قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الأحد، 1 مارس 2015

افتتاحية طليعة لبنان الواحد لشهر شباط 215 مدخل المصالحة السياسية في العراق: الرجوع عن قراري حل الجيش والاجتثاث

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
افتتاحية طليعة لبنان الواحد
لشهر شباط 215
مدخل المصالحة السياسية في العراق:
الرجوع عن قراري حل الجيش والاجتثاث
شبكة البصرة
قد يكون من المفيد جداً، إعادة التذكير مع كثرة التكرار، بأن أول قرارين اتخذهما الحاكم الأميركي بريمر يوم حط رحاله في بغداد، هما حل الجيش العراقي، واجتثاث البعث. وقد شكل هذان القراران الإطار العام لمضامين وآليات ما سمي بالعملية السياسية.
هذه العملية التي أريد لها أن تعيد تركيب السلطة وإداراتها، بقيت على مدى سنواتها محكومة بمفاعيل هذين القرارين. وقد اتضح ذلك من خلال الطريقة التي أديرت فيها شؤون العراق حتى خروج القوات الأميركية كقوة محتلة نهاية 2011، واستمرت بعد ذلك عبر إدارة المالكي الحكومية ومن ثم انتقلت إلى خلفه العبادي الذي سعى لتقديم نفسه عبر مفردات خطاب سياسي جديد، فإذ به يسير نهج المالكي وخاصة بالنسبة لمفاعيل هذين القرارين.
لقد تبين بشكل واضح، أن هذين القرارين وبالنظر إلى الأولوية التي أولتها سلطة الاحتلال لهما، وهي تتولى إدارة شؤون البلاد، أن العراق الجديد يجب أن يعاد تركيب سلطته وإدارته السياسية في ضوء النتائج التي تترتب على نفاذهماوهي دولة عراقية دون مؤسسة عسكرية وطنية التركيب البنيوي، وشعب عراقي دون أداة سياسية وطنية جامعة عابرة للطوائف والمذاهب والمناطق.
وهذا كان يعني، حرمان الدولة العراقية من أهم مؤسسة ارتكازية في بنيانها الوطني، وافتقار شعب العراق لأهم مؤسسة سياسية صاهرة لأطيافه المجتمعية في بوتقة الانتماء الوطني على قاعدة المساواة في المواطنة.
من هنا، كشفت الأبعاد الفعلية لهذين القرارين، عن أي دولة عراقية يراد تظهيرها واي نظام سياسي يراد إنتاجه. وفي ضوء إدراك هذه الأبعاد، كانت الإدارات السياسية التي تناوبت على السلطة إبان الاحتلال الأميركي، وبعده الاحتلال الإيراني من الباطن، وآخرها الإدارة الحالية التي حُملت على رافعة التدخل الدولي والإقليمي برأس حربتيه الأميركية والإيرانية، تلتزم مضمونهما وأن أضطرت إلى تبديل في مفردات التعبير عنهما تحت ضغط المواقف لقوى سياسية وشعبية وازنة.
فالقرار المتعلق بالجيش، لم تتبدل تسمياته، واستمر النهج المعتمد على ثباته، وهو الحؤول دون قيام جيش وطني على قاعدة قانونه الأساسي وعقيدته القتالية الوطنية، وأن تركيبته البنيوية أسست على المحاصصة المذهبية الطائفية، والتشكيلات الميليشياوية ذات التركيب البنيوي المذهبي والطائفي أنيط بها تنفيذ المهام التي تحددها السلطة السياسية، وهي سلطة لم تستح بتبعتيها للخارج الإقليمي والدولي واغرقت في سلوك تحكمت به المحفزات المذهبية والطائفية وحتى هذه للحظة، ولهذا فإن الجيش بقي من الناحية العملية الحلقة الأضعف بين القوى التي تمارس أدواراً عسكرية وأمنية.
أما بالنسبة للقرار الثاني، وهو اجتثاث البعث، فقد غيرت تسميته إلى "العدالة والمساءلة". وهذا يعني إخضاع كل البعثيين لأحكام هذا القانون الذي أريد له أن يمرر أيضاً مع مادة (4) إرهاب، بحيث تطبق أحكام هذه المادة على كل من لم يقع تحت طائلة أحكام قانون العدالة والمساءلة.
وعليه فإن العمل بهذا القانون ومادة (4) "إرهاب" يعني، أن ملايين العراقيين الذين انتموا إلى حزب البعث منذ تأسيسه وحتى اللحظة هم ضمن دائرة المساءلة.
هذا القانون الذي شكل ويشكل واحدة من قضايا التجاذب السياسي الداخلي، أعيد استحضاره مع تشكيل الحكومة الجديدة، وخلصت النقاشات إلى تحويل من كل من تشمله أحكام قانون العدالة والمساءلة إلى ملف قضائي، وعلى أن يكون هذا الأمر مشفوعاً بإصدار تشريع جديد يحظر حزب البعث بقانون وتحت أي مسمى.
هذا الطرح الجديد قدم في الوثيقة السياسية التي قيل عنها أنها ستكون قاعدة يؤسس عليها لإنجاز مصالحة وطنية. وهنا يطرح التساءل، أية مصالحة وطنية يتكلمون عنها؟ هل هي مصالحة بين القوى التي اختلفت على توزيع الحصص والمغانم وثروة العراق، أم هي مصالحة مع قوى طائفية ومذهبية يمارس كل منها ومن موقعه سلوكاً يبرر السلوك الآخر؟
فلو اعتبر أن المصالحة بين الفئة الأولى وهم"حرامية السلطة" وناهبي خيرات السيد، فهذه لا تندرج تحت عنوان المصالحة بمدلولها السياسي، لأن الجميع هم من طينة واحدة وهم فريق واحد، وبالتالي لا يوجد فريقين مختلفين حتى يقال بإجراء مصالحة بينهما. ولو اعتبر أن المصالحة هي بين قوى تحركها المحفزات المذهبية والطائفية والعرقية، فهذه أيضاً لا تندرج تحت عنوان المصالحة بمدلولها السياسي الوطني، لأن الأطراف التي تمارس سلوكاً سياسياً واقعياً وتقف على أرضية مواقف مذهبية وطائفية، هي وان كانت مختلفة بالشكل الا انها متوافقة بالمضمون باعتبار أن كل سلوك طائفي يبرر السلوك الآخر وبالتالي فإن المصالحة بين القوى الطائفية هي توافق على تقسيم جبنة الحكم والسلطة وليس على إعادة بناء وطن وقيام دولة.
إذاً، أن المصالحة الحقيقية، هي التي تكون محكومة بالبرامج السياسية والتي وأن اختلفت قواها على طبيعة النظام وإدارة سلطته، إلا أنه يفترض فيها أن لا تكون مختلفة على الثوابت الوطنية الأساسية وعمادها وحدة الأرض والشعب والمؤسسات وتقديم خيار الولاء الوطني على أي ولاء آخر.
وأنه من خلال استعراض واقع الحال في العراق اليوم، فإن الصراع الفعلي يتمحور حول مشروعين، مشروع القوى التي أفرزها الاحتلال وما زال يمدها بإسناده ويوفر لها كل وسائل الإرضاع المادي والسياسي. ومشروع القوى الوطنية التي ائتلفت في تحالف عريض وبالاستناد إليه قاومت الاحتلال الأميركي ومن بعده الدور الإيراني الذي عبث وما يزال بالحياة السياسية المجتمعية العراقية، وهي اليوم تقاوم إعادة تعويم العملية السياسية السابقة عبر مشروع سياسي يحاكي الطموح الوطني ويطرح إعادة بناء العراق على الأسس الوطنية والديموقراطية بعيداً عن الالتحاق بالتحالف الدولي الذي تقوده أميركا، وبعيداً عن الارتماء في أحضان النظام الإيراني وبما يوفر قاعدة شعبية عريضة لمواجهة قوى الإرهاب المادي والأمني وقوى التكفير الديني على اختلاف وتعددية أطرافها.
على هذا الأساس، فإن المصالحة إذا كان مقدر لها أن تنطلق، فهي لا تستقيم إلا إذا كانت بين القوى السياسية المختلفة في برامجها السياسية. وهذا يتطلب تقديم تراجعات وتنازلات متقابلة. والخطوة الأولى تبدأ ممن يعتبر نفسه في الموقع السلطوي. وعليه فإن على إدارة السلطة السياسية الحالية، إذا كانت جادة فعلاً في إطلاق عملية سياسية جديدة، أن تعلق أولاً وقبل أي أمر آخر، قراري الحاكم الأميركي بريمر حل الجيش العراقي والاجتثاث باعتبارهما قرارين غير قائمين وبالتالي العودة بالأمر إلى مرحلة ما قبل اتخاذهما. وهذا يعني الانطلاق لإعادة تكوين المؤسسة العسكرية على قاعدة قانون إنشائها مع
ما يستتبع ذلك من إنهاء لكل التشكيلات الأمنية والعسكرية التي أنشئت على حواشي المؤسسة العسكرية بقرار سياسي أو بفتوى دينية.
وأما بالنسبة لحزب البعث، فإن من يريد أن يسعى لمصالحة سياسية وطنية اذا كان صادقاً في سعيه فهو لا يستطيعها دون حزب البعث. فهذا الحزب، ليس نقطة تفصيلية في معطى الواقع العراقي، بل هو الحيثيثة السياسية الأهم وبالتالي فإنه لا يمكن إنجاز حل سياسي في العراق دون حزب البعث. وعليه فإن على الإدارة السلطوية الحالية، أن تتراجع عن قرارها بإحالة قانون المساءلة والعدالة إلى المجلس النيابي المفتقر للشرعية أساساً، وانطلاقاً من قرار اعتبار قراري الحاكم الأميركي غير موجودين.
وإذا كانت الإدارة السلطوية تعتبر أن هذا الأمر يشكل تراجعاً من قبلها، فعليها أن تعرف جيداً، أن قوى المشروع الوطني، وحزب البعث في طليعتها، عندما تقبل بالحوار السياسي معها فهي إنما تكون قد أقدمت على تقديم تنازل كبير، بقبولها الحوار مع أطراف سياسية هي نتاج إدارة الاحتلال الأميركي ورديفة الاحتلال الإيراني. وأن ما طرحته قوى المشروع الوطني من نقاط سياسية بعد تهاوي سلطة المالكي في العديد من المناطق يشكل أساسًا لإطلاق عملية سياسية جديدة تتجاوز كل السلبيات وتسقط كل المبيقات التي أفرزها الاحتلال وردائفه، وتفتح الباب أمام إعادة تكوين اصطفاف سياسي وطني عريض، ليشكل جاذباً وطنياً في مواجهات الجاذبيات الطائفية والمذهبية والعرقية ومعها تنتهي وتسقط كل أدوار القوى التي تعبث بأمن العراق الوطني والمجمعي، ويعاد تحصين ساحته من اختراقات الداخل وكل أشكال تخريب الداخل تحت المسميات الطائفية والمذهبية المختلفة.
أما إذا أصر الذين يديرون ما يسمى بالعملية السياسية في ضوء معطاها الراهن،على ركوب رؤوسهم الحامية، والاستمرار بالنهج الذي سار عليه المالكي بغطاء ودعم إيرانيين وغض نظر أميركي والإصرار على تشريع قانون تجريم البعث وحظره، فما عليهم إلا أن يتحملوا نتيجة أعمالهم وعليهم أن يخرجوا من وهم إنهاء الحزب بتشريع، ليست لأن السلطة التي يناط بها التشريع تفتقر إلى المشروعية الوطنية والسياسية، وحسب، بل لأن حزب البعث الذي لم يتشكل بقرار سلطوي، لن يستطيع احد حظر وجوده فعلياً
بقرار سلطوي. فالحزب الذي دخل الحياة السياسية منبثقاً من واقع الحياة المجتمعية وأقام صرحاً وطنياً، وتصدى لعدوانية وتدخل إيراني في الشؤون العراقية وقاد مقاومة أنهت احتلال أعتى قوة عسكرية، كان وسيبقى قوة فاعلة في محور الحياة السياسية العراقية، وسيبقى في الموقع الذي يعبر من خلاله عن قناعاته الفكرية والسياسية، في مواجهة قوى التحالف الصهيو-أميركي المتقاطع مع دور النظام الإيراني المشبوه وفي مواجهة كل قوى الإرهاب و الترهيب السياسي والتكفير الديني على اختلاف تلاوينها وتعدد مصادر اسنادها.
شبكة البصرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق