قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الأربعاء، 21 أكتوبر 2015

صلاح المختار : حــــروب أدلــــة (الهــــويــــــة).. فمعركتها أهم من الانتصار في معركة الارض - استقراء هام

حــــروب أدلــــة (الهــــويــــــة).. فمعركتها أهم من الانتصار في معركة الارض - استقراء هام

كتب بواسطة: صلاح المختار.  المرابط العراقي
iraq0004
أكون أو لا أكون ... تلك هي المسألة
من رواية شكسبير : هاملت

من يحلل الصراع المحتدم الان لن يستطيع تجاهل اقوى واخطر صورة تفرض نفسها ، رغم كل محاولات الخداع بترويج صور اخرى مبهرة ومضخمة ومحاطة بالضجيج والدعايات المضللة ،
وهي صورة صراع الهويات ، فنحن امام صراع هويات احداها اصيلة وهي الهوية القومية العربية وثلاثة مزيفة او ملفقة وهي هويات تتميز بانها تنهب من الهوية الاصيلة والاصلية وتنسبه اليها وهي الهوية اليهودية التوراتية المعتاشة على امتصاص الهوية العربية ونهبها من كافة الجوانب بما فيها الملابس والاكل وليس الارض والمقدسات فقط ،والهوية الفارسية المتعملقة باضافة هويات اخرى اليها بالاستعمار ، والهوية الامريكية القائمة اصلا على التلفيق وابادة الاخر من اجل فرض هوية بالقوة والاغراء ، فكل من هذه الهويات ليست اصيلة وانما هي منتحلة وقائمة على السطو على مكونات هوية العرب بالنسبة للفرس واليهود وهويات العالم بالنسبة لامريكا .
ولكي نقطع الشك بالقين نوضح الحقيقة السابقة فالهوية الاسرائيلية محض تزوير لانها ملفقة اساسا ومن كشفها يهود اصلاء قبل غيرهم ومنهم يهود (الناطورا كارتا) الذين اكدوا ان اليهود الذين يحتلون فلسطين الان اغلبهم من يهود الخزر وهم اقوام دخلوا اليهودية متأخرين لاسباب سياسية وهم بناء على ذلك ليسوا يهودا اصليين بل ان الناطوري كارتا ترفض اعتبارهم يهودا ، وهذا ما بحثه ايضا الكاتب اليساري البريطاني اسحق دويتشر في كتابه (القبيلة الثالثة عشر) . فماذا يفعل من يفتقر للهوية مع انه يحتاج اليها جواز مرور يخترق الحواجز المانعة لاصالته ؟ سرقة هوية الاخرين وبالذات الهوية العربية الفلسطينية ومكوناتها الثقافية والتاريخية .
اما الفرس فهم ونتيجة لمطامعهم الامبراطورية اضطروا لتوسيع عدد سكان دولتهم وتعظيم مواردها باستعمار قوميات اخرى غير فارسية كالقومية العربية في الاحواز المحتلة والقومية الكردية والقومية الاذرية والقومية البلوشية وغيرها ، هذه القوميات الخاضعة للاستعمار الفارسي تمتلك كل منها هوية قومية متميزة بلغتها وتراثها وتقاليدها وثقافتها لكن الفرس فرضوا عليها وبالقوة الفاشية نظام التفريس من جهة ، وسرقوا مكونات قومياتها الثقافية كاللغة والانجازات الحضارية من جهة ثانية ، اضافة لتسخير موارد الاحواز النفطية والغازية ومياهها لحل جزء كبير من ازمتي بلاد فارس الخطيرتين والمعروفتين وهما ازمة المياه الشحيحة جدا وازمة قلة الاراضي الزراعية .استعمار قوميات اخرى احد اهم متطلبات تلفيق هوية قومية ايرانية غير موجودة تركب فوق القومية الفارسية القاصرة عندما يتعلق الامر بالتوسع الامبراطوري ، وهذا التركيب المصطنع لهويات متعددة فوق هوية ناقصة القدرات على التوسع هو المصدر الاساس لزيف الهوية الايرانية الحالية وهشاشتها والذي يخفى بعنف متطرف يمارسه العنصريون الفرس ضد الثائرين من القواميات المستعمرة .
ازمة الهوية في اسرائيل الشرقية خطرة ويمكن ان تتفجر في اي مرحلة بمجرد حصول خلل كبير في قدرة السلطة على ممارسة القمع الدموي وهذا ما لاحظناه مثلا عندما نجح العراق في عام 1988 في تحطيم القدرات العسكرية والاقتصادية والبشرية المقاتلة لاسرائيل الشرقية وبدأ الجيش العراقي بالتوغل في العمق الايراني لاجبار خميني على وقف اطلاق النار ، ومن جهة ثانية توغلت قوات مجاهدي خلق في العمق الايراني وكان بامكانها الوصول الى العاصمة لولا قبول خميني مجبرا تجرع سم الاعتراف بالهزيمة امام العراق . في تلك الفترة ظهر واضحا ان اسرائيل الشرقية وبعد ان ارتخت قبضة العنف الفاشي للنظام اصبحت معرضة للتفكك وتحرر القوميات المستعمرة . هنا برزت لكل مراقب ازمة تلفيق هوية ايرانية بكامل مخاطرها ولم يعد ممكنا اخفاء الطبيعة الاصطناعية للكيان الايراني الحالي بوجوده كدولة وبمكونات هويته المتنافرة .
اما امريكا فهي الاشد افتقارا للهوية من اي بلد اخر في العالم ، فلئن كانت فارس وهي مركز المستعمرات الايرانية لديها هوية فارسية واضحة حاولت عبر التاريخ توسيع نطاق حكمها باستعمار قوميات اخرى ، ولئن كان اسرائيل الغربية لديها اساس توراتي حتى ولو كان مزيفا سخرته لفبركة هوية بالسطو على الهوية العربية الفلسطينية فان امريكا اصلا بلا اي هوية متبلورة وتفتقر حتى لاساس هش للهوية القومية لانها عبارة عن مجاميع مهاجرين من بريطانيا كفروا بهويتهم البريطانية والتي هي الاخرى هوية مزيفة قامت على استعمار قوميات عديدة من قبل القومية الانكليزية كالقومية الايرلندية والتي مازالت قضيتها حية والان تبرز قضة استقلال سكوتلاندا .للتغلب على ازمة الهوية فان امريكا جعلت ستراتيجيتها العالمية تقوم على جعل كل دول العالم على شاكلة امريكا بتفتيت الهويات القومية للامم العريقة كالعرب والصينيين والروس والفرنسيين والالمان ، فتفتيت تلك الهويات يتيح لها تطبيق ما تسميه (نشر القيم الامريكية في العالم ) اي تفكيك مصادر وقواعد ارتكاز الامم العريقة والحقيقية وتماسكها بضرب هوياتها وتقاليدها بما في ذلك تقاليد الاكل واللبس والتصرف .
امريكا ليست اكثر من شركة كبيرة تمتد على مساحة قارة وهي شركة بالغة التعقيد والفرادة من بين كل شركات العالم العادية ، الحاجة المادية للعيش لدى المهاجر اجبرته على التعايش مع مشروع اقتصادي صرف عده مكان اقامة وليس امة حقيقة وهكذا فنجاح مشروع امريكا الرأسمالي في التوسع السريع كان سببه ثراء القارة الامريكية واعتماد الاوربيين الذين سيطروا على القارة على العنف المتطرف والغزوات الخارجية لنهب ثروات الاخرين وليس لانها تملك هوية امة ، وهنا تكمن هشاشة ما يسمى ب(الهوية الامريكية) فهي ما ان تتعرض للضغط او التهديد حتى تنهار بسرعة وبلا اي مقاومة حقيقية .
امريكا اليوم وبعد اكثر من مائتي عام مازالت عبارة عن شركة كبرى فريدة ضمت ملايين الناس الساعين للرزق ولكنها عجزت عن دمجهم في هوية طبيعية مشتركة تتجاوز المصلحة الفردية لان الهوية الوطنية ليست قرارا اراديا يفرض بالقوة او باغراء المصالح المادية الصرفة ، كما هي حال امريكا ، بل هي نتاج تفاعلات تاريخية واقتصادية ونفسية وثقافية كبرى تستمر لمئات السنين وليس لعشرات السنين مثل الامم الاوربية العريقة كالمانيا وفرنسا ، والامم الاصيلة احتاجت لالاف السنين كي تبلور هويتها القومية كالعرب والصينيين .
يمكن لاي انسان ان يتيقن من الافتقار للهوية الامريكية بمجرد طرح سؤال على اي امريكي وهو من اين انت ؟ سيرد عليك انا فرنسي او انكليزي او صيني او عربي الاصل وليس امريكيا ، فهذه الهويات الاصلية مازالت قائمة وحتى عندما اضعفت بحكم العيش لعدة اجيال فان الهوية البديلة والواضحة لم تنشأ بعد لهذا فان احدى اهم مشاكل امريكا والتي اخذت تظهر بصورة متزايدة مع تراجع الرفاهية الامريكية وبدء عصر العوز والفقر وتقلص الطبقة الوسطى الامريكية هي ازمة الهوية حيث ارتدت الجاليات الى هوياتها الاصلية بعد انهيار الخطر السوفيتي .
ولعل نظرية اصطناع صراع خارجي هي افضل تعبير عن غياب الهوية الحقيقية فطبقا لصموئيل هنتنغتون المفكر الامريكي في نظريته الشهيرة ( صراع الحضارات ) فان امريكا بحاجة دائمة لعدو خارجي يهدد مواطنيها كي تستمر وحدة مواطنيها واذا غاب العدو الخارجي فان المكونات المتنافرة لامريكا سرعان ما تظهر وتتغلب على فكرة المواطنة . وبناء عليه اكد بانه بعد زوال الاتحاد السوفيتي اخذت امريكا تواجه مشكلة الهوية بقوة من خلال تعاظم ارتباط مواطنيها باصولهم القومية اكثر من ارتباطهم بمواطنين امريكيين من اصول اخرى وللتغلب على هذا التهديد الخطير لمستقبل امريكا دعى الى اصطناع عدو جديد وخلق صراع اخر واختار الاسلام ليكون العدو البديل عن الشيوعية .
فماذا تفعل امريكا الشركة وقد بنت اعظم اقتصاد وتكنولوجيا بفضل شراء كفاءات الشعوب الفقيرة كالهنود والباكستانيين والعرب وغيرهم وبنت قوة عسكرية فريدة لحماية الشركة ؟ شرذمة الامم الاخرى وتحويلها الى فسيفساء لا تربطها هوية قومية كما هو حالها فرأينا خطط امريكا المنفذة عالميا تبدأ بترويج النزعة الفردية المتطرفة وتستخدم هويات ما قبل الامة في كافة انحاء العالم لاحياء ما مات من هويات او اصبح متنحيا وضعيفا مثل الطائفية والصراعات الدينية والعرقية والمناطقية . انه سعي لتفكيك العالم برمته ليكون على شاكلة امريكا بلا هوية واضحة تربط المواطن بقوة معنوية وبتراث ثقافي ولغوي يبسط الصورة ويربط بين المعاني والافكار ويوفر للانسان القدرة على فهم دقيق لماهيته وبلا التباسات تراكم الهويات الفرعية وتناقضها .
هنا نواجه اكبر ما يهددنا نحن العرب مثلما يهدد بقية الهويات الاصيلة في العالم ولكننا وفي هذه المرحلة الهدف المباشر لتنفيذ خطط الشرذمة بالاحياء المصطنع لهويات اندثرت او تحولت الى جزء من هويات طبيعية نمت وتطورت عبر القرون ، والامم الاخرى تنتظر دورها بعد اكمال شرذمة الامة العربية ولعل الانتقال الامريكي الى الصين والتركيز عليها ليس سوى تمهيد لشرذمة الامة الصينية .من لا يأخذ هذه الملاحظات بنظر الاعتبار لن يستطيع فهم ما تقوم به امريكا مستخدمة الاسرائيليتين الغربية والشرقية في اكمال عمليات شرذمة وتقسيم الاقطار العربية فهذه الاطراف الثلاثة تقع تحت اجبار البحث عن هوية ولو زائفة تقوم على انقاض هويات اصيلة تدمر بمخططات موضوعة سلفا ، وفي ضوء ذلك نرى الان وبوضوح اكبر الطابع الوظيفي لقيام اسرائيل الغربية والمتجاوز لنطاق ارض الميعاد التوراتية ، ونرى الطابع الوظيفي للدولة الجديدة التي دعمت بريطانيا انشاءها وهي ايران الملفقة لانها تقوم على استعمار قوميات متعددة واستغلال ثرواتها وسكانها لتحقيق التوسع الاستعماري في ارض العرب تحديدا .
من ينظر لما يجري خصوصا في العراق وسوريا يلاحظ بسهولة ان ثمة تناقضا صارخا بين خطين يعملان لاثبات الهوية الخط الصهيوغربي والذي يبذل جهودا جبارة منظمة لاثبات ما ورد في العهد القديم (كتاب اليهود ) من قصص وروايات اثبتت الاحداث في فلسطين انها غير صحيحة بعد حفريات طويلة في الاماكن المقدسة في فلسطين ، اما الخط الثاني فهو خط العروبة الذي تتعرض ادلته للتدمير والسرقة والاتلاف المنظم لاجل اثبات صحة فرضيات الخط الاول ، ولعل اكبر الشواهد هو ما فعلته امريكا عندما غزت العراق في عام 2003 بتصرفها المخابراتي تجاه الاثار العراقية ونهبها وتحويل بابل واور الى معسكرات تحفر لمدة خمس سنوات ، وتسخير عصابات اعدتها امريكا لتدمير الاثار وازالة ادلة هويتنا الى الابد .
ما اصول حكاية الادلة ؟ التاريخ هنا هو المنبع الجوهري لادلة الهوية بما يختزنه من معلومات ووثائق مسجلة غالبا على حجر اتخذ احيانا شكل تماثيل بينما في حالات اخرى اتخذ شكل مخطوطات على حجر او غيره . ومن يهتم بادلة التاريخ طرفان : طرف تتعرض ادلته للتدمير المنظم مثل العرب فيصبح النضال من اجل حماية ادلة التاريخ هدفا سوبرستراتيجيا ، اما الطرف الاخر فهو ناقص ادلة الهوية والذي يريد اصطناع ادلة هوية مزورة او نهب ادلة الطرف الاخر صاحب الكنز الهائل من ادلة الهوية وهو الشعب العربي .
الحرب السرية التي تقع الى جانب الحروب العلنية ضد العرب هي حرب تدمير او اصطناع ادلة الهوية وطرفاها هما العرب من جهة والغرب المتصهين بكل ادواته ومعاونيه مثل اسرائيل الشرقية من جهة ثانية . الحقيقة الاكبر والدرس الاكبر هو ان الانتصار في معركة الهوية اهم من الانتصار في معركة الارض فاذا ذهبت الهوية فلن يكون هناك نضال من اجل تحرير الارض لانها ستكون قد قسمت واستولت عليها اقواما غريبة تخوض الصراع الان ضدنا . فليكن نضالنا الاساس هو نضال حماية الهوية بكافة الوسائل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق