عبد الرحيم الوالي/وكالة إنتر بريس سيرفس
الدار البيضاء, (آي بي إس) - وقعت خطة الحكومة لإصلاح نظام العدالة المتهالك في المغرب- والتي لا تزال تفاصيلها تمثل لغزاً لعامة الشعب- محل شكوك كثيرة وخاصة من جانب المهنيين العاملين في قطاع العدالة بجميع أنحاء البلاد.
وكان وزير العدل مصطفى الرميد قد أخبر الصحفيين في 6 أبريل، أنه سيتم تدشين الخطة الوطنية بشأن إصلاح نظام العدالة هذا الشهر، لكنه لم يذكر ما هي الإصلاحات التي ستحتويها الخطة.
وقد دعت قطاعات كبرى من الشعب لإجراء إصلاحات شاملة لنظام العدالة الفاسد في المغرب. فبعد موجة الإحتجاجات في 20 فبراير 2011، قامت مجموعة من القضاة – الذين كونوا نادي قضاة المغرب في وقت لاحق- بتأسيس صفحة على الفيسبوك تتناول إستياء القضاة منذ فترة طويلة من حملة الحد من حرية التعبير. وقد زعموا أن القانون لم يسمح لهم أيضاً بأي هيكل واضح لمنظمة مهنية.
وفي أغسطس الماضي، قامت الشرطة بعد فترة وجيزة من تأسيس نادي قضاة المغرب، بمنع القضاة من دخول المبنى الذي كان من المقرر أن يعقدوا جميعتهم التأسيسية فيه. وبالرغم من ذلك، قام القضاة بعقد اللقاء في الشارع، وتحت شمس الصيف الحارقة.
وقدم القضاة مطالبهم واضحة على صفحة الإنترنت وفي الشارع: حرية التعبير وتكوين جمعية مستقلة خاصة بهم. وأقر الدستور الجديد للبلاد هذه الطلبات بالفعل في الأول من يوليو 2011.
ومع ذلك، فإن الفجوة بين الحقوق على الورق والحقوق في الممارسة العملية واسعة جداً.
وفي بيان صحفي صدر يوم 29 فبراير الماضى، قال رئيس نادي قضاة المغرب بالدار البيضاء، عبد العزيز محمد بعلي إن (تحسين) الوضع المادي والاجتماعي للقضاة هو (خطوة ضرورية) من أجل الإصلاح، وذلك في اشارة الى حقيقة أن القضاة في المغرب لم يحصلوا على أية زيادة في المرتبات منذ عام 1996.
وتصاعد التوتر بين السلطتين التنفيذية والقضائية مع تهديدات نادي قضاة المغرب "باللجوء إلى إحتجاجات لم يسبق لها مثيل"، وتحديد 15 مايو كموعد نهائي نهائي للحكومة للرد على مطالب القضاة.
هذا وقد ذكرت صحيفة "الصباح" اليومية، دون توضيح مصادرها، أن خطة الإصلاح تحتوي على إزالة 13 قانونا ساريا، و28 خطة عمل، و174 من التدابير الرامية إلى تجديد البنية التحتية القانونية للبلاد وتحديث الإدارة القضائية.
وبالنسبة للمواطنين، لا تتضمن هذه الوعود الكبيرة أي شيء بخصوص نظام العدالة، والذي يرون أنه يحتاج أولاً وقبل كل شيء إلى تطهيره من الفساد.
فقال محمد جلاب البوعامري 55 عاماً، وهو مواطن من الدار البيضاء، لوكالة إنتر بريس سيرفس، إن (نظام) العدالة الفاسد لا يمكن أن يسهم بأي شيء لمكافحة الفساد.
ويشاركه في هذا الرأي عدد من أعضاء المعارضة السياسية. فتقول فوزية محمد البايض، نائبة رئيس الاتحاد الدستوري، الذي يتولي 17 من 379 مقعداً في مجلس النواب، لوكالة إنتر بريس سيرفس، أن نظام القضاء المغربي قد إبتلي بسوء التصرف وسوء استخدام السلطة، مما أدى لإنعدام ثقة المواطن في سيادة القانون.
وفي الشهر الماضي، ألقت الشرطة القبض على أحد القضاة في طنجة، على بعد 300 كيلومتراً شمال الدار البيضاء، بتهمة الفساد. ووفقاً لوزير العدل، ألقي القبض على القاضي متلبساً وهو يتسلم مبلغ 70,000 درهم (حوالي 663 يورو) من أحد المواطنين.
وتبين أنه قد جرى تنظيم عملية القبض على القاضي تحت الإشراف الرسمي لوزارة العدل، ونتيجة لبلاغ من أحد المواطنين.
وقالت البايض إن مجرد زيادة رواتب القضاة لن يقود للخروج من الأزمة، لأن القطاع يعاني أيضا من نقص كبير في الموارد البشرية. واضافت، "اننا بحاجة الى اكثر من 2600 قاض جديد لنكون قادرين على التعامل مع الأعداد (المتزايدة) من القضايا. وفي الوقت الحاضر، فالمغرب لديه فقط 3400 قاض يتعاملون مع 3 ملايين قضية في كل عام".
وشددت على أنه سيكون من الضروري أيضاً التخلص من "المركزية الإدارية ووضع سياسة جديدة للعقوبات تستند فلسفتها على أساس تحقيق العدالة".
وبدوره، نشر أنس سعدون، وهو عضو آخر في نادي قضاة المغرب، عدة مقالات عن إصلاح العدالة في صحف محلية مختلفة، حيث شدد على أنه لابد للمجتمع المغربي أن يتخلي عن فكرة أنه يحق للقضاة التمتع بنمط حياة مرفهة، تتجاوز إمكانات دخولهم المتواضعة.
وكما يقول، فقد وضع هذا التصور الواسع الإنتشار الأساس للفساد في جميع مناحي النظام القانوني.
وعلى الرغم من وجود أمل في نجاعة الإصلاح القضائي بين الطبقة السياسية، إلا أن غالبية المواطنين العاديين متشائمون على أقل تقدير.
فيقول عبد الرافع لوالي 27 عاماً، وهو مواطن من مدينة أصيلة التي تبعد 230 كيلومترا شمال الدار البيضاء، لوكالة إنتر بريس سيرفس، "نحن نعلم جميعا أن بارونات الأموال القذرة يتلاعبون في كل شيء في هذا البلد. إنهم فاسدون ويؤذون كل من يقاومونهم".
والواقع هو أن المغرب بحاجة للتحرك السريع حتى تتمكن من الصمود أمام رياح الربيع العربي، والتي لا تزال تهب في جميع أنحاء المملكة.
فحتى الآن كانت الحكومة المغربية قادرة على إسترضاء مواطنيها بإصلاحات مرضية، وبالتالي درء الإحتجاجات الأخطر تأثيراً، وكن مشكلة القضاة لن تخف بسهولة.
ويؤكد البوعامري، "لم نعد في عصر المعجزات"، بل إن الناس يعتمدون على توازن القوى بين الحكومة ومواطنيها لإحداث التغيير الذي تشتد الحاجة إليه.
وهو يعتقد، مثل الآخرين، أن الاصلاحات هي مسألة إرادة سياسية. وحالياً، فإن الحكومة "لديها ما يلزم من دعم لأن تقود (الإصلاح الشامل) لنظام القضاء".
فهل ستستخدم الحكومة ما تتمتع به من دعم لإحداث التغيير الإيجابي المطلوب؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق