قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

السبت، 28 أبريل 2012

معركة "هجليج" والمراجعات الضرورية لمستقبل السودان


بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
معركة "هجليج" والمراجعات الضرورية لمستقبل السودان
شبكة البصرة

بقلم: زياد ابوشاويش
خرج آلاف السودانيين للشوارع أمس الجمعة في العشرين من نيسان (ابريل) بعد سماع بيان وزير الدفاع السوداني حول تحرير منطقة هجليج النفطية والتي تقع ضمن حدود الدولة السودانية حسب اتفاق الحدود الذي وقعته حكومة الخرطوم مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، وكان طبيعياً أن تهتف جماهير السودان وتحيي جيشها وتعبر عن فرحتها بالنصر المؤزر الذي حققته في هجليج رغم ركاكة اللغة والاهتزاز الذي اتسم به بيان وزير الدفاع السوداني حول النصر والتحرير.
إن بقاء اسم الحركة الشعبية لتحرير السودان حتى اليوم بذات الكلمات والمعنى يشي بأن الأمور لم تنته بين الدولتين في شطري السودان، وأن نوايا حكومة الجنوب ليست طيبة تجاه الشمال، وإذا ربطنا بين ما جرى من احتلال متعمد لهجليج والعلاقة القديمة المتجددة للحركة مع الكيان الإسرائيلي والدعم العسكري والاستخباراتي الذي تلقته الدولة الوليدة منه فإننا نستطيع أن نفهم التطور الخطير الذي جرى على امتداد الأسبوعين الماضيين ودفع البشير رئيس السودان لتأكيد مطاردته للحكومة الجنوبية ورئيسها سلفا كير حتى جوبا، ومثلها تصريحات نائبه الدكتور الحاج آدم يوسف التي أكد فيها نية حكومته على تخليص الجنوب من حكم الحركة الشعبية عبر إسقاطها.
المتابع للشأن السوداني يعرف أن إقرار الحكومة المركزية السودانية بالانفصال جاء نتيجة جملة من التطورات والضغوط عززها مجموعة هائلة من الأخطاء التي ارتكبها الحكم السوداني غير الرشيد فيما يتعلق بالتوازنات الداخلية والتحالفات التي قفز عنها لترسيخ حكمه منفرداً بالسلطة، ولو عملت القيادة السودانية ما بوسعها بالتعاون مع القوى والأحزاب السودانية الأخرى وقبلت المشاركة العادلة لما انفصل الجنوب ولما واجهنا اليوم ما نواجهه من أخطار تحدق بالسودان ووحدة أراضيه وما يعكسه ذلك على الأمة العربية بأسرها.
إن الدعم الذي تقدمه حكومة الجنوب للانفصاليين في إقليم النيل الأزرق وكردفان والوضع الشاذ لعدة مناطق سودانية بما فيها دارفور، وما تقوم به في المناطق الشمالية من البلاد والتحريض المستمر يفرض على القيادة السودانية وحزب المؤتمر الوطني الحاكم إعادة النظر في كل السياسة الداخلية التي يتبعها النظام لتعزيز نفوذه وبسط سيطرة المركز على الأراضي السودانية وهو الأمر الطبيعي في أي دولة.
إن ما جرى من احتلال سهل وغير مكلف من جانب دولة الجنوب الغضة لمنطقة من أهم مناطق السودان الاقتصادية يدل على هشاشة الدولة وتقصير مسؤوليها في حماية بلدهم وحدودها، وإذا كانت دولة ناشئة كالجنوب استطاعت أن تحتل في غضون ساعات منطقة هجليج النفطية فإن كل الأمن القومي للسودان ومصر في الحقيقة تحت الخطر ومن السهل على أية دولة قادرة أن تأخذ السودان كما تريد.
لعل الذين تحدثوا عن معركة سهلة لتحرير هجليج على حق بسبب الفرق الكبير في إمكانات البلدين التسليحية وحجم الجيش ومعداته، كما الموقف الدولي المساند لانسحاب قوات الجنوب من الأرض التي احتلتها باعتبارها أرضاً سودانية، وبالتالي فإن احتفالات النصر كما أظهرتها وسائل الإعلام السودانية لها وظيفة أخرى تتعلق بالتعبئة التي أرادتها الحكومة السودانية في الشمال لأغراض تتعلق بباقي المعارك التي يمكن أن تخوضها لاحقاً مع قوى أخرى وفي مناطق أخرى.
كما أن دولة الجنوب كانت على ما يبدو راغبة في خلق مشكلة مع الشمال لأهداف ستتضح في الأيام القادمة لكن يمكن أيضاً القول أن المعركة واحتلال هجليج يخفف الضغط الذي تمثله جملة المشاكل الاقتصادية التي يعانيها الجنوب وتضع الشعب هناك في مجمله تحت خط الفقر، وهي سياسة معروفة ومجربة، أي سياسة خلق عدو خارجي أو معركة خارجية لتهدئة وضع داخلي مأزوم وهي السياسة التي كان يتبعها الرئيس المصري الراحل أنور السادات في مواجهة التحركات الداخلية المناوئة لحكمه وسياسته، وعلنا نتذكر حربه على ليبيا صيف عام 1977 وكذلك زيارته للكيان الصهيوني في نفس العام.
إن محاسبة المسؤولين السودانيين المعنيين بأمن هجليج وعلى رأسهم وزير الدفاع ومدير المخابرات أمر هام في سياق معالجة آثار العدوان الجنوبي وتحصين البلد من الخروقات وإعادة السودان لدوره العربي المفترض، لكن الأهم هو في المعالجات السياسية اللازمة لتماسك الجبهة الداخلية واستعين هنا بحديث لأحد المثقفين السودانيين الذي قال أن السرطان لا يعالج بالاسبرين للتعبير عن غضبه تجاه ما وقع لبلده والإهانة التي تلقتها باحتلال دولة الجنوب لجزء من السودان بلا مقاومة أو حتى قتال تقريباً.
السودان دولة عربية هامة للغاية ومن المفترض أن تقوم باقي الدول العربية بواجبها تجاه دولة شقيقة ليس فقط بمساندتها عسكرياً بل أيضاً عبر الوساطة الطيبة بين القوى والأحزاب المختلفة لتوحيد الجهود من أجل معالجة المعضلات الخطيرة التي يتعرض لها السودان والتي كان احد تجلياتها الاحتلال الجنوبي لهجليج.
إن إعادة النظر وتريب الأولويات السودانية بات أمراً ملحاً، ولا تغني الاحتفالات أو إعلان انتصارات وهمية عن وضع النقاط على الحروف في كل ما يتعلق بوحدة السودان ومعالجة قضايا الفقر والتمرد التي يعيشها البلد، ولعل هجليج كانت الدرس الأهم لتذكير حكام السودان بهذه المراجعة.
شبكة البصرة
الجمعة 6 جماد الثاني 1433 / 27 نيسان 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق