قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الأربعاء، 28 ديسمبر 2011

الحرب المتوارية


الحرب المتوارية
بقلم‮ : ‬ د‮. ‬فوزي فهمي
لا شك أن الانسان يوجد بقدر ما يتذكر ويعرف لكن هناك أطروحة‮ ‬تري إمكانية التلاعب بالذاكرة،‮ ‬لإزاحة ذلك الوجود وتعطيله بأن تنتزع ذاكرة لشخص رجل عالم،‮ ‬ويجري نقلها من جسده الي جسد شخص يعمل حفاراً‮ ‬للقبور‮.. ‬إن المعضلة هنا في ذلك التناقض بين ذاكرة الرجل العالم،‮ ‬الذي تبدي حاملاً‮ ‬لجسد حفار قبور بوصفه قد أصبح جسده وأداته،‮ ‬التي لا تتوحد مع عقل العالم،‮ ‬وكيانه،‮ ‬وذاكرته،‮ ‬وعندئذ تتجلي إشكالية التوفيق بينهما‮.. ‬إن جسد حفار القبور نظراً‮ ‬الي انغلاق تجربته،‮ ‬وافتقار مكتسباته العلمية وحصيلة مهاراته وقطيعته المعرفية مع كل ما لدي ذاكرة الرجل العالم،‮ ‬سوف يطيح بمعادلات التوازن بين العقل والجسد،‮ ‬فيعوق إشراق تطلعات أداء ذلك الرجل العالم وممارساته ويجهضها‮.. ‬إن مغزي هذا الافتراض يكمن في دلالة تجسيد مأزق التناقض ودوام استمراره،‮ ‬بالنسبة الي شخص واحد،‮ ‬وذلك بكسر علاقة التوازن بين عقل يتسم باقتداره علي اكتشاف مسافات المعني في تعامله مع وجوده،‮ ‬وبين جسد مغاير،‮ ‬ممانع،‮ ‬لا ينفتح علي ذلك الاقتدار،‮ ‬ويصبح حاجزاً‮ ‬أمامه،‮ ‬وفي ظل ذلك التناقض يغدو كل شئ اعتباطياً،‮ ‬وتتبدي استحالة تصور أي شئ بوضوح تري كيف تكون الحال لو جري افتعال هذا التلاعب من جانب قوي خارجية،‮ ‬وفرضه علي مجتمع ما بأن يعمم عليه هذا التناقض بحيث يتحول المجتمع نفسه الي عقبة ضد نفسه؟‮.. ‬اللافت للنظر أن هذا التلاعب قد يكون افتراضاً‮ ‬قابلاً‮ ‬للإدراك علي مستوي التخيل فقط،‮ ‬ويغدو إشكالاً‮ ‬يستعصي علي الإدراك وجوداً‮ ‬ملموساً،‮ ‬لكنه علي الحقيقة قد أصبح محض صناعة،‮ ‬وسلعة متداولة لمن يدفع الثمن بل تحول هذا التلاعب الي سلاح من أسلحة الحرب‮ ‬غير المعلنة،‮ ‬وإن لم يرد ذكر سلاح التلاعب ضمن مجموعة الأسلحة التي يتضمنها الكتاب السنوي الضخم الذي يصدره المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن،‮ ‬بعنوان التوازن العسكري،‮ ‬إذ يطرح الكتاب كل عام بيانات اقتصادية،‮ ‬وسكانية،‮ ‬وعسكرية،‮ ‬مصحوبة بتقييم موثق لحصاد الانفاق العسكري لمائة وسبعين دولة علي مستوي العالم،‮ ‬ويورد بيانات مفصلة لما يجسده هذا الانفاق لكل بلد،‮ ‬من ممتلكات عسكرية ومعدات،‮ ‬وأسلحة،‮ ‬وذخائر،‮ ‬وأنواعها،‮ ‬وعددها،‮ ‬العامل منها والمخزون،‮ ‬جواً،‮ ‬وبحراً،‮ ‬وأرضاً،‮ ‬وكذلك حصراً‮ ‬بعدد التشكيلات البشرية ووحداتها تري ما سر إحجام تلك المؤسسة المختصة عن إدراج هذا السلاح في قوائمها؟
صحيح أن سلاح التلاعب يتخذ من آليات الحجب،‮ ‬والتضليل،‮ ‬والتعمية،‮ ‬أسلوباً‮ ‬خافياً‮ ‬لممارسة حرب متوارية،‮ ‬غير معلنة ضد مجتمع ما،‮ ‬من جانب قوي مناهضة له،‮ ‬وصحيح أيضاً‮ ‬أن هذه الحرب تستهدف مثل أية حرب تقويض سلطة الدولة علي موقعها الجغرافي ومجتمعها،‮ ‬لكن الصحيح كذلك أنها تختلف عن الحروب التقليدية المعلنة،‮ ‬ليس في أسلوبها،‮ ‬بل أيضاً‮ ‬في أدواتها،‮ ‬إذ لا تستخدم قوات عسكرية تقليدية بتشكيلاتها ووحداتها،‮ ‬أو ترسانة أسلحتها المملوكة لدولة ما،‮ ‬التي يوردها حصراً‮ ‬المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في كتابه السنوي،‮ ‬إذ تستأجر القوي المناهضة بعض الشركات العسكرية الخاصة التي يوكل إليها تنفيذ خطة تفكيك الكيان الاجتماعي،‮ ‬حيث أيضاً‮ ‬تستأجر تلك الشركات مرتزقة يؤدون‮ - ‬وفقا لخطة التلاعب‮ - ‬دور الجسد العازل،‮ ‬المانع،‮ ‬والمضلل لإشراقات فطنة العقل بتذكره الحافل وإدراكاته،‮ ‬وذلك في ضوء ممارساتهم المناقضة لحقائق الواقع،‮ ‬تكريساً‮ ‬للنهب،‮ ‬والعنف،‮ ‬والقتل،‮ ‬والفوضي بحدودها القصوي،‮ ‬اجتراء علي القوانين كافة،‮ ‬عبر امتداد جغرافي شرطه الوحيد الانفلات من كل القيم والمفاهيم العامة،‮ ‬فيتوالد التناقض والريبة لدي الجميع،‮ ‬ويحترب الكل ضد الكل،‮ ‬عندئذ يهزم المجتمع بنفسه وجوده،‮ ‬إذ إن تكلفه الانفلات تدفعها الأرواح والحريات،‮ ‬وتدفعها أيضاً‮ ‬البنية المؤسسية للدولة التي تجسدها مؤسساتها الدائمة في المجالات العامة،‮ ‬لكن رهان فعالية هذه الحرب‮ ‬غير المعلنة،‮ ‬أن يحكمها اتساق زمني لفرصة مواتية،‮ ‬كأن تكون الأوضاع العامة لذلك المجتمع خاضعة لتحولات استثنائية أساسية معقدة،‮ ‬تستقطب سائر المجتمع،‮ ‬حتي تتبدي صدمة طوفان تلك الممارسات بوصفها خارجة من رحم تلك التحولات إخفاء للفاعل المستتر صحيح أنه في ظل الرعب المفرط لا يغدو الانفلات موضوع فهم عقلاني،‮ ‬لكن الصحيح كذلك أن الأمر يكون أشد تعقيداً‮ ‬عندما يكون العقل بطاقة تذكره مشلولاً‮ ‬بحاجز عازل يمنع تواصله،‮ ‬متجلياً‮ ‬في تلك الكائنات المتوحشة التي تمارس الرعب الصارخ،‮ ‬وتنشر موجات الضباب في المجال العام بالاختراق والتعمية،‮ ‬وتبث ادعاءات ومزاعم،‮ ‬وتشيع استيهامات وهواجس،‮ ‬وتقذف بانطباعات وانفعالات تحجب الفاعل الحقيقي‮.‬
إن الاختراق في الظلام هو عالم سادة كارتيلات الجريمة المنظمة،‮ ‬من يرتدون الأقنعة،‮ ‬توارياً‮ ‬عن الظهور في الضوء،‮ ‬يريدون المجازر،‮ ‬وينشرون الرعب،‮ ‬لذا لم يورد المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في قائمته سلاح التلاعب السري،‮ ‬وذلك بوصف الحروب المتوارية لتلك القوي،‮ ‬محض نشاط للجريمة المنظمة‮ ‬غير المشروعة،‮ ‬التي تهدد في الخفاء حريات الشعوب وحقوقها ونظامها الاجتماعي‮.‬
هل مازال السؤال مطروحا من هؤلاء الذين‮ ‬يدمرون ويحرقون‮ ‬ويقتلون ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق