قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الأحد، 19 أكتوبر 2014

اسماعيل أبو البندورة : أمريكا واعادة انتاج الهيمنة!!؛

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أمريكا واعادة انتاج الهيمنة!!
شبكة البصرة
اسماعيل أبو البندورة
اعتادت الولايات المتحدة في مدارات هيمنتها الكليّة على العالم ابتداع واختلاق رؤى وأوهام وهواجس سياسية وفكرية، سرعان ما تحولها الى قواعد وأرضيات للتفكير على الصعيد العالمي، وتروجها على أنها من حقائق ومنتجات تطور الأحداث في العالم وأنها هي بعبقريتها من يضع اليد عليها أولا، ومن يستبق الآخرين في الاشارة اليها. والمثير في كل ذلك أن الكثير من دول العالم القائم والتابع للهيمنة الأمريكية بشكل خاص، سرعان ما تستجيب لهذه البدع والاختلاقات والرؤى بدون نقد أو مراجعة، وتضع نفسها في خدمتها، وتفتح عقلها ودولها للتمرّن على تطبيقات هذه الرؤى والهواجس والالتحام بها، دون أن تفكر بشرعيتها وصحة منطقها ومدى ملائمتها لأوضاعها. ودون أن تناقش العقل الأمريكي بهواجسه واختلاقاته قبل صيرورتها قاعدة للتفكير ومسلمات واطلاقيات لا يغض عنها النظر، ولا يجوز الخروج عليها.
ومنذ أن أصبحت الولايات المتحدة القطب الوحيد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، واللاعب الوحيد على الساحة الدولية، وبعد أن وجدت نفسها الجهة الوحيدة المتحكمة بقرار العالم وعقله وقراره، أبدعت في اطلاق أفكار وأطروحات سياسية وفكرية هجينة ومتسرعة لتملأ هذا الفراغ العالمي، ولكي تجعل العالم مسرحا لتطبيقات هذا الفكر وهذه الاطروحات من خلال اجتماع العالم بأكملة على اعتماد ومناقشة هذه الأطروحات وتحويلها الى مساجلات كليّة عالمية تضبط ايقاع الفكر والحوارات العالمية على هديها ومنوالها.
ووفقا لذلك " فالتاريخ قد انتهى! " بموجب الأطروحة "الفوكويامية" " نهاية التاريخ " التي كانت مقالا ثم تحولت الى كتاب تخلى عنه صاحبه لاحقا بعد أن ثبت له تهافت مادته وأفكاره، وكان ذلك تفسيرا نظريا متهافتا من منتجات الهيمنة والمركزية الثقافية الأمريكية لمرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وانتصار الرأسمالية ونظامها.
وتلى ذلك أطروحة " صراع الحضارات " التي أبدعها فكر الهيمنة الأمريكي (وهي أيضا مقالة لهنتجتون ثم كتاب)، وأصبحت حديثا عالميا كليا تعقد له المؤتمرات والندوات ويستثير حفيظة المفكرين في كل أنحاء العالم، وكان ذلك أيضا نموذجا للابتداع (الاختلاق الوسواسي) الأمريكي في مدارات الهيمنة الثقافية، واستلاب عقل العالم وحرفه عن قضايا جوهرية، والزامه معنويا وفعليا بالخوض في تحليلات من خارج مدارات العقل أو مفروضة عليه قسرا وهيمنة، مع أنها في مضمونها مجرد رؤى قاصرة لا تستطيع أن تصمد أمام أية محاكمة عقلية، ولكن أمريكا تفرضها بسطوة الاعلام والنفوذ السياسي والاستكبار والمركزية، وتجعلها الحديث – الموضوعة الأثيرة التي يجب أن تتمحور حولها الرؤى العالمية، وأن تجسدها السياسات والتطبيقات في كل أصقاع الأرض.
وكان من بين أبرز الابداعات والاختلاقات الأمريكية في العقدين الأخيرين فكرة الارهاب والتخويف من الارهاب والحرب على الارهاب بعد أحداث سبتمبر، بعد أن كانت أمريكا قد صنعت وفتحت لهذا الارهاب الأفق والمجال في أفغانستان وكونته على صعيد عابر للدول، ووظفته في حربها ضد الاتحاد السوفياتي، وارتكزت عليه في مواجهة هذا العدو، وغذته لكي يصبع عنصرا فاعلا في المعادلة الدولية، ثم أعادت انتاجه بعد غزوها للعراق عام 2003 وفتحت المجال له للفشوّ والتمدد والانتشار مجددا بعد أن فككت الدولة العراقية، وفتحت المجال والبيئة والحاضنة لنمو قوى ارهابية هي من تفريخات القاعدة ومن صنعها، أو هي تجديدا لها ولقدراتها بعد أن شارفت على الأفول.
ومثلما تحدثنا عن فرض الهيمنة الثقافية ها هي أمريكا تعود مجدد لفرض هيمنة سياسية تحت شعار وعنوان الارهاب، ومكافحة الارهاب، وبعد أن هيجت العالم واستثارت عقله بخطر الارهاب وقواه المتعاظمة، وحشدت لذلك دولا وجهات كثيرة لتنخرط في معركة موهومة ومختلقة على الطريقة الأمريكية، ولا مصلحة وطنية لها فيها، ولكن ادماج الدول فيها يأتي ليؤكد فكرة الهيمنة الأمريكية مجددا، ويجعل الدول والشعوب رهينة لهذه الرؤى الهجينة والمفتعلة، أو يجعلها في دوامات من التوتر والتحول عن القضايا الجوهرية لأوطانها وشعوبها.
لا يتفطن أحد كما يبدو وخصوصا في بلادنا المضطربة، الى أن هناك معادلات وقوى صاعدة في العالم يجب الانتباه لحركتها ودورها ونفوذها وضرورة التحاور معها، ولا أحد يريد أن يتمعن في الهزيمة المدوية التي نالت من هيبة وقوة أمريكا في العراق على يد المقاومة الباسلة ويوظفها لخدمة الأمة.
لا تزال أمريكا تسيطر على هذه الدول وتمرر أحكامها ورؤاها عليها، ولا تزال تجدها متأهبة تحت الطلب لتقبل بدعها وضلالاتها السياسية كلما ازداد عليها الانسداد والانحسار واللاقرار، وهذا ما يجعل الحلم الأمريكي بالهيمنة المستدامة مستساغا ومقبولا، ويجعل هذا السراب الأمريكي ماءا في نظر البعض، ونبقى نحن في هذا اللهاث العقيم والعطش الأبدي!
شبكة البصرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق