قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

السبت، 28 أبريل 2012

الغاز المصريّ.. مناورة حكّام مصر الجدد


بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الغاز المصريّ.. مناورة حكّام مصر الجدد
شبكة البصرة
عبد الكريم بن حميدة
أبدى خبراء ومحلّلون قدرا كبيرا من التفاؤل بقطع الغاز المصريّ عن "إسرائيل". والأرجح أنّ تواتر الهزائم والانكسارات وتعدّد الإخفاقات في مسار الانتفاضات العربيّة وتنامي الإحباط لدى قطاعات واسعة من الناس.. كلّها عوامل ساعدت على أن يبدو القرار المصريّ كفتح مبين يستحقّ مظاهر الاحتفال والتقدير..
أخيرا بان في العتمة ضوء!!!
بشكل مفاجئ تماما، ودون أيّة مقدّمات قرّرت شركة الغاز المصريّة قطع إمدادات الغاز الطبيعيّ عن دولة الاحتلال. وهذا يعني أنّ القرار قد يكون تصحيحا لخطأ تاريخيّ أو تجاوزا لجريمة اقتصاديّة وسياسيّة وأخلاقيّة ارتكبها نظام الرئيس المصريّ المطاح به حسني مبارك قبل حوالي أربع سنوات..
هل يمكن أن نتصوّر أنّ شركة الغاز المصريّة (وهي شركة حكوميّة) تملك من الاستقلاليّة ما يسمح لها بأن تصدر وحدها قرارا بمثل هذه الخطورة وبما يمكن أن يترتّب عنه من انعكاسات؟ أي هل يعقل أن يكون المجلس العسكريّ الحاكم في مصر بعيدا عن هذا القرار؟ وعن توقيت اتّخاذه؟
شركة الغاز المصريّة برّرت موقفها بأنّ تراكم ديون الشركة الصهيونيّة المستوردة للغاز المصريّ هو ما كان سببا لإلغاء صفقة بيع الغاز. وهذا يعني أنّ القرار لم يكن سياسيّا وإنّما يستند إلى خلفيّات تجاريّة. فلا صحّة إذن لما يقال إنّ المجلس العسكريّ أو مجلس الشعب أو القوى السياسيّة التي تمسك بمقاليد السلطة في مصر اليوم اتّخذت القرار باعتباره خطوة على طريق إلغاء اتفاقيّات كامب ديفيد.
لقد سبق لجميع الفاعلين السياسيّين المصريّين عسكريّين ومدنيّين أن بعثوا أكثر من رسالة إلى الكيان الصهيونيّ.. تصريحا وتلميحا بأنّ السلطات المصريّة ستحترم كافّة تعهداتها الدوليّة ومن ضمنها اتّفاقيّات السلام مع العدوّ الصهيونيّ. وقد صدرت هذه التطمينات والتعهّدات من قبل أعضاء في المجلس العسكريّ وكذلك من قبل قيادات في جماعة الإخوان المسلمين. وكانت تلك الرسائل بمثابة وثيقة استسلام أو صكّ ممضى للأمريكيّين والصهاينة قبل تسلّم غنيمة السلطة.. بل لضمان تسلّم هذه الغنيمة.
وعلينا الآن أن نتذكّر أنّ "إسرائيل" تعتمد بنسبة 40% على الغاز المصريّ، وتستفيد من أسعار تفضيليّة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الاقتصاديّة بين الدول. وهي أسعار كبّدت الاقتصاد المصريّ خسائر فادحة، ومكّنت الصهاينة من طاقة التدفئة والإنارة والتبريد وغيرها. ومن المفارقات أنّه في الوقت الذي كان المواطن المصريّ يضطرّ للوقوف في طوابير طويلة بانتظار دوره للحصول على الغاز بأضعاف سعره الحقيقيّ كان الصهاينة ينعمون بالغاز المصريّ بأبخس الأسعار.
لكلّ هذه الأسباب وغيرها يبدو القرار المصريّ أقرب ما يكون إلى المناورة التي تستهدف تعديل سعر الغاز المصدَّر إلى فلسطين المحتلّة لا الامتناع عن تزويد الصهاينة به نهائيّا. وقد توقّع بعض المحلّلين الصهاينة استئناف ضخّ الغاز قريبا بعد تعديل الاتّفاق القديم بما يستجيب للمنطق التجاريّ لدى المسؤولين المصريّين، وبما يرفع عنهم بعض الحرج أمام شعب مصر الذي يرفض هذا الاتفاق وكلّ المعاهدات والاتّفاقيّات التي وُقّعت مع الصهاينة طيلة مرحلتي حكم السادات ومبارك.
إنّني لا أعتقد أنّ حكّام مصر الجدد والذين أفرزتهم صناديق الاقتراع يمتلكون من الجرأة والصدق والوضوح ما يمكّنهم من اتّخاذ قرار حاسم بشأن اتفاقيّات كامب ديفيد وكلّ ما تلاها من معاهدات حاولت أن تؤسّس لعلاقات طبيعيّة بين مصر والكيان الصهيونيّ.
بعض القادة الصهاينة اعتبروا القرار المصريّ خطوة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات المصريّة "الإسرائيليّة"، ودعوا إلى الردّ عليها والتحسّب لما قد يأتي بعدها. بل ذهب وزير خارجيّة الكيان الصهيونيّ أفيغدور ليبرمان حدّ الدعوة إلى حشد المزيد من قوّات الجيش الصهيونيّ عند الحدود مع مصر. وقال إنّ التطورات في مصر تفرض على "إسرائيل" اتخاذ قرار سياسيّ شجاع وإعادة بناء الجبهة الجنوبيّة للجيش الصهيونيّ بواسطة إعادة إقامة الفيلق الجنوبيّ الذي تمّ تفكيكه في أعقاب اتفاقيّة السلام.. وإقامة أربع فرق عسكريّة لنشرها عند الحدود الجنوبيّة ورصد الميزانيّات المطلوبة وتجهيز ردّ الفعل الصهيونيّ لاحتمالات قد تحدث في المستقبل.
والرأي عندي أنّه علينا ألاّ ننخدع كثيرا بالتصريحات التي أطلقها ليبرمان وغيره من قادة "إسرائيل"، وألاّ يذهب في ظنّنا أنّ مصر العربيّة المقاوِمة عادت لأداء دورها التاريخيّ، وأنّها تستأنف عبر هذا القرار رحلة صمودها وصبرها وقيادتها لحركة التحرّر العربيّة وتحدّيها لثالوث الشرّ.
إنّني لا أريد أن أصدم المتفائلين.. لكنّي أعتقد أنّ التشاؤم في مطلق الأحوال أفضل من السذاجة.. أي أن يُنعت المرء بالتشاؤم أفضل له من أن يُنعت بالغفلة أو الحمق..
وليت حكّام مصر الجدد يقطعون خطوة جريئة بحقّ فيزوّدون الفلسطينيّين في غزّة بالغاز عوض أن يتركوهم تحت رحمة سلطات الاحتلال..
وليتهم يرفعون الحصار عن غزّة..
وليتهم يفتحون معبر رفح تنفيذا لقرارات الجامعة العربيّة ذاتها..
وليتهم يفعّلون سبل المقاطعة الشاملة للكيان الصهيونيّ..
وليتهم يتدخّلون عند حلفائهم القطريّين حتّى لا يزوّد آل ثاني "إسرائيل" بالغاز..
ليتهم...
شبكة البصرة
الجمعة 6 جماد الثاني 1433 / 27 نيسان 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق