قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الأحد، 10 أبريل 2016

د. ناجي صبري آخر وزير خارجية للعراق قبل الاحتلال يكشف أسرار الحصار والاحتلال (4) من الذي صدر تعميم رسمي بضربهم بالحذاء؟ وكيف كان يعامل صدام وزرائه؟

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
د. ناجي صبري آخر وزير خارجية للعراق قبل الاحتلال
يكشف أسرار الحصار والاحتلال (4)
من الذي صدر تعميم رسمي بضربهم بالحذاء؟ وكيف كان يعامل صدام وزرائه؟
3 محاولات أمريكية لإضفاء المشروعية على الاحتلال أجهضتها الدبلوماسية العراقية
طلبت من الدبلوماسيين العراقيين إهانة من يعرض عليهم خيانة وطنهم وضربه بالحذاء أمام الناس
تصوير الرئيس صدام على أنه الآمر الناهي كان هدفاً للدعاية المضادة لتشويه صورة العراق
كنا نتشاور مع الرئيس ويستشيرنا ولم يعترض يوماً على اتصالاتي مع من يستلزم عملي التعامل معه
معارك دبلوماسية خاضها العراق بدعم عربي في الأمم المتحدة ولا أنسى مساندة عمرو موسى والأمير سعود الفيصل
الرئيس صدام كان يأمل في تحرك إيجابي من إحدى الدول الكبرى لحل أزمة المفتشين
الحرب والحصار ولجان التفتيش خلقت مزاجاً شعبياً رافضاً للتعامل مع لجان الأمم المتحدة
أبرقت للرئيس للعودة العاجلة للمفتشين فوافق على الفور وجُنّ جنون البيت الأبيض
كولن باول صاغ قراراً جديداً يتضمن شروطاً تعجيزية مستحيلة التنفيذ لإثبات تعنت العراق
ألقيت آخر خطاب وجهه الرئيس صدام معلناً فيه أن العراق خالٍ تماماً من جميع الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية
محاولات أمريكية فاشلة لتجنيد الدكتور جعفر ضياء والمهندس حسام أمين مقابل مناصب وزارية
تعرضت لاستفزازات وضغوط من جانب المخابرات الأمريكية و"نيويورك بوست" وصفتني بـ"بينوكيو"
تعبئة أمريكية لوزراء الخارجية الأجانب ضد العراق وإظهار قلقهم من أسلحة الدمار الشامل
قلت لوزيرة خارجية اليابان "عبروا عن قلقكم من أمريكا وليس العراق فنحن لم نضربكم بالقنابل النووية"
شبكة البصرة
أدار اللقاء: جابر الحرمي
أعده للنشر: طه حسين - عبد الحميد قطب
** توليتم وزارة الخارجية في عام 2001. كيف واجهتم المهمة الجديدة في ظل استمرار الحصار وفقدان الثقة بين العراقيين -قيادة وشعبا- والأمم المتحدة؟.
الدكتور ناجي صبري الحديثي: كلفت بوظيفة وزير الدولة للشؤون الخارجية في أواسط شهر نيسان أبريل عام 2001. ولم يكن العمل في وزارة الخارجية غريبا عليّ. فقد عملت مستشارا في سفارة العراق في لندن خمس سنوات في النصف الثاني من السبعينيات، ومديرا عاما لدائرة الإعلام الخارجي ثم وكيلا لوزارة الثقافة والإعلام لشؤون الإعلام الخارجي والدوائر الثقافية، وأخيرا سفيرا في النمسا وسلوفاكيا وممثلا دائما للعراق في الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمنظمات الدولية الأخرى التي كانت تتخذ من فيينا مقرا لها.
وقبل أن أتولى وزارة الخارجية أي في الفترة التي عملت فيها وزيرا للدولة للشؤون الخارجية اقتربت أكثر من صلب عمل الوزارة. وأدركت عن كثب المشاكل التي تواجه تنفيذ السياسة الخارجية العراقية والمهام العاجلة التي ينبغي لي أن أعالجها حينما أكلف بالمركز الأول في قيادة السياسة الخارجية أي منصب وزير الخارجية، حيث كنت أدرك أن مآل العمل سيؤدي بي إلى هذا المركز وأكد لي ذلك الرئيس الشهيد صدام حسين -رحمه الله- بنفسه.
وكان هناك مزاج شعبي رافض للتعامل مع الأمم المتحدة سببه المخابرات الأمريكية ومحاولاتها استمالة موظفي الدولة والدبلوماسيين لخيانة الوطن.

اضربوهم بالحذاء
** البعض تحدث بالفعل عن اختراق المخابرات لوزارة الخارجية العراقية حيث كانت هناك وقائع في سفارة العراق في القاهرة وفي رومانيا عن محاولات تجنيد دبلوماسيين؟.
الدكتور ناجي صبري الحديثي: الولايات المتحدة في أواخر عام 2002 بدأت تطارد الدبلوماسيين العراقيين في الخارج، وشهدنا حالتين واحدة في كندا وواحدة في جمهورية مالي، حيث عرض على دبلوماسيين عراقيين العمل جواسيس ومن يرفض يطرد، فطردت مالي دبلوماسيا عراقيا ونقلته إلى مكان أفضل، ثم شعرت أن هناك حملة منظمة لهذا العمل فوجهت تعميما لسفارات العراق في الخارج وطلبت من السفراء أن يقرأوا هذا التعميم خلال الاجتماعات التي يعقدونها للدبلوماسيين والإداريين والحرس ويقرأوا عليهم هذا التوجيه من الوزير وقلت لهم إن هناك محاولة لدفعكم إلى خيانة بلدكم والاعتداء على شرفكم وأنا واثق أنكم سترفضون هذا ولكني أطلب منكم أن تهينوا من يقدم على هذا وأن تبصقوا عليه وتضربوه بكذا.

** دبلوماسي عراقي اعتدى على شخص بريطاني بالحذاء؟.
الدكتور ناجي صبري الحديثي: نعم، كان ذلك حسب التوجيه وهذا وجه للسفارات وكان أول من نفذ هو دبلوماسي في السفارة العراقية في القاهرة حاول شخص بريطاني أن يجنده للعمل معه فنزع حذاءه وضربه به وطلبت من الدبلوماسيين أن يتعمدوا إهانة من يعرض عليهم خيانة وطنهم وأن يتعمدوا إهانته أمام الناس وفي حفل عام وليس بمفرده وجرى هذا في جنيف لما حاولت دبلوماسية أمريكية استمالة دبلوماسي عراقي لخيانة بلده وفي رومانيا عرض مسؤول بالخارجية الرومانية على سفير العراق العمل مع المخابرات الأمريكية فأهانه أمام كل الدبلوماسيين بفناء وزارة الخارجية الرومانية وحدث في الفلبين وفي دول أخرى.

 مسارات للإصلاح
** عودة لخطة العمل في وزارة الخارجية قلت كانت هناك أخطاء في وزارة الخارجية.. بدأت في إصلاحها؟.
الدكتور ناجي صبري الحديثي: وضعت في تلك الفترة التي دامت أقل من أربعة أشهر خطة لإدارة السياسة الخارجية، تقوم على أربعة مسارات هي معالجة العلاقة المتوترة مع الأمم المتحدة، ثم علاقتنا مع الدول العربية، ومع إيران، وأخيرا إصلاح وزارة الخارجية وإعادة تأهيلها. بالطبع كنت أعمل على المسارات الأربعة في الوقت نفسه. وفي الظروف الصعبة التي نتجت عن أزمة الكويت، مورست ضغوط شديدة على العراق، وكانت وزارة الخارجية جدار الصد الأول لهذه الضغوط. فضلا عن أن الوزارة كانت تعيش في حالة أقرب إلى حالة الطوارئ لأكثر من عقدين نتيجة ثماني سنوات من الحرب التي فرضتها إيران في الثمانينات، والحرب الأمريكية على العراق التي بدأت منذ آب/أغسطس 1990 واستمرت بأشكال شتى حتى تسلمي وزارة الخارجية، وبعد ذلك بأكثر من عشر سنوات. ومن الضغوط الأخرى تناقص الإمكانيات المالية واضطرار الوزارة لغلق بعض السفارات والقنصليات وتخفيض عدد الدبلوماسيين في البقية. وكان من الطبيعي أن يُحدث ذلك إرباكا وترهلا وإنهاكا في عمل الوزارة، مما جعلها تفقد زمام المبادرة ويأخذ عملها طابع ردود الفعل. هذا هو مصدرالقصور في الأداء، والثغرات في عمل الوزارة، وخصوصا في الملفين الخاصين بالتعامل مع الأمم المتحدة والدول العربية. وكانت ردود الفعل هذه مصحوبة أحيانا بالتشنج انعكاسا للمزاج الشعبي العام الذي كان يعكس إحساسا عميقا بالمرارة جراء الظلم الفظيع الواقع على الناس في ظل الحصار الخانق والاعتداءات اليومية من القوات الأمريكية والبريطانية.
وكان عليّ أن أعالج كل ذلك بعزم ومثابرة وبحكمة وصبر وتبصر ودقة، من أجل تجنب الخطر الأعظم. وأعانني في ذلك نخبة من أكفأ الدبلوماسيين العراقيين في مقر الوزارة وفي البعثات.

حوار شامل
في إطار العلاقة مع الأمم المتحدة، خططت بالتعاون مع الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى للبدء بحوار شامل مع الأمانة العامة للأمم المتحدة وذلك من أجل استعادة المبادرة في العلاقة مع الأمم المتحدة. وبالفعل زار موسى العراق، واتفقنا على أن تدعم الجامعة، مساعي العراق في هذا الصدد، وتم ذلك بالفعل.
وذهبنا إلى نيويورك بوفد مختصر، حيث اصطحبت معي الوزير الدكتور عامر السعدي المستشار في رئاسة الجمهورية واللواء المهندس حسام محمد أمين مدير الرقابة الوطنية المشرفة على أعمال التفتيش والسفير الدكتور سعيد الموسوي رئيس دائرة المنظمات الدولية في الوزارة والتحق بنا هناك السفير الدكتور محمد الدوري ممثل العراق الدائم في الأمم المتحدة. وعقدنا أول جلسة مع وفد الأمم المتحدة برئاسة السيد كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة في نيويورك 7/3/2002 وعضوية هانز بلكس رئيس لجنة انموفيك للتفتيش ومحمد البرادعي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفي الجلسة طرحنا عليهم تصورنا للعلاقة مع الأمم المتحدة.
وفي الحقيقة كان الموقف السائد في وزارة الخارجية من الاتصال بهانز بلكس هو مقاطعته بسبب الأدوار التي لعبها في إطالة أمد الحصار عندما كان مديرا عاما للوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل البرادعي وكذلك بعد أن تولى إدارة لجنة انموفيك للتفتيش. ولم يكن هذا الموقف يناسب المهمة التي اعتزمت تنفيذها لاستعادة زمام المبادرة في التعامل مع الأمم المتحدة ووكالاتها. قبل أن نذهب كنا قد التقينا مع الرئيس صدام حسين. فتحدث أحد المسؤولين بما يوحي أنه ينبغي على وزير الخارجية ألا يلتقي ببلكس تنفيذا للتقليد الموجود في الوزارة الذي نشأ بعد خروج المفتشين من العراق عام 1998. لكن الرئيس — رحمه الله — لم يرد على هذا المسؤول ولم يتحدث بشيء، بل أومأ لي بالحديث. فقلت له: أنا اخترت أعضاء الوفد العراقي الوزير عامر السعدي واللواء المهندس حسام والمسؤولين الآخرين، والأمين العام كوفي عنان يختار وفد الأمم المتحدة. فقال: إذن على بركة الله. فتجاوزنا أول عقدة في المسار الطويل.

19 سؤالا
** هل قال لكم الرئيس توصيات معينة؟.
الدكتور ناجي صبري الحديثي: ليس ثمة توصيات محددة. بالطبع السياسة الخارجية لا يضعها وزير الخارجية. إنما هو المسؤول الأول عن تنفيذ السياسة الخارجية التي يضعها رأس السلطة التنفيذية سواء كان رئيسا للدولة أو رئيسا للوزراء. كان لدي مساحة واسعة لابتداع السبل والأدوات واختيار التوقيتات اللازمة لقيادة العمل الدبلوماسي العراقي وتنفيذ السياسة الخارجية واقتراح ما أراه مناسبا من توجهات وتحركات. فطلب مني أن أضع أسئلة أو تساؤلات لكي نطرحها على الأمم المتحدة لنتبين موقفها الحقيقي مما يجري بشأن العراق من حرب متعددة الأوجه. فوضعت 19 سؤالا عن نواحٍ شتى من علاقة العراق بالأمم المتحدة وأقرها السيد الرئيس. طرحنا هذه التساؤلات على وفد الأمم المتحدة وطلبنا من الأمين العام أن يسعى للحصول على أجوبة عليها من مجلس الأمن باعتباره السلطة التنفيذية العليا في الأمم المتحدة.

غير صحيح
** إذن ماحقيقة مايشاع عن أن الرئيس لم يكن يسمح لأحد أن يتكلم في حضرته وأنه كان الآمر الناهي؟.
الدكتور ناجي صبري الحديثي: غير صحيح، هذا من قوالب الدعاية الهائلة لتبشيع صورة العراق وقيادته الوطنية. كنت وزملائي الوزراء نطرح تصوراتنا في مجلس الوزراء وفي لقاءاتنا الثنائية وغيرها، ويناقشها معنا -رحمه الله- في أجواء طبيعية، ولا يتخذ القرار إلا بعد إشباعه نقاشا. وبخصوص عملنا وافق الرئيس على النهج الذي رسمته للدبلوماسية العراقية وكنت أطرحه عليه وأناقشه معه بجميع جوانبه، ولم يعترض يوما على تعاملي مع من يستلزم عملي التعامل معه من المسؤولين الدوليين، خلافا لما كان سائدا في وزارة الخارجية سابقا. ومنهم المقرر الدولي لشؤون حقوق الإنسان في العراق السفير القبرصي اندرياس مافروماتيس، الذي دعوته لزيارة العراق وأعطيته الحرية الكاملة أن يتنقل أينما شاء. وأذكر أن أحد الأجهزة الأمنية عرض علينا مرافقته، فقلت لاحاجة لذلك وكلفت سفيرنا في الأمم المتحدة الدكتور محمد الدوري أن يرافقه في أي مكان يريد الذهاب إليه. وكانت هذه الزيارة خطوة مهمة لإقامة علاقة متوازنة مع المقرر الدولي.

مقاربة جديدة
** ماذا طرحتم على الأمين العام للأمم المتحدة؟.
الدكتور ناجي صبري الحديثي: طرحت في جلسة المفاوضات التساؤلات التسعة عشر وذلك في إطار مقاربة جديدة للعلاقة بين العراق والأمم المتحدة تقوم على السعي لإيجاد أرضية مشتركة بيننا وبين الأمم المتحدة لتنفيذ القرارات الدولية. وقلت للأمين العام على هذه الأرضية المشتركة ننفذ ما علينا من التزامات بموجب قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وتنفذ الأمم المتحدة ما عليها من التزامات بموجب هذه القرارات في ضوء ولايتها المحددة في ميثاقها. فليس معقولا أن يطالبنا مجلس الأمن بتنفيذ بعض قرارته التي تؤكد جميعها في أول سطر من نصوصها على وجوب احترام سيادة العراق واستقلاله السياسي وحرمة أراضيه، بينما اثنان من أعضائه الدائمين ينتهكان سيادة العراق واستقلاله وحرمة أراضيه يوميا وينتهكان قرارات المجلس نفسه والقانون الدولي حينما فرضا حظرا جويا على مناطق من العراق يتحركان فيها بحرية بينما تحرمان على الدولة نفسها أن تستخدم أجواءها، وحينما يخترقان أجواء دولة ذات سيادة يوميا ويقصفان ما ينتقيان من أهداف عسكرية ومدنية. ثم أليس من واجبات الأمم المتحدة أن تنظر في رفع أو تخفيف هذا الحصار الخانق المخالف لجميع مواثيق حقوق الإنسان ولميثاق الأمم المتحدة والذي يقتل مئات الناس يوميا خصوصا أن الكثير من مسؤولي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية يشهد على ذلك ويحتج على استمرار هذا الوضع مثل السيد دنيس هاليداي الذي كان مساعدا للأمين العام مسؤولا عن هذا البرنامج وخلفه هانز فون سبونك وجوت هارت مديرة برنامج منظمة الغذاء الدولية في العراق. فما هو موقف مجلس الأمن لكي نتبين منطقة وسط نستطيع أن نلتقي فيها، نحن نريد أن ننفذ قرارات مجلس الأمن، ولكن أليس من المفروض على مجلس الأمن أن ينفذ قراراته أولا قبل أن يطلب من الآخرين تنفيذها رغم كل ماتنطوي عليه من ظلم وإجحاف وإبادة بشرية.

توسيع الوفد
** كم كانت فترة بقائكم ومرات لقاءاتكم مع الأمين العام للأمم المتحدة ورد فعله على هذه اللقاءات؟.
الدكتور ناجي صبري الحديثي: التقينا لمدة يومين مع الأمين العام ومساعديه ومسؤولي لجنة التفتيش والوكالة الدولية للطاقة الذرية. كان رأي السيد عنان أن المباحثات بناءة وإيجابية. واتفقنا على موعد الجولة الثانية وهو اليوم الثاني من شهر أيار/مايو في العام نفسه 2002. وفي الجولة الثانية وسعت الوفد العراقي وأضفت إليه وزيرا آخر هو الدكتور جعفر ضياء جعفر المستشار في رئاسة الجمهورية وكان من مسؤولي البرنامج النووي ومسؤولين من جميع برامج التسليح الصواريخ والكيماوي والبيولوجي والنووي. وكان الغرض هو إحاطة هؤلاء المسؤولين بالجو الجديد للعلاقة مع الأمم المتحدة بعد انقطاع الاتصال مع أجهزة الأمم المتحدة المعنية بالتفتيش عن مكونات ومخرجات هذه البرامج منذ خروجهم بإرادتهم أواخر عام 1998. فجاء الوفد كاملا منوعا من الدبلوماسيين والقانونيين والعلماء والتقنيين من توجهات شتى.

استفزازات
** لكن ذهابكم ألم يكن محفوفا بالمخاطر من قبل السلطات الأمريكية؟.
الدكتور ناجي صبري الحديثي: كنا نأخذ تأشيرة الدخول للولايات المتحدة من السفارة الأمريكية في عمّان وحصلنا عليها وحجزنا للسفر للوصول حسب الجدول المتفق عليه. لكن السفارة أبلغت الوزير الدكتور جعفر ضياء جعفر بأن عليه أن يراجع اليوم التالي. لم نستطيع الانتظار. بقي الدكتور جعفر في عمان وسافرت ومعي بقية أعضاء الوفد إلى نيويورك وبدأنا في اليوم التالي أول جلسة صباحا. وصل الدكتور جعفر بعد الظهر وحدثنا عما حصل له بالطائرة، فقال إنه منح التأشيرة في اليوم التالي ثم ركب الطيارة المتجهة إلى نيويورك وإذا بموظف السفارة الأمريكية نفسه الذي حجز جوازه وأخره يوما يقترب منه ويجلس بجواره، ويقول له: " لماذا لاتنضم إلينا وتتعاون معنا. فالعراق مقبل على تحول كبير وسيسقط النظام وستكون هناك حرب وأنت وزير وعالم".
في نيويورك كنت أقيم دائما في بيت السفير الصديق الدكتور محمد الدوري الذي كانت عائلته في بغداد. وكنت أفضل ذلك حتى أكون بعيدا عن المنغصات الأمنية والصحفيين وغيرهم، لكن الوزيرين عامر السعدي وجعفر ضياء جعفر أقاما في فندق في نيويورك، فاتصل بهما على هاتف الغرفة شخص قال لهما إنه من المخابرات الأمريكية ودعاهما لتناول فنجان قهوة معه وفاتحهما بالتعاون مع الأمريكيين.
وأحد أعضاء الوفد اللواء مهندس حسام محمد أمين رئيس دائرة الرقابة الوطنية التي تتابع أعمال كل التفتيش على برامج التسليح في العراق التقى به في المطار شخص قال له أيضا "لماذا لا تتعاون معنا". زجره اللواء أمين مثل الآخرين على هذا الاسلوب الفج المنافي للسلوك الآدمي. فقال له " تعال معنا ونعينك وزيرا". فزاد في تعنيفه. فقال له: " نعينك رئيسا للوزراء".!
وقبيل مغادرتنا نيويورك بعد الجولة الأولى، كنا في مطار جي أف كندي. وفجأة فقدَ أحد أعضاء الوفد وهو عضو في جهاز المخابرات العراقي جوازه، وذهب يبحث عنه في أرجاء صالة المغادرين قرب الأسواق الحرة. فاقترب منه سارق الجواز وهو أميركي وقال له: "جوازك عندي، أنا من المخابرات الأميركية أخذته لكي أطلب منك أن تتعاون معنا"!
هنا بلغ الاستهتار حدا لايمكن السكوت عليه. فذهبت الى الامين العام للامم المتحدة كوفي عنان وقلت له ان هذا السلوك الذي تمارسه الولايات المتحدة مع أعضاء الوفد العراقي أسلوب تمارسه عصابات وليس دولة كبرى ويتنافى مع مسؤولياتها في الحفاظ على السلم والأمن الدولي، كما يتنافى مع التزاماتها القانونية المحددة في اتفاقية المقر بينها وبين الأمم المتحدة والتي تعهدت بموجبها بتأمين سلامة المندوبين ووصولهم الى مقر الامم المتحدة. وقلت له "أنا أرفض أن يُعامل أعضاء الوفد العراقي بهذا الاسلوب الفظ المنافي للأعراف الدبلوماسية والقانون الدولي. ولذلك لا أؤيد اللقاء بكم مرة أخرى هنا في نيويورك. ودعنا نلتقي في مكان آخر." واقترحت ان يكون في مكان وسط بيننا مثلا في جنيف أو فيينا. وبحكم وجود الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا وعضوية مديرها البرادعي في الوفد اتفقنا على أن نلتقي في فيينا في الخامس من تموز/يوليو 2002.

مهام اللجان المتبقية
** ماذا كانت حصيلة اللقاءين في نيويورك إذن؟
الدكتور ناجي صبري الحديثي: لم يستطع الأمين العام كوفي عنان ان يقدم اجابات على ماطرحناه، وقال ان المسؤولين عن أجهزة التفتيش سواء الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو لجنة انموفيك للتفتيش أعضاء في الوفد الأممي وبوسعهم أن يجيبوا على تساؤلاتكم. بالطبع فهمنا ان مجلس الامن، بتأثير من الولايات المتحدة وبريطانيا، رفض الاجابة عن هذه الاسئلة لأن فيها تحريا شاملا وتقصيا دقيقا للموقف المطلوب من مجلس الأمن ازاء انتهاكاتهما لقراراته، رغم انها من صلب مهام مجلس الامن وتتصل بجوهر الازمة العراقية. في الموعد المتفق عليه للجولة الثالثة، تموز/يوليو، التقينا في فيينا مع وفد الأمم المتحدة، وغصنا في قضية التفتيش، وطلبنا من مسؤولي لجنة انموفيك والوكالة الدولية للطاقة الذرية أن يحددوا المهام المتبقية في ولايتيهما في العراق الخاصة بالتخلص من البرامج والموجودات المحظورة لكي نتبين ما المطلوب من الجهات العراقية وندرس كيفية تلبيته. فرفض كلاهما الاستجابة لطلبنا، بذريعة عدم معرفتهما بما فعله العراق في فترة غياب المفتشين منذ أواخر عام 1998! وكانت تلك عرقلة واضحة من مسؤولي الجهتين المعنيتين بالتفتيش لحل المشاكل مع العراق. كان وفد الأمم المتحدة قد أضيف اليه السفير الروسي السباق يولي فورونتسوف المقرر الدولي الخاص بشؤون الممتلكات والمفقودين الكويتيين. وهو من المسؤولين الدوليين الذين كان المسؤولون في وزارة الخارجية العراقية يتجنبون اللقاء بهم قبل أن أتولى الوزارة، فالتقيت به ودعوته لزيارة العراق. وجاء الى بغداد واتفقنا معه على آلية اعادة الأرشيف الرسمي الكويتي وبدء مفاوضات مع الأشقاء الكويتيين في عمان من أجل التعاون في حل اشكالات هذا الملف.

اقتربنا أكثر
** ماذا أثمرت هذه الصفحة الجديدة مع الامم المتحدة وفائدتها والعراق وكيف تعاملت معها الولايات المتحدة؟
الدكتور ناجي صبري الحديثي: في اطار هذه العلاقة الجديدة مع الامم المتحدة، اقتربنا أكثر من فهم السبل اللازمة لحلحلة القضايا الشائكة وحل العقد التي كانت تفرضها الجهات الأميركية والبريطانية لعرقلة أي حل للمشاكل المعلقة بين العراق والامم المتحدة. وبدأنا نشجع المسؤولين عن لجان التفتيش لزيارة العراق رغم المعارضة الشديدة من الجهات الأميركية والبريطانية. واستطعنا أن نثبت حسن نيتنا وصدقنا في التعامل مع أجهزة الأمم المتحدة وخصوصا في هذا الملف مما كان له أثر كبير في موقف اطراف دولية مهمة ضد دعوات الحرب الأميركية البريطانية على العراق. فبدأنا نحن نمسك بزمام المبادرة ولا نبقى فقط في اطار رد الفعل. ونشطنا الصلة ببرامج الامم المتحدة ووكالاتها في العراق. وفي شهر ايلول/سبتمبر عام 2002 ذهبت لحضور اجتماعات الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة. وكان الشغل الشاغل للوفود العربية هو موضوع العراق، بعد أن جاء الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش الى اجتماع الجمعية العامة مهددا ومتوعدا المنظمة الدولية انها إن لم تتبع أميركا فإن الأخيرة ستمضي وحدها "لازالة الخطر العراقي الذي يهدد البشرية وامريكا والغرب" حسب وصفه.!
كان خطابه يضج بنذر الحرب. فاجتمع وزراء خارجية الدول العربية بحضور الامين العام لجامعة الدول العربية في إحدى قاعات الأمم المتحدة لمناقشة هذا الوضع المتفجر. سألني الأمين العام وعدد كبير من الزملاء الوزراء عن موقفنا الآن من موضوع التفتيش والمطالبات بعودة المفتشين. وما أزال أذكر مناشدة وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل رحمه الله حيث كانت مناشدته لي وللرئيس صدام حسين رحمه الله مؤثرة جدا من أجل التحرك وانقاذ المنطقة من ذلك الوضع.

شروط تعجيزية
قبيل الاجتماع علمت ان كولن باول وزير الخارجية الاميركي كان موجودا في نيويورك ويعكف مع مجموعة من المستشارين الأميركيين والبريطانيين على صياغة مشروع قرار جديد لمجلس الأمن يدور حول ذريعة عدم موافقة العراق على عودة المفتشين. ويضع مشروع القرار شروطا تعجيزية عسيرة جدا ومستحيلة التنفيذ ويطلب من العراق تلبيتها في فترة وجيزة جدا، بحيث يستحيل على الحكومة العراقية تنفيذها. وحينها يفوض القرار شن الحرب على العراق باسم الأمم المتحدة الشرعية الدولية.
وقبل أن أسافر الى نيويورك، كنت قد التقيت الرئيس صدام حسين. وقلت له: " سأسافر الى نيويورك غدا، فهل ثمة تحرك نقوم به بشأن عودة المفتشين؟ هل من موقف جديد بشأن عودة المفتشين؟" قال لي رحمه الله: "دعنا ننتظر ربما يكون هناك تحرك ايجابي من جانب دولة كبرى".

تحريك سريع وحازم
** هل كان الرئيس صدام ضد عودة المفتشين؟
الدكتور ناجي صبري الحديثي: الرئيس لم يقل لي نهائيا انه ضد عودة للمفتشين ولكنه لم يوافق على رغبتي في عودتهم. لنعد الى الاجتماع الوزاري العربي. خرجت من الاجتماع، وانا مقتنع تماما بضرورة التحرك السريع والحازم لحرمان الولايات المتحدة وبريطانيا من استخدام ذريعة عدم عودة المفتشين لاجازة حرب مدمرة أخرى على شعب العراق على نحو مماثل لقرار 678 في 29 نوفمبر عام 1990، الذي أجاز شن الحرب على العراق باسم الامم المتحدة،. وعلى الفور كتبت برقية الى الرئيس صدام حسين، وطلبت من السفير ارسالها بسرعة الى بغداد، أبلغته فيها أن "أميركا تعد الآن مشروع قرار لشن الحرب على العراق باسم الامم المتحدة واقترح الموافقة على إعادة المفتشين فورا بلا شروط لإحباطه". وبعد خروجنا من الاجتماع سألني السيد عمرو موسى عن ماذا أنوي عمله الآن. فقلت له قررت إعادة المفتشين فورا الى العراق. وأريد منك ان تساعدني ممثلا للمجموعة العربية في هذا الجهد لكي نضمن ان تكون عودة المفتشين في اطار قيام الأمم المتحدة بتلبية التزاماتها ازاء العراق في ما يخص احترام سيادته واستقلاله وحرمة أراضيه ورفع الحصار الظالم اللاإنساني أو التخفيف عنه. فاستجاب على الفور. وبعد نحو ساعتين اتصل بي سكرتير رئيس الجمهورية ليبلغني بموافقة السيد الرئيس على طلبي.
تحركت مع السيد موسى الى الأمين العام، وبدأنا الاتصالات لصياغة رسالة العراق بهذا الصدد والاتفاق وبما يمكن الأمين العام من قبولها. وفي يوم 16/9/2002 سلمت الأمين العام رسالة بتوقيعي تعلن قبول العراق بعودة المفتشين الى العراق في اطار سعي الأم المتحدة لتحمل مسؤولياتها ازاء ما يعاني منه العراق من انتهاك لسيادته وأمن شعبه وحقه في الحياة الحرة الكريمة. وبذلك أسقطت هذا السلاح من يد الخصم وحرمته من محاولته الخطيرة الأولى لاضفاء الشرعية الدولية على مشروعه الجديد لغزو العراق واحتلاله.

جن جنونهم
وقد زلزل التحرك الدبلوماسي العراقي السريع والفعال للسماح بعودة المفتشين أركان الإدارة الأمريكية، التي كانت تملأ الارجاء صراخا للضغط على العراق لاعادتهم والتهديد بشن الحرب على العراق بسبب ذلك. وفي الحقيقة لم تكن تريد عودتهم لأن ذلك سيكشف مع الوقت كذب مزاعمها وحليفتها بريطانيا ويثبت صحة موقف العراق، وانما احراج العراق واظهاره بمظهر المتعنت والرافض للقرارات الدولية. وكانت متيقنة تماما ان العراق لن يوافق على عودة المفتشين. لذلك سحب قرارنا البساط من تحت المشروع الامريكي الخطير لشن الحرب على العراق بغطاء دولي. وقد جن جنون الادارة الامريكية فرفض البيت الابيض قرارنا، وشنّ هجوما علي واتهمني بالكذب والخداع والتزوير. وأعلن الرئيس جورج بوش نفسه رفضه للقرار. وأصدر السكرتير الصحفي للبيت الأبيض بيانا قال فيه ان إعلان الوزير ناجي صبري عن قبول عودة مفتشي الامم المتحدة بدون شروط هو خدعة، وإنه يعني في الحقيقة أن العراق سيضع عراقيل في وجه المفتشين ويفرض عليهم شروطه، وانه محاولة للالتفاف على قرارات مجلس الامن. وبعدها ألقيت كلمة العراق أمام الامم المتحدة يوم 19/9/2002 أشرت فيها الى اتفاقي مع الأمين العام على اعادة المفتشين في اطار السعي لتنفيذ العراق والامم المتحدة التزاماتهما التي تضمن للعراق احترام سيادته وأمنه الوطني واستقلاله وحرمة أراضيه وترفع عن شعبه الحصار الظالم.

خطاب الرئيس
ثم تلوت رسالة من الرئيس الشهيد صدام حسين طلب مني القاءها على الجمعية العامة للأمم المتحدة تضمنت عرضا لجوانب الازمة في علاقة الامم المتحدة بالعراق نتيجة هيمنة الولايات المتحدة على مجلس الامن، وأوضح اسباب إستهداف أمريكا للعراق قائلا:"تريد الولايات المتحدة أن تدمر العراق من أجل أن تسيطر على نفط الشرق الأوسط وبالتالي تسيطر على سياسة العالم كله". وأعلن السيد الرئيس عدم إمتلاك العراق أسلحة محظورة بقوله: " ها أنا ذا أعلن أمامكم أن العراق خال تماما من جميع الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية، وإذا كان أحد بينكم لا يزال يشعر بالقلق من إحتمال أن تكون الإختلاقات التي يعلنها المسؤولون الأمريكيون عن العراق صحيحة، فبلدنا على إستعداد لإستقبال من تختارونهم لتمثيل أي من بلدانكم من الخبراء العلميين ومن يصحبهم من السياسيين ليخبرونا بالأماكن والمنشآت العلمية والصناعية التي يرغبون في رؤيتها، لاسيما تلك التي إختلق المسؤولون الأمريكيون القصص الكاذبة عنها".

بينوكيو
وبعد كلمتي هذه رد الناطق باسم البيت الابيض آري فلايشر بتصريح غاضب قال فيه: (إن قول العراق انه لايملك اسلحة نووية أو كيماوية أو جرثومية هو كلام كاذب برمته). وظهرت في اليوم التالي صحيفة نيويورك بوست الأسبوعية وقد خصصت صحفتها الأولى برمتها للتهجم علي شخصيا باسلوب فج. فنشرت صورتي في أثناء القائي كلمة العراق بالجمعية العامة للأمم المتحدة وقد شوهتها ومدت أنفي تشبيها له بالطفل الكذاب بينوكيو في قصة الروائي الإيطالي كونومري، ومع الصورة كتبت عنوانا ضخما (مانشيت) من كلمتين (كذاب كذاب) وكتبت تحته تعليقا اتهمتني فيه بذكر تسعة أكاذيب في 17 دقيقة.
وتعرضت للمضايقة والاستفزاز اثناء المغادرة من مطار جي أف كنيدي حيث أخضعوني للتفتيش البدني، بعد علمهم بهويتي، وبالرغم من حصانتي الدبلوماسية. وحصل استفزاز مماثل في مطار موسكو عند توجهي الى نيويورك على متن طائرة لشركة اطلنطا الاميركية، حينما تعمد موظفوها الأميركيون أن يفرغوا حقيبتي ويبعثروا محتوياتها على مصطبة الحقائب بعصبية واضحة.
وقبل اتخاذنا قرار السماح بعودة المفتشين طلب عدد من وزراء الخارجية اللقاء بي في نيويورك. فالتقيت بالوزير الفرنسي دومينيك دوفيليبان والوزير الألماني يوشكا فيشر. وكلاهما ناشدني الموافقة على عودة المفتشين تنفيذا لقرارات مجلس الأمن. ثم التقيت في اليوم الثاني وزير خارجية كندا بناء على طلبه ووزيرة خارجية جنوب افريقيا السيدة زوما بناء على طلبي. ودار اللقاءان حول مسألة العراق. ثم ذهبت للقاء وزيرة خارجية اليابان السيدة يوريكو كاواجوجي بناء على طلبها، ووجدتها محاطة بعشرات المصورين اليابانيين. تصافحنا وابتسمت للكاميرات وجلسنا وإذا بها تبدأ حديثا متصلا بدون انقطاع وكأن شريطا مسجلا قد انفتح. فقالت: "إن الشعب الياباني قلق من أسلحة الدمار الشامل العراقية" فقلت لها: " انتم قلقون من أسلحة العراق؟" واصلت الوزيرة الحديث بدون ان ترد على سؤالي، فقالت: "ونحن قلقون من أسلحة العراق النووية" فقلت لها: " أخشى أن تكوني قد أخطأتي العنوان، فنحن ليس لدينا أي اسلحة ". فاستمرت: " ونحن نطالبكم بالامتثال لقرارات مجلس الأمن والتخلص من اسلحتكم النووية والأخرى" قلت لها يا سعادة الوزيرة:" نحن لم نضربكم، اميركا هي التي ضربتكم بالقنابل النووية في الحرب العالمية الثانية". فواصلت بدون انقطاع وكأن شريطا مسجلا قد انفتح. فقلت لها: " لا جدوى من هذا اللقاء دعينا ننهيه"، ونهضت فنهضت وصافحتني وابتسمت للمصورين!
وبعدها ذهبت للقاء وزير خارجية استراليا الكزندر داونر. فبدأ الحديث بذات الجملة التي بدأت بها الوزيرة اليابانية. فقال: " نحن قلقون في استراليا من أسلحة الدمار الشامل العراقية" قلت له: " سبحان الله، جئت توا من لقاء مع وزيرة خارجية اليابان. ويبدو أن الرسالة الأميركية نفسها التي وصلتها قد وصلتك أيضا." فلم يتمالك نفسه من الضحك، طبعا ضحك على نفسه. فنهضنا وأنهينا الاجتماع".

حملة لقرار جديد
كانت الولايات المتحدة تستخدم المفتشين ذريعة وسوطا تضرب به العراق. وبعد القرار العراقي أعلنت ان قرار 1284 (1999)، الذي كانت حتى يوم 16/9/2002 الى ما قبل صدور قرارنا بعودة المفتشين تطالب في كل منبر العراق بتنفيذه، لا يكفي وان ثمة حاجة ماسة لتزويد لجان التفتيش بسلطات أكثر وأشد. وبدأت حملة واسعة لاصدار قرار جديد. لكنها في الحقيقة بدأت الاعداد للمحاولة الثانية لدفع مجلس الأمن لاصدار قرار يجيز شن الحرب على العراق باسم الأمم المتحدة. فكان قرار مجلس الأمن رقم 1441 في 8/11/2002 أسوأ من كل ما سبقه من قرارات ولكن الولايات المتحدة عجزت عن اقناع المجلس باصدار قرار يضفي الشرعية الدولية على مشروعها وحليفتها بغزو العراق واحتلاله. فقد رفضت فرنسا وروسيا والصين وضع آلية تلقائية لشن الحرب على العراق من جانب أي دولة ترى العراق مقصرا في تلبية متطلبات نزع الاسلحة المحظورة. وهكذا أدى تعاون العراق والنهج الجديد الذي اختطه في التعامل مع اجهزة الأمم المتحدة وقراره باعادة المفتشين الى احباط المحاولة الثانية الخطيرة التي قامت بها الولايات المتحدة للحصول على غطاء دولي شرعي لنواياها العدوانية غير المشروعة.

عودة المفتشين
عاد المفتشون يوم 27/11/2002. وقبل مباشرتهم أعمالهم شكل الرئيس المرحوم صدام حسين هيئة موسعة للاشراف على أعمال التفتيش وعملنا على أن تسير الهيئة وفق الرؤية الجديدة لاسقاط الذرائع وتفويت اي فرصة على من يقف وراء لجان التفتيش لاختلاق المشاكل والنزاعات مع الجانب العراقي. وبدأ المفتشون أعمالهم وانتشروا في طول البلاد وعرضها مستخدمين أحدث الأجهزة وأكثر الوسائل اقتحاما واستفزازا. وأبدينا كل التسهيلات للمفتشين رغم مطالباتهم المستفزة. وواصلنا التعامل بصبر والتعاون معهم، وتحملنا مضايقاتهم وطلباتهم الصعبة من أجل اسقاط الذرائع وكسب اطراف دولية أخرى الى جانب الموقف المناهض لمشروع الحرب والغزو والاحتلال الأميركي - البريطاني.

** لم تستسلم الولايات المتحدة لعدم استجابة مجلس الأمن لطلب التفويض الدولي لشن الحرب على العراق، وبذلت محاولات أخرى يستعرضها الدكتور ناجي صبري الحديثي في الحلقة القادمة.
يتبع....
الشرق القطرية 5/4/2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق