قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الثلاثاء، 28 أبريل 2015

الفقيد المناضل عبد الله الحوراني : رسائل حب إلى صدام حسين (1) لك المجد... ولهم العار

رسائل حب إلى صدام حسين (1)
لك المجد... ولهم العار
شبكة البصرة
بقلم عبد الله الحوراني
يظل لك.....
أنك لا بعت ولا اشتريت
فقل لمن يهدم موطنك
اهدم... فقد بنيت
خليل خوري

تعودت في لقاءاتي معك، وفي رسائلي إليك، أن أخاطبك بالأخ والصديق والرفيق والرئيس وهاأنا أكتب لك، وعنك، مخاطباً إياك بالصفات ذاتها. وقد تكون كلماتي اليوم، في ظل ظروفك الحالية، أكثر صدقاً، وأعمق معنى، وأبعد دلالة.
فقد كنت... ولازلت، الأخ الذي لم تلده أمي، ليس لي وحدي، وإنما لكل عربي رأى فيك أخا كبيرا له، حمل هموم أمته، وآمالها، وطموح أبنائها نحو التحرر والوحدة وبناء مستقبلها العظيم.
وكنت... ولازلت الصديق لكل من آمن وصدّق برسالة هذه الأمة، وبقيت على العهد، لم تكذب أهلك، ولم تتلون أو تتبدل، ولم تنحن لغير الله.
وكنت... ولازلت رفيقاً، لكل مناضل اختار الكفاح والجهاد طريقاً، ورأى فيك عنواناً ورمزاً للصمود والتحدي يستمد منه العزم والكبرياء.
وكنت... ولازلت الرئيس الذي يجلس على عرش القلوب، وتضمه بين حناياها الضلوع، وتتوق لرؤيته العيون، وتلهج باسمه، وتهتف له ملايين الأصوات من المحيط إلى الخليج
فلك المجد.... ولأعدائك العار.

1- اللقاء الأول
حين التقيتك أول مرة، وكان ذلك عام 1961 في القاهرة. كنت وقتها في الرابعة والعشرين من عمرك، وكنتُ أكبرك بعام واحد. كنت منفياً ولاجئاً سياسياً مقيماً في القاهرة، وتدرس الحقوق في سنتك الأولى بجامعة القاهرة. وكنت قادماً من غزة لتأدية امتحاناتي الفصلية في السنة الأولى من كلية الآداب بجامعة عين شمس حين كنت منتسباً إليها، وليس طالباً نظامياً.
كان اللقاء على أساس حزبي. فأنت عضو قيادة تنظيم الحزب في القاهرة. وأنا أمين سر تنظيم حزب البعث العربي الاشتراكي في قطاع غزة. ومن خلال تنظيم القاهرة كانت تتم صلتنا بقيادة الحزب في الخارج.
لا أنسى كيف كانت تتم لقاءاتنا وأنت توفر لها كل أسباب الأمان. فالحزب ممنوع من العمل في مصر، وفي قطاع غزة الذي كان يخضع للإدارة المصرية، والخلافات، بل قل الصراعات، على أشدها بين عبد الناصر وقيادة الحزب، والاتهامات متبادلة بين الطرفين حول المسؤولية عن فشل تجربة الوحدة بين مصر وسوريا، وانفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة. وكلانا مراقب وملاحق من قبل رجال المباحث في مصر. لكنك كنت دوماً قادراً على التغلب على عقبات الزمان والمكان وتوفر الظروف الملائمة للاجتماعات، تارة بالحيلة، وأخرى بالجرأة. ومن يومها اكتشفت قدراتك التنظيمية الخلاقة. وكانت هذه أولى الصفات التي عرفتها عنك وتعلمتها منك، ولطالما تذكرتها لاحقاً، وأنا أرى وأسمع، عما تفعله وتقوم به من إجراءات وخطوات في التنظيم والقيادة على مستوى الحزب والجيش والثورة والوطن.
لم تكن هذه السمات التنظيمية والقيادية هي وحدها التي اكتشفتها فيك. بل إن مالفت انتباهي وشدني إليك، هو إيمانك الراسخ بعظمة هذه الأمة، ووحدة قضاياها، وضرورة تحررها، ووحدة مصيرها. إيمانك بقضية فلسطين، وعروبتها، والمسؤولية القومية عن تحريرها باعتبارها قضية العرب الأساسية.
كنت أول عربي قومي غير فلسطيني ألقاه. وتحتل قضية فلسطين وشعبها حيزاً كبيراً من اهتمامه وتفكيره، كنت تسأل وتستفسر وتدقق، التاريخ والجغرافيا، أحوال الناس، قدرتهم على الصمود، استعدادهم النضالي. لم تكن تكتفي بالأسئلة، بل حدثتني طويلاً، وفي عدة لقاءات عن المكانة التي تحتلها قضية فلسطين في الفكر القومي، والدور المحرك للنضال العربي، وتوحيده، الذي يمكن أن تلعبه هذه القضية. فهي تحتل حيزاً كبيراً في وجدان المواطنين العرب في كل بلدانهم، ووعيهم بخطر الاحتلال الصهيوني لفلسطين يتزايد ويتفاعل، وقد باتوا أكثر إدراكاً وفهماً لطبيعة المشروع الصهيوني، وأهدافه العدوانية التوسعية ضد الأمة العربية وأقطارها، وتهديده للأمن القومي العربي، والثروة العربية والوحدة العربية.
من يعرف هذا الموقف المبكر لك من قضية فلسطين وأنت لا تزال ذلك الشاب اليافع الذي لم يخط بعد إلا الدرجات الدنيا من سلم حياته السياسية، يدرك المكانة التي احتلتها فلسطين في سياساتك وأهدافك ومخططاتك عندما أصبحت في موقع الرئاسة (والحديث عن ذلك سيأتي في الحلقات اللاحقة). ولا أنسى حرصك على الإشارة لمواقفك الأولى تلك، واستعادتك لها مستشهداً بي أثناء لقاءاتك اللاحقة بنا عندما كنت تستقبلنا وأنت رئيس جمهورية العراق، ونحن كقيادة فلسطينية (اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير). إذ كنت تؤكد للقيادة الفلسطينية أنك كنت تناضل من أجل فلسطين وأنت ذلك الشاب المطارد اللاجئ السياسي، فكيف أعذر نفسي، أو يعذرني الناس، الآن إذا تخليت عن رسالتي تجاهها وأنا في الموقع الأول من قيادة العراق بكل قدراته وإمكانياته!!
لا أقول إن هذا المفهوم للبعد القومي لقضية فلسطين كان جديداً لكن الجديد بالنسبة لي كان هو هذه الرؤية العميقة للفكرة القومية وأبعادها التحررية والوحدوية والتقدمية. فأنا لا أنكر أن ثقافتنا في قطاع غزة عموماً كانت ثقافة محدودة، فبسبب عزلة القطاع وظروفه الأمنية الصعبة، وظروف العمل السري في ظل الإدارة المصرية حيث كان العمل الحزبي ممنوعاً أو محرماً لم يتوفر للحزبيين فيه إلا النزر اليسير من أسباب الثقافة الحزبية السياسية والفكرية، باستثناء أعداد قليلة من البيانات أو القرارات أو حتى الكتب كانت تصلنا مهربة عبر المسافرين إلى القاهرة والقادمين منها. وأكاد أقول إن جزءً من تثقيف الحزبيين كان يعتمد على الأشعار الثورية والقومية للشعراء القوميين، إما سماعاً من الإذاعة السورية آنذاك، أو عبر بعض الدواوين الشعرية التي كان دخولها للقطاع أقل صعوبة، وبذلك غلب الطابع العاطفي على الطابع الفكري في ثقافتنا السياسية. وربما كان موضوع التثقيف الحزبي من أكثر الصعوبات التي واجهت تنظيم الحزب المحلي وقيادته التي كانت مضطرة لإجهاد نفسها، بحثاً عن وسائل التثقيف لتزويد الحزبيين بها، أو في الاعتماد على قدراتها الثقافية الذاتية في كتابة التعميمات والبيانات لتثقيف الحزبيين تجاه الأحداث والتطورات في الساحتين الفلسطينية والعربية، ولتحصينهم في فترة لاحقة، حين اشتدت هجمة الإعلام المصري على الحزب. ويمكن القول : إن ظاهرة الضعف الفكري كانت ظاهرة عامة في القطاع، باعتبار أن الثقافة المتاحة كانت تنحصر تقريبا في الصحف والمجلات المصرية، وإذاعة صوت العرب التي كان تأثيرها طاغياً في ذلك الوقت.
شكلت لقاءاتي بك، والنقاشات التي أدرتها معك، والأفكار والمعلومات التي سمعتها منك، والروح العالية التي تتمتع بها، والهمة الطموحة التي تحملها، زاداً معنوياً ومعرفياً كبيراً لي، كنت أحمله معي لرفاقي في القطاع فتشتد عزيمتهم ويقوى إيمانهم بمبادئهم، فيزداد ثباتهم عليها، وحماسهم لها.
جمعتنا الفكرة القومية التي آمنا بها وبأهدافها من خلال انتمائنا للبعث. كما جمعنا أمر آخر ربما كان مستغربا في ذلك الوقت هو موقفنا الإيجابي من جمال عبد الناصر، وحبنا له، وإيماننا بدوره، ودور مصر القيادي. فرغم الخلاف الذي كان قائما بين عبد الناصر وقيادة الحزب القومية، والانتقادات والاتهامات المتبادلة، والحملات الواسعة التي كان يشنها الإعلام المصري بوسائله الصحفية والإذاعية والتليفزيونية الواسعة الانتشار ضد الحزب، والتي تجاوزت كثيراً حدود الموضوعية، إلا أنك كنت ترى، وأنا معك، أن هذا الصراع سيضر بالفكرة القومية، وبوحدة دعاتها، والمناضلين في سبيلها، وسيشتت جهود الأمة، ولن يستفيد منه إلا أعداؤها. فعبد الناصر، ورغم ما يمكن أن يسجل عليه من ملاحظات وانتقادات، إلا أن إيمانه الصادق والراسخ بالفكرة القومية، والوحدة العربية، وتأثيره كقائد جماهيري، في ترسيخ فكرة العروبة والقومية في مصر، بل وتحويل هذه الفكرة إلى حالة شعبية عربية من المحيط إلى الخليج بعد أن كانت فقط فكرة لدى النخب السياسية والثقافية، وتفتقر إلى القاعدة الجماهيرية الواسعة، وموقفه الحاسم من الاستعمار والصهيونية، ودوره القوي في دفع وتطور حركة التحرر القومي العربي إلى الأمام، ودعمها، في كل من بلدان الشمال الإفريقي العربي، وفي إفريقيا عموماً، وفي الجزيرة العربية، وأقطار المشرق العربي، ومكانته البارزة في حركة التحرر العالمية، وحركة عدم الانحياز.... وثقل مصر، ووزنها الشعبي والسياسي والحضاري، ودورها التاريخي في المنطقة العربية على مر العصور... كل ذلك يجعل من عبد الناصر القائد الفعلي المؤهل لقيادة المشروع النهضوي القومي العربي الذي تطمح إليه الأمة، ويحتم وحدة أطراف وقوى الحركة القومية، ويجعل من الضروري بالتالي تجاوز كل التناقضات الثانوية بين هذه الأطراف، لتحقيق الهدف الأكبر.
أحسست لاحقاً، أن هذا الإعجاب المبكر بعبد الناصر، والإيمان بالمشروع النهضوي القومي الذي كان يحمله ويسعى إليه، ولم تمكنه القوى الاستعمارية والصهيونية والرجعية بفعل تآمرها عليه من الوصول إليه، فسقط دونه.... كان يسكن وجدانك ويمثل همك الأكبر، وتضعه نصب عينيك عبر كل مسيرتك النضالية، حتى وصلت إلى موقعك في قيادة العراق، فندبت نفسك لتأدية واجبك القومي في حمل رسالة الأمة، وتحقيق مشروعها التحرري النهضوي القومي، رغم ما كنت تعرفه من صعوبة المهمة، ووعورة الطريق، وكثرة الأعداء.
يتبع....


شبكة البصرة
الخميس 19 جماد الثاني 1425/5 آب 2004

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق