قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الخميس، 19 أبريل 2012

هل انتهى دور المقاومة المسلحة في العراق؟



18 أبريل 2012
 هل انتهى دور المقاومة المسلحة في العراق؟ 
وجهات نظر
هذا مقال مثير للجدل، بمعناه الإيجابي، يطرح فكرة تحتاج إلى مزيد من النقاش والبحث، بين المعنيين بالأمر، وهم شريحة عريضة من قادة المقاومة والفكر والسياسية في العراق، من خلال طرحه لفكرة بدء معركة الهوية بعد انتهاء مهمة المقاومة المسلحة في العراق، بتحقيق هزيمة العدو الأميركي المحتل.
وأعتقد انه لا ينبغي التعامل مع الفكرة التي يطرحها بأسلوب الشعارات، فهي جديرة بالاهتمام العميق، كما أسلفت، وبالطبع بعيداً عن منطق التخوين أو التشهير، غير المبررين.
أما موقفنا بشأن الفكرة المهمة الواردة فيه، فأعتقد انه ليس ثمة تعارض بين استمرار المقاومة المسلحة للاحتلالين الأميركي والفارسي، دون تناسي التواجد الصهيوني الخفي، وأن تبدأ، بالتزامن مع ذلك، مرحلة الدفاع عن الهوية العربية الاسلامية للعراق، بمعناها الحضاري الواسع، استجابة لقوله سبحانه وتعالى
(وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) ( 122 التوبة ).
مصطفى كامل
.........
العراق من معركة التحرير إلى معركة الهوية
محمد عياش الكبيسي
تمر هذه الأيام الذكرى التاسعة لاحتلال العراق، وهي الذكرى التاسعة أيضا لانطلاق المقاومة العراقية، حيث انعدم الفاصل الزمني أو يكاد، فكانت المقاومة العراقية أسرع ردة فعل في تاريخ المقاومات المعروفة، وربما يرجع هذا لطبيعة النفسية العراقية التي لا تحب الانتظار، ويسعدها حسم الأمور بسرعة، وأخطر شيء يواجهها هو تعقيد المسائل وتركيبها، وهذا طبعا على خلاف النفسية الفارسية البارعة في حياكة السجاد وحياكة الفلسفة المعقدة والمواقف الغامضة.
 انطلقت المقاومة العراقية كالبركان الثائر، وتمكنت من شن أكثر من مائة عملية في اليوم الواحد، هذا المعدل بقي على هذه الوتيرة لمدة سنتين أو يزيد، وأهلنا في فلسطين خاصة يعلمون بالضبط ماذا يعني هذا الرقم.
 تكبّد الأميركان خسائر لا تقدر بثمن، ليس في العدة والعديد، بل تجاوزت هذا إلى كسر (الهيبة التكنولوجية)، حيث لم تسلم آلياتهم ودباباتهم الضخمة في أية مواجهة جادة مع سلاح المقاومة الذي أثبت قدرة استثنائية في التعامل مع أحدث ما توصلت إليه المصانع العسكرية الغربية.
 تكبّد الأميركان خسائر أخرى في نظامهم الاقتصادي المتفوق، ومن المراقبين من يعزو الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت بأميركا إلى تلك الخسائر التي مني بها الأميركان في المستنقع العراقي.
 خسر الأميركان شيئا أثمن من كل ما مضى وهو مصداقيتهم الأخلاقية، فبعد أن أحرجتهم المقاومة العراقية في الميدان كشفوا عن وجههم الآخر باستخدام الفسفور الأبيض مع أهالي الفلوجة، ووسائل التعذيب البشعة في سجن أبي غريب سيء الصيت.
 أحرق الأميركان أيضا كل وعودهم في تصدير الديمقراطية، حيث أسسوا نظاما ثيوقراطيا لا مثيل له، نظاما يرتكز على مرجعية صامتة لا ترى لها صورة ولا تسمع منها صوتا، ومذكرات بريمر تصرّح بوضوح أن الأميركان كانوا في كل صغيرة وكبيرة على صلة تامة بهذه المرجعية، وقد نتج عن هذا غلوٌّ طائفي لم تشهده المنطقة من قبل، وكان لهذه التجربة أثرها في إرباك وتأخير المشاريع الإصلاحية في العالم العربي وفي إيران أيضا.
 لقد نجحت المقاومة العراقية في حشر القوة الغازية في الزاوية الضيقة، لكن المشروع الأميركي الأوسع لم يكن واضحا، وربما كان المراقبون يناقشون عددا مفتوحا من الاحتمالات ليس من بينها تسليم العراق لإيران بهذه الصورة التي تمت، وهذا هو السؤال الذي لم يزل بحاجة إلى جواب: ما الذي ربحه الأميركان في العراق؟
 وفي الطرف المقابل هناك سؤال أكثر إلحاحا، وهو: ما الذي ربحته المقاومة العراقية في العراق؟
 إذا تجاوزنا الأهداف المعنوية وما تتضمنه من الدفاع عن سمعة الأمة وكرامتها ورفضها الاستسلام للغزو الأجنبي مهما كان تفوقه العسكري، وهذه ثروة قيمية عالية أهدتها المقاومة العراقية لكل عربي ومسلم على أرجاء المعمورة، وهي التي ستشكل عنوانا للفخر لكل الأجيال القادمة، لكن إذا نظرنا بحسابات الواقع –وبمعزل عن قيم المروءة والشرف– فإن الطرف الوحيد الرابح في هذه المعركة وبدون خسائر هو الطرف الإيراني!
 إيران لها مشروعها المختلف تماما، والذي يمكن التعبير عنه بدقة أنه (عملية سطو منظم على هوية العراق)، وهذا لا شك أخطر نوع من أنواع الاستعمار، وهو أخطر حتى من الاحتلال الصهيوني لفلسطين، حيث غاية ما يهدف إليه الصهاينة الاستيلاء على الأرض، أما هوية الإنسان الفلسطيني فهي أبعد عنهم من المستحيل.
 في هذه الأرض من أطراف الجزيرة العربية وبادية الشام إلى بحر قزوين قامت دول وحضارات موغلة في القدم، وقامت أيضا حروب سجال لا حصر لها، وقد حفل «العهد القديم» بروايات كورش «الفارسي» ونبوخذ نصر «العراقي» كعناوين بارزة لهذا التاريخ الحضاري والدموي في الوقت ذاته، واستمر هذا السجال حتى معركة «ذي قار» التي انتصر فيها العرب على الفرس قبيل الفتح الإسلامي، وبعد هذا الفتح تشكلت الهوية الجديدة للعراق، والتي يمكن رسم ملامحها الأساس في الآتي:
 1- «القادسية» الرمز والهوية والمعركة الفاصلة، القادسية هي التي صنعت العراق الجديد، وصاغت هويته العربية الإسلامية وإلى اليوم، في القادسية انتصر العرب المسلمون على الفرس المجوس، وللقادسية رموزها الكبار: عمر بن الخطاب «الخليفة ومصدر القرار»، سعد بن أبي وقاص «القيادة العسكرية»، القعقاع بن عمرو التميمي «الدعم والإسناد».
 2- «البصرة» والتي بناها عمر بن الخطاب بعد معركة القادسية مباشرة، لتكون قاعدة متقدمة للجند، ومركزا للعلم والتربية، ومنها «عبادان» التي اختارها العبّاد والزهاد من أهل البصرة مكانا للعبادة! وفي البصرة رفات خيرة الصحابة كطلحة والزبير.
 3- «الكوفة» والتي بناها عمر بن الخطاب أيضا، ثم أصبحت عاصمة الخلافة الإسلامية، حيث انتقل إليها علي بن أبي طالب واتخذها عاصمته الجديدة، وفي هذا دلالات عميقة، فالأرض التي فتحها عمر هي التي اختارها علي لمشروعه، وهي الأرض التي ضمت رفاته ورفات أولاده من بعده.
 هذا، وقد نشأت في البصرة والكوفة المدرستان العربيتان المعروفتان باسم هاتين المدينتين وإلى اليوم.
 4- «واسط» والتي بناها الأمويون مركزا إداريا متقدما يربط بين الكوفة والبصرة والأحواز، وهي التي يطلق عليها العراقيون اليوم «العمارة».
 5- «بغداد» عاصمة الخلافة العباسية، والتي بناها أبو جعفر المنصور، ومنها انتقل العراق إلى موقع الريادة على مستوى الأمة والعالم.
 6- «سامراء» العاصمة العباسية الثانية، والتي بناها المعتصم الذي ردد العالم اسمه في (وامعتصماه) عنوانا للمروءة والنخوة العربية الإسلامية.
 7- «دار الحكمة « و «النظامية» و «المستنصرية» المدارس العراقية التي كانت مراكز إشعاع في إنتاج المعرفة ونشرها وترجمتها، والتي مثلت امتدادا أمينا لمدرسة ابن مسعود وسعيد بن المسيب وأبي حنيفة والشافعي والثوري وابن حنبل.. إلخ، والتي خرّجت المئات من المحدثين والمفسرين والفقهاء والنحاة والأدباء والأطباء.. إلخ.
 هذه النماذج الإسلامية قد تآلفت وتلاحمت مع تاريخ العراق ومعالمه العريقة في بابل وأربيل والموصل مدينة النبي يونس -عليه السلام- وقد ساعد على هذا التلاحم أن الفتح الإسلامي لم يصطدم بالدولة العراقية وإنما اصطدم بجيش كسرى الذي كان محتلا للعراق.
 هذه هي الهوية العراقية، وهذا هو العراق الذي يصارع اليوم من أجل البقاء.
 أما المشروع الإيراني فإنه يرى أنه لن يتمكن من ابتلاع العراق إلا بمسخ هويته بالكامل، بمعنى أن هذا التاريخ من يوم القادسية وإلى اليوم يجب أن يمحى، ومعنى هذا أن العراقيين أنفسهم سيكونون شيئا آخر مختلفا تماما عما عرفه الناس عنهم، وأنهم سيخجلون من تاريخهم ومن كل ما قدموه للعالم! وهذا ما وصل إليه الشيعة العرب في العراق وغيره بالفعل، وقد سمع العالم تصريحات النائب العراقي الشيعي بهاء الأعرجي: (مؤامرة من عهد أبي بكر إلى أحمد حسن البكر)، والحقيقة أنه لم يبق لهؤلاء من تأريخهم العربي إلا واقعة الطف الأليمة، وهذه الواقعة توظّف اليوم توظيفا سياسيا يهدف إلى دفع الشيعة بعيدا عن عمقهم العربي ليرتموا كليا في الحضن الإيراني، بل ليكونوا جنودا للولي الفقيه! وكم كنا نتمنى لو أخذ الشيعة من هذه الواقعة شيئا من القيم الحسينية الصادقة في مجاهدة الغزاة الطامعين، وفي المقابل الحلم والرحمة والتواضع مع المسلمين، ولقد رأينا كيف بايع الحسن والحسين معاوية بن أبي سفيان خليفة للمسلمين بعد كل تلك الدماء والتضحيات.
 خطة إيران هذه ليست جديدة، بل تكررت مرارا عبر التاريخ، وإذا فقدت الأمة ذاكرتها التاريخية فعليها ألا تنسى تلك الحركات الشعوبية المتلونة، والتي تحالفت في نهاية المطاف مع المغول فسقطت بغداد سقوطها المروّع الأول تحت أقدام هولاكو (انظر المقال الأسبق على صحيفة العرب «المواقف العربية والذاكرة التاريخية المنقسمة»)، كما سقطت اليوم وبالأدوات ذاتها مع اختلاف الأسماء والأشكال.
 إن الفكرة المحورية التي تنتهجها الاستراتيجية الإيرانية هي أن هذا التاريخ كله كان متآمرا على «آل بيت محمد»، وأن آل البيت لم يجدوا من يناصرهم إلا إيران! وما على المسلمين إلا أن يعتذروا عن تاريخهم كله، وينتصروا لآل البيت ولكن خلف راية الولي الفقيه!
 والحقيقة الأكبر والأخطر أن إيران هنا لا تريد اختطاف الهوية العراقية فحسب، بل هي تعمل لاختطاف الإسلام كله لإعادة تركيبه وصياغته بحيث يصلح كرافعة قوية لبناء الحلم الإمبراطوري الفارسي.
 من هنا تتضح بجلاء طبيعة الصراع الدائر اليوم في العراق والمنطقة «إنها معركة الهوية» أو «معركة الإسلام» وليست قضية بترول أو كهرباء أو خدمات، وعليه فمن الإسفاف تبسيط المشهد ووضعه تحت عنوان «المنافسات الحزبية» أو «الأطماع الشخصية»، أو أنها «خلافات مذهبية» في فقه الصلاة أو فقه التاريخ.
 أما الذين ما زالوا يرددون بأن المقاومة هي الحل، وأن الانسحاب الأميركي خدعة، فهؤلاء هم الهاربون من الواقع وتبعاته الثقيلة، فالمقاومة أدّت ما عليها في منازلة الجيش الأميركي حتى هزمته، ولم يبق في العراق من هذا الجيش ما يمكن استهدافه عسكريا، وإن هذه الشعارات المرائية باسم المقاومة لم تعد تكلف أصحابها ثمنا، ولم تعد دليلا على الشجاعة ولا الوطنية، لكنها في الوقت ذاته تجر الأمة بعيدا عن المعركة الحقيقية التي ينبغي أن تخوضها الأمة بكل إمكاناتها من أجل الحفاظ على عقيدتها وهويتها وتاريخها، وربما سيكون الدور الأكبر في هذه المعركة للفكر العميق، والكلمة الشجاعة، وربما يتطلب الأمر تضحيات جساما أكبر مما نتصور، وإن جسد الأمة المخدّر آن له أن ينتفض ليكتشف الحقيقة بعلم ووعي قبل أن يجد نفسه خارج التاريخ وخارج الجغرافيا أيضا.
ملاحظة:
نشر المقال هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق