قناة الجزيرة … و ما يزال الانحدار مستمرا
- الناشر : بانوراما الشرق الاوسط
أحمد الحباسى تونس
في احدث استطلاع قامت به شركة أمريكية متخصصة في شؤون القنوات الفضائية كشفت دراسة مسحية عن تراجع كبير في نسب مشاهدة قناة الجزيرة من 43 مليون مشاهد في اليوم إلى 6 ملايين مشاهد و عزت الشركة هذا التراجع المذهل إلى عاملين الأول يتمثل في اتساع هامش الحرية في دول الربيع العربي التي أصبح مشاهدوها يتابعون قنواتهم الخاصة و الثاني و هو الأهم إلى طريقة تغطية القناة للأحداث في سوريا حيث لم تنجح هذه المحطة القطرية في الفصل بين الأجندة السياسية و الخط النحر يرى للقناة التي تعتبر نفسها مستقلة و كان لافتا أن يتحدث هذا الاستبيان على أن القناة تعمد إلى انتقاء ضيوفها في نشرات الأخبار و برامج التحليل و الرأي بالتركيز على ضيوف يتماهون فقط مع خطها التحريري.
من المثير جدا أن نشير إلى أن هذا الاستبيان قد تم بطلب من القناة نفسها و بالتالي فلا يمكن نعته بالانحياز لجهة معينة أو الطعن فيه بعدم المصداقية و الافتقار للحرفية المهنية هذا من ناحية و من ناحية ثانية فان هذه الاستطلاع يؤكد للجميع أن هذه القناة قد بدأت تشعر بعد مرور أكثر من عامين على بداية الحراك الشعبي في البلدان العربية أنها مورطة و عليها شبهات أخلاقية و مهنية كثيرة دفعت المشاهدين إلى هجرها و عدم اعتمادها كمصدر للخبر .
من المؤسف و المحزن في نفس الوقت أن تتحول قناة الجزيرة التي كان الجميع ينتظر منها أن تكون بارقة أمل إعلامية في ظلام القنوات الرسمية العربية المنخرطة في التطبيل للأنظمة العربية و التعتيم على حالات القمع و الاستبداد و الممارسات الخارجة عن القانون إلى رهينة بأيادي الصهيونية العالمية و لأصحاب الكروش المترهلة في دولة قطر و إلى شوكة في خاصرة الأمة العربية تمارس التضليل و الفتنة المذهبية بكثير من الدهاء و النفاق و من المؤسف أن ينقلب الخط التحريري لهذا الدكان الإعلامي من النقيض إلى النقيض بحيث أصبحت الجمهورية العربية السورية و حزب الله و إيران فجأة و بلا مقدمات من رموز مقاومة إلى رموز معادية و أصبح لسان القناة ينطق بلكنة صهيونية مشبوهة مرددا بالليل و النهار أطروحات و أفكارا غريبة بحيث اكتشفت القناة فجأة أيضا ديكتاتورية القذافى و عمالة الرئيس المصري السابق مع أن هذه القناة قد فوتت فرصة استضافة العقيد لمدة ساعتين في حوار لم تتجرأ فيه على مجرد ملامسة أي طرح أو فكرة أو انتقاد توجهه للزعيم الليبي و مثل ذلك فعلت مع الرئيس اليمنى و مع الوضع في تونس لمدة سنوات .
لم نلاحظ على قناة الجزيرة منذ تاريخ وجودها أي مساندة للحراك الشعبي في دول الخليج أو أي متابعة لشؤون الحريات و الديمقراطية في المنطقة و أكتفت بمجرد تلميحات موجهة للنظام السعودي و الكويتي في بعض الفترات ولأسباب تخص العلاقات المتوترة بين أمير التوسل القطري و قيادة النظامين المذكورين بل كان تغاضيها المفرط عن القتل و الفساد و انتهاكات حقوق الإنسان و غير ذلك من الخروق الإنسانية في دويلات الخليج ملحوظا و مثيرا للاهتمام العربي و محطة هامة توقف عندها كل الملاحظين.
لم تتحدث الجزيرة تماما عن قطر هذه الضيعة الأمريكية و استضافتها القاعدة العسكرية الأمريكية لاحتلال العراق وفرض الوصاية الأمريكية على المنطقة و لم تنل العلاقات القطرية الصهيونية أي مساحة في برامج الحوار المخصصة فقط للهجوم اللاذع على الأقطار العربية و لم يقدم لنا السادة عزمي بشارة و يوسف القرضاوى و فيصل القاسم و محمد كريشان وبقية القائمين على فرقة التوجيه المعنوي في القناة أي حوار يتناول أسباب و تأثير و نتائج العلاقة القطرية الصهيونية و كان لافتا أن تمتنع القناة امتناعا كليا مشبوها عن مناقشة مسألة تواجد القوات السعودية لقمع المتظاهرين السلميين في البحرين و عن مناقشة مسألة مساندة هذا النظام لأنظمة الحكم في تونس و مصر و اليمن و ليبيا في تناقض تام مع موقفها الحالي من الحراك و النظام السوري.
بصرف النظر عن طبيعة النظام العراقي السابق فقد كانت القناة أحد العناصر المهمة في ” النشاط ” الإعلامي الذي اعتمدتها قوات التحالف لمعرفة كثير من الأسرار العراقية و بصرف النظر عن طبيعة الأنظمة في دول ما يسمى بالربيع العربي فقد وضعت علامات استفهام كثيرة حول طبيعة الدور الحقيقي الذي لعبته القناة في الثورات العربية و مدى مطابقة هذا الدور مع المشروع الصهيوني الرامي إلى تفتيت المنطقة و نشر الفوضى العامة فيها أو ما يسمى نفاقا بالفوضى الخلاقة و بمشروع الشرق الأوسط الكبير و بصرف النظر عن موقف الأغلبية من الفكر السلفي المتطرف فقد ساهمت الجزيرة في نشر هذه “الثقافة” الإرهابية و جندت شيوخ الردة الدينية لإضفاء الشرعية على كل الأعمال الإجرامية التي تتم في سوريا و أخيرا في مالي واصفة إياها بتوصيف الجهاد ضد الكفار و لذلك نقول أن قناة الجزيرة قد وقفت في المكان الخطأ دائما مما أفقدها كثيرا من الصدقية و كشف عورتها المهنية.
يعلم الكثيرون أن مساحة دول قطر و على قلتها من أكثر مناطق العالم خطرا على الأمن القومي العربي و يعلم الكثيرون أن الولايات المتحدة الأمريكية قد أنشأت مركزا متقدما لوكالة الاستخبارات الأمريكية في قاعدة العيديد لمراقبة إيران و جمع المعلومات عن عمليات تهريب الأسلحة من السودان إلى مصر ثم إلى قطاع غزة و يكشف المتابعون أن كل عمليات القصف التى طالت السودان و أنفاق قطاع غزة و أخيرا القصف الصهيوني الذي طال ريف دمشق ( الموساد شريك عضوي في المعلومات مع المخابرات الأمريكية) قد تمت بفضل المعلومات المجمعة في هذه القاعدة.
تفقد أي قناة إعلامية مصداقيتها المهنية و الأخلاقية عندما لا تسلط الأضواء الكاشفة عما يحدث في محيطها الطبيعي و عندما تستمر أي قناة في تجاهل ما يحدث في الدولة التي تبث منها فان عديد التساؤلات تطرح حينها حول الأسباب الحقيقية الفعلية لهذا الموقف و بالمنطق فان مؤشر المصداقية المهنية الأخلاقية ينخفض بمجرد ارتفاع نسب التساؤلات بحيث يعاد التفكير في مدى تجاوب القناة مع المعايير المهنية التي تجعل منها قناة محترمة أو قناة لا تزيد عن قنوات النظام العربي الفاسد.
عندما تلعب قناة قطر دورا سلبيا في عديد القضايا العربية و تساهم مساهمة فعالة في إشعال الفتن و الخلافات الداخلية و تتدخل في شؤون الدول العربية لتدفع إلى القطيعة بينها و عندما لا تنظر القناة إلى نصف الكوب الملآن و تركز دائما على النصف الفارغ عمدا للإيحاء المقصود بفشل كل مشروع عربي فانه بعملية جمع و طرح بسيطة نتمكن من الانتباه إلى المقاصد الحقيقية من هذا التوجه الإعلامي لقناة تزعم العروبة في حين أنها تزايد على مواقف القنوات الصهيونية الغربية في التطرف و تنفيذ مشروع الفوضى الخلاقة الأمريكي الصهيوني .
لقد فوتت القناة القطرية فرصا عديدة لاستعادة دورها الإعلامي الأخلاقي المحض عن سابق قصد و عن وعى تام بحقيقة ما تريده من دور تحريضي إرباكي للوضع العربي الذي تشتغل عليه هذه القناة بتأثير من اللوبي الصهيوني و لقد فات المحطة أمر على قدر كبير من الأهمية يتمثل في أنه لا مكان في هذا الفضاء الإعلامي المفتوح لدكاكين البغاء الإعلامي بحيث تفقد مثل هذه المحطات مكانها عند المتلقي بمرور الوقت لتصبح مجرد مثال يضرب عند الحديث عن القنوات العربية المتآمرة.
عندما تفقد قناة قطر نسبة مشاهدة بهذا القدر المرعب الأنف الذكر في مدة لم تتجاوز السنتان منذ بداية الحراك الشعبي العربي ندرك حقيقتان واضحتان لا غبار عليهما أولها أن ما تزعمه هذه القناة من كونها المحرك و الدافع للثورات العربية هو محض خيال و زعم زائف مقرف ثانيها أن الشعوب العربية لها من الفطنة و الحدس ما يمكنها من الفرز و لفظ كل الأجسام المريضة التي تريد أنهاك الوطن العربي بزعم الوقوف مع مطالب الشعوب العربية.
قناة الجزيرة تنهار…تنهار..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق