قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الاثنين، 14 أبريل 2014

صلاح المختار : البعث بين صواب مسيرة وخطا ممارسة 1

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
البعث بين صواب مسيرة وخطا ممارسة 1
شبكة البصرة
صلاح المختار
أخطاء الاخرين دائما أكثر لمعانا من أخطائنا
مثل روسي

في خطابة الاخير الذي بث يوم 7-4-2014 لمناسبة ذكرى تأسيس البعث وقال الرفيق القائد عزة ابراهيم ان قيادة الحزب قد ارتكبت اخطاء وان الحزب اعد دراسة تقييمية لتلك الاخطاء عممت على الكادر المتقدم وسوف تعرض على اول مؤتمر قطري واول مؤتمر قومي يعقد لاقرارها قبل نشرها لاطلاع الناس عليها، والسبب هو ان التقاليد والضوابط الحزبية لا تسمح باعلان وثيقة او موقف حزبي قبل اقراره وفقا للطرق الاصولية فيه وهذا هو السبب الوحيد لتأخر اعلان تلك الوثيقة التاريخية.
واقرار ايجابيات واخطاء مسيرة 35 عاما من حكم الحزب في العراق هي مسؤولية المؤتمر القطري وليس اي عضو منفرد فيه فمن حق الرفيق في الحزب ممارسة النقد ولكن القرار النهائي للجماعة اي المؤتمر القطري، وهذه الحالة تشبه التصويت في البرلمان على مشروع قانون او قرار حيث لا يعتبر شرعيا الا بعد اقراره برلمانيا.

ما قيمة ما قاله الرفيق المناضل عزة ابراهيم؟ من الضروري تذكر ما يلي :
1 – تقتضي الامانة ومتطلبات الواقع الميداني الاعتراف الواضح بلا لبس او غموض بان مسيرة البعث التاريخية هي مسيرة عظمى حققت اعظم الانجازات لشعب العراق وقدمت للامة العربية انموذجا جذابا استحق بجدارة اعجاب ودعم عشرات الملايين من العرب، ولكن وفي الوقت ذاته ولكي تكون نظرتنا شاملة لكافة جوانب التجربة نحن ملزمين بتشخيص اخطاء وقعت بها تلك التجرية الناجحة بكل المقاييس، فلا تقييم موضوعي وبناء الا اذا تضمن كافة جوانب التجربة الحية المترابطة عضويا واهمها تحديد الايجابيات والسلبيات في نفس الوقت.
وهكذا هي الحركات التاريخية الكبرى التي وجدت لتبقى اجيالا وقرونا مادمت تبني وتعمر وتكمل اهداف مراحل متعاقبة في اطار رسالة خالدة مهمتها الاساسية احداث تغيير شامل للحياة العربية، وبحكم هذه الرسالة لابد ان تقع اخطاء وتحصل عثرات اثناء تحقق الانجازات الكبرى.

2 - الصواب هو الاساس وهو المعيار الحاسم لتقييم القوى والافراد ايجابيا وليس الخطأ، ولذلك وضع الله على كتفي الانسان ملاكان احدهما يحصي الاخطاء والاخر يحصي الحسنات، فهو لو كان معصوما لما وضع الملاكين ليحصيا ما يقوم به في ميزان دقيق.الانسان خطاء بطبعه ومهما اكتمل فهو ناقص مادام الكمال لله وحده. هذه الحقيقة تضعنا امام مسألة لا مفر منها وهي ان من يعمل ويعيش الحياة لابد ان يخطأ والذي لا يخطأ هو الذي يعيش بمفرده في جزيرة منعزلة مثل روبنسن كروزو، وحتى في عزلته فانه يرتكب الاخطاء وهو يأكل ويبني بيته ويتعامل مع الزرع والحيوان.
هذا هو جوهر تجربة الحكماء والعلماء والعقلاء عبر الاف السنين، وهو سبب ظهور الاديان لاصلاح اخطاء الناس وهدايتهم، وهي سبب نشوء الحركات الاصلاحية كافة، والاكثر اهمية هي السبب الرئيس لتبني ما نسميه (القيادة الجماعية) الان وما سماه اجدادنا ب (الشورى)،وما يسميه العالم المعاصر بالديمقراطية، فكل هذه المفاهيم والنظم هي حلول لاخطاء بشر فطروا على الخطا والصواب، مادامت النفس امارة بالسوء مثلما هي امارة بالخير.

3 - استنادا الى ذلك فان من ابرز سمات الانسان الناجح الاعتراف بالخطأ فلا انسان ناجح ومؤهل لعمل عام او خاص وممارسة مسؤولية الا اذا كان مقتنعا بانه اذا اخطأ عليه الاعتراف بخطأه حالما يكتشفة،او يكشف له من قبل غيره، ثم تأتي الخطوة الاهم وهي تصحيح الخطأ، فما قيمة الاعتراف به اذا كرره بعد الاعتراف به؟ العبرة كل العبرة في عدم تكراره واذا تكرر فانه ليس خطأ بل هو انحراف كامن في بنية الشخص او الجماعة.
لقد زخرت الاديان التوحيدية وكتابات المصلحين والفلاسفة بجدل طويل حول الصلة بين الخطأ ومستقبل مرتكبه وهل ارتكاب الخطأ عامل سلبي محض ام انه عامل ايجابي ايضا؟ وعبر جدل وحوارات وتعلم واستخلاص تجارب برز شبه اجماع على ان من ارتكب خطأ فردا او جماعة وثبتت حسن نيته وانه ارتكبه نتيجة قلة خبرة او فرض عليه فرضا لاعتبارات عديدة ثم صححه بعد اكتشافه وتعلم منه، فانه افضل ممن لم يجرب بعد.
لماذا؟ الذي لم يجرب بعد معرض للوقوع في نفس اخطاء الاخر لانه لم يجرب العمل الذي حصل الخطأ اثناء القيام به، ومن المستحيل تقديم دليل على ان الشخص الجديد لن يقع في اخطاء سابقه او اخطر منها، ولهذا فان العمل العام وليس الخاص لا يجوز ان يعد مختبر تجارب واعادة التجارب خصوصا الباهضة الثمن، لان النتيجة هي الاضرار بالمصلحة العامة اي بالناس العاديين. والمنطق السليم يفرض الانطلاق من نتيجة الخطأ الذي اكتشف وصحح واصبح من ارتكبه محصنا ضد تكراره، وهو بالتالي اكثر تأهيلا لمواصلة العمل من الجديد غير المجرب. وهذه ملاحظة انتجت عدة امثال شعبية معروفة كان محورها تفضيل المجرب الذي اخطأ على من لم يجرب بعد.

4 - واخيرا وليس اخرا فان الاعتراف بالخطأ في ضوء ما تقدم هو ليس اسقاطا لمن اعترف به بل على العكس انه (فضيلة) وتحصينا له وتأكيدا لاهليته وافضليته وحسن تقديره وصدقه وحسن نيته، واذا استغل البعض الاعتراف بالخطأ للطعن او التشهير فهذا البعض ناقص التجربة والوعي او انه اسير احقاد او ثأرات تسقيطية تضر العامة ولا تنفعها.
الحزب مثل الجسد الانساني ما لم يعالج امراضة سيتفاقم المرض وقد يؤدي الى الموت لذلك فالنقد داخل حزب هو مثل علاج الجسد المريض، فالخطأ انحراف ولكي لا يتحول الى ردة يجب تصحيحه باسرع وقت، تماما مثلما تصبح معالجة مرض الجسد ضرورة قبل ان يفضي لما هو اسوأ منه. وطبقا لذلك فالنقد هو احد اهم واجبات الحزب ومناضليه لانه ضمانة تجديد الحزب والتخلص من عوامل الضعف فيه، فالنقد والنقد الذاتي في الحزب وجد ومورس بدرجات وطرق مختلفة تبعا للظروف السائدة لاجل تحقيق تقدم الحزب مواصلة تنفيذ اهدافه وتجنب التقوقع في حالة جامدة.
ومن تقاليد وواجبات الحزب في كل دورة انتخابية تقييم اداء القيادة وتحديد اين اخفقت واين نجحت وابدعت، فيصحح الخطأ ويعمق الصواب ويتواصل العمل به. من هنا فان نقد تجربة الحزب كان على رأس اولويات الحزب بعد الغزو مباشرة لان مرحلة انتهت وبدأت مرحلة جديدة ولابد من تحديد معالم الطريق الصحيح فيها. اذن الحزب لم يرفض الاعتراف بالاخطاء التي ارتكبت على الاطلاق بل اعتبر نقدها عمل يقع في صميم واجباته وعوامل ديمومته ونجاحه وتعافيه، وهذه حقيقة يجب ابرازها لتجنب الاعتقاد الخاطئ بان الحزب يرفض الاعتراف باخطاءه.
منذ الغزو يتحدث بعض اصحاب النوايا الطيبة والمخلصين عن ارتكاب البعث اخطاء اثناء حكمه، وان المطلوب الان هو نقد تلك الاخطاء لان البعث وطبقا لقناعة الكثير من العراقيين غير البعثيين كان ومازال هو الحزب الام في العراق من حيث شعبيته الشاملة للقطر كله وهذه ميزة ينفرد بها دون غيره، ودوره الجهادي ضد الاحتلال مع غيره من الفصائل والقوى المناهضة للاحتلال، وتضحياته الكبيرة بالنفس وغيرها، ولذلك فان تحرير العراق بصورة حاسمة وباقل الخسائر غير ممكن من دون التعاون بين البعث وبقية القوى الوطنية، ولتسهيل تحقيق هدف التعاون والتحالف طلب كثيرون نقد الاخطاء لاجل تمهيد الطريق لتحالفات اوسع من تحالفات البعث الحالية.
ورغم الصواب العام لهذا المطلب ومشروعيته الا انه لا يجوز ان يتحول الى شرط مسبق للتحالف مع البعث، لان الاصل هو تحرير العراق وقبل اي هدف اخر، واشتراط نقد الاخطاء لاقامة التعاون مع البعث شرط تعجيزي وقد يكون غطاء لرفض التحالف اصلا، وهذه حالة سلبية، فالتحالف ليس اقامة حزب جديد من قبل من يتحالفون فيكون الانسجام في كل شيء مطلوبا بل هو توحيد جهود حزبين او جماعتين بينهما اختلافات فكرية وسياسية كثيرة ولكنهما تلتقيان حول قاسم مشترك وهو تحرير العراق وتعدانه اهم من الخلافات.
وبناء عليه فان الاختلاف في تقييم فترة حكم الحزب امر طبيعي وليس عقبة امام التحالف، بدليل ان حركات التحرر في العالم والوطن العربي لم تشترط تحقيق تطابق كامل في كل شيء لاجل التحالف وكانت الخلافات موجودة حتى بعد التحالف حول قضايا اهم واخطر من نقد تجربة حزب. كما ان ما يعده احد الاطراف خطئا قد لا يعتبره الطرف الاخر كذلك، وهذه هي طبيعة التعددية الحزبية، فكل طرف ينظر لتجربة ما من زاويته الخاصة وزوايا النظر المختلفة تقدم صورا مختلفة للشيء ذاته.
الاخطاء ثمرة مرحلة تاريخية معينة بظروفها وضغوطها ومؤثراتها ولذلك فاي تقييم لها يجب ان يتم في بيئة تلك المرحلة وليس في بيئة المرحلة اللاحقة لها بزمن قد يكون طويلا،خصوصا لان التجارب حصلت وتبادل فيها الجميع ارتكاب الخطأ، وتعلم البعض بمرور الزمن واخذ بدروسها، فانا اليوم غير انا قبل ربع قرن وغيري كذلك. اما اذا حكمنا بمعايير اليوم، ونحن جميعا اكثر وعيا وخبرة، على عمل الامس البعيد، عندما كنا اقل خبرة او بلا خبرة، فان ذلك خطأ قد يكون فادحا خصوصا في القضايا العامة.

الطبع والتطبع : ان بيئة الخطأ المرتكب من قبل طرف ما هي نفسها البيئة التي جعلت الاطراف الاخرى ترتكب نفس الخطأ او اكثر منه، فمثلا الاستبداد والانفراد بالسلطة واقصاء الاخر ثقافة عربية بشكل عام وعراقية بشكل خاص وتجدها في كل الاحزاب والكتل، والسبب واضح فنحن ابناء بيئة وتقاليد اجتماعية نتأثر بثقافة مجتمعنا وننشأ وفقا لتربية عائلية واجتماعية تبني الشخصية على الاستبداد والتفرد واقصاء الاخر وان كان بدرجات مختلفة، لهذا لن تجد حركة او جماعة عربية كبيرة، وليس نخبة صغيرة، لم تمارس الاقصاء والاستبداد حتى داخلها.
نحن نتحدث عن وقائع معروفة وليس نظريات : في العراق واجهنا الاستبداد الوراثي في عام 1958 وما بعده مارسه اولا الديكتاتور عبدالكريم قاسم وبتحريض ودعم من الحزب الشيوعي، والاخير مارس اشد انواع الاستبداد فتكا ووحشية عندما اخذ يمارس القتل والسحل وتشويه جثث المعارضين! والمفارقة المحزنة انه كان يهتف باسم الديمقراطية والحرية حتى وهو يقتل ويسحل ويطالب باصدار احكام اعدام على خصومه، وهذه حقائق موثقة وثابتة وليست اشاعات مغرضة!
وعندما جاء البعث في عام 1963 الى الحكم لاول مرة وهو مثخن بجراح عميقة احدثتها سكين الحزب الشيوعي وقاسم مارس اسلوبا مشابها فقتل واعتقل كرد فعل على ما عانى منه، وفي نفس العام جاء الناصريون الى الحكم فمارسوا العنف والاعدامات ضد البعثيين! اذن الكل مارس العنف الوحشي كتعبير عن نزعة استبدادية متأصلة في النفوس وليس نتاج تربية حزب معين. بل ان الفرد مستبد حتى في بيته فالمجتمع هو مجتمع ذكوري واستبداد الرجل في العائلة هو احد اهم سمات الشخصية العربية، بعد تربية العائلة نتربى على الاستبداد في البيئة الاجتماعية والوطنية.
اذن عندما ننتقد طرفا ما على استبداده علينا تذكر نبع الاستبداد وهو المجتمع وتربيته وثقافته، مما يجعل البعثي والشيوعي والقومي والاسلاموي – واي عربي اخر - مستبد بالطبع اصلا وقبل تبني اي عقيدة سياسية، وما ان ينتمي الى جماعة حتى ينقل اليها تقاليده المتوارثةوعندما اتت الديمقراطية وقبلها الشورى لامست طبيعة ثانية في العربي خصوصا بنيته الثقافية ولكنها لامستها من سطحها ولم تنزل للاعماق لترسخ وجودها وتتحول بعد عقود وقرون الى (طبيعة ثانية) مثلما اصبح الاستبداد طبيعة ثانية عبر الاف السنين، لهذا لم تستبدلها بأخرى جديدة وهي التربية الشوروية ثم الديمقراطية.
رغم ان الشورى في اصلها تقليد قبلي نشأ قبل الاسلام الا انها عندما فرضت بقيام كيان قومي اكبر من القبيلة بظهور الاسلام خضع لها الجميع ليس اقتناعا بها بل احناء للرأس امام موجة عاصفة تقطع الرأس الذي لا ينحني لها، فتبنتها الاطراف المختلفة في زمن الخلفاء الراشدين، لكن الاستبداد عاد اقوى مما كان عليه في القبيلة بعد وفاة النبي الكريم وحصول الردة رغم ممارسة الشورى في اختيار خليفته. ثم عاد الاستبداد اقوى مما كان عليه قبل الاسلام بقيام الحكم الاموي ثم الحكم العباسي.
وهذا بالضبط هو ما يجب ان يقال بوضوح عن التجربة الديمقراطية في الوطن العربي فهي جنين لا يستطيع حتى ان يحبو، واذا سيّر (الجنين) على عكازتين اصطناعيتين تظهرانه بحجم اكبر من حقيقته فانه سرعان ما سيسقط ارضا حالما تجرده منهما، وما يحدث منذ عام 2011 في الوطن العربي تحت تسمية ممارسة الديمقراطية خير مثال على عدم استيعاب الديمقراطية كثقافة وسلوك وتبنيها كمفهوم طارئ لم يتغلغل في عمق الانسان ودخيلته.
يتبع.
11-4-2014
شبكة البصرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق