ما لم يقال عن محادثات اسطنبول
السيد زهره
ما الذي جرى في محادثات اسطنيول بين ايران ومجموعة 5+1 حول ازمة الملف النووي الايراني ، وما الذي تحقق فيها بالضبط؟
الملاحظ بداية ، انه بعد انتهاء المحادثات التي استمرت لعشر ساعات ، حرصت كل الاطراف تقريبا على الاشادة بها وبنتائجها.
اشتون ، وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي وصفت المحادثات بأنها " بناءة ومفيدة وتعكس نص وروح الرسائل الاخيرة التي تبادلناها مع ايران". البيت الابيض الامريكي من جانبه اعتبر ان المحادثات " خطوة اولى ايجابية وان الايرانيين جاءوا للتحدث بشأن برنامجهم النووي وهو ما كانت تريده مجموعة الست". بدوره ، اشاد جليلي رئيس المفاوضين الايرانيين ب " الموقف الايجابي لمجموعة 5+1 ، وبرغبتهم التي ابدوها في التحاور والتعاون".
اذن ، ما هي النتائج الايجابية المحددة التي انتهت اليها المحادثات وجعلت كل الاطراف تقريبا تشيد بها على هذا النحو؟
حقيقة الامر ان النتيجة الوحيدة الملموسة المحددة هي الاتفاق على عقد جولة اخرى من المحادثات في العراق بعد نحو شهر. اما فيما عدا ذلك ، ومن متابعة تفاصيل ما نشرعن المحادثات ، فليس هناك أي شئ ايجابي محدد انتهت اليه او حتى تمت مناقشته.
بعبارة ادق ، كل ما تم الاستناد اليه لاعتبار المحادثات ايجابية على نحو ما عبرت عنه مثل هذه التصريحات هو امور عامة جدا لا علاقة لها بصلب القضية. نعنى امور من قبيل ان الاجواء العامة في المحادثات كانت ايجابية ، وان الطرفين ابديا استعدادا لمناقشة القضية من دون فرض شروط مسبقة ، وان هذ الاجواء تعتبر خطوة على طريق بناء الثقة بين الطرفين.
كما نرى ، ليس في هذه الاجواء العامة شئ ايجابي ملموس تم تحقيقه او حتى تمت مناقشته فيما يتعلق بصلب قضية الملف النووي الايراني. فما هو سر هذه الاشادات بالمحادثات اذن؟
اغلب الظن ان النتيجة المحددة ، والانجاز الذي تحقق تمثل فيما لم يتم التطرق اليه في المحادثات اصلا.
نعنى ان اغلب الظن ان الانجاز هو التوصل بطريقة ما الى شكل من اشكال التفاهم بين امريكا وايران على " التهدئة" ووقف التصعيد ، وابداء حسن النوايا طوال الاشهر القادمة ، وتحديدا حتى تجري انتخابات الرئاسة الامريكية.
مثل هذا التفاهم هو حاجة ماسة للطرفين.
اوباما بحاجة الى ترحيل الازمة لى الامام ، والى اعطاء الانطباع للناخب الامريكي بان تقدما ما يتحقق في الازمة الايرانية ، وان امكانية احتواء الازمة سلميا مطروح بقوة ، وبالتالي فهو ليس بحاجة الى اتخاذ أي اجراءات حازمة ضد ايران في الوقت الحاضر على نحو ما تطالب قوى كثيرة في امريكا تتهمه بالضعف والتراخي وعدم الحزم.
وايران من جانبها بحاجة الى تخفيف الضغوط الدولية عليها ، والى تحجيم الاصوات الكثيرة المطالبة في الغرب بعمل عسكري يستهدفها ، وبتشديد العقوبات الدولية اكثر.
اذا صح هذا التقدير ، والارجح انه صحيح ، فسوف تشهد الاشهر القادمة ترحيلا للأزمة الى الامام خطوة بعد خطوة. وفي محادثات بغداد القادمة سوف يتم الاتفاق على عقد جولة اخرى بعد ذلك ، وهكذا. وقد تتدخل امريكا وتضغط باتجاه قرار غربي بتأجيل البت في تنفيذ قرار فرض العقوبات النفطية على ايران والمقرر ان يدخل حيز التنفيذ في يوليو القادم.
ومن الملاحظ ان اوباما ، وكمن " على راسه بطحة" كان حريصا بعد محادثات اسطنبول على انه " لم يتم تقديم أي تنازل الى ايران في المحادثات" . وفي نفس الاتجاه ، قالت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون ان امريكا " ستواصل العقوبات والضغوط على ايران ، في انتظار ما سيحدث في الجولة القادمة من المحادثات في بغداد. القراءة السياسية لمثل هذه التصريحات انها تؤكد ولا تنفي ان تنازلا ما تم تقديمه الى ايران بالفعل.
اذن ، ان صح هذا التقديرالذي ذهبنا اليه من وجود هذا التفاهم بين امريكا وايران ، فماهي المشكلة بالضبط؟.. بعبارة ادق ، هل في هذا مشكلة بالنسبة لنا في دول الخليج العربية؟
نعم .. هناك مشكلة.. المشكلة ليست في ترحيل الازمة الايرانية الغربية الى الامام ، فهذا شأن يخصهم. المشكلة انه في اطار مثل هذا التفاهم ، وهذه الرغبة الامريكية في استرضاء ايران في الاشهر القادمة ، من الممكن الاقدام على خطوات تمثل مباشرة خطرا او تهديدا للمصالح العربية.
نشير هنا بصفة خاصة الى احتمال اشار اليه بالفعل احد المحللين بعد محادثات اسطنبول ، وهو ان يتم ادراج بند " الأمن الاقليمي" او " القضايا الاقليمية" في محادثات بغداد القادمة.
ولعل ما قد يعد مؤشرا على هذا ما ذكرته مصادر موثوقة من انه عشية محادثات اسطنبول ، حضرت اشتون عشاء مع الوفد الايراني استمر لثلاث ساعات كاملة ، و الغريب ان المحادثات في هذا العشاء لم تتطرق الى القضية النووية اطلاقا ، وانما تطرقت الى قضايا اخرى تماما وخصوصا " الربيع لعربي".
على اية حال ، لو حدث هذا ، لو تم ادراج الامن الاقليمي او القضايا الاقليمية في المحادثات القادمة مع ايران ، فسوف يمثل هذا رضوخا غربيا للمطلب الايراني الاساسي والمتمثل في ان يتفاوض معها الغرب حول القضايا الاقليمية ، التي هي كلها قضايا عربية لا دخل لايران بها ، وبما يعني اعترافا غربيا بدور اقليمي ايراني مهيمن.
هذا هو الخطر الذي يجب على الدول الخليجية العربية ان تتحسب له من الآن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق