قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الأربعاء، 18 يوليو 2012

خرائط ملاحية قديمة تعود للقرن السادس عشر، قلبت المفاهيم الجغرافية والتاريخية رأسا على عقب وأذهلت العالم ونسفت ادعاءات كولومبس.! - أفلام مرفقة


خرائط ملاحية قديمة تعود للقرن السادس عشر، قلبت المفاهيم الجغرافية والتاريخية رأسا على عقب وأذهلت العالم ونسفت ادعاءات كولومبس.! - أفلام مرفقة

كاظم فنجان الحمامي         المصدرهنا

basra31
أدركت المراكز العلمية العالمية منذ زمن بعيد إن المغامر الايطالي (كريستوفر كولومبس) لم يكن أول من وصل إلى السواحل الامريكية، وتأكد للعلماء بما لا يقبل الشك إن العرب والأفارقة والصينيين واليابانيين والفايكنع سبقوا كولومبس بقرون، وأضحت المؤسسات الامريكية على قناعة تامة إن كولومبس سرق الخرائط الملاحية الأندلسية، واستعان بتجارب الملاحين العرب، وسلك المسالك التي سار عليها الربان (خشخاش بن مسعود)، والربان (ابن فاروق)، فسارعت حكومة الولايات المتحدة الامريكية إلى تهذيب معارفها التاريخية، وتعديل مقرراتها الدراسية (لم نعدل مقرراتنا حتى الآن)، بيد إن المفاجأة الكبرى، التي أدهشت العالم كله، وقعت بعد عام 1929 على أثر اكتشاف مجموعة نادرة لخرائط ملاحية تعود للقرن السادس عشر، قلبت المفاهيم الجغرافية والتاريخية رأسا على عقب، وزلزلت كيان المنظمات الهيدروغرافية الدولية، فقد كانت الخرائط متكاملة الملامح، دقيقة التفاصيل، صحيحة الأبعاد، واضحة الخطوط، رُسمت في الحقبة التي عاش فيها كولومبس، لكنها تناولت في بياناتها وملامحها الأماكن التي لم يصلها كولومبس، واشتملت على السواحل الشرقية للقارتين الأمريكيتين (الشمالية والجنوبية)، والسواحل الغربية لقارة إفريقيا، والسواحل الشمالية للقارة القطبية الجنوبية، ومما يبعث على العجب إنها رسمت الحدود الحقيقية لليابسة في القارة القطبية الجنوبية، وكأنها أزالت عنها طبقات الثلوج المتراكمة فوقها منذ عشرات القرون، والتي بلغ سمكها أكثر من كيلومترين، حتى يُخيل للناظر إن الذي رسم الخرائط كان يمتلك أقوى أجهزة السونار، وكانت بحوزته أحدث معدات التصوير من الجو عندما رسم سواحل القارة القطبية، بحيث استطاع أن يراها عن كثب، ويسجل ملامح خلجانها وأخاديدها ومرتفعاتها ومنخفضاتها وتعرجاتها، حتى بلغت درجة الدقة إلى التطابق المثالي بين السواحل الحالية المرسومة بأحدث الأجهزة الجيولوجية والجيمورفولوجية وبين السواحل المرسومة في القرن السادس عشر والمثبتة على تلك الخرائط المدهشة..
سنتعرف هنا على هوية العبقري الذي رسم الخرائط الملاحية التي أدهشت العالم، ونستعرض خرائطه المثالية، مع الإشارة إلى روابط بعض الأفلام والأشرطة الوثائقية التي نقلت للعالم تفاصيل هذا الحقيقة العلمية الباهرة، وسنتعرف أيضا على النهاية المؤلمة لهذا المستكشف الجغرافي الذي سبق عصره بقرون..
العودة الى القرن الخامس عشر
في عام 1465 وعلى وجه التحديد في قرية من قرى جزيرة (غاليبولي) على بحر (مرمرة)، ولد الطفل (أحمد برّي)، فعم الفرح بيت أبيه الحاج محمد برّي، وبيت شقيقه (كمال) أمير الماء، أو الأميرال (كمال برّي)، في هذه القرية يقضي الأولاد معظم أوقاتهم في البحر، ينامون في القوارب الخشبية على أصوات الأمواج الهادرة، يمارسون الغطس والسباحة الشاطئية، يصطادون الأسماك، يجمعون القواقع، ويبنون القلاع الرملية الجميلة..
تلقى احمد برّي تعليمه الأولي في البيت والمسجد، والتحق بسفينة عمه القبطان (كمال برّي) عند بلوغه الثانية عشرة من عمره، فاكتمل نموه الجسدي والمعرفي في أحضان البحر، واشترك في معظم الحروب والغارات البحرية في حوض البحر الأبيض المتوسط، على مدى (14) عاما أمضاها مع عمه، ثم صار ربانا مستقلا بسفينة شراعية حديثة، فشارك في تقديم المساعدة والإسناد للجيوش العربية في الأندلس، ولعب دورا كبيرا في إخلاء المسلمين الفارين من بطش ملك قشتالة، وكان يقوم بإيصالهم إلى بر الأمان وإنزالهم على السواحل الإفريقية.
حاز على لقب (رئيس)، وهي رتبة حربية أعلى من رتبة القبطان، وصار يعرف باسمه الجديد: (الرئيس برّي)، أو (الريس بيري)، ويسمونه باللغة التركية (بيري ريس Piri Reiss)، وكان يتردد على مرافئ الشام ومصر وتونس والجزائر وصقلية وكورسيكا وسردينيا ومالطا..
ظهرت مواهبه الملاحية منذ اليوم الذي عمل فيه مع عمه في عرض البحر، كان شغوفا بتدوين المعلومات الجديدة التي اكتشفها رجال البحر، دؤوبا في البحث عن الخرائط الملاحية النادرة، فعكف على تنظيمها وجدولتها وتصنيفها، وبرع في توحيدها ورسمها على جلود الغزلان، فضبط قياساتها، وثبت معالمها، وزينها بما توفر لديه من معلومات وتحذيرات وإرشادات كتبها بخطه الجميل..
كان الرئيس برّي يتحدث رسميا باللغتين العربية والتركية، لكنه كان يحسن التفاهم باللغات الايطالية، واليونانية، والاسبانية، والبرتغالية، فقرأ المراجع البحرية القديمة المكتوبة باللغات التي يجيدها، حتى جمع مجلدات ومجلدات عن العلوم الجغرافية والفنون الملاحية، التي توصل إليها العرب والايطاليين والفرنسيين والأفارقة، وابدي اهتماما كبيرا في تثبيت خصائص الجزر وخطوطها الساحلية وأخاديدها النهرية..
أمير البحار الجنوبية
لا علاقة لصاحبنا (الرئيس برّي) بالرئيس اللبناني نبيه برّي إلا من حيث تطابق الأسماء، وإن كان الثاني لا يحب ركوب البحر، وربما لا يجيد السباحة، لكنه أوفر حظا من القبطان (الرئيس برّي)، لأنه لم يواجه المتاعب التي واجهها أمير البحار عندما اشترك في الحرب الطويلة بين العثمانيين والبنادقة (1498 – 1502)، فاكتسب خبرة بحرية وحربية، ونال أرفع الأوسمة، شارك بعدها في الحملة البحرية التي شننتها الدولة العثمانية ضد حكم المماليك في مصر (1516 – 1517)، وكان هو الذي يقود الأساطيل،
فدحر حصون الإسكندرية، وضرب حولها طوقا بحريا، حتى توغل ببعض سفنه إلى القاهرة، فانتهز الفرصة لرسم المسالك المائية لحوض النيل، وكانت من الخرائط النادرة المحفوظة الآن في المتحف البحري بأنقرة، وشغل بأمر السلطان منصب القائد العام للأسطول المصري، وكان مقره في مدينة السويس،
كتاب البحرية
شاءت الصدف أن يكون (الرئيس برّي) مرافقا للصدر العثماني الأعظم (إبراهيم باشا) عام 1524، وكان (برّي) هو القائد البحري المكلف بقيادة أسطول مكون من عشر سفن، توجهت من تركيا إلى مصر بإشراف الصدر الأعظم لحل الخلاف القائم بين والي مصر ودفتر دارها، ولم يتمكن الأسطول من إكمال الرحلة بسبب العواصف، فسلكوا الطرق البرية، وكانت فرصة لبرّي ليعرض على الصدر الأعظم انجازاته الملاحية والاستكشافية، ويبين له أهمية كتابه المشهور (كتاب البحرية)، فتوطدت العلاقة بينهما، وأثمرت بالسماح لبرّي بمقابلة السلطان سليمان القانوني، فنال رضاه، وأصبح من المقربين للباب العالي..
باشر (برّي) بإعداد كتاب البحرية عام 1521، وفرغ منه بعد أربعة أعوام، فأهداه إلى السلطان، وكان عبارة عن أطلس ملاحي شامل لبحر إيجة والمتوسط، قدم فيه المؤلف وصفا دقيقا للسواحل والشطئان، مع بيان التيارات المائية والشعب المرجانية والمراسي والخلجان والمرافئ ومنابع المياه العذبة، والقلاع والمواضع المحصنة..
نال الكتاب شهرة واسعة، ولمع اسم المؤلف بين أسماء أعظم الجغرافيين والمؤرخين، وأكد علماء الجغرافية على صحة بيانات الكتاب، ووقفوا مبهورين أمام التطابق المذهل بين الخرائط التي رسمها برّي وبين الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية..
اكتشف الرئيس برّي انه يمتلك قدرات ملاحية عالية تؤهله للتفوق على أقرانه الذين اشتهروا في القرن السادس عشر، وكان من الطبيعي أن يبحث عن اقصر الطرق التي توصله إلى الباب العالي بالأستانة، فرسم أجمل الخرائط الملاحية للقارتين الأمريكيتين، أهداها إلى الصدر الأعظم، فاصدر السلطان فرمانا عثمانية صار بموجبه الرئيس برّي أميرا على البحار الجنوبية، التي شملت البحر الأحمر، والمحيط الهندي، وبحر العرب، وخليج عمان، والخليج العربي..
كانت خرائط الرئيس برّي هي الجسر الذي عبر فوقه نحو عالم الشهرة، وله في هذا المضمار خارطتان مهمتان، الأولى لبلاد الأندلس، وغرب إفريقيا، والمحيط الأطلسي، والسواحل الشرقية للأمريكيتين، بقياس (60 في 85) سنتيمتر، قدمها للسلطان سليم الأول عام 1917، وهي موجودة الآن في متحف (طوبقبو) في اسطنبول، وعليها توقيعه، والأخرى لسواحل الأطلسي من (غرين لاند) إلى فلوريدا، وهي موجودة أبضا في متحف (طوبقبو)
قارة أنتيليا
ورد اسم هذه القارة في كتاب الرئيس برّي (كتاب البحرية) عشرات المرات، وخصص لها فصلا كاملا، تحدث فيه عنها بإسهاب لم يسبقه فيه أحد، وأشار إلى الاسم الحقيقي للقارة الجديدة التي عرفها الناس في القرون اللاحقة باسم (أمريكا)، واستطاع برّي أن يرسم لها (خارطة خارقة)، وهو التعبير الذي استعملته جامعة جورج تاون في وصف خرائط الرئيس برّي لقارة أنتيليا، لأنها تفوقت بدقتها على احدث التقنيات التي استعانت بها مراكز المسح البحري الهيدروغرافي في العصر الحديث، وجاءت مطابقة للواقع (100%)، وفي شباط (فبراير) من عام 1988 أقيم في غرناطة باسبانيا مهرجان كبير بمناسبة مرور خمسة قرون على اكتشاف قارة أمريكا، تحدث فيه علماء التاريخ والجغرافيا عن اعتماد كولومبس على الخرائط الملاحية العربية والإسلامية في عبور الأطلسي، وأكدوا على استعانته بالمراجع العربية، وقالوا: انه رجع إلى الكثير من المؤلفات العربية التي تُرجمت إلى اللغة الاسبانية آنذاك، منها كتاب (مروج الذهب) للمسعودي، وكتاب (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) للإدريسي، وهو الذي رسم مشاهداته على كرة من الفضة للملك روجيه الثاني، عندما دعاه لزيارة صقلية، وكتاب (تقويم البلدان) لعماد الدين إسماعيل أبي الفداء، واجمع المشاركون في الحفل على أن كولومبس زود سفنه بعدد من الآلات البحرية والفلكية العربية الأصل مثل البوصلات العربية والإسطرلابات وآلات الكمال (ألة السدس)..
كان الرئيس برّي على معرفة مسبقة بهذه القارة قبل انتشار خبرها، وقبل تدفق الهجرات إليها، قال في كتابه: إن بحر المغرب (يقصد المحيط الأطلسي) بحر عظيم يمتد بعرض (2000) ميل بحري تجاه الغرب من بوغاز (سبتة)، وفي الطرف الآخر من بحر المغرب توجد قارة كبيرة جدا، هي قارة أنتيليا..
وقال أيضا: إن هذه القارة اكتشفت عام 1465، أي قبل وصول كولومبس بأكثر من ربع قرن، ونقل في كتابه عن (رودريكو) وهو رجل برتغالي، عمل في خدمة عم برّي (الرئيس كمال)، انه رافق كولومبو (يقصد كولومبس) في رحلته إلى أنتيليا، التي استعان فيها بالخرائط الأندلسية والعثمانية، وقال انه وقف يتوسط بين كولومبو وبحارته الذين أعلنوا العصيان، وأرادوا الاعتداء عليه بعد اليأس الذي أصابهم في البحث عن القارة الجديدة، وقال إن كولومبو قال لهم: (أثق إننا لابد أن نصل هنا إلى الأرض التي نبحث عنها، لأن البحارة الأندلسيين والعثمانيين لا يكذبون)، وبالفعل، عثرنا على الأرض الجديدة بعد ثلاثة أيام من ذلك التصريح..
ومن نافلة القول نذكر إن خرائط الرئيس برّي تشير في أكثر من موقع على إن قارة (أنتيليا) تعد من ممتلكات الإمبراطورية العثمانية منذ عام 1465، وان تشابه اسم جزر الأنتيل مع اسم أنتيليا يؤكد على إن هذا الاسم مأخوذ من اللغة المحلية للأقوام التي كانت تسكن الجزر، والمعروف عن العرب والمسلمين أنهم لا يغيرون أسماء الأماكن التي يفتحونها، على عكس القوى الغربية التي ابتكرت أسماء لا علاقة لها بتلك البلدان فظهرت عندنا (بوليفيا)، و(نيوزلاند)، و(الإكوادور)، و(استراليا)، وغيرها..
الخرائط التي أذهلت العالم
لم يكن (الريس برّي) معروفا قبل اليوم التاسع من شهر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1929، وهو اليوم الذي اكتشف فيه العالم الألماني (غوستاف أدولف ديسمان) كنزا ملاحيا فريدا، يعود إلى القرن السادس عشر الميلادي، كان الكنز عبارة عن مجموعة من الخرائط المتهالكة المرسومة على جلد الغزال، فأدرك على الفور انه يقف أمام كنز ملاحي مجهول، عثر عليه بمساعدة مدير المتاحف الوطنية التركية (خليل أدهم)..
كان الكنز عبارة عن خارطتين متهالكتين مرسومتين بتسعة ألوان على جلد الغزال للشواطئ الغربية لإفريقيا، والشواطئ الشرقية للأمريكيتين، والحدود الشمالية لليابسة في القارة القطبية الجنوبية (انتاركتيكا). قال عنها مدير مركز الأرصاد في (ويستون): ((إن خرائط الرئيس برّي صحيحة بدرجة تذهل العقول، لأنها تُظهر بوضوح أماكن لم يكتشفها الإنسان في ذلك الزمان، ومما يبعث على الحيرة انه رسم جبال القارة القطبية الجنوبية ووديانها، في حين لم تتوصل المراكز الجغرافية المعاصرة إلى رسمها إلا بعد عام 1952، وذلك بعد ان تسلحت بأحدث تقنيات المسح الزلزالي، ومما زاد الأمر حيرة إن الصور التي التقطتها المركبات الفضائية للقارة القطبية الجنوبية جاءت مطابقة لخرائط الرئيس برّي))،
والشيء نفسه يقال للحدود الشرقي في القارتين الأمريكيتين، والتي جاءت مطابقة تماما مع الحدود التي بينتها صور الأقمار الصناعية لتلك السواحل، ما تسبب بإحراج علماء الجغرافيا، لأن كولومبس لم يصل إلى تلك السواحل، ولم يتعرف عليها أبدا، ولم تكن لدية القدرة على رسم الخرائط بهذا المستوى المذهل، والحقيقة التي لابد من الاعتراف بها، هي إن العرب والمسلمين كانوا يصولون ويجولون في تلك السواحل، ويترددون عليها في أوقات غير منتظمة، ولما كان من الصعب على الغرب الاعتراف بهذه الحقيقة، لجئوا إلى تلفيق قصص من عالم الخيال، ربطوا بها غموض هذه الخرائط ببعض المخلوقات الذكية التي هبط من السماء، وقالوا: إن تلك المخلوقات تعرفت على الرئيس برّي، وساعدته في رسم الخرائط بهذه الطريقة الرائعة، التي تفوق فيها على تقنيات العلوم المعاصرة، ونسجوا قصصا أخرى تقول: إن الرئيس برّي حصل بالصدفة على هذه الخرائط، التي رسمتها له الكائنات الفضائية الغامضة، وقام باستنساخها وتلوينها لكي يبهر العالم بها، والى آخره من الحكايات الخرافية، التي ترفض الاعتراف بأسبقية العرب والمسلمين..
خلاصة القول نذكر إن خرائط الرئيس برّي حيرت العالم كله بمجموعة من الخصائص الفريدة، التي يتعذر وجودها في الخرائط الأخرى، خصوصا بعد أن أعطتنا وصفا دقيقا لأماكن لم تتطرق إليها المراجع الجغرافية المعاصرة للزمن الذي رسمت فيه الخرائط، فعلى الرغم من أن الرئيس برّي اعترف باعتماده على عشرة مراجع عربية وأربعة هندية، لكننا لم نجد مرجعا عربيا أو هنديا واحدا تطرق إلى القارة القطبية الجنوبية، أو توسع في شرح الملامح الساحلية للقارتين الأمريكيتين..
وبهذه المناسبة أتقدم بالشكر الجزيل إلى الأستاذ (قهرمان صادق أوغلوا) الذي أهداني نسخة كبيرة ملونة لخرائط الرئيس برّي.
نهاية غير متوقعة
تعد حكاية (الرئيس برّي Piri Reiss)، من أغرب الحكايات، وتكاد تكون نهاية هذه العالم الملاحي الكبير مشابهة لنهاية المهندس العراقي العبقري (سنمّار)، الذي شيد بظهر الحيرة قصرا منيفا للنعمان بن المنذر، هو قصر (الخورنق)، تفوق في تصميمه الهندسي على القصور كلها في ذلك الزمان، فأرسل النعمان في طلب (سنمّار) ورماه من أعلى القصر حتى لا يبني قصرا لغيره، فذهبت الحادثة مثلاً لمقابلة الإحسان بالإساءة، ومقابلة الخير بالشر، وهذا ما حصل مع أمير أمراء البحر (الرئيس برّي)، الذي تألق نجمه في زمن السلطانين (سليم الأول)، و(سليمان القانوني)، حتى أصبح قائدا عاما للقوات البحرية العثمانية، لكنه لم يكن يعلم انه كان يسير نحو حتفه في ظل الدولة التي فقدت ثقتها بعلمائها وقادتها، ففي يوم من أيام عام 1551 تحرك الرئيس برّي في البحر الأحمر بأسطول كبير من ميناء السويس إلى عدن، التي سقطت بيد البرتغاليين، وكان قد تجاوز العقد الثامن من عمره، لكنه وعلى الرغم من بلوغه سن الشيخوخة، كان شجاعا باسلا، متوقد الذهن، حاد البصر، ففتح قلعة عدن، وسيطر على مرفئها من دون مقاومة بعد انسحاب الغزاة منها، ثم توجه نحو قلاع مدينة هرمز عند بوابة خليج البصرة (الخليج العربي)، بيد انه لم يفلح في اقتحام قلاعها الحصينة، فتوجه إلى البصرة العظمى، ومكث فيها مدة، وسمع هناك بتحرك الأسطول البرتغالي لمحاصرته في مياه شط العرب، فقرر مغادرة الالتواءات النهرية الضيقة، والتوجه بسفنه إلى المسطحات المائية المفتوحة، لملاقاة البرتغاليين في عرض البحر، وهكذا غادر البصرة بثلاث سفن فقط، ولم يستطع استدعاء سفن الأسطول الموزعة على المرافئ البعيدة عنه، فعلم بعد ذلك إن البرتغاليين تحركوا بأسطول ضخم لا يقوى على مواجهته، ومما زاد الموقف سوءا تحطم إحدى سفنه الثلاث، فوجد نفسه مضطرا للعودة إلى مصر، ومعاودة الهجوم عليهم، ولم يكن يعلم إن والي البصرة (قوباذ باشا) أرسل خطابا عاجلا لديوان السلطان سليمان القانوني في الأستانة، يتهم فيه الرئيس برّي بالجبن والخيانة والتخاذل..
لم يركب والي البصرة قاربا في حياته، ولم ير البحر، ولا يعلم شيئا عن المعارك البحرية، لكنه اختار الإطاحة بالرئيس برّي لأسباب غير معروفة، فصدرت الأوامر السلطانية الغبية بإعدام الرئيس برّي فور وصوله إلى مصر، فأعدموه عام 1554من دون أن يمنحوه فرصة واحدة للدفاع عن نفسه، ومن دون أن يأخذوا بنظر الاعتبار مكانته العلمية والملاحية، وسجله الحربي الحافل بالانتصارات، ومن دون أن يشفقوا عليه ويرأفوا بحاله لكبر سنه، وضعف بدنه، فمات مشنوقا في العقد التاسع من عمره..
وربما شعرت الحكومة التركية بالذنب فأقامت تمثالا كبيرا للرئيس برّي (بيري ريس)، وطبعت خرائطه على عملاتها الورقية من فئة مليون ليرة، وفئة عشر ليرات، وهكذا نحن دائما نتهم العلماء الأعلام بالكفر والزندقة، أو نتهمهم بالتآمر والخيانة، ثم نقتلهم بعد السجن والتعذيب، ونمجد ذكراهم بعد مماتهم بقرون..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق