توجان فيصل/ كاتبة اردنية
مشروع قانون الانتخاب الذي تقدمت به الحكومة الأردنية لمجلس النواب يحوي عجائب تصدم أي عقل تشريعي أو سياسي. ولا تتسع مساحة هذه المقالة للإحاطة بتلك العجائب، ولكننا سنورد هنا عينتين منها تدعمان الاستنتاجات المنطقية التي تحتمها هكذا عجائب.
بداية، يعيد مشروع الحكومة العمل بالبطاقة الانتخابية التي كانت أكبر مصدر لتزوير عدة انتخابات متتالية منذ ما أسمي بعودة الحياة النيابية عام 89. فالناخب هنا لم يعد المواطن، بل ورقة تصدرها الحكومة. وبهذا أمكن أن تصنّع الحكومة ناخبين بالعدد اللازم لها للتزوير، أبرزهم "الأموات" .. وإصدار عدة بطاقات لناخبين بعينهم، وصل عدد ما أصدر لأحدهم بمدينة الزرقاء، اثنتين وخمسين بطاقة، وكله زمن قانون "الصوت الواحد".. واستعمال البطاقة من غير أصحابها، والأدهى أن العديد منها لم تسلم لأصحابها رغم تكرار طلبهم، بل ولم يسمح لهم بالاقتراع حين توجهوا للصناديق التي بها أسماؤهم كناخبين رغم إبرازهم هويات شخصية وجوازات سفر.
المكون العجائبي الآخر في مشروع قانون الانتخاب يتعلق بأهم مطلب لقوى الإصلاح، وهو الدائرة على مستوى الوطن. فالمطلوب كان تخصيص نصف مقاعد المجلس للدائرة الوطنية، فجاء القانون بخمسة عشر من مقاعد لا يمكن حصر عددها الكلي (وهذا من عجائب القانون) الذي يبدو أنه يراوح بين مائة وثمانية وثلاثين ومائة وخمسة وأربعين مقعدا. والمطلب الشعبي هو "لقوائم نسبية" تتشكل من شخصيات وقوى سياسية لا يوجد ما يمنع أن تكون من حزب واحد أو من ائتلاف أحزاب أو من قوى وشخصيات سياسية أخرى، تخدم كنواة تشكل أحزابا سياسية تكون برامجها امتحنت في الانتخابات بل وجربت بتشكيل قائمة أو ائتلاف الأغلبية للحكومة ..فجاء القانون ليس بخمسة عشر مقعدا فقط، بل ولينص على أن تكون القوائم حزبية وأن يكون كل مرشح فيها قد مضى عليه سنة في عضوية الحزب عند تارخ الاقتراع، مضافا لهذا تحديد عدد مرشحي كل حزب بخمسة فقط يمكن أن يضاف لهم ثلاثة احتياط !!
ولكن الأدهى من تقييد حزب أغلبية مفترض، أنه لا توجد في الأردن أحزاب بالمعنى الصحيح سوى حزبين أو ثلاثة، في مقدمتها حزب جبهة العمل الإسلامي (الإخوان المسلمون) وبقصب سبق تاريخي قام على منح الدولة ترخيصا للإخوان وحدهم للعمل كحزب منفرد منذ تأسيس الإمارة وطوال منع الأحزاب الأخرى في ظل الأحكام العرفية . ولكن بالمقابل هنالك ما يسميه الشعب "دكاكين" حزبية جرى ترخيصها لرموز الحكم العرفي وبعض رموز الفساد الرئيسة، ورافق تسجيل أبرز تلك الأحزاب محاولات عدة فاشلة لتسويق أحدها كحزب أغلبية تزور له الانتخابات فيشكل الحكومة .. والآن لا يراد حتى زعم وجود أحزاب أغلبية، ولكن تم تسجيل "دكاكين" عدة مؤخرا بحيث يتوفر لها وحدها شروط الترشح للقائمة الوطنية في غياب فرصة تشكيل أحزاب قبل الانتخابات المجدولة لما بعد أشهر!!
والأدهى الأمرّ من كل هذا أن "أمين عام الحزب" هو من يسجل المرشحين عن قائمة حزبه ويحدد تسلسل الأسماء على القائمة، بل هو يملك أن يشطب أيا من المرشحين بعد قبول ترشيحهم حتى لو لم يكن هناك بدلاء للمشطوبين على قائمة مرشحي الحزب، ودون أن يملك أي منهم فرصة الطعن لدى القضاء كما في حال المرشحين المستقلين المرفوضين، وهذا بعد أن يكونوا فقدوا فرصة الترشح كمستقلين .
وبغض النظر عما يمكن أن ينص عليه قانون الأحزاب قيد النظر في مجلس النواب أو النظام الداخلي لأي حزب، فإن القاعدة القانونية بأولوية تطبيق القانون الخاص (قانون الانتخاب هنا) يفرض أمناء الأحزاب الذين لم يمكن لأي منهم الوصول للنيابة لحينه باستثناء الأخوان، " دكتاتويريات" مصغرة .. بينما يفترض ان تساهم الأحزاب في القضاء على الدكتاتورية وتؤسس للديمقراطية.
هذه المواد العجائبية تشي بأمرين، الأول: سيطرة فكر دكتاتوري على واضعي القانون، يسعى لتكريس حكم الفرد عبر أفراد يسهل إلحاقهم .والثاني: وجود نية واضحة للتزوير باستخدام أقدم وسائلها وأكثرها انكشافا. وكلاهما يثير العجب لوجود قاض دولي عرف بالنزاهة على رأس الحكومة .. ما يدعو للتساؤل عمن يدير المشهد حقيقة، بخاصة لكون القانون وضع في أجواء من التكتم والسرية التامة غير المبررة في هكذا شأن تحديدا .. وبدل ان ينفس قانون الانتخاب الإحتقان الشعبي، سيعمل حتما على المساهمة في تفجيره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق