قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الاثنين، 23 يونيو 2014

تأسيس البدايات أوالروح التأسيسية لدى مؤسس البعث. مشروع قراءة جديدة لفكر الاستاذ ميشيل عفلق!

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تأسيس البدايات أوالروح التأسيسية لدى مؤسس البعث.
مشروع قراءة جديدة لفكر الاستاذ ميشيل عفلق!
شبكة البصرة
اسماعيل أبو البندوره
ماذا نعني بتأسيس البدايات (أو استئناف البدء) لدى المفكر القومي ميشيل عفلق؟
اننا نعني المنهج الابداعي والخلاق في التحليل والقراءة النقدية، والحدس الاستشرافي، والرؤية الاستكشافية، ونعني القراءة الخصبة للواقع العربي التي احدثت قطيعة مع فكر الرجعية والتجزئة والتخلف والظلامية، والقدرة الفكرية على تعبئة الوعي بالاسئلة الصحيحة في عالم متغير أو في طور التكوين، وانشاء واقع فكري جديد، ووضع نقاط البداية الصحيحة للعمل القومي، والمثابرة النضالية على مداومة التعرض والابداع واشتقاق الحلول، والعودة الى المباديء التكوينية، وصياغة المرجعيات والثوابت والمنطلقات، وانشاء مساحات فكرية جديدة للانطلاق، وصناعة البدائل، وعدم الاستسلام للوقائع النكوصية والانحطاطية، وتوليد المشاريع السياسية الجديدة، والاحياء والاستنهاض، والتمسك بقراءة تاريخية حضارية مكوّنه وحافزة، ومنظور حضاري شامل، يراجع ويحاور الذات وتراثات العالم، ورؤية عصرية غير ماضوية ومتوجهة الى المستقبل.
انطوت اللحظة التكوينية الفكرية الاولى لدى مؤسس البعث على تأسيس نقطة بداية معرفية للانبعاث والاحياء، وتيار سياسي يوجهه الفكر، ومرجعية استقلالية للنظر، ومنهجية علمّية للتفكير، تقوم على المبادرة والتخليق والابداع ورفض الاتباع، والدعوة الى تيار فكري احيائي رسالي عريض موحد غير نخبوي للأمة، لاتنتهي مهماته عند مرحلة معينة، ولاينطوي على عصبية سياسية أو عقائدية، وانما ينفتح على الامة بمجموعها ليستنبت فيها الارادة، ويحاور فيها الوعي والقدرة على الانتهاض، لكي يبعدها عن الخمود والاستكانة والاستسلام للواقع، ولكي يضع مسائل الواقع العربي امام عقلها بطريقة قريبة الى سياقات عقائدها وتراثها وتقاليد نضالها، وفي صميم تاريخها. وهو لم يسع فيما سعى الى عملية "احياء امة وهي رميم" بالصيغ الانشائية الشاعرية المجردة، وانما ايقظ الحسّ التاريخي والحضاري في الأمة لكي تبقى متمسكة بثوابتها الاستراتيجية، وأفكارها الكبرى، واجترح قراءة واعية للتراث والتاريخ تنقله من حالة التراث والتاريخ الساكن الماضوي العبء، الى حالة التراث والتاريخ الايجابي الحافز، عندما قرأ فيها عبقرية الامة وجوهرها وممكناتها، بعيدا عن المركزية الاستعلائية، والنرجسية القومية والعصبوية، ونزوعها الرسالي الحضاري وخصوصيتها القومية الانسانية المقترنة بدين عالمي والنزّاعة الى الحرية.
وفي لحظة تالية أسّس لبدايات فكرية مرجعية حول فهم الظاهرة الاستعمارية وأشكال التحدي الخارجي وارتباطه بالتحدي الداخلي، وتحليل واقع التجزئة، وطرق الرد عليها فكانت اطروحة الوحدة التأسيسية والبؤرية، التي رأى فيها الرد والجواب التاريخي على التحديات التي تواجهها الامة العربية. وهي اطروحة اخذت موقعا مميزا في فكره، وتميزت بواقعيتها وصوابها الاستراتيجي وانسجامها مع توجهات الفكر العالمي، وضرورتها لبعث واقع قومي واستنهاض أمة مجزأة. كانت اطروحة الوحدة التي جاء بها مؤسس البعث نافية وطاردة للتوحيد الشكلاني، والتجمعات المرحلية والاصطفافات السياسية، ومؤسسة لحالة نهضة وانبعاث تاريخي واندماج قومي موضوعي، وطريقا رئيسا لاكتمال تكون الأمة واستمرارها في التاريخ.
فالوحدة طبقا لهذا الفكر : ثورة لتغيير الواقع العربي، وهي تتحقق عن طريق النضال والثورة الجماهيرية ولا تتحقق بالامنيات، وهي الطريق الى فلسطين كما أن الطريق الى فلسطين هي طريق الوحدة، ولايمكن الوصول للوحدة وتحقيقها بدون الديموقراطية وحركة الجماهير الواعية.
في كل لحظات الانسداد الاتاريخي التي مرّت بها الامة، كان الاستاذ يطل بقراءاته، ومبادراته، ومداخلاته، لكي ينير الطريق ويكشف ماانحجب في الواقع العربي أو ماتشوّه وتزيّف، ليس من خلال تقديم حلول سحرية ونظرية مجردة ومفارقة للواقع، وانما من خلال تقديم رؤية وقراءة استنهاضية، وبرنامج ونموذج ارشادي، ودليل عمل والتوجه الى الجماهير لكي تضع الاجابات الواضحة، فهي المبتدأ وهي التي تصنع التاريخ، ولكي تتقدم بالحلول وتغيير المسارات. كان خطابه يتوجه دائما وأبدا الى هذه الجماهير العربية التي يعرف هو مقدار وعيها وقدرتها على التغيير والفعل، وكان يعرف دائما خط هذه الجماهير وبوصلتها القومية.
وكانت مهمته تتلخص بتعميق الوعي القومي، وتأطيره لكي يتحول الى قوة مادية تدخلية، تفرض قرارها ووعيها على المعطيات الضاغطة والتحولات الاستثنائية، والانعطافية، وفكر الهزيمة. وتجسد ذلك في رؤيته للحزب ودوره التاريخي في بعث الامة العربية، في طريقة التحاور مع الايديولوجيات السائدة ونقد فراغاتها، في الموقف من الدين وتصحيح الوعي به ( فلا دين مع الفساد والظلم، والاسلام رسالة وانقلاب وثورة، ولايمكن تصور العروبة بدون الاسلام)، في نصرة ثورة العراق ضد الاستعمار، في الموقف من القضية الفلسطينية (فلسطين لاتحررها الحكومات) وثورة الجزائر (مفاجأة الامة لذاتها)، في الموقف من الاقليات في الوطن العربي واندماجها في الامة العربية، وبعد هزيمة الخامس من حزيران أنهض وعي الجماهير العربية بمعادلة فكرية تطالب بالعودة الى المباديء والرد على الهزيمة بالفعل الثوري وتحمل المسؤولية التاريخية، ونقد الذات والتأسيس لمرحلة جديدة. وبعد تعرض المقاومة الفلسطينية للمؤامرة كان نداء المسؤولية التاريخية. وبعد معاهدات الاستسلام والتراجع امام المشروع الاستعماري – الصهيوني، كان مشروع العمل المستقبلي الذي طالب فيه التيارات السياسية والفكرية في الوطن العربي الى التوحد في "كتلة تاريخية" لمواجهة التحديات الكبيرة التي تواجه الأمة.
وكان في كل لحظة تاريخية وسياسية حرجة تمر بها الامة، يقدم أسسا لبدايات صحيحة وواقعية ولا يجنح الى مقولات وأطروحات مجردة ومثاليات سياسية وفكرية، وشعارات ارتجالية سرعان ماتتبدد ويزول تأثيرها وصداها. وانما كان يغرس نويات ويخلق ويفتح آفاقا للحركة وتغيير الوقائع، وتلك كانت قدرته الهائلة على توليد الأفكار والبدايات في حركة لاتكلّ ولا تملّ من التصدي والتحدي والانبعاث والاستنهاض.
واذا كان هذا هو طريق عفلق ودأبه ومنهجه وتراثه في تأسيس البدايات، واذا كنا نقرأ عفلق ونحلل نصوصه ونعيد بنائها في لحظتنا الراهنة، فالى أي مدى نستطيع أن نسير على دربة ونتمثل منهجه في قراءة الحال العربي والواقع العربي الراهن ؟ وهل نجد في أنفسنا القدرة على التواصل مع فكره واستئنافه واستكماله باضافات جديدة وتعقيبات تجديدية واجتهادات قومية عقلانية، وتمثله وتجسيده في خلق وتوليد بدايات جديدة يمكن أن تعيد للبعث حضوره في الواقع العربي، وأن تشد الناس الى مشروعه واطروحاته المتجددة، وأن تلفت الأنظار الى قدراته الفكرية والسياسية المتجددة ؟
اننا نقول دائما بأننا لايمكن أن ندّعي القدرة على فهم أطروحات ميشيل عفلق وفكره الخلاق والاحيائي الرسالي، والانتماء اليه والى مشروعه وتياره القومي، الا بتمثل نهجه وأطروحاته، وتجسيدها في الواقع العربي تجسيدا فعليا وحقيقيا من خلال أفكار وبرامج وممارسات نضالية وطنية وقومية تواصلية وتكاملية، وأن نملك القدرة على أن نكون مثله في استئناف البدء في كل لحظة انحسار وتراجع، وابتداع بدايات لعمل قومي جديد تتجمع فيه أصالة الفكر وراهنيته ومعاصرته، وحرارة الايمان بقدرة الامة العربية واقبالها الدائم على مواجهة التحديات، واستلهام القدامة التراثية المعقلنة الحافزة، والحداثة المتساوقة مع متطلبات التقدم، وتلك عملية نضالية ثورية انبعاثية لم ولن تكون من نمط المعجزات، وانما هي مما يجب أن يكون في صميم تفكيرنا الراهن واندفاعنا نحو التغيير.
اننا امام واقع جديد وتحولات مختلفة واستثنائية تدعونا وتجبرنا على استحضار الروح التأسيسية " التراكمية" الخلاقة لدى عفلق، وتدفعنا الى التقدم بمشاريع جديدة لتحريك الواقع العربي باتجاهات ايجابية واختراق واقع الاحباط والانكسار.
ولذا نقول بأنه لابد من قراءة سياسية نقدية جديدة للواقع العربي تأخذ في الاعتبار التغيرات التي حصلت في العقود الأخيرة، وقراءة لواقع الجماهير العربية وممكناتها، وحراكاتها، والخلوص الى مشروع سياسي يكون بمثابة الارضية التي يمكن التوافق عليها للنهوض بالواقع العربي الراهن واختراق انسداداته.
شبكة البصرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق