قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الأحد، 11 ديسمبر 2011

بحث:- مشكلة الحدود السياسية بين قطر والبحرين

:
بحث :-
مشكلة الحدود السياسية بين قطر والبحرين
بواسطة الخبر اليقين والنبأ السريع بتاريخ 11 ديسمبر, 2011 
المبحث الأول
أسباب النزاع، ومراحل تطوره
أولاً: أسباب النزاع وتاريخه
ترجع العلاقة بين قطر والبحرين إلى القرن الثامن عشر، وذلك حين انطلقت قبائل “العتوب”، بأسطول كبير، من شبه جزيرة قطر؛ واستولت، عام 1783، على البحرين، التي كانت تابعة لسلطة الإيرانيين؛ وعرف عامئذ، بعام الفتح. وتحول الاهتمام إليها، لأرضها الغنية بالزراعة، وأشجار النخيل، ووفرة مصايد اللؤلؤ، والميناء المزدهر بحركة التجارة.
وتتألف البحرين من أرخبيل، يضم ثلاثاً وثلاثين جزيرة، أكثرها جزر صخرية صغيرة، لا أهمية لها. وأكبرها جزيرة المنامة، التي أُطلق عليها اسم البحرين. ويتمتع هذا الأرخبيل بأهمية كبرى في الخليج العربي، وصفها “ديوراند”، مساعد المقيم البريطاني في الخليج، بقوله: “إن البحرين في الخليج، كقبرص في البحر المتوسط”.
أما قطر، فتقع في منتصف السّاحل الغربي للخليج. وهي، بوجه عام، مقفرة لا تصلح للزراعة؛ وتتكون من شبه جزيرة، من صخور غير وعرة، وصحراء حصوية. وقد برزت، عام 1868، إمارة مستقلة عن البحرين، التي حكمتها منذ 1766، بعد قيام القبائل القطرية بثورات متعددة، استمرت أكثر من عشرين عاماً، انتهت إلى معاهدة 1868؛ وكانت بريطانيا وراءها.
وكانت هناك حروب وعداءات، بين سكان المنطقتَين. وكانت القبائل القطرية، تدفع إتاوة سنوية، إلى شيخ البحرين. وعند قيام الحرب الأهلية في البحرين، بين عامي 1840 و1843، وما تبع ذلك من استعانة كلٍّ من الطرفيَن المتنازعين بقوة من شبه جزيرة قطر، بدأت تظهر بوضوح القوى المتنامية المتحفزة، من قبائل شبه الجزيرة، مستغلة جميع الظروف في الحصول على مغنم، أو الاستقلال بحكم نفسها. وفي عام 1867، شنَّ شيخ البحرين هجوماً على قطر، بمساعدة شيخ أبو ظبي؛ وخرّب المنامة. ولكن القطريين جمعوا جموعهم، والتقوا في جزيرة دامسة. وكانت بريطانيا تعد نفسها، إذ ذاك، حامية الخليج، فتدخلت في هذا النزاع، رادعة حكام البحرين وأبو ظبي، وعقدت معاهدة الصلح المذكورة آنفاً.
ويوجز بعض المؤرخين علاقة قطر بالبحرين، في أنها كانت سيئة، وخاصة بعد مطالبة البحرين بمدينة الزبارة، في قطر، بل المطالبة بكل التراب القطري؛ ومساعدة حكام البحرين كلَّ مناوئ لحكم قطر.
ثانيا: المناطق المتنازع فيها (اُنظر شكل المناطق قبل صدور الحكم)
ينحصر الخلاف بين الدولتين حول عدد من الجزر والأراضي الواقعة بين البلدين، وهي منطقة الزبارة في اليابسة القطرية، ومجموعة جزر حوار، وجزيرتا قطعة جرادة، وحد جنان، وهما جزيرتان صغيرتان، وفشت الديبل وفشت العزم، وعدد من الفشوت الصغيرة الأخرى. فضلاً عن مصائد الأسماك واللؤلؤ الواقعة بين البلدين، وانتهاءً بحدود المياه الإقليمية لكل دولة. ويتناول المطلب الآتي نبذاً عن أهم المناطق المتنازع عليها.
1. الزبارة
تقوم هذه المدينة على آثار قرية كبيرة على الساحل القطري، مقابل جزيرة البحرين، من جهة الجنوب. وتمتد في البحر كرأسٍ عريض. وبها بعض العيون. وتنمو فيها مراع للإبل. وتصلها مع العريش شمالاً طريق معبدة، طولها نحو 113كم. ويُذكر أن أول من عمرها، ونزل بها، الشيخ أحمد بن رزق النجدي. ورغّب الناس في سكناها، بكرمه وجوده، فأتتها العرب من كل فج ومكان؛ وأخذ الناس يتجرون في اللؤلؤ. ثم سكن فيها لفيف من قبائل القطريين، منهم قبيلة آل علي والجلاهمة والمعاودة.
غير أن تاريخها وتعميرها الحقيقي، يعود إلى عام 1766، حين نزحت أسرة آل خليفة، ممثلة في محمد بن خليفة، جد الخليفيين، حكام البحرين الحاليين، من الكويت، مع أولاده، ونزل على قبيلة آل علي، وتزوج منهم؛ وكان على جانب عظيم من الثروة والجاه. ولم يكن اختياره للزبارة من دون دراسة، فالمكان معروف للعتوب، منذ أمد بعيد، خلال إقامتهم في قطر. قبل هجرتهم إلى الكويت، ثم عرفوه، جيداً، خلال تجوالهم في الخليج، لنقل تجارتهم بين قطر والبحرين والإحساء. وكان اختيار هذا المكان لموقعه التجاري، أولاً؛ ولقربه من مغاصات اللؤلؤ، ثانياً؛ على الرغم من أن مصادر المياه والحطب كانت بعيدة عنه بمقدار فرسخ ونصف (12 كم تقريباً). واستطاع الشيخ محمد بن خليفة، أن يقوّي شوكته ونفوذه، بذكائه ودهائه، وسيرته الحسنة، وأخلاقه، وكرمه وجوده؛ وكان يقرض الناس الأموال، مقابل شرائه محصول اللؤلؤ. وزادته مصاهرته آل علي قوة ونفوذاً. وقد جعل له مقراً في “مرير”، ورفض أن يدفع الخراج إلى آل مسلم، أمراء قطر.
ومما ساعد على سرعة ازدهار الزبارة، وانتعاش التجارة فيها، اتباع آل خليفة سياسة التجارة الحرة؛ فلم يتقاضوا شيئاً من الضرائب والمكوس، إذ استوردوا البضائع من كافة الجهات، لاستهلاكهم، وأعادوا تصدير الفائض منها إلى الإحساء ونجد. وزاد تجارتها ازدهاراً حادثتان بارزتان: الأولى، الطاعون، الذي تعرضت له مدينة البصرة، عام 1772، والذي أفنى عدداً كبيراً من سكانها؛ وهرب عدد من تجارها الباقين إلى الكويت والقطيف والزبارة، حيث انتعشت الحركة التجارية في موانئها. الثانية، حصار الفرس للبصرة، عام 1775، وحكمهم إياها حتى عام 1779، ما دفع عدداً كبيراً من التجار إلى البعد عن مركز الأحداث، وشجعهم على اللجوء إلى الزبارة، التي لا تتقاضى شيئاً من الرسوم الجمركية.
ولم تكن الزبارة دائماً هانئة، بل تعرضت لمتاعب عديدة، وكان أشدّها خطراً هجوم الفرس عليها، يتقدمهم الشيخ ناصر، حاكم بوشهر والبحرين، بقوة، قوامها ألفا رجل؛ ولكنها هُزمت وتكبدت خسائر فادحة. وكان هذا النصر فاتحة عهد جديد؛ إذ شعرت القوة المنتصرة، في الزبارة بحاجتها إلى التوسع، فانطلقت صوب البحرين.
ومن الزبارة يبدأ حكم آل خليفة للبحرين؛ ومن هنا يبدأ العامل التاريخي في مطالبتهم بها؛ إذ إنها أرض أجدادهم، التي خرجوا منها، وفتحوا البحرين. ويقول “تشارلز بلجريف، المعتمد البريطاني، راوياً عن أحد شيوخ البحرين: “لو سئلت بعد الموت، فلن أجاوب إلا بكلمة زبارة”. وزاد من حدة مطالبتهم بها، دخول القوات التركية قطر.
ومن الأسباب، التي تذكر على أساس صحة المطالبة بالزبارة، ما رواه حاكم البحرين للقائد البريطاني، “جرانت”، من أن قبيلة النعيم، قد وقّعت عهداً، تعترف فيه بخضوعها لحكام البحرين. وكان ذلك بحضور الكولونيل بيلي، وحاكم البحرين، يعد هذه القبيلة من رعاياه.
أما أسرة آل ثاني والقطريين، فتعد الزبارة، كذلك، مصدراً تاريخياً مهماً؛ فمنها تبدأ سلطة آل ثاني في قطر، منذ استقرارهم بها، وكان ثاني، جد الأسرة، مولوداً بها، وكان من تجار اللؤلؤ المشهورين. واستطاع، بفضل ثروته وجاهه، أن يكون وكيلاً للسّعوديين في قطر؛ فقد كان مسؤولاً عن جمع الضريبة من القبائل القطرية، وتسليمها إلى إمام السعوديين في نجد. وكان ابنه، محمد بن ثاني، حاكماً للدوحة، تحت سلطة آل خليفة. واستطاع ابنه، جاسم بن محمد بن ثاني، الحصول على الانفصال عن البحرين، بمقتضى المعاهدة المبرمة عام 1868.
ولمّا كان سكّان الزبارة من بني نعيم، غير خاضعين لسلطة آل ثاني، بل يغيرون على جيرانهم، معتمدين على تشجيع حكام البحرين، قرر الشيخ ثاني أن يقضي على قوتهم، فهجم عليهم، بقوة كبيرة، عام 1878، وحاصر قلعة مرير خمسة عشر يوماً، سقطت بعدها، وتفرق بنو نعيم بين الدوحة والبحرين؛ وانتهت الزبارة، مدينة مزدهرة، بعد هذا التاريخ.
2. جزر حُوار
مجموعة من الجزر مملوءة بالنشاط والحركة، تضم ست عشرة جزيرة متلاصقة. وسطحها جبلي مرتفع، وتبدو على شكل ربع دائرة. تبعد نحو عشرين كم، من الجنوب الشرقي لأقصى جنوب البحرين، في رأس البحر، وعلى بعد أقل من ثلاثة كم من قطر. ويمكن الوصول إليها من السواحل القطرية، على الأقدام، في حالة جزر البحر. وتقسّم إلى حوار الشمالية، وساد الجنوبية، وممزوزة، واستوحت تسميتها من الحُوار، ولد النّاقة؛ إذ إن أطرافها تتصل بسواحل قطر، وتشبه حواراً يرضع ضرع أمه. وتبدو صورة مصغرة من البحرين، تشبهها في كلِّ شيء، حتى في وجود الجبل في وسطها، وتعدها البحرين، تاريخياً، جزءاً من ممتلكات آل خليفة؛ بينما تثير قطر المشكلة، من ناحية قانونية، نظراً إلى قربها منها، فتطالب بسيادتها القانونية عليها
ويهتم البحرينيون بهذه الجزر؛ لما تمثله من ثقل جغرافي، يشكل ثلث المساحة الجبلية للبلاد؛ فعدّوها وحدها تشكل 90% من النزاع. ويرى بعض المراقبين أن حُوار، هي لب الخلاف؛ وأن البحرين، لم تكن لتقبل بأدنى من تبعيتها إليها.
أما باقي المناطق المتنازع فيها، فهي جزر صغيرة، ما كانت لها أهمية في الماضي؛ ولكن، في العصر الحديث، ظهرت فيها الثروات الطبيعية، من النفط والغاز؛ فجزيرة فشت الديبل غنية بالغاز الطبيعي، وهي متاخمة لحقل الشمال القطري. وتقع على بُعد 12 ميلاً، في اتجاه الشمال الشرقي من قطر.
وقطعة جرادة أو “فشت جرادة”، المتاخمة لحقل الشمال القطري، كذلك، والتي أعطيت للبحرين ـ تحولها دولة نفطية، وتحتضن ثالث مخزون عالمي للغاز الطبيعي. وقد كانت بيوت خبرة عالمية، ووثائق بريطانية، قد قالت، وقت الانتداب البريطاني، إن قطعة جرادة عائمة فوق بحر من النفط، والغاز الطبيعي.
ثالثا: مساحات المناطق المتنازع فيها
• الزبارة: تبلغ مساحتها 193 كم2.
• جزر حوار: تبلغ مساحتها 50 كم2.
• فشت الديبل: تبلغ مساحته 20 كم2.
• قطعة جرادة: تبلغ مساحتها 1 كم2.
• جزيرة جنان: تبلغ مساحتها 1.5 كم2.
• مغاصات اللؤلؤ: تبلغ مساحتها 1700 كم2.
رابعاً: مراحل النزاع وتطوره في العصر الحديث
في بداية الثلاثينات من القرن العشرين كانت الاكتشافات النفطية تسير على قدم وساق في منطقة الخليج، وكانت شركة “بتروليوم كوربويشن” من الشركات العاملة في هذه المنطقة؛ فسعت إلى معرفة مرجع جزر حُوار، وفشت الديبل؛ لتنسق مع السلطة المعنية للبحث عن النفط فيها. فكتب المندوب السامي البريطاني في الخليج إلى شيخ قطر يبلغه بضرورة النظر في مسألة ملكية جزر حُوار، وفشت الديبل، والرد على الحكومة البريطانية. وفي 20 نوفمبر 1937 أعلن مستشار البحرين “شارلز ديمبلر بلجريف” ضم جزر حُوار إلى البحرين، ووافقته الحكومة البريطانية. واحتج الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني لدى السلطات البريطانية، ورأى أن منح البحرين هذه الجزر لا يستند إلى اعتبارات قانونية أو تاريخية دقيقة، وبعث برسالة إلى الحكومة البريطانية عن طريق الحاكم البريطاني في الهند، أكد فيها أن حُوار جزء من قطر بحكم موقعها الطبيعي.
وفي عام 1937، هجمت القوات القطرية على الزبارة، وتدخلت بريطانيا، وسُوِّي النزاع، ورسّمت الحدود بينهما.
وفي عام 1947 أصدرت بريطانيا قراراً ثانياً بضم فشت الديبل، وقطعة جرادة إلى البحرين.
وفي عام 1965، طلبت قطر حل الخلاف حول الجزر ودياً، واستمرت المطالبة إلى ما بعد استقلال البلدين عن بريطانيا، عام 1971.
وعرضت قطر على البحرين، ضمن هذا الحل الودِّي، إنشاء جزيرة في المياه الإقليمية للبحرين بدلاً من حُوار، كما تقدمت باقتراحات لإبرام اتفاقيات تعاون اقتصادية بين البلدين؛ وكانت البحرين ترفض كل هذه العروض.
وفي عام 1978، توصلت الدولتان، بوساطة المملكة العربية السعودية، إلى اتفاقية، قضت بتجميد الوضع، في الجزر المتنازع فيها. ولكن النزاع ثار مجدداً، بعد أن أعلن خبراء النفط، أن حقل دخان، وهو أكبر حقول النفط في قطر، بدأ يواجه خطر تسرب احتياطيات كبيرة، في تجويفات طبيعية تحت الأرض، إلى جزر حُوار؛ ما زاد من تشبث البحرين بملكية تلك الجزر، خاصة أنها (أي البحرين) أخذت تعاني نضوب مواردها النفطية”؛ ومن ثمَّ، انخفاض عوائدها.
وأثارت البحرين المشكلة، مجدداً، حين دشنت، في أوائل 1982، إحدى سفنها الحربية، التي أطلقت عليها اسم “حُوار”. وأتبعت ذلك بمناورات بحرية، بالذخيرة الحية، في جزيرة “فشت الديبل”. وهي أمور عدتها قطر أعمالاً استفزازية خارقة لمعاهدة 1978. ومن ثم، بادرت إلى تدعيم قواتها الدفاعية، وبدأت بإنشاء نفق تحت البحر، يصلها بمجموعة جزر حُوار. ولكنها توقفت عن ذلك، إثر وساطة المملكة العربية السعودية.
وفي العام نفسه (1982)، صدر قرار المجلس الوزاري الخليجي، الذي يطلب من المملكة العربية السعودية مواصلة المساعي لحل الخلاف. وفي 8 مارس 1982، صدر قرار مجلس الوزراء الخليجي، القاضي بعدم اتخاذ أي إجراءات استفزازية بين الدولتَين. وفي 20 أكتوبر 1984، أعلنت البحرين تنفيذ مشروع ضخم، لردم منطقة “فشت العلقم”، لإنشاء مدينة عليها، ومد جسر، يربط البحرين بقطر.
في عام 1986، غزت قوة قطرية فشت الديبل، وألقت القبض على ثلاثين رجلاً، بينهم خمسة وعشرون من جنسيات مختلفة، تابعين لبعض الشركات المتعاقدة مع حكومة البحرين. واستنفرت قطر مدفعيتها الثقيلة، ومدافع مضادة للطائرات. وأعلنت أن المناطق البحرية، من “فشت الديبل” و”جزر حُوار”، أصبحت محظورة من الناحيتَين، البحرية والجوية.
ولم يمكن احتواء هذا الخلاف، إلا بتدخل خادم الحرَمين الشريفين. وأفرج عن المحتجزين، بعد سبعة عشر يوماً؛ وأمكن التوصل إلى تسوية بين البلدَين، لإعادة الوضع في فشت الديبل إلى ما كان عليه. وأعلنت تلك التسوية، في الرياض، في 9 مايو 1986. وتشكلت لجنة ثلاثية، برئاسة خادم الحرَمين الشريفَين، الملك فهد بن عبدالعزيز، وعضوية كلِّ من الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، أمير البحرين (السّابق)، والشيخ حمد آل ثاني، أمير قطر (السّابق)؛ هدفها البحث عن حل ودي للخلاف.
وفي عام 1987، وافق الطرفان على إطار مبادئ للحل، اقترحته المملكة العربية السعودية؛ نص على أنه إذا لم تنجح المفاوضات بين الطرفَين، للتوصل إلى اتفاقية شاملة لتسوية الخلاف، يعمد الطرفان إلى إجراء مفاوضات لاحقة، لتقرير أفضل السبل للوصول إلى تسوية، من طريق القانون الدولي.
وقالت المصادر القطرية، إن خادم الحرمَين الشريفَين، بعث، عام 1987، إلى أميرَي قطر والبحرين، يعرض عليهما إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية؛ فردت قطر بالموافقة، وتلتها البحرين.
إبّان أزمة الخليج 1990/1991، أصدر الشيخ خليفة بن حمد، أمير قطر، مرسوماً أميرياً، حدد فيه امتداد المياه الإقليمية لدولة قطر إلى مسافة 44.4 كم؛ وكان ذلك يعني أن تصبح كلٌّ من جزر حٌوار وفشت الديبل وقطعة جرادة، إلى جانب عشرات من الجزر التابعة للبحرين ـ ضمن الحدود البحرية الإقليمية لقطر. وهو أمر رفضته البحرين، لكونه يمس سيادتها وحقوقها التاريخية.
وتقول البحرين إنه في عام 1990، استغلت قطر القمة الخليجية، التي عقدت في الدوحة، لبحث مسألة احتلال العراق للكويت، وهددت بالامتناع عن مناقشة المسألة، إذا لم توافق البحرين على نقل القضية إلى محكمة العدل الدولية. ونجحت في انتزاع توقيع البحرين على اتفاق المبادئ، التي اقترحها خادم الحرمَين الشريفَين، والذي بموجبه أتُيحت الفرصة أمام المملكة العربية السعودية لإيجاد حل للنزاع الحدودي بين البلدَين، على أن يسمح لكلا الطرفَين، برفع النزاع إلى محكمة العدل الدولية، في لاهاي، بهولندا.
كما كان لسلطنة عُمان، ودولة الإمارات العربية جهودهما، كذلك، في تقريب وجهات النظر، وتهدئة الأوضاع بين البلدَين. وأصبحت مسألة بت القضية في محكمة العدل أمراً لا بديل منه، إثر شد وجذب بين البلدَين. وكانت الدوحة تتمسك به، والمنامة ترفض، في البداية. وكانت قطر ترى، منذ العام 1965، أهمية عرض الموضوع على المحكمة.
في 8 يوليه 1991، توجهت قطر، متسلحة بالاتفاق الآنف، بشكل منفرد إلى محكمة العدل الدولية، حيث طالبت بتأييد رغبتها في إعلان السيادة القطرية على جزر حوُار، وجزيرتي فشت الديبل، وقطعة جرادة، وإعادة ترسيم الحدود البحرية، الفاصلة بينها وبين البحرين.
وفي 8 أغسطس 1991، تقدمت البحرين بطلب، وأتبعته بآخر، في 14 أكتوبر 1991، لدى لدى محكمة العدل؛ طعنت فيه في الأهلية، التي استندت إليها قطر، كما اعترضت على تقدم قطر بشكل منفرد إلى المحكمة الدولية. وفي الوقت نفسه، قدمت البحرين طلباً لتضمين القضية مطالبتها هي بمنطقة الزبارة، التي احتلتها قطر عام 1937، إضافة إلى مكامن اللؤلؤ ومصايد الأسماك، وبعض النقاط ذات العلاقة بالحدود.
في الأول من يوليه 1994، أصدرت المحكمة الدولية حكمها، في شأن اختصاصها بالنظر في الخلاف القطري ـ البحريني؛ فقبلت فيه الصيغة البحرينية، المطالبة بالنظر في جميع نقاط الخلاف. وحددت المحكمة يوم 30 نوفمبر 1994، موعداً نهائياً، لتقديم الطرفين كلَّ ما يتعلق بالخلاف؛ بعد أن صرفت النظر نهائياً عن الطلب القطري المنفرد.
وفي 25 سبتمبر 1996، قدمت البحرين طعناً رسمياً في الوثائق والمستندات، التي قدمتها قطر إلى المحكمة، وعددها اثنتان وثمانون وثيقة؛ على أساس أنها مزورة الأختام، والأحبار، ونوع الأوراق المستخدمة؛ وقدمت الطعن مزوداً بتقارير من خبراء بالقانون.
وفي فبراير 1999، سجّلت المحكمة، رسمياً، تخلي قطر عن الوثائق، التي ثبت أنها مزورة. وفي 29 مايو 2000، بدأت المرافعات الشفوية، في لاهاي.
في 23 يناير 1999، نشرت وسائل الإعلام، أن كلاًّ من الدولتَين، بينما المحكمة تنظر، ملف الحدود، لجأت إلى التعامل مع المناطق المتنازع فيها، على أنها جزء من ترابها الوطني. فبعد ما أعلنت قطر دوائرها الانتخابية للمجلس البلدي المركزي، ضمت منطقة الزبارة إلى الدائرة الخامسة والعشرين، وتسمى “دخان”، وشرعت الحكومة البحرينية، بتنظم رحلات سياحية يومية، إلى جزر حُوار، نفقة كلٍّ منها 16 ديناراً بحرينياً (نحو أربعين دولاراً أمريكياً)؛ وذلك في محاولة واضحة للرد على الإجراء القطري، الذي ضم منطقة الزبارة، إلى خريطة الدوائر الانتخابية.
كما أطلقت الحكومة البحرينية أسماء الجزر المتنازع فيها، على أهم الطرق والفنادق والمطاعم في المنامة؛ وذلك من أجل ترسيخ ملكية البحرين لهذه المناطق في ذهن الزائر لهذا البلد، قبل المواطن.
وأُطلق اسم “الحجيات” على عدد من المطاعم، وعلى أحد الفنادق. أما اسم الزبارة فقد أُطلق على شارع رئيسي، منذ سنوات عدة. وبعد أن أعلنت قطر دوائرها الانتخابية، احتجت البحرين على ضم المناطق المتنازع فيها، إلى خريطة تلك الدوائر الانتخابية.
بعد ذلك، أخذت الأمور تأخذ منحى ودياً؛ إذ بادر أمير قطر، الشيخ خليفة بن حمد، إلى زيارة البحرين، ونفى مصدر مسؤول، بوزارة الخارجية البحرينية، في بيان صحافي، أن تكون تلك الزيارة بغرض بحث الخلاف الحدودي بين البلدَين، والمعروض، حالياً، على محكمة العدل الدولية.
أما أمير قطر، فقد صرّح، في المنامة، أن الهدف من الزيارة، هو التقاء أمير البحرين، وتهنئته بنجاح الاستفتاء في ميثاق العمل الوطني؛ موضحاً أن البلدين انتهيا من الخلاف الحدودي بينهما، وتنتظران حكم محكمة العدل الدولية، ليبدأ تعزيز العلاقات أكثر فأكثر. ووصف العلاقات بين البلدَين بأنها جيدة، وتربطهما وشائج القربى والتواصل والمحبة.
وبث تلفزيون قطر قبيل ساعة واحدة من صدور الحكم برنامجاً يحمل اسم “مصيرنا واحد” حول التاريخ المشترك بين البحرين وقطر، مركزاً على أن قرار المحكمة ليس انتصاراً لطرفٍ على الآخر.
المبحث الثاني
الاحتكام وقرار المحكمة
أولاُ: الاحتكام إلى لاهاي
محكمة العدل الدولية
تُعد محكمة العدل الدولية، المرفق القانوني الأساسي للأمم المتحدة. ومقرها في “قصر السلام”، في مدينة لاهاي الهولندية. وقد بدأت العمل في عام 1946، بعد ما حلت محل سميتها، التي كانت تمارس عملها في قصر السلام، منذ عام 1922. وهي تعمل، حالياً، مطبقة لقانون مماثل للمحكمة السابقة، وهذا القانون جزء لا يتجزأ من ميثاق الأمم المتحدة.
إذ ينص الفصل السادس من هذا الميثاق على حل النزاعات الدولية بالوسائل السلمية، والدبلوماسية، وذكر أمثلة على تلك الوسائل، منها: الوساطة، والتحكيم، والاتفاق، والمفاوضات وغيرها من الأساليب التي تكفل معالجة النزاعات والصراعات بالطرق السلمية، ومنع الدول من اللجوء للقوة إلا في حال الدفاع عن النفس.
وللمحكمة هدفان: الأول، تسوية الخلافات القانونية، التي تتقدم بها الدول المتقاضية، طبقاً للقانون الدولي. والهدف الثاني، تقديم آراء استشارية في خصوص الموضوعات القانونية، التي تقدمها إليها منظمات ووكالات دولية.
تتكون المحكمة من خمسة عشر قاضياً، تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن، كلٌّ على حدة. وتصل الفترة التي يقضيها القضاة في المحكمة، إلى تسع سنوات. وتنص اللوائح على ألا يُنتخب إلا قاضٍ واحد، من بلد ما، في الدورة الواحدة. وتعقد الانتخابات مرة كلَّ ثلاث سنوات، لانتخاب ثلث مقاعد القضاة، الذين يمكن إعادة انتخابهم. وتجدر الإشارة إلى أن القضاة لا يمثلون حكوماتهم، بل هم قضاة مستقلون؛ ولكن، يجب أن يتمتعوا بالكفاية المطلوبة في بلدهم، لشغل أعلى المناصب القضائية، أو أن يتحلوا بخبرة بالقانون الدولي. كذلك يجب أن يعكس تشكيل المحكمةِ الأُطرَ الحضارية المختلفة، والنظم القانونية الرئيسية في العالم. وعندما لا تضم المحكمة قاضياً، من دولة، ترفع قضية أمام المحكمة الدولية، يمكن تلك الدولة تعيين قاض من قبلها، للمشاركة في القضية.
وتضم هيئة المحكمة الحالية جيلبير جييوم، من فرنسا، رئيس المحكمة؛ ونائب الرئيس شي جيبورغ، من الصين، والقضاة:
شيجيرو أودا من اليابان، ومحمد بجاوي من الجزائر، وريمون رانجيفا من مدغشقر، وجيزا هيرزيج من المجر، وكارل أوجت فلايشارو من ألمانيا، وعبد الغني كورما من سيراليون، وفلادليبن فيريشثتيني من الاتحاد الروسي، وروزالين هيجنز من بريطانيا، وجنزالو بارارانجورون من فنزويلا، وبيتر كويماتزم، من هولندا، ورانشيسكو رزق من البرازيل، وعون شوكت الخصاونة من الأردن، وتوماس بور جنثان من الولايات المتحدة الأمريكية.
أما الأطراف المتقاضية، فلا تكون أفراداً، بل فقط يحق للدول رفع قضايا أمام محكمة العدل الدولية. والدول المقصودة، هي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وعددها، الآن، 189 دولة؛ إضافة إلى دولة ليست عضواً في الأمم المتحدة، ولكنها شاركت في وضع قانون المحكمة، وهي سويسرا، إذ يحق لها رفع قضايا، وحضور الجلسات.
ومنذ عام 1946، أصدرت المحكمة سبعين حكماً، في خلافات، تتعلق بالحدود البرية والبحرية والسيادة، والامتناع عن استخدام القوة، والإحجام عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وأخذ الرهائن، وحق اللجوء، والجنسيات، والوصاية، وحق المرور والحقوق الاقتصادية.
أما مصادر أحكامها فهي المعاهدات والأعراف الدولية، ومبادئ القانون العامة.
ثانياً: مرافعات الجانبَين
تعد قضية الخلاف الحدودي، بين قطر والبحرين، أطول نزاع حدودي في التاريخ القانوني للمحكمة، إذ ظلت تنظر فيه قرابة عقد من الزمان. واستمرت المرافعات لمدة شهر كامل، من 29 مايو حتى 29 يونيه 2000. وطلبت فيها قطر رفض كافة المذكرات والمستندات، التي قدمتها البحرين. وشملت مطالبة قطر، إجمالاً ثلاث نقاط:
الأولى:
1. سيادتها على جزر حُوار، وفقاً للقوانين الدولية.
2. جزر حُوار وفشت الديبل، والزبارة، تابعة للسيادة القطرية.
الثانية:
1. ليس للبحرين أي سيادة على جزيرة جنان.
2. ليس للبحرين أي سيادة على منطقة الزبارة.
3. ليس للبحرين أي سيادة على أرخبيل المصايد السمكية واللؤلؤ.
الثالثة:
• ترسيم خط حدود بحرية للمناطق، التي تخص البحرين وقطر، على أساس أن الجزر محل النزاع، تخص قطر، وليس البحرين.
وفي المقابل طالبت البحرين بـ:
1. السيادة على الزبارة.
2. السيادة على جزر حوار وجنان وحد جنان. وإضافة إلى ذلك تطالب البحرين، بأن تشمل الحدود البحرية التابعة لها، فشت الديبل وقطعة جرادة، ضمن المياه الخاضعة لسيادتها.
1. دفاع قطر
انتدبت قطر القاضي توريز بنارد، وانتدبت البحرين ايفانورتييه. ومثّل قطر في تلك المرافعات، وفد رفيع المستوى، برئاسة الأمين العام لمجلس الوزراء القطري، عبدالله المسلماني؛ وضم وزير الدولة للشؤون الخارجية، أحمد عبدالله المحمود، ووكيل قطر في هذه القضية، الدكتور نجيب بن محمد النعيمي، وزير العدل القطري السابق، وجماعة منتقاة من القانونيين الدوليين، من فرنسا وبلجيكا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والهند.
وتركزت مرافعات قطر، أساساً، في أن جزر حُوار جزء لا يتجزأ من قطر، وأنها واقعة في مياهها الإقليمية؛ وأنها ظلمت باقتطاع هذا الجزء من جسدها، وضمه إلى دولة أخرى. ودفعت قطر بأنّ جميع الشواهد التاريخية، وكل المستندات، تشير إلى أن حُوار لم تكن، في يوم من الأيام، جزءاً من البحرين.
وفي بداية المرافعات، قدم عضوا الفريق القانوني القطري، المحاميان: البروفسور جان سالمون ونانيت بلكنجتون، خرائط عثمانية وإنجليزية، وأخرى متنوعة؛ إضافة إلى مجموعة من الوثائق، معظمها مراسلات رسمية، تمت على مدى فترة زمنية طويلة، بين قطر ودول عديدة، في العالم؛ تدعم وجهة نظرها حول الجزر.
واستندت المرافعة القطرية، في شأن الحدود البحرية، إلى البعد الجغرافي للخلاف. وأبرز القطريون خرائط للمنطقة، تركية وبريطانية وروسية وفرنسية، رسمت ما بين عامَي 1886 و1936؛ وتركز قطر في أن جزر حُوار، والزبارة، هي ملك لشيوخ قطر، الذين حكموا شبه الجزيرة القطرية، في ذلك العهد.
وشدد المحامي رودمان بوندي، الذي كان أول من رافع باسم دولة قطر، على “أن ما قدمته البحرين إلى محكمة لاهاي، من إثباتات، لا يتفق مع الحقائق التاريخية”؛ مؤكداً أن السيادة القطرية، تشمل شبه الجزيرة القطرية برمتها، التي تضم كذلك جزر حُوار، والزبارة. وسأل المحامي بوندي: “كيف يمكن أن تتفق جميع الخرائط، البريطانية والروسية والفرنسية؛ وكذلك العثمانية، على أن الجزر المختلف فيها ملكية قطرية؛ في الوقت الذي تشكك فيه البحرين في صحة الوثائق القطرية، التي تشير إلى المضمون نفسه”؟!.
أما مرافعة شانكرداس، المحامي الهندي، في مصلحة قطر، فقد حاولت إبعاد الشبهات عن الخرائط والوثائق القطرية، مشدداً على أن قطر لديها 82 وثيقة، تثبت ملكيتها للجزر. أما البحرين، فليس لديها إلا 5 وثائق فقط. واتهم الدفاع القطري البحرين، بأنها تقدم خرائط منقّحة. وهاجم شانكرداس المسؤولين البريطانيين، في قطر والبحرين، أيام الحكم البريطاني. وقال إن البريطانيين، كانت تدفعهم الأهواء الشخصية، وليس الرسمية. وقال: “أود أن أظهر للمحكمة، أن المسؤولين البريطانيين، منذ عام 1936، ساورهم القلق في شأن الامتيازات النفطية، التي مُنِحها غيرهم”. وقال إنهم انحازوا إلى جانب البحرين، في ما يتعلق بملكية منطقة الزبارة وجزر حُوار. وأشار إلى الاجتماعات، التي عقدت، في ذلك الوقت، بين البريطانيين وحكام الخليج؛ والقرارات، التي اتخذت عام 1936، التي تعيد ملكية حُوار إلى حاكم البحرين، وترى أنه بات لزاماً، بعد اقتناع الإنجليز بحق البحرين في هذه الجزر، إبلاغ ذلك إلى حاكم البحرين.
وأضاف شانكرداس، أن التغيير في آراء المسؤولين البريطانيين، بين عامَي 1933 و1936، يعود إلى أن إعطاء جزر حُوار لحاكم البحرين، سوف يساعد على إقناعه بمنح بريطانيا الامتيازات النفطية الجديدة؛ حسب قوله، فضلاً عن ذلك، فإن البريطانيين كانوا، في رأيه مدفوعين بالأهواء الذاتية وغير القانونية؛ وأنهم منحوا البحرين جزر حُوار، من دون إعلام حاكم قطر بذلك.
واستبعد البروفسور جون سالمون، الأستاذ في القانون الدولي، في جامعة بروكسل الحرة، أي نية لقطر في التحدث عن مشروعات مشتركة في مصادر اللؤلؤ، وخطط التنمية، في البحرين؛ ما لم تُرسّم الحدود بين البلدَين. وأعرب عن “خشيته” أن تتعامل المحكمة مع البحرين، على أنها دولة أرخبيلية، “وتحكم، بذلك، مزاجياً، في مصلحتها؛ وأن تضع في حسبانها، أن قطر ليست عضواً في اتفاقية قانون البحار، الخاص، في الجزء الرابع منه، بدول الأرخبيل؛ لأن ذلك النص من القانون لا ينطبق عليها”.
واستمعت المحكمة إلى البروفسور جون بيار كونديك، أستاذ القانون الدولي في جامعة السّوربون الفرنسية، وأحد أعضاء هيئة الدفاع القطرية، الذي ركّز في مرافعته في مسألة ترسيم الحدود، مستغرباً رغبة البحرين في السّيادة حتى على أصغر الصخور والفشوت والمعالم الطبيعية المختلفة، في المنطقة المتنازع فيها، بالاستناد إلى القوانين الأرخبيلية فقط. وأكد البروفسور كونديك، خلال مرافعته، وتركيزه فيها، بصفة خاصة، على الخط 47، الذي يقسّم قيعان البحار بين البلدَين، أن قطر لا تعتمد هذا “الخط الاعتباطي”؛ لأنه رسم بغية تحاشي الصراعات بين شركات النفط في تلك المياه؛ مشدداً على أنه ليس لذلك الخط أي قانونية أو شرعية، يمكن المحكمة أن تستند إليها.
وذهب المحامي البريطاني، الذي يترافع في مصلحة قطر، السّير إيان سينكلير، إلى حد “الطعن في قرار بريطانيا، عام 1939، الذي منح البحرين جرز حُوار”. ووصف ذلك القرار بأنه عارٍ من القانونية. وأرجع ذلك إلى عدم رضى حاكم قطر على قرار الهيئة التحكيمية؛ وأن قطر لم توافق أبداً على ما وصفه بـ “الاحتلال البحريني للجزر”.
وكان السير إيان سينكلير، قد قدم أمام المحكمة استعراضاً لتطورات الأوضاع، السياسية والاقتصادية، في المنطقة، والظروف التي مر بها العالم، في تلك الحقبة، واندلاع الحرب العالمية الثانية، وتوقف امتيازات النفط في المنطقة؛ مشدداً على أن جزيرة جنان، التي تعدها البحرين جزءاً تابعاً لجزر حُوار، هي ليست كذلك.
ونفى أن تكون البحرين، قد مارست السيادة على جزر حُوار، قبل عام 1937؛ مختتماً: “إن جزر حُوار، تعود إلى قطر”.
وشكك دفاع قطر، أمام المحكمة، في الوثائق والصور، التي قدمتها البحرين، قائلاً: “إذا كانت الصور لا تخطئ، فإنها تعطي انطباعاً مضللاً”؛ مشدداً على أن قطر “تصر على أن المسافة بينها وبين حُوار، لا تزيد على 250 متراً؛ بعكس الصور، التي أظهرتها المنامة”. كما أوردت هيئة الدفاع القطرية، وثائق للمعتمدَين السياسيَّيْن البريطانيَّين في المنطقة، آنئذ، وهما ترور والبان، اللذان قالا: “إن جزر حُوار لا تتبع البحرين”.
وخصصت مرافعة عضو هيئة الدفاع القطرية، أريك ديفيد، بإثبات ما وصفه بـ “ملكية قطر التاريخية للزبارة “؛ مرتكزاً على أن “موكلته (قطر)، هي التي كانت تطالب بعرض حُوار على التحكيم، منذ عام 1964؛ في حين لم تقبل البحرين ذلك، إلا عام 1988، بعد أن عرضت الزبارة كورقة مقايضة”.
وشبه المحامي البلجيكي، أريك ديفيد، وضع منطقة الزبارة بميناء انتويرب البلجيكي، ومدى ارتباطه ببريطانيا؛ وما قاله نابليون في ذلك الميناء، بأنه “شبه مسدس، مشرع إلى قلب بريطانيا”. كما أسهب في ذكر الأمثلة المشابهة لوضع الزبارة، على يابسة شبه الجزيرة القطرية، جاعلاً “المطالبة بالزبارة كالمطالبة العراقية بالكويت، ومطالبة إيران بالبحرين نفسها”.
وكان محامو الدفاع القطريون، أريك ديفيد والسير إيان سينكلير، وجون بيار كيفوديك، قد كرروا، في آخر يوم من مرافعات قطر، ومن دون إضافة شواهد جديدة، طلب قطر الإبقاء على وضع الزبارة الحالي، وإعادة جزر حُوار إلى قطر؛ وكذلك وضع خط تقسيم بحري بين البلدَين، يعطيها جميع الجزر المتنازع فيها.
وقال المسلماني: “إننا نعلم أن الزبارة، قد أُخذت من طرف البحرين فقط، كنقطة تكتيكية لا غير، بقصد المقايضة بها مع حُوار. أما في ما يتعلق بالبحر، فنحن مرنون للغاية، في هذه النقطة، ولا نصر على تطبيق خط عام 1947. ونقول إن قرارَي 1947 و 1939 كليهما، يجب إعادة النظر فيهما. في حين أن الجانب البحريني، يرفض قرار 1947، ويقبل قرار 1939؛ وهذا أمر لا يتلاقى مع المنطق”.
وأضاف أن طلبات الطرفَين واضحة. وكلاهما يطالب بالسّيادة على الجزر برمتها. ولا أتصور أن أحداً من الطرفَين، يضع في الحسبان، أن المحكمة سوف تحكم بمناصفة الجزر بيننا؛ وليس هناك أحد منا، يدعو إلى المناصفة. لا أتصور أن ذلك ممكن، لأن حُوار وحدة جغرافية متكاملة، عبر التاريخ، وأن المسافات بين كل جزيرة وأخرى، صغيرة جداً، لا تسمح باقتطاعها وتجزئتها. ثم إن وجودها كأرخبيل، أو مجموعة متكاملة، هي أقرب إلى قطر؛ لمعايير كثيرة، أهمها أنها لا تبتعد عن الشاطئ القطري أكثر من 150 متراً.
ومضى المسلماني قائلاً: إن مبدأ “لكلٍّ ما بيده، لكلٍّ ما بحوزته”، لا يمكن تطبيقه على دول مجلس التعاون؛ أولاً، لأنه ليس عرفاً دولياً، وإنما عرف إقليمي، نشأ في بعض الأقاليم، وأصبح نصاً في ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية، وفي بعض دول منطقة أمريكا اللاتينية. كما أن ذلك المبدأ، لم يرتق إلى أن يكون عرفاً دولياً ملزماً لدول العالم قاطبة.
2. دفاع البحرين
خاضت البحرين، بالمثل، معركة حامية، من أجل دحض الادعاءات القطرية، فيما يتعلق بادعاء ملكيتها لجزر حُوار. وجاءت المرافعات البحرينية على دفعتين: الأولى، أعقبت سماع القسم الأول من المرافعات القطرية، في يونيه 2000؛ مما سهَّل إلى حدٍّ ما على الجانب البحريني، الرد على النقاط الرئيسية، الواردة في الادعاء القطري. وجاءت الدفعة الثانية، عقب القسم الثاني من المرافعات القطرية.
وخصت المحكمة الجانب البحريني بحصة شبيهة من الوقت، لتقديم مرافعاته، في خمس جلسات، في الجولة الأولى، تعقبها ثلاث جلسات، في الجولة الثانية، تماماً مثل عدد الجلسات التي خصت بها قطر. ورأس الفريق القانوني البحريني، لدى المحكمة الدولية، وزير الدولة، جواد سالم العريض، الذي ساعده في مهمته، فريق قانوني، ضم كلاًّ من المحاميّين: البروفيسور السير أيليوهو لوتر باخت، من جامعة كمبريدج البريطانية؛ والبروفيسور السّويدي، يان بولسون؛ والمحاميّين الأميركيين: بروسبر فيل، ومايكل رايزمان؛ والمحامي التونسي، فتحي الكميشي؛ وجميعهم متخصصون بالقانون الدولي، ونزاعات الحدود بين الدول. وإلى جانب الفريق القانوني، حضر المرافعات وزير خارجية البحرين، الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة؛ وعبد الله حسن سيف، وزير المالية والاقتصاد البحريني؛ ومحمد جابر الأنصاري، مستشار أمير البحرين.
افتتحت البحرين مرافعاتها، أمام محكمة العدل الدولية، في لاهاي، في هولندا، في 8 يونيه 2000، بمطالبة المحكمة بأن تضع حداً “للتاريخ التوسعي القطري، من خلال تجنيب العواقب الوخيمة، التي ستعود على البحرين، إذا نجحت قطر في استقطاع ثلث أراضي البحرين، غير المأهول”؛ في إشارة إلى مطالبة الدوحة بمجموعة جزر حُوار.
وفي مداخلته الترافعية، أكد البروفيسور لوتر باخت، أن البحرين عازمة على استرداد منطقة الزبارة من قطر؛ محاولاً إقناع المحكمة بملكية البحرين لهذه المنطقة، التي يتحدر منها أجداد آل خليفة، حكام البحرين الحاليين. أما عن الجزر، فقال لوتر باخت، إن ادعاءات قطر ستتساقط، واحدة تلو الأخرى، لدى تقديم البحرين أدلتها على ملكيتها للجزر. وركز الدفاع البحريني في أن “جزر حُوار جزء من الأرخبيل البحريني المتكامل، حيث تبدو كل جزيرة وكأنها جزء بري، تابع للأرخبيل الأم”. وهو الطّرح البحريني، الذي دعا المحكمة إلى اعتماد مبدأ ترسيم الحدود البرية، في هذا النزاع، وليس اعتماد مبدأ تحديد المياه الإقليمية فقط، كما تطالب قطر.
وكان البروفيسور مايكل رايزمان (دفاع البحرين)، قد ضرب لمحكمة لاهاي مثلاً من القرن العشرين، قائلاً: “إن صيد اللؤلؤ، الذي كان يعد بترول القرن الماضي، كان يوجد في جزر حُوار. وكان البحرينيون هم الخبراء به، من دون منازع، والقائمون عليه في تلك الجزر”. واستطرد مستفهماً استفهاماً إنكارياً: “إذا نضب، اليوم، بئر نفط، فهل تُفقد السّيادة على أرضه!”؛ مستنتجاً: “كيف نفقد سيادة البحرين على حُوار؟!”.
كما طرح المحامي نفسه، بقوة، “ضرورة إسقاط حجة القرب الجغرافي؛ لأن البحرين تمتد إلى آخر جزيرة لها، وليس في أول جزيرة؛ مضيفاً: “منذ اتفاقية جنيف لقانون البحار، عام 1958، أصبحت الأرض، هي المرجع، وليس البحر، وأصبحت الحقوق البحرية، تجد متابعها في الحدود البرية؛ وأن الترسيم، الذي يجب أن تأخذ به المحكمة، ليس، بطبيعة الحال، التّرسيم البحري؛ وإنما الترسيم البري”؛ ملخصاً أن البحر تابع للبر، وأن الجزء تابع للكل، وأن الكل هو أرخبيل للبحرين… وأن ساحل الأرخبيل، يبدأ من آخر نقطة في آخر جزيرة من جزر الأرخبيل، وليس العكس.
وكان لوتر باخت، أحد أعضاء هيئة الدفاع البحريني، قد ركزَّ، بصفة خاصة، في تفنيد الادعاء القطري، القائل بأن القانون الدولي، يعتمد على مبدأ الاقتراب، لضم جزر حُوار إلى قطر. وأورد المحامي 14 مثلاً، يثبت فيها العكس؛ من بينها جزر مياه إقليمية، تابعة لناميبيا، وتملكها جنوب إفريقيا. وكذلك جزيرة كورفو اليونانية، الواقعة في المياه الإقليمية الألبانية.
أما محامي دفاع البحرين، البروفيسور يان بولسون، فقال إن دولة قطر، هي نتاج التوسع، وضم الأراضي؛ مشدداً على أن الخرائط، التي قدمتها قطر واعتمدتها وثائق رسمية، تضم العديد من الخرائط الإسكتلندية، ولا وجود لقطر فيها على الإطلاق؛ مضيفاً: “إننا قادرون على إثبات أن قطر لا وجود لها، لأنها في تلك الحقبة، كانت مكاناً يخيم عليه الفقر المدقع”. وعاد المحامي السويدي، مرة أخرى، إلى التشكيك، بقوة، في كل وثيقة أو مستند قطري، مقتبساً فقرة لأحد المؤرخين، تقول: “إن القطريين سلّحوا أنفسهم بإعادة كتابة التاريخ”. كما تركزت مرافعة يان بولسون في تأكيد ملكية منطقة الزبارة للبحرين، موضحاً أن آل خليفة، جاءوا من الكويت، عام 1860، وأسسوا الزبارة، التي انتعشت فيها مصايد اللؤلؤ؛ وتحركوا منها إلى البحرين، وبقوا مسيطرين على الزبارة، التي استوطنتها، لاحقاً، قبيلة النعيم.
من جانبه، ركز المحامي الأمريكي، البروفيسور مايكل رايزمان، في إبراز سندات وإثباتات ملكية جزر حُوار للبحرين، مؤكداً أن إثبات هذه الملكية، هو أبسط المسائل المطروحة، حالياً؛ لأن المسألة سبق لها أن حسمت، قبل 61 عاماً، من طريق تحكيم نزيه، وصحيح، وملزم؛ وكان في مصلحة البحرين؛ وقد صدر عن وزارة الخارجية البريطانية، في ذلك الوقت، مكتوباً، استناداً إلى مذكرة مفصلة تضمنت كلاَّ من نقاط الوقائع والقانون؛ وهو أمر لم يرد عليه محامو قطر.
أما المحامي فتحي الكميشي، فطالب المحكمة بالثبات على تطبيق القوانين نفسها، التي طبقتها، في السّابق، على قضايا مشابهة؛ وحسبان الأحكام الصادرة في قضايا بوركينا فاسو على مالي، عام 1986؛ وكذلك قضية الهندوراس على السلفادور، عام 1992 ـ قياسياً، يُتَّبع في الحكم في الخلاف بين البحرين وقطر، من خلال اعتماد قانون UTI POSSIDETIS المرتكز على مبدأ استمرارية الحدود، الموروثة عن الحقبة الاستعمارية، والقاضي بأن ما امتلكته دولة في الماضي، ستواصل امتلاكه، في المستقبل”.
وشدد الكميشي، في مرافعته، على انطباق هذا القانون على القضية، التي تنظر فيها المحكمة، حالياً. وفي دفاعه عمّا عده حق البحرين في جزر حُوار، ركز في حق كل دولة، كانت تحت الحكم الاستعماري، أن تحافظ على التقسيم الحدودي، القائم يوم استقلالها. وأكد أن “هذا القانون الدولي، طبق في العديد من بلدان أمريكا اللاتينية، وإفريقيا، بل في أوروبا الشرقية. وتعتمده، كذلك، محكمة العدل الدولية، في العديد من القضايا. وهو يعطي البحرين الحق في ملكية الجزر؛ لأن المنامة تستوفي شروط هذا القانون”.
وأوضح المحامي التونسي للمحكمة، أن البحرين وقطر، ورثتا، عام 1971، من بريطانيا تقسيماً حدودياً، وضع جزر حُوار تحت سيادة البحرين، بمقتضى حكم تحكيمي ملزم، صادر، عام 1939، عن بريطانيا، التي لجأت إليها قطر، آنذاك، لحل مشكلة السّيادة على تلك الجزر، بينها وبين البحرين.
كما ردّ المحامي الكندي، روبيرت فوليترا، على الدفاع القطري، الذي سبق أن قال إن جزر حُوار خالية؛ مشدداً بوساطة عرض فيلم فيديو، على أن تلك الجزر، تعرف أنشطة وفاعليات عمرانية، تعود إلى بداية هذا القرن؛ إلى جانب تقديم وثائق تاريخية، تؤكد شرعية سيادة البحرين على الجزر. وشدد المحامي الكندي، على أن قبيلة الدّواسر، التي كانت تسكن جزر حُوار، كانت تقيم فيها سبعة أشهر، في العام؛ ولها بيوت ومساجد ومقابر في داخلها. وكانت تلك القبيلة، تولي أمرها آل خليفة، شيوخ البحرين، الذين كانوا يفضون نزاعاتها.
وأعاد البروفيسور بروسبر فيل، محامي الدفاع البحريني، التركيز في أن موكلته (البحرين)، ليست مجرد أرض وسواحل، مقابلة لقطر، بل هي أرخبيل من الجزر الملاصقة لحدود قطر الغربية، في مناطق جزر حُوار الشرقية، وجزيرة جنان، وجزيرة قطعة جرادة، وفشت الديبل؛ في محاولة لدحض نظرية قطر في شأن العوامل الجغرافية، والموقف الدولي، في تحديد المياه الإقليمية، الذي ركز فيه البروفيسور جون سالمون، قبل أسبوعين، خلال مرافعته في مصلحة قطر.
ثالثاً: قرار المحكمة وحيثياته
استمر تداول المحكمة للقضية تسع سنوات. وفي الساعة الثالثة، بعد الظهر، بتوقيت هولندا، من اليوم السادس عشر من مارس 2001، أصدرت المحكمة حكمها النهائي. وتلاه رئيسها، القاضي الفرنسي، جيلبار غيوم، في ساعتَين ونصف من القراءة. ويعد حكم المحكمة نهائياً، ولا يمكن استئنافه، وملزماً للطرفَين. غير أنه ليس للمحكمة آليات عقابية، في حالة مخالفة أيٍّ منهما تنفيذ حكمها، إلا في حالة لجوء أحدهما إلى الأمم المتحدة.
1. ملخص الحكم
أ. قررت المحكمة، بالإجماع، سيادة قطر على الزبارة.
ب. قررت، بأغلبية 12 صوتاً، مقابل خمسة أصوات، سيادة البحرين على جزر حُوار.
ج. ذكرت المحكمة، بالإجماع، أن سفن قطر، تتمتع، في المياه الإقليمية للبحرين، التي تفصل جزر حُوار عن غيرها من الجزر البحرينية، بحق المرور، طبقاً للقوانين الدولية المعمول بها.
د. قررت، بالإجماع، أن مرتفع فشت الديبل، الذي تغمره مياه المد، يخضع لسيادة قطر.
هـ. قررت، بأغلبية 13 قاضياً، مقابل أربعة قضاة، أن خط الحدود البحرية الوحيد، الذي يحدد المناطق البحرية المتعددة، لكلٍّ من قطر والبحرين ـ سيحدد، طبقاً لما هو محدد في الفقرة 250 من نص الحكم.
و. قررت، بأغلبية 13 قاضياً، مقابل أربعة قضاة، سيادة قطر على جزيرة جنان، بما في ذلك حد جنان.
ز. قررت بأغلبية 12 قاضيا ضد خمسة قضاة سيادة البحرين على جزيرة قطعة جرادة.
2. حيثيات الحكم
أ. الزّبارة
أقرت المحكمة بتبعية الزّبارة إلى قطر استناداً إلى الآتي:
أنه وفقاً لاتفاق عام 1868، لم تطالب البحرين بالزبارة. ولاحظت أن حكام البحرين، لم يكونوا قادرين على ممارسة أي سلطة على تلك المدينة؛ وفي عام 1895، كان هناك تدخل عسكري، لوقف غزو العثمانيين لها.
وقد مارست عائلة النعيمي، الموالية للبحرين، سلطة على الزبارة. ولكن، ثبت للمحكمة، أن أفراد النعيمي، كانوا يؤدون خدماتهم للبحرينيين. وعلى الرغم من ذلك، لم يمارسوا عليها أي سلطة، باسم البحرين. وتُشير مذكرة المادة 11، من الاتفاق البريطاني – العثماني، عام 1913، إلى النقاط، المتفق عليها، بفصل منطقة نجد عن شبه جزيرة قطر؛ ثم تخلت الإمبراطورية العثمانية عن مطالبها في شبه الجزيرة، لذلك، بقيت هذه المنطقة، تابعة للشيخ جاسم بن ثاني وأحفاده؛ ولم تسمح قطر للبحرين بالتدخل في هذه المنطقة.
وقد اتفق الطرفان على توقيع الاتفاقية، ولكن التوقيع لم يتم. لذلك، تلاحظ المحكمة، على الرغم من عدم التصديق على الاتفاقات الموقعة، بين الجانبين، أن الاتفاق العثماني ـ البريطاني، يعبر عن رأي بريطانيا في الاتفاقية.
وقد نصت الفقرة 13، من الاتفاق العثماني ـ البريطاني، على أن المنطقة تابعة للشيخ جاسم وأحفاده؛ وبريطانيا لم تعترف، في حينه، بسلطة البحرين على الزبارة؛ وأنها من حق الشيخ جاسم آل ثاني. وفي عام 1913، اتُّفق، كذلك، على المادة الرقم 3، لتحديد الحدود للدولة العثمانية، بالإشارة إلى الخط المستقيم المتجه جنوباً، الذي يصل من سنجا إلى نجد بين الأراضي العثمانية.
لذلك، رأت المحكمة، أنه لم يكن هناك سلطة على الزبارة إلا لقطر. ففي مايو 1937، أثار ممثل بريطانيا قضية تلك المدينة، وقال إن البحرين كانت تمتلك جزءاً من قطر، حتى عام 1871؛ بل إن الأخيرة كانت تدفع إليها جزية؛ وأكدت حكومة الهند، في حينه، أن هناك سلطة للبحرين على الزبارة.
وبناء على ما تقدم، لا تقبل المحكمة ما قدمته البحرين، أن بريطانيا طلبت اعتبار الزبارة أرضاً بحرينية، وفقاً لاتفاق عام 1914، والرسائل التي وجهت من الحاكم البريطاني إلى البحرين، وحاكم الهند، تؤكد أن الحكومة البريطانية، كانت تعد الزبارة، قطرية، بناءً على الاتفاقات المبرمة بين البلدَين. وفي عام 1908، قويت سلطة شيخ قطر على منطقة الزبارة، حتى إنها صارت متوارثة. لذلك، خلصت المحكمة إلى أنه لا يمكنها قبول سيادة البحرين عليها؛ وإنما السيادة لقطر.
ب. حُوار
أقرت المحكمة تبعية حوار إلى البحرين، استناداً إلى قبول قطر حكم بريطانيا، عام 1939، الذي أقر جزر حُوار للبحرين. وقد أجملت المحكمة الأسباب، التي استندت إليها، في الآتي:
(1) مطلب قطر
جزر حُوار تابعة للسّيادة القطرية، وهي جزء لا يتجزأ من ترابها ووحدتها. ونظراً إلى قربها من قطر، وتشاركهما في جوانب طبيعية كثيرة؛ وهي حقيقة تؤكدها الجيولوجيا؛ وانطلاقاً من مبدأ الجوار، ووجوب مراعاة الملابسات التاريخية، وأحداث عامي 1767، 1768؛ فقد اعترفت بريطانيا بقطر وحدة مستقلة عن البحرين، ذات حدود، وكيان مستقل لها؛ حماية للأمن البحري.
وتستند قطر في ادعائها السّيادة على حوار، إلى الاتفاقية البريطانية ـ العثمانية المبرمة في 1913، التي نصت في بعض بنودها على حق قطر في السّيادة على جزر حُوار دون البحرين، ومن ثم ترفض قطر القرار البريطاني اللاحق في 1939 القاضي بضم جزر حُوار إلى البحرين؛ وترى أن البلدين لم تكن لهما السيادة الكاملة على أراضيهما في ظل الحماية البريطانية، وأن موظفي الإدارة البريطانية كانوا منحازين إلى جانب البحرين، ومن هذين المنطلقين ترفض قطر قرار بريطانيا، وتعده لاغياً، لعدم استناده إلى سند شرعي.
وطالما رأت قطر، أن حكام البحرين ظلوا يحتجون على ممارسات قانونية للحماية البريطانية، وهذا الاحتجاج، يُساق دليلاً، على أن قرار بريطانيا في شأن حُوار يجب ألاّ يُؤخذ على علاته؛ فاحتلال منطقة، يعطي إمكانية السيادة؛ ولكن بشروط. وقد كان احتلال البحرين للجزر تحت سيادة أخرى، هي بريطانيا. لذا، يجب عدم الأخذ به، ولا يجوز لمحكمة العدل الحديث عن حقوق سيادية لدولة تحت الاحتلال؛ وقطر لا تقبل الادعاء البحريني. وساقت قطر القرار التحكيمي، الذي صدر بين الشارقة ودبي، لتأكيد حجتها، حيث صدر على نحو مشابه لهذه القضية.
(2) مطلب البحرين
إن مفهوم قرب الجوار، لا يمكن أن يكفي وحده، لإثبات سيادة قطر على حُوار؛ فمبدأ الجوار، ليس مبدأ للسيادة، بل إن السيادة، التي تزعمها قطر على حُوار، تفتقد الأسس الشرعية. وليس من ضرورة للخرائط، لبرهنة سيادتها؛ بل هناك دلائل وحجج كثيرة، لتأكيد حقها في السّيادة.
لم تكن هناك سيادة قطرية على حُوار، خلال القرنين 18 و19؛ فالدعوى تفتقد الأسانيد، على أساس السّيادة التاريخية. وبينما كان للبحرين، خلال قرنين من الزمان، السيادة على حُوار. وقد اعترف بذلك سكان الجزر؛ فضلاً عن قرار بريطانيا، في 11 يوليو 1939، الذي أكد أن حُوار جزء من البحرين، وليس قطر. ولكن معايير سياسية أملت، في حينه، على بريطانيا إصدار هذا القرار؛ إذ كانت قطر تحت السيادة البريطانية، ولم يكن لها الحق في سيادتها على الجزر. ولذلك، ترى البحرين، أن هذا المبدأ ساري المفعول، حتى بعد رحيل الاستعمار عن قطر والبحرين.
(3) قرار المحكمة
رأت المحكمة أن ادعاءات الطرفَين، فجّرت تساؤلات قانونية حول طبيعة القرار، الذي أصدرته بريطانيا عام 1939، ووجود سلطة أصيلة، وإمكانية تطبيق قانون الملكية. وقد فحصت المحكمة القرار الصادر عن بريطانيا، الذي ترى البحرين أنه يمثل حكماً؛ وليس لمحكمة العدل نطق حكم فوق حكم محكمة أخرى. وساقت أمثلة قانونية على ذلك، في قضايا مشابهة.
لذلك، ترى المحكمة، أنه إذا كان القرار إدارياً، فمن حقها النظر فيه. وإذا كان حكماً، فليس من حقها إعادة النظر فيه. وتلاحظ المحكمة أن مصطلح “تحكيم”، في القانون الدولي العام، يسير على تسوية نزاعات الدول، بين قضاة مختارين؛ وهو ما اعتُمد في الفقرة 15 من قانون لاهاي، وأُخذ به في اتفاقية لاهاي لعام 1907، والمحكمة الدائمة عام 1925، في المادة 3 من معاهدة لوزان. وركزت فيه لجنة القانون الدولي، واعتُمد في قرار التحكيم، بين الشارقة ودبي؛ وهي القضية التي تشابه القضية الحالية.
لذلك، ترى المحكمة، أنه لا يوجد اتفاق بين الطرفَين على اللجوء إلى قضاة يختارانهم؛ وأن القضية نظرت فيها بريطانيا فقط. وعلى هذا فإن القرار البريطاني لا يُشكل اتفاقاً دولياً، أو تحكيمياً. وتعهد الطرفَين حل النزاع، وفقاً للنصوص الدولية؛ والصيغة البحرينية، التي وافقا عليها ـ كل هذا، يمكّن محكمة العدل من الفصل في النزاع، والحكم في كافة القضايا، التي تقدمت بها قطر، ومنها حُوار.
وعليه، كتب حاكم قطر، في مايو 1830، إلى الممثل البريطاني، أن جزر حُوار جزء من قطر؛ وأن البحرين تريد التدخل في الشؤون الداخلية لحُوار. وتعهدت الحكومة البريطانية ببذل جهودها، للحفاظ على السّلم والأمن. وقد أحاط حاكم بريطانيا قطر علماً بأن حكومة البحرين لها حقوق سيادية على حُوار. وبرجوع المحكمة إلى المخاطبات، التي تمت بين شيخ قطر والممثل البريطاني، وبين بريطانيا والبحرين، تأكد لها أن شيخ قطر، لم يقدم أي دليل على ملكية الجزر؛ وإنما استند إلى ادعاءات سيادية؛ وإلى القرب الجغرافي؛ وأن البحرين لديها دليل على احتلالها الجزر، إبان سلطة آل خليفة، وأن هناك ما يثبت ملكية بحرية وعقارية للجزر والمصايد. والقوارب التي كان سكان حُوار يملكونها، مسجلة من البحرين؛ وكذلك المقابر وخزانات المياه وطبيعة البيوت، تؤكد وجود مستمر للبحرين في هذه المنطقة. وكذلك إنشاء مخفر للشرطة، ومسجد، في الشمال، وحفر آبار ارتوازية، منذ 18 شهراً.
واستندت المحكمة في قرارها، على التحكيم البريطاني الصادر في 1939، الذي يقضي بتبعية جزر حوار للبحرين، وعدَّت المحكمة قرار ذلك التحكيم ملزماً للطرفين، وقد أعلم الحاكم البريطاني قطر آنذاك، بأن قرار التحكيم ذاك، الصادر في 11 يوليه 1939 نهائي، ولا يمكن إعادة النظر فيه. ومن هنا، وبناء على تبادل الرسائل بين قطر والبحرين في يومي 11 و 12 مايو 1938، وقبول قطر حكم بريطانيا في الخلاف، في ذلك الوقت، فإن المحكمة لا تملك أن تطعن في الحكم الصادر عن بريطانيا، لقبول الطرفين به، ولأن بريطانيا كانت تبسط حكايتها على البلدين. لذلك فالمحكمة تؤيد تبعية جزر حوار للبحرين، وليس لقطر حق فيها، وإبقاء الحدود الموروثة عن الاستعمار.
ج. جنان
حكمت المحكمة بتبعية “جنان” إلى قطر، استناداً إلى الحكم البريطاني، عام 1939، القاضي بسيادة البحرين على حُوار، من دون جنان. وقالت إن ذلك الحكم، لم يشمل جنان، ولم يذكر أنها جزء من البحرين. والمحكمة لا تقبل ادعاء الأخيرة، بأن الحكومة البريطانية اعترفت، عام 1993، بسيادتها البحرية على جنان، ضمن تحديد الحدود البحرية. وعليه، فإن جنان تحت السيادة القطرية.
د. قطعة جرادة
حكمت المحكمة بتبعية “قطعة جرادة” إلى قطر، وهي جزيرة صغيرة، تقع على الحدود بين الدولتين، وهي أقرب إلى قطر منها إلى البحرين. وعلى الرغم من وجود بعض الممارسات البحرينية عليها، كحفر آبار ارتوازية وغيره، فإن السيادة عليها لقطر.
هـ. فيشت الديبل
حكمت المحكمة بسيادة قطر على مرتفع فيشت الديبل. والفيشت، وفقاً لقانون البحار، جزء من الأرض، تغمره المياه أثناء المد، وتنحسر عنه أثناء الجزر. ويمكن تصنيف الفيشت جزيرة، من أجل رسم الحدود البحرية. والفيشت ليس له مياه إقليمية بحد ذاته؛ لذلك، فإن خط الارتكاز، لا يمكن تحديده وفقاً للفشوت. والسؤال القانوني، الذي واجه المحكمة، هو هل الفشوت أراض أو جزر؟
وقد رأت المحكمة، أن المسألة لا تتعلق بكون الفشوت جزءاً من أراض، يحدد الشواطئ الطبيعية للدولة؛ ولكن القانون البحري، يعطيها هذه الأحقية. والفشوت، هنا، تقع في مياه دولية إقليمية متداخلة للدولتين. وإذا كان لدولة أن تمتلك الفشوت، ضمن مياه إقليمية، فإن كانت واقعة في مياه إقليمية لدولة أخرى، وفقاً لقانون البحار، فهي، إذاً، أراضٍ. وفيما يتعلق بقانون البحار، إذا كانت هناك فشوت، يمكن اتخاذها لتحديد الحدود البحرية، يجب أن تكون على بعد 12 ميلاً، من الحدود البحرية. ومن هنا لا يهم أن يكون الفشت تابعاً لدولة أو أخرى؛ فليس للفشوت مياه إقليمية.
ويؤكد اتفاق عام 1958، والفقرة 4 من اتفاق عام 1982، أن خطوط الارتكاز، لا يمكن أن ترسم ارتكاز الفشوت، ولا يمكن عدها جزراً. والمحكمة ترى، عليه، أنه لا يوجد شيء، يسمح للبحرين باستخدام خط ارتكاز، استناداً إلى الفشوت المتداخلة لدى قطر. ولا يمكن اتخاذها نقاط حدود في المناطق الأخرى المتساوية.
وإذا كانت البحرين ترى، أن لها الحق في الاستمرار في سيطرتها على المياه الإقليمية، على كل خطوط الارتكاز، التي تصل إلى الفشوت، فهذا لا يمكن أن يتأكد إلا بجملة من الشروط، أبرزها: أن يكون هناك أرخبيل فعلي، يحدد نقاط الارتكاز؛ والطابع الأرخبيلي، لا يمكنه رسم خطوط معتمدة على خطوط الارتكاز.
وترى المحكمة، أن ما قدمته البحرين وخبراؤها، لا يثبت الطابع الأرخبيلي لتلك الأراضي، والجزر البحرية. والمحكمة ترى أن الدلائل والحجج، لربط الجزر وأشباه الجزر، بنقاط الارتكاز، لا يمكن إلا إذا كان القانون الدولي يقر ذلك. والبحرين لا يمكنها تحقيق قانون الخطوط الارتكازية، فلكلٍّ كيان بحري وضع خاص، عندما تُرَسّم الحدود.
وتلاحظ المحكمة، أنه لا يفترض أن تكون نقاط الحدود الارتكازية، هي التي يمكن الاعتماد عليها، في تحديد الخطوط الارتكازية لـ”سيترا، فيشت العزم”، وتفتقر المحكمة إلى وسائل لذلك؛ وعليه ستعمد إلى رسم خطين، يقومان على أن “فيشت العزم” جزء من جزيرة “سترا”؛ وإعادة ترسيم الخط الحدودي على هذا الأساس. والخط سيتمثل في جزء كبير من جزيرة العزم. وهناك ظروف خاصة، تبرر اختيار خط فاصل، ليكفل حقوق الطرفَين، وتوضيح الحدود.
و. الجرف القاري
حُدِّد الجرف القاري، وفقاً لقانون عام 1958. وفيما يخص مصايد اللؤلؤ، في شمال شبه الجزيرة، ترى المحكمة، أن عهد صيد اللؤلؤ قد انتهى. وقد كان من قديم الزمن متاحاً لكلِّ القبائل في الخليج. ولا يحق للبحرين وحدها فرض السّيادة على المصايد، وفقاً لما أمكن الاطلاع عليه من وثائق. ولذلك، أخذ حكم المحكمة في الحسبان، في ترسيم الحدود الجديدة، النتوءات البحرية المبالغ فيها؛ مع تحديد حدود المياه الإقليمية، وفقاً لأقل نقطة ارتكاز في عمق المياه البحرية، مع عدم تصنيف الفشوت جزراً؛ لأن لها طبيعة، تختلف عن الجزيرة؛ فهي تصير ضمن المنطقة البحرية، في المد، وضمن المنطقة الأرضية، في الجزر. لذلك، لا تعد جزراً، تُرسّم على أساسها الحدود بين البلدَين. وعليه، قررت المحكمة، أن الحدود الشمالية بين البلدَين ستُحدد من نقطة في خط فيشت الديبل، وتستمر على هذا الخط المعدل، حتى يلتقي الخط التحديدي من إيران من جهة، وقطر والبحرين من جهة أخرى. والخطوط البحرية الموحدة ستتشكل من مجموعة خطوط، تشكل إحداثيات جديدة. وقد تضمنت في مجملها 42 نقطة توضيحية لهذه الخطوط. أما في الجنوب، فالخط الحدودي سيتجه إلى الجنوب الغربي، وبإحداثيات 12 و13 دقيقة، حتى يلتقي الخط الحدودي للمملكة العربية السعودية وقطر والبحرين. والخط البحريني الموحد، سيمتد إلى شمال شرق، حتى يلتقي الخط الحدودي لإيران والبحرين.
أما المناطق الصغيرة، التي كانت البحرين تطالب بها، بوصفها جزراً، فقد رأت المحكمة أنه لا ينطبق عليها وصف جزر، وأنها مضطرة إلى عدم الاعتراف بانسحاب كلمة جزر عليها. لذلك، فخط رسم الحدود، سيمر شرق هذه الحدود.
وسيشق الخط الحدودي الفاصل فيشت الديبل إلى جزءَين، الجزء الأكبر قطري، والأصغر بحريني. أما فيشت العزم، فسيكون الخط الفاصل، بينها وبين فيشت الديبل.
وفي ترسيم الخط الحدودي البحريني ـ القطري، حُدِّدت نقاط ارتكاز، على أن يستمر خط فاصل بين جزر حُوار، ثم يتواصل نحو الشمال، واضعاً فشت العزم إلى يمينه، وجزر “سترا” إلى شماله. ويمر بين “فيشت الديبل” وقطعة “جرادة”، ليجعل الأخيرة في الجانب البحريني، والأولى في جانب قطر؛ ورأت المحكمة، أن البحرين غير ملزمة بتحقيق الخطوط المستقيمة، بين جزرها وجزر قطر؛ فهذه الجزر، حسب القانون الطبيعي، يجب استخدامها في الأغراض السِّلمية.
أما قطعة جرادة، فرأت المحكمة، أنها جزيرة صغيرة، غير مأهولة، وليس بها زروع أو نباتات. وكانت البحرين تطالب بالسيادة عليها، في خط تداخل الحدود الإقليمية. لذلك، رأت المحكمة، ألا تتبع الخطوط البحرية بين البلدَين، وعدم انسحاب اسم جزيرة على هذه الأراض الصغيرة.
ز. ترسيم الحدود البحرية
المسافة بين شواطئ البلدَين، في الجزء الجنوبي، لا تقل عن 24 ميلاً بحرياً، وسيكون لها علامة في المياه الإقليمية؛ والحكم مرفق بخرائط توضيحية، لمناطق السّيادة والحدود وتقسيماتها الجديدة. وفي الشمال، حيث شواطئ البلدَين متباعدة، فالتحديد سيكون وفقاً للجرف القاري، والمنطقة الاقتصادية التابعة لكلِّ من الطرفَين.
ورأت المحكمة، أن مفهوم الحد البحري، ليس له علاقة بالسيادة؛ بل هو مرتبط برغبة الدول في تحديد حدود مفصلة؛ وتحديد الحدود وفقاً للمحكمة، يأتي على معايير، لا تؤدي إلى تفضيل جزء على آخر برسم خط متساوي الأبعاد. ولمراعاة الظروف الخاصة، ستراعي المياه الإقليمية قواعد القانون الطبيعي، لتحديد الجرف القاري، والمناطق الاقتصادية والصيد. وخط المسافات المتساوية الأبعاد، هو خط، تكون كلُّ نقطة منه على مسافة متساوية من خطوط الارتكاز لكل دولة؛ ولا يمكن رسمه، إلا بعد معرفة نقطة الارتكاز، من أجل تحديد عرض المياه الإقليمية. وقد قدمت الدولتان نقاط ارتكاز تقريبية، وطالبت قطر بالأخذ في الحسبان كل النتوءات البحرية الموجودة في المنطقة.
ح. مصايد اللؤلؤ
المحكمة لا تعد وجود مصايد اللؤلؤ، حتى لو كانت تستغلها البحرين، مبرراً لأن يكون لها الحق في هذه المصايد. وقد طلبت قطر ترسيم خط بحري، يتبع الجرف القاري. والبحرين لا تعترف بهذا الخط، لأنه لا يلائم دولة حديثة. ورأت المحكمة، أن القرار البريطاني، كانت له علاقة بتحديد الجرف القاري، والمناطق الاقتصادية فقط. وهناك فارق كبير ببن شواطئ كلِّ دولة؛ واستندت المحكمة إلى قرارات لها سابقة، ورأت أن للفارق الكبير بين أطوال الشواطئ ظروفاً خاصة، يمكن أن تؤدي إلى تعديل الشواطئ.
وعليه، فإن خط الارتكاز، لقياس المياه الإقليمية، هو أكثر نقاط البحر انخفاضاً؛ وهو أمر له علاقة بسيادة الدولة البحرية على أراضيها. ووفقاً للفقرة 2 من قانون عام 1882، فإن للجزر، مهما كانت أبعادها، الوضع نفسه، والحقوق في مياه إقليمية مثل أي أرض أخرى.
المبحث الثالث
ردود الفعل
أولاً: ردود فعل الدولتَين
تقبّل البلدان حكم المحكمة بشهامة لافتة، ورضى بالغ. واحتفلت كل دولة بالحدث، على الرغم من تفاوتهما في ذلك الرضى، الناجم عن مدى استجابة المحكمة مطالب كلٍّ منهما. وأعلن يوم السبت (17/3/2001)، وهو اليوم التالي لصدور الحكم، عطلة رسمية في كلا البلدَين، ابتهاجاً بالمناسبة.
1. رد فعل قطر
عبّر أمير قطر، الشيخ خليفة بن حمد، في كلمة بثها تليفزيون الدوحة، عن عدم رضاه عن الحكم؛ ولكنه قال إن بلاده، تعد الخلاف، عقب صدور الحكم، منتهياً بين البلدَين. وقال: “على الرغم مما تضمنه القرار، من جوانب إيجابية، إلا أنه لم يكن بالأمر الهين على نفوسنا؛ ذلك أن لتلك الجزر، في وجدان شعبنا، مكانة كبرى، تستمد جذورها من تاريخ هذا الوطن، وحرص أبنائه على الارتباط بكل ذرة من ترابه”. و أعلن أن قرار المحكمة، قد أنهى الخلاف القائم بين الدولتين. وقال: “في وسعنا، الآن، أن نترك ذلك الخلاف، الذي أصبح جزءاً من التاريخ، وراء ظهورنا”. وهنأ الشعبَين: القطري والبحريني، بانتهاء الخلاف. كما توجه بالشكر والتقدير إلى خادم الحرمَين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية؛ والسلطان قابوس بن سعيد حاكم سلطنة عُمان؛ لدورهما وجهودهما في هذا الصدد. (اُنظر ملحق كلمة أمير دولة قطر)
وأجرى ولي عهد قطر، الشيخ جاسم بن حمد، اتصالاً هاتفياً بنظيره البحريني، الشيخ سلمان بن حمد. وفور إعلان الحكم، في لاهاي، تصافح وزيرا خارجية قطر والبحرين، اللذان كانا حاضرَين في المحكمة، وتعانقا. وتبادل الوفدان، القطري والبحريني القبلات، تعبيراً عن قبول الحكم.
وأكد الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، وزير خارجية قطر، في مؤتمر صحفي، عقده في لاهاي، في أعقاب إعلان حكم المحكمة، أن بلاده حصلت على 80% من المطالب الخمسة، التي نظرت فيها المحكمة. وانتقد الاحتفالات الكبيرة في البحرين بعد إعلان الحكم، قائلا: “نحن، منذ البداية، كان لنا قرار، بأنه في حالة الحصول على جزر حُوار، فإننا لن نقوم بأي احتفال.” وندد بما أسماه “الكرنفالات” القائمة، حالياً، في البحرين. وعدّها ضد التصالح بين البلدَين. وكرر القول، أمام الصحافة الدولية، التي جاءت إلى فندق “كراون” للاستماع إليه: “أتعتقدون أن قطر غير قادرة على تنظيم كرنفالات! ولكن سياستنا للتهدئة”. وقال إن قطر ترى أن مكاسبها، تنبني على عدة قواعد، من أهمها: أنها لم تكن تتصرف في شيء من الذي قضى لها الحكم به، عدا منطقة الزبارة، التي عادت إلينا الآن رسمياً وقانونياً. كما تحسب الدوحة المكاسب بحساب الكيلومترات المربعة، التي رسّمتها محكمة العدل الدولية لجهتها، والتي تزيد على ألفي كيلومتر مربع، بين ماء وأراضٍ. وهو ما قصده الوزير الشيخ حمد بن جاسم، وهو يقول: “إذا أردنا الخوض في حسابات الربح والخسارة، فإننا زدنا أكثر بحساب الكيلومتر المربع”. لكن أهم مكسب، غنمته قطر، وظل خافياً على الكثيرين حتى آخر لحظة، هو “فشت الديبل”. فقد كانت أيدي القطريين على قلوبهم، توجساً من أن يتحول الفشت، بثرواته الضخمة إلى الأيادي البحرينية. لكنهم تنفسوا، الصعداء عندما جاء من نصيبهم. وقال أحد أعضاء الوفد القطري: “لقد ربحنا المستقبل.”
وفي مؤتمر صحفي، لمّح وزير خارجية قطر إلى “تكتيك”، اتبعته بلاده في النزاع قوامه التكتم على أهمية فشت الديبل ومقوماتها الاقتصادية الضخمة، حتى النطق بالحكم. وكانت فرحة القطريين غامرة، عندما حكمت لهم به بالمحكمة. وعلق أحدهم بالقول إن “فشت الديبل، يبني لنا عشرين جزيرة مثل حُوار، التي خسرناها”.
كما يعتقد القطريون، أنهم حصلوا على أربعة من المطالب الخمسة، التي كانت معروضة أمام المحكمة؛ فضلاً عن أن حُوار، التي فقدوها، لم يفقدوا الملاحة حولها، بل في المياه، التي تفصلها عن البحرين. وقد خرج القطريون إلى الشوارع، في الدوحة، للتعبير عن فرحتهم بانتهاء الخلاف بين البلدَين الشقيقَين.
لكن وزير الإعلام القطري، الدكتور أحمد عبدالملك، قال إن شعب الخليج واعٍ، ولا يتأثر بالمظاهر الاحتفالية بقدر تأثره بالعقلانية. وإن أميري قطر والبحرين، يعملان بنظرة ثاقبة نحو المستقبل، وتجاوز الماضي، انطلاقاً من الأسلوب الحضاري، الذي توصل إليه البلدان.
2. رد فعل البحرين
أما البحرين، فترى أنها الكاسبة في قرار المحكمة، ووصفته بالحكمة. ويؤيد ذلك ما قاله أحد القضاة في البحرين، حين وصف الحكم بأنه نصر بنسبة 75% للبحرين، و25% لقطر. وهذا من مفارقات الحكم، أن وجد فيه الطرفان ما يرضيهما، وتنازعا نقاط الانتصار؛ وهو إحساس بالرضى، لا يعرف سره سوى الخمسة عشر قاضياً، الذين يجلسون، في لاهاي، على إرث كبير من المزاوجة، بين القانون الدولي والسّياسة الدولية.
وعبَّر الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، عن ترحيبه بقرار المحكمة. وأكد أنه يشكل فوزاً تاريخياً، ويوم انتصار لبلاده. وثمّن جهود المملكة العربية السعودية في حل النزاع. وأشاد بالوساطة، التي اضطلع بها خادم الحرمَين الشريفَين؛ مبدياً شكره وتقديره للملك فهد بن عبدالعزيز، ولِوليِّ عهده الأمين، الأمير عبدالله؛ والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع والطيران، المفتش العام، الأمير سلطان، على جهودهم في حل النزاع الحدودي بين قطر والبحرين. وأثنى على الدور، الذي نهضت به دولة الإمارات العربية المتحدة، بقيادة الشيخ زايد بن سلطان. وأكد أن قرار المحكمة، كان توفيقياً في مصلحة قطر والبحرين؛ مشيراً إلى مواصلة مسيرة الخير في مصلحة الشعبين، مؤكداً تجاوز الماضي، وفتح صفحة جديدة.
وأمر الشيخ حمد بن عيسى، فور صدور الحكم، باتخاذ ما يلزم من إجراءات، لضمان تنفيذ الحكم. ودعا إلى استئناف أعمال اللجنة العليا المشتركة، برئاسة وليِّي العهد، في قطر والبحرين، لتتولَّى كل يمكن عمله، للبدء بمشروعات التنمية المشتركة، على جانبي الحدود؛ لتصبح نموذجاً للبناء المشترك بين البلدَين؛ وفي مقدمتها مشروع الجسر.(اُنظر ملحق كلمة أمير دولة البحرين)
كما زار جزر حوار، لأول مرة منذ صدور قرار المحكمة الدولية، في الثامن عشر من يوليه 2001م، ودعا المواطنين إلى قضاء إجازاتهم في جزر حوال، وقال: “أنا متجه اليوم إلى منطقة من أجمل مناطق البحرين، وهي جزر حوار لممارسة هواية الصيد التقليدية، التي تعتبر من أهم الهوايات الصحية للجسد والنفس”.
واستهل الشيخ حمد زيارته بالاطلاع على الحياة الفطرية في جزر حوار، وما تمثله من محمية طبيعية، تتكاثر فيها الحياة البحرية والبرية، واطلع على الإجراءات الخاصة بالمحافظة على هذه الثروة، التي توليها الدولة أهمية كبرى.
كما اطلع أمير البحرين على المشروعات الجديدة التي تهدف إلى تطوير جزر حوار سياحياً وعمرانياً. وقام بجولة اطلع خلالها على مناطق الصيد، حيث يمارس المواطنون هواية صيد السمك، التي هي جزء من تراث البحرين.
ودعا الشيخ حمد مواطنيه لممارسة الهوايات البحرية، والابتعاد عن الصيد الجائر، ونقل هذه الهوايات إلى أبنائهم، وغرسها في نفوسهم، مؤكداً أن الدولة تعمل جاهدة على تلبية كل احتياجات المواطنين في هذه الجزر، التي أصبحت اليوم في متناول يد الجميع.
أما الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، رئيس وزراء البحرين، فقد زار جزر حُوار، بعد صدور حكم المحكمة؛ وهي أول زيارة له، لتثبيت تبعيتها للبحرين. وأكد أن العلاقات بقطر، باتت على أحسن ما يرام؛ وأنها ستكون مثالاً يُحتذي به الآخرون؛ مركزاً في أهمية العلاقات الأسرية، التي تربط الشعبين: البحريني والقطري.
وصرح للصحفيين، أن التسوية الأخيرة، سوف تدعم مسيرة دول مجلس التعاون الخليجي، وترتقي بفاعليته؛ لأن التوصل إلى حل بتراضي الطرفَين سوف يزيد قوة عمل التعاون الخليجي ومتانته. كما صرح بأن الترتيبات جارية بين الطرفَين، للتوصل إلى رسم الحدود بينهما؛ وستثبتها شركات مختصة، سيوكل إليها تنفيذ تلك المهمة.
وزار الشيخ حمد بن عيسى أمير البحرين الدوحة يوم الثلاثاء 20 مارس عقب صدور الحكم، وقالت وسائل الإعلام بأن الزيارة كانت بغرض تبادل التهاني مع أمير قطر، وكانت الزيارة مناسبة مهمة لإعادة أعمال اللجنة العليا المشتركة المشار إليها.
وقال أمير قطر للصحفيين: “إنه لمن حسن الطالع أن تجتمع اللجنة في وقت بدأت فيه قطر والبحرين خطوات مهمة في اتجاه تكريس المشاركة الشعبية… وأن ذلك يمثل أساساً قوياً لدعم القرارات بما يخدم مصلحة البلدين”.
وعقب أمير البحرين بقوله: “إن أعمالاً كبيرة بانتظار اللجنة العليا المشتركة، وفي صدارتها جسر المحبة الذي سينشط حركة الأشخاص والبضائع بين البلدين… وأضاف: أن ليس هناك حدود للتعاون بين البلدين، والطريق مفتوحة على مصراعيها”.
وسُئِل عن إمكان حدوث وحدة اندماجية بين البلدين؛ فردَّ بلباقة: إن الوحدة مقيمة في القلوب… وإن البلدين يتجهان معاً على طريق التكامل الوحدوي.
وكانت قطر قد أعدت استقبالاً رسمياً وشعبياً لافتاً للنظر لأمير البحرين، لم يسبق أن أعد مثله لزعيم يزور الدوحة؛ إذ احتشد عدد كبير من الشيوخ والوزراء وكبار المسؤولين في المطار لاستقبال الضيف الزائر، واصطف على جانبي الطريق مواطنون وطلاب يحملون أعلام البحرين وقطر يلوحون بها تحية للأمير وحاشيته، وأخذوا في التصفيق عند مرور موكبه.
ولما كان البحرينيون يعدون جزر حُوار لب النزاع، فقد عمّ الشارع البحريني ابتهاج واسع، عبَّروا عنه، كعادتهم، بالمسيرات في الشوارع، وإطلاق منبهات سياراتهم، إلى ساعة متأخرة من مساء يوم الجمعة (يوم إصدار الحكم). وقد كتبوا على سياراتهم: “حُوار بحرينية”، وعبر كثيرون منهم عن رأيهم، من خلال وسائل الإعلام. وقالوا إنهم يأملون طي صفحة الماضي، ونسيان سنوات النزاع، التي أهدرت فرصاً كثيرة للتقارب والتكامل بين الطرفَين؛ والتطلع إلى مستقبل أكثر استثماراً للفرص المتاحة بين البلدَين. وأجمعت الآراء على أن انتهاء القضية بحد ذاته، هو مكسب، من دون تحديد الرّابح والخاسر فيها.
ويجمع البحرينيون على أن هذا الحكم، الذي ثبّت جزيرة حُوار بحرينية، يشكل انتصاراً كبيراً للبحرين. وعلى الرغم من امتعاض بعض البحرينيين، من حصول قطر على جزيرتي جنان وفشت الديبل، الغنيتَين بالغاز، إلا أنهم أكدوا أن قرار المحكمة، لا خلاف في أنه أعطى البحرين مناطق غنية بالنفط. وقال أحدهم: “لهم الغاز. ولنا النفط”.
ثانياً: ردود الفعل الخليجية والعربية والعالمية
أما على الصعيدَين، الخليجي والعربي، فقد أعرب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، الشيخ جميل الحجيلان، عن أمله أن يسهم الحكم النهائي، الذي صدر عن المحكمة، والذي وصفه بـ”الحدث التاريخي”، في المزيد من تعزيز مسيرة مجلس التعاون، لما فيه خير شعوبه وشعوب المنطقة. وأبدى الحجيلان، في تصريح صحفي، من مكتبه في مقر الأمانة العامة للمجلس، في الرياض، ترحيبه بمواقف الحكمة والأخوة، التي عبّرت عنها القيادتان السياسيتان في البلدَين. وقال: “إن كل من استمع إلى الخطابَين اللذَين وجههما الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، أمير دولة البحرين؛ والشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أمير دولة قطر، قد غمرته مشاعر الارتياح والاغتباط، لتوافق القيادات في البلدَين الشقيقَين، على أمرَين مهمّين. وهما: إغلاق ملف هذا الخلاف، واعتباره حدثاً من الماضي؛ وعزمهما ـ بإذن الله ـ على أن يجعلا من قرار المحكمة الدولية، منطلقاً للأخذ بالعلاقات الدولية بين البلدَين، إلى ما يتطلع إليه الشعبان الشقيقان، من مزيد من التعاون والترابط، وتحقيق آمالهما المشتركة في كلِّ المجالات”.
وعبّر مصدر رسمي سعودي عن “الارتياح الكبير”، في المملكة لانتهاء ملف الخلاف الحدودي، بين قطر والبحرين؛ مؤكداً أن “إنهاء النزاع على هذا النحو، يعطي دفعة قوية لمسيرة التعاون والتكامل، لدول مجلس التعاون الخليجي، وللعمل العربي المشترك على نحو عام”. وقال المصدر، في تصريح بثته وكالة الأنباء السعودية، إن حكومة المملكة العربية السعودية، “استقبلت، بارتياح كبير، هذا الحكم، الذي من شأنه إنهاء النزاع الحدودي بين البلدَين، ويفتح آفاقاً جديدة نحو تعزيز العلاقات الأخوية بينهما، ويُسهم، بكل تأكيد، في ترسيخ الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة”. ووصف المصدر السعودي هذه النتيجة، بأنها “إنجاز تاريخي حضاري”؛ مشيدا بـ “حكمة قادة البلدَين، وحرصهم على الالتزام بقواعد الشرعية الدولية، وحل النزاع بالطرق السلمية”.
وفي الكويت، عبَّر نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية، الشيخ صباح الأحمد الصباح، عن ارتياحه لحكم محكمة العدل الدولية، الذي “أرضى الطرفَين”. وأمل أن يكون القرار في “مصلحة البلدَين والعلاقات الخليجية”. وكان الشيخ جابر الأحمد الصباح، أمير دولة الكويت، قد وجه برقيتَي تهنئة إلى أميري قطر والبحرين، أكد فيهما أن “الحكم لا يمثل ربحاً أو خسارة لطرف دون الآخر ؛ وإنما يعد انتصاراً للجميع؛ ويضيف لبنة جديدة إلى بناء العلاقات التاريخية، القائمة بين دول مجلس التعاون؛ ويسهم في تحقيق الأمن والاستقرار وتعزيزهما في ربوع المنطقة.
كذلك، رحب الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية، في سلطنة عُمان، يوسف بن علوي ابن عبد الله، بقرار المحكمة، وبـ “توجهات قيادتي البلدَين، نحو البدء بمرحلة جديدة للتعاون المثمر بينهما”. وأضاف ابن علوي، في تصريحات، بثتها وكالة الأنباء العُمانية، أن هذا القرار “سيفتح آفاقاً جديدة أمام البلدَين الشقيقَين، في كافة المجالات. وسيدعم مسيرة العمل المشترك، لدول مجلس التعاون الخليجي”. ورأى الوزير العُماني، أن القرار جاء في “مصلحة الطرفَين”؛ مشيراً إلى أن “الأشقاء في البحرين، كسبوا دولة قطر؛ والأشقاء في دولة قطر، كسبوا دولة البحرين”.
وفي الإمارات، عبَّر نائب رئيس مجلس الوزراء الإماراتي، الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، عن ترحيبه بقرار المحكمة، القاضي بحل النزاع؛ مؤكداً أنه يشكل “حدثاً تاريخياً؛ وإنجازاً يعكس حكمة حكومتي البلدَين”. وأن الإمارات، ترى في هذا الحكم “انتصاراً للتضامن والتآزر، وتغليباً للحكمة ومنطق العقل، ومثالاً ناصعاً للتعاطي الحضاري”.
كما أعربت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي، عن ارتياحهما لما لقيه حكم محكمة العدل الدولية في لاهاي، من ارتياح لدى قطر والبحرين؛ وإغلاق ملف النزاع الحدودي بين البلدَين الشقيقَين، القائم منذ عام 1939؛ وفتح صفحة جديدة في العلاقات بينهما. وطالبت الأمانة العامة للجامعة العربية، في بيان لها، بحل كافة الخلافات الحدودية، بين بعض الدول العربية، بالوسائل السلمية. وأعربت عن أملها أن تستجيب إيران إلى الدعوة بعرض النزاع في جزر الإمارات العربية المتحدة، على محكمة العدل الدولية، للفصل فيه، والقبول بما تقرره المحكمة في هذا الشان.
وهنأ الرئيس المصري، حسني مبارك؛ والعاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، أميرَي قطر والبحرين، في اتصالات هاتفية. فيما رحبت الجمهورية اليمنية بقبول دولتي قطر والبحرين المشترك بحكم لاهاي، والتزامهما المشترك به.
وقال وزير خارجية مصر: “إن الالتجاء لمحكمة العدل الدولية، والمساعي العربية الخيرة، والحكم الذي قبل به الطرفان، يمثل صيغاً فعَّالة لحسم الخلافات، وإعادة بناء العلاقات بأسلوب يخضع لأطر القانون الدولي والممارسة القانونية الدبلوماسية الهادئة، وأسلوباً يحتذى به لحل النزاعات على المستوى العربي”.
أما ردود الفعل العالمية فقد جاء الأمريكي في مقدمتها؛ إذ بادر الرئيس الأمريكي بالاتصال الهاتفي بأميري البلدين مهنئاً بانتهاء الخلاف بينهما. وأعرب رؤساء البعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى المنامة، يتقدمهم السفير الألماني، عميد السلك الدبلوماسي، عند استقبال أمير البحرين لهم، عن تهانيهم على قرار محكمة العدل الذي أثبت حق البحرين في جزرها ومياهها، وعن سرور دولهم، لهذا القرار الذي أنهى الخلاف، وعزز دور هذه الهيئة الدولية في تسوية النزاعات.
كما هنأت باريس قطر والبحرين معبرة عن سرورها لإعلانهما تصميمهما على تنفيذ قرار المحكمة؛ وجاء في بيان للخارجية الفرنسية أن فرنسا مقتنعة بأن حل هذا النزاع سيسمح للبلدين باستكمال التقارب الذي شرعا به، وسيساهم أيضاً في استقرار منطقة الخليج.
وأصدرت الخارجية البريطانية بياناً هنأت فيه قيادتي البلدين بالحنكة السياسية التي أبدتاها إزاء تسوية النزاع الحدودي، مؤكدة تطلع الحكومة البريطانية إلى تنفيذ البلدين الحكم، وتطوير علاقات وثيقة بينهما.
التعليل القانوني للحكم
أوردت جريدة “الشرق الأوسط” رأياً قانونياً مستقلاً، للقاضي الأردني، عون شوكت الخصاونة، وهو أحد قضاة محكمة العدل الدولية، جاء فيه، أنه يشارك، إلى حد بعيد، في رأي الأغلبية، القاضي بمنح قطر السّيادة على الزّبارة؛ والبحرين على جزر حُوار. وفي خصوص الأخيرة، توصلت المحكمة إلى حكمها، استناداً إلى أنه في حين لم يكن القرار البريطاني، المتخذ عام 1939، تحكيماً ذا صفة قانونية، فقد كان، مع ذلك، قراراً سياسياً ذا صلاحية، وملزماً للطرفَين المعنيَين.
ثم قال إن قرار المحكمة حصر حكمها في صلاحية القرار البريطاني، عام 1939 وإلزاميته ـ يعرضها لانتقاد مبرر، بأنها كانت مفرطة في التقييد؛ خاصة أن المعادلة البحرينية، عام 1988، طرحت جميع الادعاءات الحدودية أمام المراجع القانونية، ولم تقتصر على الوضع القانوني للقرار البريطاني المشار إليه. إضافة إلى ذلك القرار (أي القرار البريطاني) استند قرار المحكمة إلى تقدير المسؤولين البريطانيين، آنذاك، للقانون الموضوعي، بغض النظر عما إذا كان المرء يوافق على هذا التقدير أو يرفضه. واستطراداً، فغياب أي إشارة إلى القانون الموضوعي، في الشق الخاص بجزر حُوار من الحكم، تبدو مسألة غير جائزة.
وتابع الخصاونة، قائلاًً، ولكن النقطة الأهم، أن إسناد وضعية حق ملكية أراضي حُوار فقط إلى صلاحية القرار البريطاني، يجعل من الضروري تعريض ذلك القرار لأكبر قدر ممكن من الفحص والتمحيص؛ وهو ما لم يأخذه في الحسبان الحكم الصادر بصورة كافية. وعليه، فإن الادعاء القطري، مثلاً، بأنه كان هناك انحياز ومواقف مسبقة مخالفة للنظام، الذي يمنع انحياز صاحب قرار دولي ـ ما زال ينتظر إجابة؛ إذ لم يجب عليه الحكم.
ثم أردف قائلاً: “ماذا يمكن أن نقول، إزاء الحقيقة المؤكدة، عن أن وايتمان، الوكيل السياسي البريطاني، حينذاك، كان، في الوقت نفسه، من ناحية، يعد لتشكيل لجنة تحقيق حول ملكية حُوار؛ ويشارك في توصيف منطقة الامتيازات، التي ستقدمها البحرين، متضمنة جزر حُوار؛ وأكثر من ذلك، نصح حاكم البحرين بالامتناع عن عرض امتياز، من شأنه التخلي عن كل المنطقة المخصصة فيه، ما عدا حُوار وشريط بحري، بعرض 3 أميال، يحيط بها؟”. ورأى الخصاونة، أن قبول القطريين ترك مسألة تسوية النزاع، للحكومة البريطانية، اعتماداً على مبدأَي “الحقيقة والتساوي” ـ يبقى مشكوكاً فيه، خاصة بالنظر إلى الهيمنة البريطانية، الطاغية على المشيختين، في ذلك الحين. وإدراك حاكم قطر، أنه مع مواجهته ما يمكن عدده أمراً محسوماً، لم تكن لديه أي مرجعية أخرى، يلوذ بها. وفي مثل هذه الظروف، يصبح فهْم موافقته (أي حاكم قطر) على تكليف الحكومة البريطانية بتسوية النزاع، وكأنها تسليم، عن طيب خاطر ـ ممكناً، فقط، عبر تفسير غاية في الشكلية والاصطناعية والتفكك، لجملة من الأحداث، تبدأ من القرار البريطاني المؤقت، عام 1936، وتنتهي بالقرار النهائي، عام 1939.
وذكر الخصاونة أن البحرين وقطر، كانتا، وفق منطوق القانون البريطاني، “دولتَين محميتَين” لا “مستعمرتَين”، على الرغم من النفوذ الهائل، الذي كانت تمارسه بريطانيا عليهما، دولياً وداخلياً، عبر سلسلة من المعاهدات. ولكن، بما يتعلق بمسألة الأراضي والحدود، لم تزعم الحكومة البريطانية لنفسها حق التصرف في أراضي المشيختَين، من دون مواقفة حاكمَيهما. ويضيف الخصاونة، أنه لدى النظر في السّجلات التاريخية، يتبين بوضوح أن شيوخ آل خليفة (شيوخ البحرين)، مارسوا نفوذاً كبيراً على أمور شبه الجزيرة القطرية، من النصف الثاني من القرن الميلادي الثامن عشر، حتى عام 1868. إلا أنه يبدو أن ذلك النفوذ، لم يكن مطلقاً؛ وكان يُمارس على ساكني السواحل المستقرين، بصورة أشد بكثير منه على قبائل البدو الرحل. ولكن حتى مع الأخذ في الحساب ذلك النفوذ الكبير، فإنه كان متقطعاً، ويواجه، بين الفينة والفينة، بمعارضة مسلحة. وبناء عليه، يمكن القول، إن نفوذ آل خليفة، كان قوياً؛ ولكن وجودهم كان ضعيفاً، ما يولد وضعية، تصبح معها سيطرتهم على شبه الجزيرة، عرضة للانقطاع والضياع. ذلك أن محمد بن خليفة (آل خليفة)، عقد معاهدة حماية مع بريطانيا، وصفته بـ “حاكم البحرين المستقل”. ومقابل الحماية، وافق على ألا يتعرض للأمن البحري. والبديهي، هنا، أن السلطات البريطانية، عدت شبه الجزيرة القطرية أرضاً تابعة Dependency لحاكم البحرين. إلا أن هذا الوضع تغير، عام 1868، حينما جرد محمد بن خليفة، مع شيخ أبو ظبي، حملة تأديبية، استهدفت الشاطئ الشرقي لشبه الجزيرة؛ دمرت خلالها بلدات البدع والوكرة والدوحة. وهكذا، بسبب خرق محمد التزاماته لاحترام الأمن البحري، أزاحه البريطانيون، ونصّبوا مكانه أخاه عليّاً. كما دخلت السّلطات البريطانية في معاهدة منفصلة، مع شيوخ قطر، على رأسهم محمد آل ثاني؛ تشمل إقامة الأخير في الدوحة؛ ولكن مع مواصلة دفع مبالغ معينة إلى علي آل خليفة.
وعلى الرغم من أن بعض الباحثين يجادلون في أن أحداث 1868، تعلن استقلال قطر، وترسيخ سلطة آل ثاني فيها؛ فهو جدل، لا يستند إلى أساس، إذا محص بدقة”. فبداية، كانت المعاهدات محصورة في قضية الأمن البحري، لا الحدود، ولا ملكية الأراضي. وثانياً، كان على محمد آل ثاني الاستقرار، حصراً، في الدوحة ومحيطها. وثالثاً، لأنه ظل واجباً عليه مواصلة دفع المال إلى علي آل خليفة، وفق شروط المعاهدة؛ ما يؤكد بقايا السلطة البحرينية على شبه الجزيرة القطرية.
كما أن خيار البريطانيين، التعامل مباشرة مع شيوخ قطر، لا يمنحهم، تلقائياً، حق الملكية. وأن ادعاء سيادة قطر على أراضيها، بدءاً من عام 1868، يضعفه كثيراً تأكيد الدولة العثمانية سيادتها على شبه الجزيرة القطرية، عام 1872، واستمرارها حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى. أما التاريخ الحقيقي لاستقلال قطر، فهو عام 1913، مع عقد الاتفاق الأنجلو ـ عثماني. فقد كان ذلك الاتفاق، واقعياً، لا يؤكد سلطة القطريين، إلا على الدوحة ومحيطها، وكذلك محيط الزُّبارة؛ ولا يشمل حُوار أبداً.
ومهما يكن من أمر، فإن انتهاء القضية على هذا النحو، وحسمها سلمياً، يشكلان انتصاراً للمصالح الثنائية، من جهة، وإنجازاً اجماعياً لمجلس التعاون الخليجي، وتماسكه واستقراره، في مرحلة حرجة من تاريخ المنطقة، من جهة أخرى.
فالبحرين تشهد تطورات سياسة، في أعقاب التصويت على ميثاق العمل الوطني، وتتطلب دعم النمو الاقتصادي، لتوفير العمل لآلاف البحرينيين الباحثين عنه، أو الذين سيلجون سوق العمل، في السنين القليلة المقبلة. ومن المتوقع، أن تفتح قطر لهم مجالات عمل واسعة، للاستفادة من خبرتهم وتأهيلهم.
ويستطيع مجلس التعاون، الآن، المضي قدماً في تطوير آلياته وتحديثها؛ والاقتراب من شعوب المنطقة وهمومها؛ والعمل على تحويل المنظومة الخليجية إلى مشروع تكاملي ناجح، بين دول المجلس، لتكون سنداً للأمة العربية، على قضاياها المصيرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق