قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

السبت، 21 أبريل 2012

محمد القصبي: توجيه الاتهام بمعاداة السامية لكل من يوجه نقدا للسياسات الإسرائيلية، يبدو من وجهة نظرنا أنه ساذج..


محمد القصبي: توجيه الاتهام بمعاداة السامية لكل من يوجه نقدا للسياسات الإسرائيلية، يبدو من وجهة نظرنا أنه ساذج..20/04/2012
ألسنا أيضا ساميين؟
محمد القصبي
لا أظن أن حرب جراس ـ إسرائيل الثانية تنطوي على أي مفاجآت، فالأديب الألماني الكبير مثل العديد من رموز النخبة اليسارية في أوروبا تمكنه أيديولوجيته من أن يرى تضاريس الخريطة السياسية العالمية جيدا، ويدرك أن إسرائيل ما هي إلا نتاج دراسة جدوى سياسية واقتصادية تكفل بها الغرب لخدمة توجهاته الامبريالية في المنطقة، لذا من الطبيعي أن يرى جونتر جراس الوجه الآخر لإسرائيل كدولة استيطانية تبني سعادة مواطنيها وتحقق مصالح منشئيها على حساب شعب آخر تنكر حقه في بديهيات الحياة، ودولة هذا حالها لا بد وأن تكون مصدر إزعاح ـ ليس فقط لجيرانها ـ بل للعالم كله، لذا لا تعد قصيدة "ما يجب أن يقال" والتي نشرها جونتر جراس في مجلة زويد دويتشه تسايتونج الألمانية يوم الـ4 من أبريل الحالي مفاجأة لمن يعرفون الرجل جيدا، كما أن ردود الأفعال التي قوبلت بها القصيدة لا تمثل هي الأخرى أي مفاجأة، لقد اتهمه الساسة الإسرائيليون بمعاداة السامية، بل إن صحيفة فيلت الألمانية وصفته بالعدو الأول للسامية، وهذا أمر متوقع، حتى من قبل جراس نفسه الذي أشار إلى ذلك في قصيدته، إلا أن الغرائبي في هذه القضية أن توجيه الاتهام بمعاداة السامية لكل من يوجه نقدا للسياسات الإسرائيلية، يبدو من وجهة نظرنا أنه ساذج، فاقد للمصداقية، لأنه لا يتكئ على أسس منطقية، فلا يعقل ـ من وجهة نظرنا بالطبع ـ توصيف انتقاد جراس لبلاده ألمانيا لبيعها الغواصات المعدة لحمل رؤوس نووية لإسرائيل بأنه معاداة للسامية، ولا يعقل انتقاد جراس للمجتمع الدولي لصمته إزاء تنامي الترسانة النووية الإسرائيلية بأنه معاداة للسامية، ولا يعقل النظر إلى اتهام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتعنت ومواصلة بناء المستوطنات بأنه معاداة السامية، فالنقد ـ من وجهة نظرنا ـ لا يوجه إلى الشعب اليهودي في مجمله، بل إلى ساسة يتسببون بمسلكهم الوحشي في إلحاق الأذى بشعب آخر هو الشعب الفلسطيني، وهذا ما ألح عليه الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي في تصريحات صحفية تعليقا على اتهام جونتر جراس بمعاداة السامية، حين قال: قصيدة "جراس" لا تحمل أي معنى ضد اليهودية أو اليهود ولكنها ضد الاعتداءات الصهيونية،
وحاول مثلما نحاول نحن العرب أن يشرح: إسرائيل تريد أن توحد نفسها بالضحايا اليهود الذين تعرضوا للإبادة في ألمانيا النازية، ولا أتصور أن شخصا ما يمكن أن يدافع أو يتجاهل هذه الجريمة الرهيبة التي تعرض لها اليهود في ألمانيا النازية، لكن إسرائيل تكرر مع الفلسطينيين نفس الجرائم التي ارتكبها هتلر مع اليهود، ويذكر حجازي العالم بما لا يتحدث عنه الإسرائيليون عن عمد: اليهود في البلاد العربية لم يتعرضوا لهذا الاضطهاد الذي تعرض له إخوانهم في ألمانيا، وما لم يقله حجازي وقاله مؤرخون غربيون إنه في الوقت الذي كان يتعرض فيه اليهود في ألمانيا النازية للحرق خلال الحرب العالمية الثانية، كان عرب في المغرب العربي يقومون بإخفاء مئات اليهود بعيدا عن أعين قوات حكومة فيشي الفرنسية الموالية للنازي حتى لا يتعرضوا للقتل، لكن هذا الذي يقوله حجازي ونقوله جميعا نحن العرب أن الإسرائيليين وأبواقهم في الغرب يخلطون عن عمد ما بين انتقاد السياسات الإسرائيلية ومعاداة السامية، وأن تلك التهمة ممجوجة وساذجة ولا تستند إلى أبسط قواعد المنطق، مثل هذه الحقائق التي تبدو بالنسبة لنا مسلمات لا تبدو كذلك في الغرب، فما زال توجيه الانتقاد لساسة إسرائيل كمن يدخل عش الدبابير، حيث سيواجه صاحبه بالتهمة المعلبة التي نراها نحن العرب فاقدة الصلاحية، "معاد السامية"، سلاح مرعب يدفع الكثيرين في الغرب ممن على دراية بالتضاريس الحقيقية لخرائط الشرق الأوسط السياسية أن يلزموا الصمت، تفاديا للمصير المؤلم الذي ينتظرهم أن كشفوا حقيقة الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، حيث سيتعرضون للنبذ والإقصاء وتحريض المؤسسات والهيئات على مقاطعتهم، وحرمانهم من أي تقدير مادي ومعنوي والحيلولة دون نجاحهم في أي انتخابات يترشحون لها كما حدث مع عضو الكونجرس الأميركي السابق بول فندلي صاحب كتابي "كفى صمتا" و"يقولون في الكنيست ما لا يقال في الكونجرس" والذي أخذ على عاتقه مسؤولية كشف حملات التشويه التي يتعرض لها العرب والمسلمون في الولايات المتحدة والحقائق المخفية عن الصراع العربي ـ الإسرائيلي فتكاتف ضده اللوبي اليهودي في انتخابات الكونجرس ليخسر مقعده!
وهذا وضع غير مسبوق تاريخيا، حيث أصبحت إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم المحرم توجيه النقد إلى سياساتها، بل إنه وكما قال بول فندلي في كتابه "يقولون في الكنيست ما لا يقال في الكونجرس" يستطيع الإسرائيليون في برلمانهم توجيه الانتقادات اللاذعة لسياسييهم، في الوقت الذي لا يجرؤ فيه أحد من أعضاء الكونجرس الأميركي أن يفعل ذلك.
هل قلت في مستهل سطوري إنها الحرب الثانية التي يخوضها جونتر جراس ضد الساسة الإسرائيليين "وليس ضد الشعب اليهودي"؟
وكانت الحرب الأولى عام 2002 حين وصف في حوار صحفي الهجمات التي تشنها إسرائيل على لبنان بالإجرامية، واتهم جراس إيلي شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بأنه وراء اشتعال انتفاضة الأقصى بزيارته غير المبررة للمسجد الأقصى لتوجه الاتهامات للأديب الألماني الكبير كالعادة بمعاداة السامية!
وهل اليهود وحدهم الساميون؟ سؤال آخر يكشف عن المنطلقات السريالية التي تحكم الرؤى الغربية لسير الأمور في الشرق الأوسط، فنحن العرب أيضا ساميون، ومع ذلك لا تكف الميديا في الغرب عن تشويه صورتنا، حتى أصبحت المفردة المرادفة لـ"العربي" في مخيلتهم "الإرهابي" وهذا ما كشف عنه البروفيسور جاك شاهين الأستاذ بجامعة جنوب ألينوي الأميركية بعد دراسته لما يقرب من ألف فيلم من إنتاج هوليوود، حيث يظهر العربي في تلك الأفلام كبدوي متخلف مهووس جنسيا، يهيم في الصحراء ليغير ويقتل ويسبي النساء! وحين تفعل الميديا الغربية هذا عن جهل حينا وعن عمد في معظم الأحيان ألا يصنف هذا معاداة للسامية؟
ومع ذلك نحن صامتون، ليس مروءة أو تسامحا، بل إن كان الإسرائيليون عباقرة في إلباس الباطل ثوب الحق فنحن العرب عباقرة أيضا في التفريط في حقائقنا وحقوقنا!
فإن كان هذا حالنا، فعزاؤنا أن هناك آخرين مثل جراس عقدوا العزم على أن يحاربوا من أجلنا حتى النهاية، وقد تعهد أديب ألمانيا الكبير بذلك في قصيدته، حين قال: أنا لن أظل صامتا، لأنني سئمت النفاق الغربي!




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق