإرهاب تحت شعارات غاية في الوصولية والانتهازية، فالرئيس بوش الابن استغل الرموز الدينية اليهودية والمسيحية لاستثارة الرأي العام المسيحي على وجه الخصوص، ووصل به الأمر إلى الدعوة للحرب على العراق لـ"مقاتلة يأجوج ومأجوج" وقد أثارت تلك الدعوة المثقفين في أوروبا واستهجانهم. ولم يكن لدى بوش وقيادات اليمين الأمريكي اليهودي غير استخدام القوة العسكرية أي استخدام العنف والآلة العسكرية الجهنمية، ورغم ما حققته القوات الأمريكية من نجاحات في اغتيال وقتل رموز قيادية في "تنظيم القاعدة"، إلا أنها سجلت خسارة كبيرة على الصعيد الإنساني، لأن حملتها على الإرهاب أدت إلى مقتل وجرح الألوف من الجنود الأمريكيين، إضافة إلى الخسائر المالية والمادية الكبيرة التي تقدر بمئات المليارات من الدولارات. أضف إلى ذلك ما أحدثته الحملة على الإرهاب من إيقاع ألوف الخسائر بين المدنيين العزل من العرب والمسلمين في أفغانستان والعراق والسودان.

الربيع العربي واختراق "القاعدة" له:
لقد وجدت "القاعدة" صعوبات كبيرة من أجل أن تجد لها موطئ قدم في ساحات عربية قبل "الربيع العربي"، وقد استغلت الصراع في اليمن بين النظام وبين الحوثيين فدخلت متسللة إلى الساحة اليمنية لكي تعوض خسارتها عندما تم طردها من الساحة السعودية إثر تفجيرات (الخبر) 1996، تلك التفجيرات التي نفذتها "القاعدة" انتقاما من الحكومة السعودية عقب قرارها طرد أسامة بن لادن من السعودية وسحب الجنسية منه عام 1994. حيث استقر في السودان قرابة خمس سنوات، ولكن الحكومة السودانية اضطرت لطرده بعد محاولة اغتيال حسني مبارك في أثيوبيا واتهام "القاعدة" بتلك المحاولة الفاشلة، وبعدها استقر في أفغانستان بعد سيطرة "حركة طالبان" على كابل ومن السيطرة على الحكم في البلاد.
لقد تمكنت السلطات السعودية من تجفيف منابع "تنظيم القاعدة" بالنصح والإرشاد والمناصحة، مستغلة إمكاناتها المالية في توظيف الشباب السعودي وإشغالهم في العمل اليومي. لأن معظم الشباب العرب الذين التحقوا بـ"القاعدة" أو بالتنظيمات المشابهة كانوا من العاطلين عن العمل ومن الطبقات الفقيرة، أضف إلى ذلك جهلهم بالفكر الإسلامي الصحيح، وإيمانهم بأفكار مجتزئة من أئمة المسلمين تشجع على العنف ضد الأجنبي وضد المخالفين لهم في بعض العقائد.
نجحت "القاعدة" إي ايجاد موطئ قدم لها في اليمن باسم "تنظيم الجزيرة العربية" وتنظيم آخر في المغرب العربي باسم "تنظيم المغرب الإسلامي" وله امتدادات في وسط القارة الإفريقية وخاصة في مالي. وصار لكل تنظيم قيادة ميدانية تتصرف دون الرجوع إلى القيادة المركزية، أي الرجوع إلى بن لادن من قبل ثم إلى الظواهري فيما بعد. هذه اللامركزية في العمل والتوجيه سهلت على هذه التنظيمات الانتقال السريع إلى الساحات الملتهبة في ليبيا وفي سوريه واليمن والعراق من قبل.
السؤال الملح هو: لمصلحة من تقاتل "القاعدة" في هذه البلدان؟. لقد قاتلت مع المحتجين والمعارضين لنظام القذافي، أي إلى جانب حلف "الناتو" لإسقاط القذافي، واليوم تتقاسم الغنيمة لأخذ حصتها في السلطة الليبية الجديدة، وكذلك الحال في اليمن فقد احتلت محافظة أبين وأقامت المحاكم والمدارس والمؤسسات وفق إدراكها ومعتقداتها الدينية الانتقائية، وفي العراق أقامت "القاعدة" "دولة العراق الإسلامية" في منطقة الأنبار، وقتلت على الهوية حتى الشيوخ والأئمة ممن خالفوهم في الرأي أو لأنهم لم يعلنوا اعترافهم بهذه الدولة الإسلامية.
ومن أجل الوصول إلى الغايات الدنيوية المعروفة تعامل التنظيم في أفغانستان والعراق واليمن بكل أعمال التجارة القذرة التي تدر عليهم المال وتوفر لقياداتهم الحياة المرفهة، رغم أنهم يعلمون الشباب على رفض الدنيا ومتعها من أجل نيل متع الآخرة التي وعد الله بها عباده المؤمنيين. تعامل "تنظيم القاعدة" بالتهريب وغسيل الأموال وزراعة الحشيش والأفيون رغم نهي الإسلام لهذه الأساليب الضارة بالمسلمين. والخلاصة أن "القاعدة" مثل أي تنظيم سياسي يطمح إلى الحكم ونيل المكاسب باسم الدين وتحت خيمة الدين، وهم بذلك يلتقون مع الحركات الإسلامية الأخرى التي اختارت أسلوب الديمقراطية للوصول إلى الحكم كما حصل في تونس والمغرب ومصر بهدف إقامة "خلافة إسلامية جديدة".

عمليات جريئة للقاعدة
نفذت "القاعدة" عشرات العمليات ضد الوجود السوفيتي في أفغانستان بدعم من الولايات المتحدة، وقد نالت خبرة كبيرة في مواجهة القوات النظامية المدربة، ولكنها نفذت عمليات نوعية ضد أهداف أمريكية قبل غزوها أفغانستان والعراق مثل:
1992 نفذت "القاعدة" تفجيرات في عدن جنوب اليمن في فندق (موفنبيك) وفي موقف سيارات فندق (جولد موهر) في محاولة لقتل جنود أمريكان كانوا في طريقهم إلى الصومال.
1993 تفجير مركز التجارة العالمي باستخدام شاحنة مفخخة بهدف قتل 250 شخصا، ولكن البرج لم ينهار كما كان متوقعا، ولذلك قتل 6 أشخاص وجرح 1042 آخرين، وإحداث أضرار قدرت بـ(300) مليون دولار.
1998 تبني تفجيرات نيروبي ودار السلام التي استهدفت سفارتي الولايات المتحدة فيهما، وقتل 300 شخص غالبيتهم من الموظفين من السكان المحليين.
2000 قصف المدمرة (يو أس أس كول) قبالة الشواطئ اليمنية الجنوبية، وتم قتل 17 جنديا أمريكيا وإحداث أضرار كبيرة في المدمرة مما اضطر الأمريكيين إلى قطر المدمرة على متن باخرة عملاقة إلى الشواطئ الأمريكية.
2001 تبني تفجيرات 11 ايلول/سبتمبر بالطائرات الصاروخية التي أدت إلى انهيار البرجين العملاقين، وقتل 3000 شخص، وقد وجهت الإدارة الأمريكية أصابع الاتهام إلى المدبرين الأساسيين عن تلك التفجيرات إلى (أسامة بن لادن وأيمن الظواهري ومحمد عطا وخالد شيخ محمد).
2003 تبني "القاعدة" تفجيرات اسطنبول.
2003 - 2010 قيام عناصر "القاعدة" بمئات العمليات الانتحارية ضد أهداف مدنية ورسمية في العراق أودت بألوف القتلى والجرحى من المدنيين ضمن مسلسل العنف الطائفي الذي استشرى في العراق، بدعم من نظام الملالي في إيران.

نقد الحرب على الإرهاب:
أجمعت البحوث والدراسات التي أنتجتها مراكز البحوث العربية والأجنبية على فشل معالجة الإرهاب الذي تقوم به "القاعدة" والجماعات الأخرى التي تتبع أسلوبها في محاربة القوى الاستعمارية، لأن العنف يولد العنف، والخاسر الأكبر هم الأبرياء والفقراء، وهكذا أكدت الأحداث أن الولايات المتحدة قد استخدمت كل إمكاناتها التقنية والعسكرية لضرب "القاعدة" وتمكنت من اغتيال بعض قادتها، ولكنها مقابل قتل فرد واحد شنت حربا كبيرة على مواقع جغرافية واسعة وعرة من أجل هذا الفرد الواحد، وقد قتلت العشرات من الأبرياء أثناء تلك العمليات العسكرية واستخدام الطائرات بدون طيار. ورغم ذلك فلم يتم القضاء على "القاعدة"، بل نشهد توالدها وتفريخها لمنظمات جديدة تسعى مع الساعين إلى الحكم.
هل من سبيل لإجهاض فكر "القاعدة"؟. بات من المعروف أن "القاعدة" تعد حركة "فوق القومية" وهي حركة إسلامية أصولية عرفها الرأي العام العالمي منذ عام 1988 - 1989، وقد تواجدت في اليمن والجزيرة العربية والسودان. من مهماتها القيام بهجمات انتحارية ضد ما يسمون "قوى الكفر والطغيان"، وتهدف إلى إقامة "خلافة إسلامية جديدة"، والجهاد ضد القوى الاستعمارية وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية، وقد اعتبر الجهاد ضد هذه الدول "فرض عين على كل مسلم" حتى يتحرر المسجد الأقصى والحرم المكي وتخرج الجيوش المحتلة من أرض المسلمين. من أبرز زعمائها أو المؤسسين فيها (عمر عبد الرحمن وعبد الله عزام وأسامة بن لادن وأيمن الظواهري).
استند زعماء "القاعدة" في فكرة العنف على فكر (سيد قطب)، الذي نادى بالجهاد لعدم "تطبيق الشريعة الإسلامية" وتخليص العالم الإسلامي من الكفار المحتلين، وإذا لم يشهد العالم الإسلامي مثل هذا الجهاد فأنه "لم يعد إسلاميا، بل عاد إلى الجاهلية". وقد تأثر ايمن الظواهري بفكر سيد قطب أيضا، الذي ألف كتابا حول فكر قطب بعنوان "فرسان تحت راية النبي"، حيث يشاطر قطب في رأيه بضرورة "محاربة" قادة الدول العربية بدعوى "أنهم مرتدين عن الإسلام" و"قتالهم من الأمور الشرعية".
لقد تأثر سيد قطب والتابعين له بفكر ابن تيمية، ولكنهم اجتزأوا بعض أفكاره التي كانت ضرورية في عصرها، فقد اقتبسوا مقولة ابن تيمية "اقتلوا الغزاة المغول". كما أفتى ابن تيمية في حينه بقتال من ساعد المغول أيضا، ومن اشترى منهم بضائع أو باعهم بضائع. اقتبس أتباع ابن تيمية هذه الفتوى بقتال المغول ونادوا "بقتال الأمريكان" وقتال من ساعدهم أو تعاون معهم.
ولو عدنا إلى فكر ابن تيمية وسلوكه نجد أنه رفض التكفير ورفض التعصب، ولم ينتقم ممن خالفوه ولا ممن أذوه من علماء المذاهب الأخرى في ذاك الزمان، ولم يحرض عليهم السلاطين، ولم يعرف عنه خروجه على حاكم مسلم شهد بالشهادتين، ولم يرفض إمامة الأتراك والمماليك الذين حكموا بلاد الشام ومصر.
أما أتباع سيد قطب من السلفيين المتعصبين أمثال (محمد عبد السلام فرج) صاحب "الفريضة الغائبة" و(جهيمان) و(جماعة السلفية المحتسبة) فقد أخذوا شذرات من فكر ابن تيمية وطوعوها لكي تتلاءم مع طموحاتهم وسعيهم إلى تحقيق أحلامهم في إقامة خلافة إسلامية جديدة، دونما مراعاة او تقدير الواقع.
أما الجهاد في الإسلام فهو وسيلة وليس غاية، لكنه لدى الجماعات الدينية غاية ووسيلة معاً، وقد يكون الهدف هو القتل من أجل الانتقام، وقد أشرت العمليات التي نفذها عناصر "القاعدة" كان ضحاياها من المدنيين وهذا مخالف للشريعة الإسلامية. ويبدو من الصعوبة بمكان إقناع الجماعات الإسلامية المعنية بالتطرف القيام بمراجعة أفكارها، ولا سيما أن العنف أخذ يحقق بعض أهدافهم. وبالمقابل فأن علماء المسلمين عليهم واجب الدفاع عن الإسلام، بتفنيد أفكار هذه الجماعات وتجفيفها، كما على الدول العربية الغنية أن تضطلع بدور مهم وهو إيجاد عمل للشباب العاطلين عن العمل، لأنهم هم وقود العمليات الانتحارية، نتيجة يأسهم من الحياة والفراغ الفكري الذي يعيشونه في عالم الغزو الثقافي وثورة الاتصال والإعلام.
18/6/2012
شبكة البصرة
الثلاثاء 29 رجب 1433 / 19 حزيران 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق