قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الجمعة، 20 يوليو 2012

اسماعيل أبو البندوره : الموريسكي يذهب الى القدس!!؛


بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الموريسكي يذهب الى القدس!!
شبكة البصرة
اسماعيل أبو البندوره
لحجارتها لغة
ولدت في ظلال النبوات
واكتهلت في نصوس السماء
فان فتر الوحي.. نادته
أقبل.. ومدته بالعنفوان
هي أول معجزة.. وحدت بين طيف القراءات
ثم تكون..
آخر معجزة.. تتنازع فيها القراءات
في كل منعطف موكب.. يتغنى بما قيل فيها
وفي كل معترك كوكب.. يتعثر بالشك..
في مايقول الرواة
للمليكة بين المدائن.. أو للرسولة في البلاد
ولروح بها..
والذي كان فيها..
يصلي العفاة....

ويدخل الموريسكي القدس من بواباتها العتيقة.. لا يذهب اليها طريدا منبوذا مهاجرا.. وانما قريبا أريبا محبا، وعارفا أن طريقه اليها كانت ولاتزال مشرعة، ومزروعة وموشاة بمهج وارادات اولئك الرجال الذين ذهبوا اليها قبله في السبي الأول مدافعين عن تاريخها وترابها ومآذنها الصادحة بحي على الجهاد.. عندما غزاها الجراد والتتار.. اولئك الرجال الذين تركوا آثار دمهم واشواقهم على الطريق، وبقيت لهم تلك الآثار وذلك الخطو الشريف الشفيف علامة ووديعة دائمة في صدور العرب بأن تصان القدس من الأذى والأغراب، وأن تبقى حرة عربية..
ماتاه الموريسكي، وماسهى بل دنى.. ولا ذهب مهيض الجناح والخاطر محطما الى هناك، بل ذهب متأبطا عنفوانه العربي ومصمما على نسج علاقة أزلية بين عقل وروح السواد الذي أسموه بستان قريش، وبين فلسطين درّة الأوطان، وموطن الشجعان، وأرض البرتقال والأمان.
وهانحن اليوم في اليوم الواحد بعد ذلك التموز العراقي المظفر عام 1968 عندما اقتحم الفتى الطالع من بين النخيل والسنابل.. مشروع الشهيد ومن ثم الشهيد، وتلك الثلّة الصادقة الذين قضى بعضهم نحبه على ايدي الحثالات ومنهم من ينتظر.. عندما اقتحموا الوكر معا، وأخرجوا الأفاعي واحدا واحدا.. وفي تلك اللحظة المتوهجة من تموزافتتحوا الدروب المغلقة الى القدس، ورسموا صورتها ومحنتها على طول وعرض أرض السواد،، ووضعوها وشما ونقشا حافزا على جبهة العراق وعلى سواعد أهل العراق، وعلموا الأطفال أن الطرق لاتكون الا اليها والى معناها الفلسطيني القومي المقدس، وأن الحبيب للحبيب قريب مهما تباعدت الطرق وتشتتت الآمال وتعثرت الخطى، وساد الخنى والوهن والأسى..
في لحظة فلسطين العراقية هذه واهتياج العقل والروح من حولها، كان الشاعر البابلي حميد يحمل الشعلة ويهيج القوم من اجل القدس وفلسطين اشعارا وخطوا وتفكرا بمايجب أن يكون، وينادي من الحلّة وبابل والبصرة والناصرية، بأن الجمرات العربية ستبقى تشتعل ولن تنطفيء النار وتخبو الى أن تتحرر الأرض ويفنى الجراد ويعود نهر فلسطين الى مجراه.. ويفرح البرتقال!!
وكان مثل كل العراق يعدو ويغدو مشمرا عن ساعديه وينادي محموما النار النار لطرد الغزاة والاشرار.. لابد من النار.. الثأر الثأر، لابد من الثأر ولا نامت أعين الجبناء!!
كان ذلك الخطاب المثقل بالوعي والأسى، وذلك الهتاف الصادق يتصدى في كل الارواح والأنحاء، ويشعل النار في القلوب والعقول.. وكان نداء واقدساه، يتدلى من كل نخلة، ويحتل الشناشيل وشباك "وفيقة"، وكان معنى النداء توليد فعل وولادة ودلالة، حتى يكون شفاء للغليل، وحتى يشتعل البارود وينثر الغبار في وجه الجراد والتتار.. وكانت الأيدي تمتد من حيطان بغداد وأشجار نخيلها تريد أن تسلم على القدس وأكنافها وتكفكف دمعها وتواسيها، وتريد أن تحررها لكي تبقى دائما وأبدا عربية بلا عوج أو همج..
وأفاق الشاعر مريد القدس وحبيبها، ورأى التتار في واضحة النهار عام 2003 يغزون القاع والبستان، يجتثون قبر الاستاذ والافكار، ويقتلعون النخيل والأزهار، يجففون النهر المدرار، ويقيمون بين الرصافة والكرخ الجدران البغيضة والأسوار.. يأتون في غزوة همجية بربرية ماحقة متجددة جديدة تشمل القدس وبغداد وروح العرب هذه المرة، ورأى الضواري وكل اللقطاء والحثالات، تدخل بغداد المنصور، تنهش الناس والناموس وتمثال السياب وقلب بغداد العربي، ورأى ورأى ومن شدة الحزن والضيم بكى، ومضى الموريسكي حائرا، يفتش عن عبد الله وعن كل مادنى وتدلى، وما فني ومابقى، وعن القدس وبغداد في لحظة واحدة، ويقول كما قالوا قبلا : لاغالب الا الله، ولكنه لم يهن ولم يتعب، مع أن الحمل التاريخي تضاعف، والظهر أصبح لايحتمل....
لم أكن خائفا
ولم أك حين رحلت.. نويت الرحيل
قرأت في صحف الغزاة.. فتاوى تحلل وأد الرياح
ورأيت أناسا.. كانوا أناسا؟! يبيعون مالايباع
وشممت دماء.. على صفحات كتاب الشذى.. خلفتها
الضباع
لم أكن خائفا
غير أن عواء بذيئا.. تهدد صفو نشيدي
وخشيت على حلم في قصيدي
ولي وطن باعه "الجلبيون" بالخراب
فضعت وضيعت
اذ ليس لي غيره....

لكن الموريسكي لم ينكسر ولا لانت قناته، وتأبط عنته وعناده، وعاد مرارا الى درس الاندلس وضياع الأندلس، ودرس العراق الحديث وغلبة المقاومة منذ عام الغزو وانهزام الاعداء على اسوار بغداد، واستدرك واستبصر واستعبر ووجد أن الانكسار اذا تم وعيه واستدراكه يصبح انتصارا، وأن الوعي بالمأساة هو الخطوة الاولى للأنفكاك عنها.. وعاد اليقين القديم الى صدره مرة اخرى، ووجد الأمان والدفء في فيء عربي آخر.. وارتاحت روحه بعد قلق، واشتعل قلبه بحب العرب، وتعلق بحبيبته الأزلية والقريبة من الروح، القدس ذات البوابات المفتوحة على الحرية مكانا وزمانا..
اذكر لهذا البابلي أشياء كثيرة وحبيبة الى القلب وفي مقدمتها قرابة الفكر والادب وتثميني لتلك الثورة الثقافية التي نهض بها على ضفاف دجلة في بيت الحكمة أثناء الحصار، ولكنني دائما لا أنسى تلك الكلمات الجميلة التي خطها لي على أحد دوواينه المترجمة الى اللغة الصربية ودعاني فيها " بأن نكون معا على طريق الابداع والحرية " وتلك اللوحة البغدادية التي اهدانيها قبل وقت قليل من الغزوعام 2003 ولا تزال تتصدر جدار بيتي وتذكرني به وببغداد المنصورة، كما أنني لن انسى أنه كان ذات يوم واسطتي لكي أرى الشهيد المجيد صدام بعد أن منعني ذلك الحارس العنيد العتيد من ذلك..
ولأنني من خلاله ومن بين سطوره، ونفحات وخلجات روحه وصدق عبارته أرى بغداد.. بغدادنا العربية المنصورة، والعصية على الغزاة،.. بغداد الصافية مثل الماء الزلال.. وأرى الشهيد والشهداء، وأرى طه، وسعدون، وطارق، وعليا، وعبد، وعبد الغني، فاعاود قراءة مايقول، ولا اعود أرى الموريسكي الكسير المهموم، بل أرى العراقي البغدادي، البابلي، الحلّي، الذي ذهب ولا يزال يذهب الى القدس والى كل فلسطين محبا شاهرا عروبته وسيفه من اجل حريتها وتحريرها..
لا أخالك الا كما أنت.. من صلوات ونور
وماترك الغاصبون على صفحات كتابك مايسطرون
انتظري ويكون النشور
أنت علمتنا أن يكون الحوار
بين جار وجار
وليس مع المفترين على وردنا والذمار
لا أخالك الا كما كنت..
من جنتين اثنتين.. تقبلين
السرى والقيامة...

*(نص الكلمة التي القاها الاستاذ اسماعيل ابو البندوره في حفل تكريم الشاعر العراقي حميد سعيد الذي أقامته رابطة الكتاب الاردنيين مساء يوم الاربعاء 18\7\2012)
شبكة البصرة
الاربعاء 28 شعبان 1433 / 18 تموز 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق