قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الأربعاء، 29 أبريل 2015

د. عبد الكاظم العبودي : هـل فــي سلـوكيــات الخيـانــة وجهــات نظـر



 
 هـل فــي سلـوكيــات الخيـانــة وجهــات نظـر 

شبكة ذي قــار
 د. عبد الكاظم العبودي
 

تشهد التغيرات السياسية في الوطن العربي ظهور الكثير من الممارسات الطارئة والغريبة على سلوكيات الكثير من الأفراد والجماعات التي باتت تمس منظومة القيم والتقاليد الاجتماعية والأخلاقية لشعوبنا ولتراثنا القيَمي والحضاري المعروف.
وخلال فترة صراع القيم والمبادئ بين أنصار المعسكر الاشتراكي والدول الرأسمالية كانت الأخلاقيات السياسية خلال حقبة الحرب الباردة تفرض معاييرا تصل إلى حد التزمت الحاد والتمسك الصارم بالقضايا الوطنية والقومية لكل شعب، وحتى على البعد الأممي للكفاح السياسي، تفرض على مستوى الأفراد والجماعات والأحزاب السياسية بشتى توجهاتها الفكرية والأيديولوجية منظومة قيم عالية الانضباط لمن اختار النضال السياسي طريقا وأسلوبا لمواجهة خصومه أو نظامه السياسي أو حتى المعسكر الآخر المخالف له في الفكر والممارسة .
ولا شك أن كل هذه القيم ارتبطت بمبدأ أساسي لحقوق الإنسان هي تتمثل في حقه الكامل في خياره الفكري والسياسي والاجتماعي والتعبير عنه بوسائل وأساليب شتى باتت تقاليداً معروفة ؛ وتحترم من قبل الآخرين شرط احترامه أيضا ما للآخرين من نفس الحقوق والالتزامات المتقابلة على كل الأصعدة.
كانت معايير الارتباطات والقيم الوطنية في العراق والوطن العربي محددة في أعراف السلوك النضالي للأفراد والجماعات ، وغالبا ما كانت حالات الإدانة والرفض والاستنكار تطال كل من كان يشكل تجاوزا على مبدأ الوفاء لتلك الالتزامات؛ مما جعل من حالات التحلي بالشجاعة والإقدام في الدفاع عنها تمنح للأفراد شرف التسمية المناسبة لهم ولحالاتهم وبطولاتهم فحصلوا بفضل ذلك من النعوت السياسية لهم : كمناضل أو مكافح أو مجاهد ... الخ من المصطلحات التي تستخدمها كل جماعة سياسية بالإشادة بأفرادها وأدوارهم وممارساتهم السياسية.
ومقابل هذا كانت تظل تهمة الخيانة مقترنة بالإدانة والاستنكار وحتى الإشمئزاز لكل من يخل بالالتزام القيمي او يتخلى عنه طواعية أو سراً أو إن كان يعمل في السر أو العلن على التنكر لما كان يدعو اليه ظاهرا من قيم وأفكار ما ضمن جماعته ومناضلي بلده وامته ولكنه باطنا وتحت أي ظرف كان كان يقف بالضد من الجماعة التي منحته الثقة وأسمته عليها بصفة سياسية أو إجتماعية ما.
ولا شك فان التعاون مع أعداء الوطن والأمة، وخاصة في حالات الاحتلال والإختلالات السياسية، وبأية صيغة من الصيغ ستظل حالة مستنكرة ومدانة سياسيا واجتماعيا، وأضحت عارا على أصحابها وتلطخ سمعتهم؛ وهذه التهمة التي التعارف عليها لفظا ( الخيانة ) لا يمكن السكوت عليها أو التخفي عليها مطلقا، ناهيكم فان الواجب يفرض على الأحرار عدم الدفاع عنها أو التبرير لها، مهما كانت الظروف المتلازمة مع أحداثها سواء لحالات الأفراد أو الجماعات.
في العراق لمس الجميع إن كثيرا من منظومات القيم قد اهتزت، وهناك حالة مأزومة سياسيا واجتماعيا، وباتت واضحة بشكل جلي حين ظهرت على كثير من الأفراد والجماعات عندما بات بعض الأفراد أو تلك الجماعات تعلن على الملأ، ومن دون خجل أو تردد عن أسرار ارتباطاتها السابقة والحالية بمخابرات الدول الأجنبية، ومنهم من يتطوع كحصان طروادة وبات دليلا ومشاركا في احتلال الوطن العراقي، وأكد الانخراط التام بالجهد الإحتلالي وفق الصيغ والخدمات التي رسمها له المحتل وأعوانه.
وعندما أضحت هذه الظاهرة وباتساعها الكبير وهي تزكم الأنوف، وباتت تمارس علناً، خاصة عندما تراجعت أمامها حالة التصدي الحازم والعقاب المطلوب؛ بحكم الظروف الضاغطة والقمع الإحتلالي والتفكك الاجتماعي الذي رافق سنوات الحصار والغزو والاحتلال وبعدها اختفاء الدولة العراقية ومؤسساتها وأجهزتها، صارت ممارسة الخيانة والانتقال من معسكر إلى آخر جزءا هاما وأساسيا من مهارات اللاعبين في العملية السياسية الجارية في العراق وهم الأغلبية المطلقة، بل أكاد أن لا أستثني منهم أحدا خصوصاً بعد ما انكشفت أبعاد المؤامرة الإحتلالية الكبرى وأثرها على وحدة العراق شعبا وترابا حاضرا ومستقبلا.
وما المواصفات الفردية والسلوكية التي حددها بول بريمر لفريقه السياسي من العراقيين الذين دخلوا معه لاهثين خلف الدبابات الأمريكية، ومن التحق بهم لاحقا من الذين تعاونوا معه سياسيا واجتماعيا ووظيفيا، منفذين مخططات الاحتلال وخدمته بطاعة عمياء، وهم من شتى التوجهات السياسية والاجتماعية إلا ظاهرة مؤسفة وقاسية لدى شعبنا العراقي، تشكل بكل أبعادها وبحد ذاتها حالة إدانة أخلاقية وعاراً لا يمكن مسحه عن تاريخ وسمعة كل من وصفهم بول بريمر في سياق مذكراته السيئة الصيت، وهو يتحدث عن الأشخاص والجماعات وعن الفترة السوداء الحالكة التي قضاها حاكما عاما لشؤون العراق وهو يفكك العراق دولة ومؤسسات ومجتمعا وترابا وثقافة وحضارة.
لم يشعر عملاء العملية السياسية هؤلاء بالندم ولو للحظة بالعار الذي يلحقهم ويلوث سمعة أسرهم وأولادهم؛ بل تنافس العملاء بعضهم بعضا متبجحين بتفاصيل سردهم عن تاريخهم المخزي، وهم يتكلمون عن ماضي وحاضر أسود، تعاملوا فيه مع الغزاة والعمل في منظمات التجسس والعمالة والعمل على احتلال العراق، ومنهم من ظلوا يعدون أسيادهم أيضا بمستقبل أكثر عاراً وهم يقدمون فيه أنفسهم خدما أذلاء للاحتلال والارتباط بالقوى الأجنبية؛ رغم كل الخراب الذي لحق بالعراق منذ نيسان 2003 والى اليوم.
واليوم ونحن نرى تلك الانتقالات المخزية بين الصفوف لهؤلاء وتتكشف أدوار وسلوكيات هؤلاء الأقزام وجماعاتهم بشكل علني، وهم يعبثون بمنظومة هامة من القيم الأخلاقية الأصيلة والإنسانية التي تربينا عليها، وها هم ونحن نرصد أعمالهم المخزية أمام ذهول ودهشة وأسف أبناء شعبنا الصابر المكافح من حقنا أن نتسائل :
هل صارت الخيانة سلوكاً عاما لا يخزي أصحابه ؟ أم أن للخيانة اليوم من يبررها ويُنَظّر لها؟؟ وهل هناك تفسيرات للخيانة في عراق اليوم ولها أيضا من يقول فيها وجهات نظر؟؟ .

شبكة ذي قــار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق