قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الخميس، 9 يوليو 2015

الدكتور غالب الفريجات : الثقافة مرآة المجتمع

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الثقافة مرآة المجتمع
شبكة البصرة
الدكتور غالب الفريجات
الثقافة مشروع تحرري، ولأنها كذلك، فلابد من كل إنسان ينزع إلى الحرية، أن يعي الدور الذي يمكن أن تلعبه الثقافة، والحرية ليست نزعة فردية، بل هي وطنية وقومية وإنسانية، فالشعوب المضطهدة المقموعة، تنزع إلى الخلاص من إيقاعات القمع والإضطهاد، والأمم التي تخضع للتجزأة والتفتيت، لابد وأن تنزع حريتها إلى بناء وحدتها، ومشروعها القومي كالأمة العربية، من أجل تحقيق دولتها القومية المتحررة، من التجزأة والتبعية والتخلف.

النزوع إلى الحرية ليس فيها أي مشروع عدواني، أو تجاوز على حقوق الآخرين، بل هي إعادة المواقع والمواقف، التي إنتزعت إلى ما كانت عليه، أي إعادة الأمور إلى نصابها، وهنا تلعب الثقافة دوراً فاعلاً في عملية التحرر الوطني والقومي والإنساني، فالثقافة يمكن أن تكون وطنية وقومية وإنسانية، أي تلعب كل هذه الأدوار بنزعة تحررية وحدوية إنسانية، لصالح الوطن والأمة وبضمون اجتماعي تحرري.

الثقافة التحررية، هي ثقافة إنسانية ترفض العنصرية والعرقية والطائفية، وهي تنظر إلى الإنسان كقيمة، يجب أن تكون إنسانيته مقدسة، على العكس من الثقافات الامبريالية والصهيونية و الشوفينية والطائفية، لأنها ثقافات إلحاقية، تريد أن تلحق الإنسان بما يخدم مشاريعها العدوانية للإنسان ذاته.

الثقافة ليست منتج إستهلاكي، هي إبداع وخلق جديد للحياة، تؤكد على أن الغاية والهدف من وجود الإنسان، هي عملية الخلق والإبداع، والمثقف كائن حي متحرك بإستمرار نحو التطور والتقدم، وكذلك الأمم التي تملك ثقافة أصيلة، وإن بدت ضعيفة في وجهها السياسي، إلا أنها أكثر قوة من تلك التي لا ثقافة لها، أو أنها ذات ثقافة سطحية، فالمخزون الثقافي للأمة، يؤكد على حيوية الأمة، وأنها صاحبة دور في سلم التطور الإنساني للتقدم، وقد يتراجع أحيانا، ولكنه لا يفنى ويغادر الحياة.

الثقافة ضرورة لابد منها، ولابد لكل فرد أن يعيشها في ذاته، ومع الآخرين، لأن الإنسان المنتج الثقافي لا ينتج لذاته، وإنما للآخرين/المجتمع، الذي يجب أن يتفاعل مع هذا المنتج، وإلا كان هذا المنتج شيئاً بما نلقيه في حاويات القمامة، فقد يكون نافعاً، ولكنه يحتاج إلى عملية خلق جديدة، قد تختلف كلياً عن صفاته الأولى.

المثقف هو من ينتج ثقافة ليست لذاته، وإنما ليقدم غذاءاً نافعاً للمجتمع، لأن قطبي العالم الثقافي هما المثقف والعالم الاجتماعي، ولا تكتمل الثقافة إلا بهما معاً، ولابد من الحضور الدائم للمثقف، والحضور المدعوم والإستمرارية في الدعم من العالم الاجتماعي، لهذا المثقف ملتزم بقضايا المجتمع، وصاحب نزعة تحررية.

إن الثقافة والسياسة وجهان لحالة واحدة، فالسياسة بدون ثقافة ضياع وفوضى، والثقافة بدون إلتزام هرطقة، وهلوسة كلامية، ولابد أن تكون السياسة منسجمة مع الثقافة الملتزمة، لأنها كالبوصلة التي تهدي إلى الطريق المستقيم، ولأنها تملك رؤيا واضحة المعالم، ومحددة الأهداف.

إن العلاقة بين المثقف والسلطة هي علاقة تضاد، ومن أهم الادوار التي يقوم بها المثقف، هو الدور المعارض الناقد للسلطة، لأن السلطة تنزع إلى الهيمنة والتسلط، والمثقف ينزع إلى التحرر، وتحرير المجتمع، والسعي للوصول به إلى أهدافه الوطنية والقومية والإنسانية، وما أحوج أمتنا إلى المثقف الملتزم، البعيد عن هيمنة السلطة، وما أحوجنا أيضاً إلى إنتاج سلطة الثقافة، بدلاً مما يتم العبث في أوساط المجتمع، من إنتشار لثقافة السلطة.

إن أمتنا ذات مخزون ثقافي إلى جانب بعده القومي فيه نزعة إنسانية، وقد إستطاعت ثقافتنا أن تستوعب الآخر، بدون أن تكون قد حرمته من كامل حقوقه، في ظل الدولة العربية الواحدة، وقد أنتج هذا الآخر، في ظل الدولة العربية بأفضل مما كان له في ظل ثقافته المحلية، لأن الدولة العربية، وفرت له فضاءات الحرية، ساعدته على أن يبدع في مناخ الحرية هذا، إلى جانب أن هذه الثقافة كانت ثقافة تنويرية، تمكنت من أن تصيب باشعاعاتها الحارة، كل دياجير الظلام المخيمة على الطرف الآخر، وتقتل كل الديدان المعشعشة في أرجاء مؤسساته المدنية والدينية.

لابد وأن يكون للثقافة دورها الفاعل والمؤثر في حركة المجتمع، وأن تقف دوماً في جانب المواطن الإنسان، وكامل حقوقه المدنية والسياسية، بإيمانها أن هذا الإنسان، هو الفاعل الأول في مسيرة تطور المجتمع، وأن لاتطور ورقي وتقدم، مالم يملك الإنسان أدوات التطور، ويمارس حياته الحقيقية، بكامل حريته، بعيداً عن هيمنة السلطة والمال، فالتحرر منهما شرط لممارسة الإنسان دوره بفاعلية وتأثير.

لابد وأن تكون ثقافة المجتمع ثقافة معادية لثقافة التطبيع مع العدو، الذي يحتل الأرض، ويسعى إلى تفتيت وتجزأة الأمة، ويقف في طريق وحدتها وحريتها، وتحررها من التبعية والتخلف، ومن الضروري جداً أن ترفض الثقافة الملتزمة ثقافة الخوف، و المنتج الثقافي من القوى المعادية، سواء أكانت قوى داخلية أو خارجية، لأنها لاتأتي على فرد أو مجموعة بعينها، بل تصيب الأمة في أعز ما تملك، لأن الثقافة أقوى بكثير من الرصاصة، فالهيمنة الثقافية مدمرة وقاتلة، هيمنة إلحاقية، تهدف إلى الغاء الذات الوطنية والقومية.

ثقافتنا ترفض ثقافة الإقصاء، وثقافة العولمة، وعولمة الثقافة، لأنها تعني إلحاق الآخر بمركز القرار الامبريالي العالمي، ومؤسساته الإقتصادية، التي تسعى لإحتكار السوق، وحرمان الإنسان من حقه في الوصول إلى المستوى اللائق من الحياة، لصالح شركات الإحتكار، التي لايهمها إلا الربح على حساب حياة الإنسان، ورفاهيته وتقدمه.
dr_fraijat45@yahoo.com
شبكة البصرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق