التهديد القومي والانقسام الطائفي في البحرين
سميرة رجب
الاختلاف بين الإصلاح والثورة ينحصر في عامل رئيسي، هو ان الإصلاح يتم بالتوافق بين كل عناصر الشعب والحكم بناء على مبدأ التغيير التدريجي مما يحافظ على الأمن والسلم الاجتماعي، والثورة تتم بالتغيير الانقلابي المفاجئ وفرض إرادة طرف واحد على المجتمع بأكمله بفعل القوة وتغيير معادلة الحقوق وإثارة الفوضى مما يهدد الأمن والسلم الاجتماعي.
وقد أثبت تاريخ الثورات (العربية وغير العربية) في الشرق الأوسط، على مدار القرن العشرين، أنها لم تحقق العدالة ولم تملك مشروعاً اجتماعياً ناجحاً يوازي المشاريع الخارجية التي استهدفت هذه الثورات في بنيتها البشرية والسكانية والاقتصادية.. ولم تُستثن أي ثورة في المنطقة من هذا الخلل وهذه التهديدات، رغم ان الثورات العربية بالذات كانت أكثر استهدافاً طوال فترة حكمها، الممتدة عقودا طويلة، حتى باتت الجبهة الداخلية العربية ذات هشاشة بالغة وسهلة الاختراق..
وقد ثبتت صحة هذا الرأي في الحركات الجديدة التي استهدفت التغيير الانقلابي في المنطقة منذ بداية عام 2011، إذ بينما كانت الحكومات الثورية ذات الوضع السياسي والاجتماعي والمعيشي المتردي في تونس ومصر تواجه مطالب التغيير، كانت البحرين، التي تسير في مشروع إصلاحي ديمقراطي حقيقي منذ عشر سنوات، تتجه نحو الانقسام ورفض التغيير الانقلابي الذي كان يحاول فرض حلول طائفية على الشعب بالقوة والعنف..
نعم ما أفشل ذلك المشروع الانقلابي في البحرين هو انه كان طائفياً بامتياز، ويحمل بين طياته كماً كبيراً من الحقد الطائفي التاريخي الذي صنعته قيادات المشروع، فلم يتمكن الانقلابيون من إخفاء الغضب والكراهية الطائفية التي ظهرت في شعاراتهم منذ اليوم الأول، وظهرت على أدائهم وسلوكهم طوال فترة الأحداث ضد الطائفة الأخرى.. هذه الطائفة التي مازالت تعيش هول الصدمة مما شاهدت من ممارسات لا يمكن تبريرها بأي مطلب حقوقي أو سياسي أو ديمقراطي، فاستُهدفت أرواحهم وأعراضهم طائفياً، وكانت بيوتهم تحت المرمى بعد أن حددها الانقلابيون بإشارات خاصة لتصبح هدفاً للانتقام بعد نجاح «انقلابهم».. وفي حركة تهديدية مباشرة دخلت مجاميع من السيارات والأفراد مناطقهم الآمنة ملوحين بالسيوف والسكاكين في حركة تهديدية مباشرة مع رفع شعارات التهديد والوعيد الطائفي، حتى خرج أبناء تلك المناطق والطائفة لحماية أمنهم وأعراضهم.
لربما لم يتمكن الشعب البحريني من توثيق تلك الأحداث أمام لجنة تقصي الحقائق لاسباب نعرفها جميعاً، ولكن ما حدث تلك الايام لم يكن فيلماً افتراضياً بل معاناة حقيقية مازال الكبار والأطفال والنساء والرجال والشباب يحملونها في ذاكرتهم، ويتحدثون عنها في كل حوار يستهدف ترميم الحالة الاجتماعية الصعبة التي نعيشها.. والسؤال المطروح دائما هو كيف نتعايش مع من يحاول قتلنا والتخلص منا، ويربي أبناءه على كراهيتنا؟!.. وهذا السؤال نضعه أمام من يكتب كل يوم في صحيفته مقالات تحاول إنكار الحالة الطائفية التي خلقتها أحداث فبراير -مارس 2011، ونتمنى منه جواباً مقنعاً يصدّقه أبناء شعبه، وليس تدليساً وفبركة تستهدف إقناع الإدارات والمنظمات الأمريكية أو البريطانية لكسب التعاطف الخارجي مع حركته الطائفية البحتة، وهو الكاتب الذي يؤمن بتقسيم الأمة الى معسكرين وبمبدأ المظلومية والحقد المذهبي التاريخي.
لقد مارس الطائفيون الأكاذيب ضد البحرين منذ تسعينيات القرن الماضي، وكانت أكاذيبهم قوية ومتكررة حتى وقعوا في فخها فصدّقوا كذبهم.. نعم صدّقت «الوفاق الإسلامية» وأتباعها الكذب الذي هم صنعوه، فكان سبب الفشل الذريع الذي وقع فيه مشروعهم الانقلابي الطائفي.
لذلك كانت «المعارضة» تعتقد أنها تمتلك القوة الطائفية التي ما فتئت تروج لها كذباً وافتراء حتى صدّقت أنها تمثل الأغلبية بين سكان جزيرتنا الجميلة، تلك الأغلبية التي تصل في معظم ادعاءات «الوفاق الإسلامية» إلى 80% (وأحياناً 70%) من السكان، إلا أن هذا المعدل الكبير لم يحقق النصر التاريخي الذي وعدوا به أنفسهم وأوهموا به حلفاءهم في الخارج، فلم تتمكن المدعوة بـ «المعارضة» مع 80% من الشعب (بحسب ادعاءاتها) من تحقيق الانتصار والنجاح والانقلاب رغم خلو الشارع من كل قوى الأمن والجيش، فكان ذلك محل الكثير من التساؤل، بل الدهشة والتعجب؟!.. بل كان ذلك أكبر دليل لإثبات كذب أرقام الأغلبية والأقلية السكانية التي تستند لها «قوى المعارضة» الطائفية في البحرين؟!!، وكان كافياً لفضح أكاذيب الطائفيين؟!
أما الكذبة الأخرى التي لم، ولن تنطلي على المخلصين من الشعب البحريني فهي محاولات تبرئة تيار الإسلام السياسي الشيعي نفسه من الموالاة والتبعية لإيران، ونرى أن هذا التيار خسر هويته البحرينية العربية كما فقد مصداقيته، بعد كل ما عاشه شعبنا من شواهد حية للدور الإيراني في المشروع الانقلابي.
ونؤكد أنه إن كان هناك سبب لفشل المشروع الانقلابي الأخير في البحرين فإنه طائفي من جهة، والمد الوطني والقومي الذي خرج كالطوفان في مواجهة الحراك الطائفي الفارسي من جهة أخرى..
وما يحتاج إليه شعبنا اليوم هو مواجهة التهديد القومي والتقسيم الطائفي، وترميم تلك العلاقات المتسامحة التي كانت أساس التعايش والمحبة في مجتمعنا البحريني، وأساس العلاقات الجميلة التي عشناها ونتمنى أن يعيشها أبناؤنا وأجيالنا القادمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق