القوميون العرب يعلنون من بيروت ''نداء صنعاء من أجل الوحدة العربية''
[22/فبراير/2013]
سبأ
بيروت – سبأنت:
أطلق المؤتمر القومي العربي اليوم في العاصمة اللبنانية بيروت "نداء صنعاء من أجل الوحدة العربية" والذي سبق وأن أقر في اجتماعات الدروة العادية للأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي التي عقدت بصنعاء يومي 26 و 27 يناير الماضي على ان يطلق من بيروت بالتزامن مع الذكرى الـ55 لإعلان الوحدة بين مصر وسوريا وقيام الجمهورية العربية المتحدة .
وقد أعلن النداء في مؤتمر صحفي عقده الأمين العام للمؤتمر القومي العربي عبد الملك المخلافي في مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت بحضور الأمينين العامين السابقين للمؤتمر وأعضاء الأمانة العامة للمؤتمر.
وخلال المؤتمر الصحفي الذي استهله رئيس مجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية الدكتور/ خير الدين حسيب بكلمة أشاد فيها بهذا النداء وتحدث عن أهمية المشاريع الوحدوية العربية .. أوضح الأمين العام للمؤتمر القومي العربي, الهدف من إطلاق القوميين العرب لهذا النداء من اجل النضال في سبيل الوحدة العربية، وهو الهدف والمتكامل مع أهداف المشروع القومي النهضوي الأخرى في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية المستقلّة والاستقلال الوطني والقومي والتجدّد الحضاري.
وقال المخلافي :" وإذا كانت الأمّة كلها تواجه في هذه المرحلة من تاريخها مشاريع تفتيت وتقسيم ليس على مستوى العلاقة بين أقطارها، ولكن داخل أقطارها، فإننا ومن منطلق أن الوحدة العربية هي ضمانة الوحدة الوطنية، كما أن الوحدة الوطنية هي الطريق إلى الوحدة العربية ارتأينا في اجتماع الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي الذي انعقد في صنعاء بتاريخ 26 و 27 كانون الثاني/يناير الماضي، وبعد عامين على الثورة اليمنية الشعبية السلمية المجيدة، أن نطلق في الذكرى (55) لميلاد الجمهورية العربية المتحدة، ومن مركز دراسات الوحدة العربية، في بيروت، عاصمة الحرية والمقاومة والعروبة الحضارية المتنورة، "نداء صنعاء من أجل الوحدة العربية" ليكون دعوة للأمّة من أجل السير على طريق الوحدة، كما يكون دعماً لوحدة يمنية في نظام ديمقراطي يتساوى فيه أبناء اليمن جميعاً، وتسقط منه كل مظاهر التهميش والإقصاء والتمييز".
وأضاف:" إن العلاقة بين اليمن والوحدة لم تكن كعلاقة باقي الأقطار بها، فالوحدويون العرب يذكرون أن ثورة 26 سبتمبر 1962، كانت ثأراً من الانفصال المشؤوم، الذي وقع قبل عام، ومن القوى التي تآمرت على الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا".
واستطرد الأمين العام للمؤتمر القومي العربي قائلا:" وبعد ثلاثين عاماً، وحين بدا، كأن حلم الوحدة مستحيل التحقيق بزغ في اليمن في 22 أيار/مايو، فجر الوحدة اليمنية التي ما زالت حتى الساعة تواجه تحديات كبيرة من الداخل والخارج".
وفيما يلي نص "نداء صنعاء من أجل الوحدة العربية":
مقدّمة
من الحقائق الكبّرى في حياتنا العربية المعاصرة، أنه فيما تتجه قارات ودول باعدت بينها صراعات دامية، وحروب عالمية، وتعدّدت فيها لغات وثقافات وحضارات، إلى التكتل والتكامل والوحدة، نجد أن أقطار أمتنا العربية الموحّدة في لغتها وثقافتها وعقيدتها وحضاراتها ومصالحها، تتجه نحو المزيد من التجّزئة والانقسام والتفتيت والصراعات الأهلية المدمّرة.
ومن الحقائق الكبرى أيضاً، أنه فيما تشتدّ الحاجة إلى توحيد أمّتنا لمواجهة مختلف أنواع التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية، تتزايد نزعات الفرقة والتناحر والانفصال بما يخّدم مخططات أعدائنا ومصالحهم.
ومن الحقائق الكبرى كذلك، أنه فيما تذهب معظم ثروات الأمّة ومواردها الطبيعية إلى خارج الأمّة، يعيش معظم أبناء الأمّة في فقر مدقع، وبطالة متزايدة، وهجرة متنامية، وتخلّف مستدام.
ومن الحقائق الكبرى أيضاً وأيضاً، أنه فيما تنكشف أزمات الكيانات الوطنية والدول القطرية العاجزة عن صون الأمن الوطني والقومي، وتحقيق التنمية المستقلّة والمستدامة، والتخلص من الفساد والاستبداد، تزداد المسافة بين واقع هذه الدول المتردي والمتشظي وبين حركة العمل الوحدوي الجامع المؤهّل لمواجهة كل هذه الأزمات.
ومن الحقائق الكبرى واللافتة، أنه فيما تتجلّى الوحدة الشاملة في كلّ جوانب الحراك الشعبي العربي من أجل التغيير، وفي وحّدة شعاراته وآليات نضاله مؤكّدة على الطابع الجامع لأبناء الأمّة وأقطارها ومجتمعاتها المتطلعة إلى الحرية والكرامة والعدل الاجتماعي، نجد أن مخططات القوى المعادية للأمّة لتشويه هذا الحراك وإبعاده عن مساره الوحدوي تتصاعد في كل اتجاه، ونرى عجزاً لدى معظم القوى الثورية عن ترجمة وحدة الحراك الشعبي العربي إلى آليات تحقّق وحدة الأمّة ذاتها، وحدة الصف، وحدة الهدف، وحدة العمل، ووحدة الهوية الثقافية والحضارية، ووحدة الدفاع والأمن، ووحدة الاقتصاد المتكامل، ووحدة النضال في سبيل استعادة الحقوق المسلوبة وتحرير الأرض المحتلّة، لاسيّما في فلسطين.
إزاء هذه المفارقات الخطيرة، وتداعياتها الأكثر خطورة، وجدّنا في المؤتمر القومي العربي، (الذي سعى منذ تأسيسه عام 1990، كإطار عربي جامع للحوار والتلاقي بين مختلف تيارات الأمّة الملتزمة بمشروع نهوضها الحضاري)، الحاجة إلى إطلاق الدعوة مجدّداً إلى النضال في سبيل الوحدة العربية، وهو الهدف والمتكامل مع أهداف مشروعنا النهضوي الأخرى في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية المستقلّة والاستقلال الوطني والقومي والتجدّد الحضاري، وعلى قاعدة أن أي خطوة على طريق تحقيق أي من هذه الأهداف هو خطوة على طريق تحقيق الأهداف كلها دون مقايضة هدف على حساب هدف آخر، أو استبدال هدف منها بهدف آخر.
أولاً: مبادئ العمل الوحدوي العربي
إن تجديد النضال الوحدوي اليوم يلتزم بجمّلة مبادئ ويرتهن لجمّلة آليات:
أول المبادئ: هو أن الوحدة العربية هي ضمانة الوحدة الوطنية، تماماً مثلما تحصين الوحدة الوطنية هي الطريق الأقصر لتحقيق الوحدة القومية، بل أن العروبة كما نفهمها هي تكامل وطنيات مثلما أن الرابطة الوطنية والمواطنة المتساوية هي القاعدة الصلّبة للرابطة القومية، ومن هنا فالردّ الأسلم والافعل على محاولات تجّزئة المجزّئ، وتقسيم المقسّم، يكّمن في السير خطوات على طريق الوحدة الأشمل.
وثاني المبادئ: إن الوحدة العربية لا تلغي ما دونها من وحدات، كما لا تلغي الحاجة إلى ما هو أكبر منها من وحدات، بل أن الوحدة العربية هي ضمانة قيام المشروع العربي المسّتقل القادر على التكامل مع مشاريع أمم الجوار التي تجمعنا بها روابط العقيدة والحضارة والمصير المشترك، وهو المشروع القادر على مواجهة مشاريع أعداء الأمّة الطامعين في خيراتها ومواردها والعاملين لتدمير هويتها الثقافية والحضارية، وفي مقدم هؤلاء قوى المشروع الصهيوني والاستعماري.
وثالث المبادئ: هو تكامل النضال من أجل الوحدة مع السعي الحثيث لإقامة تنمية عربية صحيحة ومتكاملة تستفيد من تكامل عناصر الإنتاج في الأمّة، من موارد بشرية وطبيعية ومالية، ومن فرص استثمار وافر، ومن سوق واسعة.
ورابع المبادئ: هو تكامل النضال الوحدوي العربي مع العمل الدؤوب لإقامة حياة ديمقراطية سليمة لا استئثار فيها ولا إقصاء، ولا تسلّط فيها ولا استفراد، حياة ديمقراطية لا تمييز فيها على أساس الدين أو اللون أو العرق أو المذهب أو الجنس، بل الجميع يتمتعون بحق المواطنة في وطن ليس فيه أقليات وإنما فيه مكونات تشكل أكثريتين أولهما عربية تضمّ العرب، مسلمين وغير مسلمين، وثانيهما إسلامية تضمّ المسلمين، عرباً وكرداً وأمازيغ وأفارقة وغيرهم، باعتبارهم جميعاً مساهمون في صنع الحضارة العربية الإسلامية على مدى قرون وقرون.
فالوحدة العربية، بما توفره من مساحات واسعة، وحجم وازن، وثروات وافرة، هي الأقّدر على إيجاد حلول لكافة الإشكالات التي تطرح أحياناً بين مكونات الأمّة المتساكنة في وطن واحد، بل تمنح كل المكوّن القدرة الأكبر على تجاوز التوتر في علاقاته بالمكونات الأخرى، وعلى بناء تفاهمات رحبة في ضوء القيم والمبادئ الإنسانية والديمقراطية واحترام الخصوصيات والحقوق.
وخامس المبادئ: هو تكامل النضال من أجل الوحدة العربية مع النضال من أجل الاستقلال الوطني للأقطار مع الاستقلال القومي للأمّة، فالتجّزئة هي صنيعة الاستعمار، والوحدة هي صانعة القوة لمواجهة كل محتلّ أو غاصب أو ناهب لخيرات الأمّة وساع لسلب إرادتها.
وإذا كانت الوحدة بالضرورة هي الطريق إلى تحرير فلسطين وكل أرض محتلة أو مغتصبة، فإن تحرير فلسطين والأراضي العربية السليبة أو المحتلة هو السبيل لوحّدة الأمّة وتجاوز كل التناقضات الفرعية.
وسادس المبادئ: هو تكامل النضال من أجل الوحدة العربية مع النضال من أجل عدالة اجتماعية تعيد قسمة الثروة والدخل، قسمة عادلة بين أبناء الأمّة، كما بين أقطارها، فلا فقراء في كيان كبير وغني ككيان الوحدة، ولا أغنياء يحتكرون ثروة الأمّة وجهد كادحيها ويبددونه هدراً وترفاً وفساداً وإفساداً، فالوحدة أسلم الطرق إلى مجتمع الكفاية والعدل.
وسابع المبادئ: هو تكامل نضال الأمّة من أجل الوحدة مع تجدّد الأمّة الحضاري، فالوحدة التي تحقق التواصل بين أبناء الأمّة وأقطارها تستطيع أن تحقّق التواصل بين ماضي الأمّة التليد، وحاضرها الأليم، ومستقبلها المضيء، فتعيد للأمّة قدرتها على حمل الرسالة التاريخية الخالدة التي انطلقت من أرضها المباركة، وحملها رسولها الأكرم عليه الصلاة والسلام وصحبه الأوائل، بل وتحصن هذه الرسالة من كل غلو أو تعصّب أو تزمّت أو تشويه أو مجافاة لروح العصر، بل من كلّ محاولة لاستخدامها لذرّ الفرقة بين أبناء الأمّة وإشاعة الانقسام بين صفوفها.
وثامن المبادئ: إن الوحدة العربية ليست شكلاً دستورياً محدّداً بقدر ما هي وجهة نسير وفقها، واتجاه يحكم مسارنا ونضالنا، فالصيغ الدستورية للوحدة فدرالية كانت أمّ كونفدرالية أمّ تكاملية أمر يقرره أبناء الأقطار العربية على قاعدة احترام خصوصيات الكيانات ومكوناتها، فلا قهر في الوحدة العربية، ولا وصاية ولا هيمنة قطر على آخر، أو مكوّن اجتماعي أو ثقافي على مكوّن آخر.
وإذا كان المشروع النهضوي العربي الذي تأسس المؤتمر وفق الالتزام به، دعا إلى صيغة الدولة القومية الاتحادية، فإن "قوة الوحدة تقوم من إجماع الكيانات العربية القائمة على مؤسسات اتحادية مشتركة وتراضيها، تنتقل إليها السلطة الجامعة مع استمرار سلطاتها المحلية، وفي الأحوال كافة، لا بدّ أن يكون الإطار الاتحادي القومي محلّ تراضٍ وتوافق بين الكيانات القومية العربية كافة".
وتاسع المبادئ: إن وجود الأمة هي الحقيقة الكبرى، أما التوترات والصراعات والانقسامات على مستوى الحكومات والأنظمة فهي أمور طارئة وعابرة لن تصمد طويلاً أمام حركة الأمّة الصاعدة.
أمام هذا الأمر لا بدّ من العمل بشتّى الوسائل من أجل تحييد العلاقات الشعبية والإنسانية والثقافية والاقتصادية والاستراتيجية بين أبناء الأمّة عن صراعات الحكام السياسية، ولا يجوز لهذه الصراعات أن تتسبب بأضرار تلحق بحياة المواطنين اليومية من جراء عقوبات اقتصادية أو حصار حياتي.
ثانياً: آليات العمل الوحدوي
1 – إن الوصول إلى تحقيق الوحدة العربية أحد وسائله، عملية متدرّجة طويلة الأمدّ يجري إنجازها خطوة خطوة عن طريق النضال والدعوة المثابرة على مستوى الأمة لإعلاء شأن الوحدة وضرورتها، والتواصل بين أقطار الأمّة وتياراتها وأجيالها، والتكامل بين مقدّراتها وإمكاناتها، والتراكم في الجهود المبذولة من أجلها.
2 – إن كافة المداخل إلى الوحدة ممكنة، اقتصادية كانت أمّ سياسية، أمّ أمنية، أمّ ثقافية، أمّ تربوية، بحسب ما تفرضه الظروف والتطورات وديناميات العلاقات العربية، ولكنّها هذه المداخل كلها تحتاج إلى مدخل تعاوني عربي يؤسس للترابط بين البنى العربية المختلفة ويطلق ديناميات التفاعل التراكمي والتكاملي بينها.
3 – إن الوحدة هدف لمعظم قوى الأمّة الحيّة وتياراتها الرئيسة، كما هي مصلحة لمعظم طبقات الأمّة المنتجة، وبالتالي فكل هذه القوى مدّعوة إلى النهوض بعبء النضال من أجل تحقيق هذا الهدف، وليس لفريق دون آخر الحقّ في احتكار هدف الوحدة أو استبعاد غيره تحت أي عنوان سياسي أو أيديولوجي.
وإذا كانت الطبقات الاجتماعية في الأمّة بمعظمها صاحبة مصلحة في الوحدة، فإن للطبقات الكادحة والأكثر فقراً مصلحة أكيد في قيام كيان اقتصادي كبير يحرّرها من ربق العوز والفقر والبطالة، وبالتالي فإن عليها، كما على الطبقة الوسطى، الاعتماد في النضال من أجل الوحدة، كما من أجل كل أهداف المشروع النهضوي العربي الأخرى.
4 – إن تحقيق الوحدة العربية مهمّة بالغة التعقيد، وأبرزها حلّ المعضلات الموضوعية والذاتية التي تواجه النضال من أجل الوحدة، معضلة التباين في درجة التطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بين الأقطار العربية، ومعضلة عدم التوازن في القدرات والإمكانيات بين أطراف عربية كبرى، وأطراف عربية صغرى، ومعضلة الخلاف بين الفصائل القومية وتشرّذمها، ومعضلة التدخل الخارجي والإملاءات الأجنبية المعيقة باستمرار لمشروع التوحيد العربي، بل التآمر عليها كما رأينا في تجربة الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا (1958 – 1961) والعديد من تجارب ومحاولات وحدوية قديمة ومعاصرة مع التأكيد دوماً على أن الإدارة الوحدوية والتوجه الوحدوي يشكلان الأساس في مواجهة معضلات الوحدة وتعقيداتها.
5 – إن تحقيق الوحدة العربية يتطلب كذلك أعلى درجات التمسك بالوحدة الوطنية لكل قطر، لا باعتبارها خطوة على طريق الوحدة العربية، بل لأن تقسيم الكيانات القائمة وانفصال أجزاء منها هو تعزيز لمنطق التجزئة وتزويده بذرائع تمكنه من أن يصبح المنطق السائد في المنطقة حيث لا يقود التفتيت إلاّ إلى المزيد من التفتيت، بينما لا تقود الوحدة إلاّ إلى المزيد من الوحدة.
6 – إن الاتحاد الفدرالي العربي، وهو الصيغة المعتمدة في المشروع النهضوي العربي، لا يشّترط انضمام جميع الأقطار العربية ابتداء، بل يمكن أن يبدأ من اتحاد بعضها ممن أبدى جهوزيته للاتحاد أو توافرت فيه شروطه، بحيث يصبح لقوة المجموعة النواة، ونجاح تجربتها الوحدوية ما يمكنها من إقناع القوى الجديدة الراغبة في الانضمام إليها بتلبية المتطلبات السياسية والاقتصادية.
7 – إن مشروع توحيد الأمّة ممتنع عن التحقق دون أن يتوسّل بالوسائل الشعبية والديمقراطية نهجاً لتحققه، كما أن كل الأهداف النهضوية الأخرى ممتنعة عن التحقق، بل مستحيلة دون توحيد قومي.
في ضوء جملة المبادئ الفكرية والتوجهات العملية، يدعو المؤتمر القومي العربي إلى استراتيجية مرحلية على طريق الوحدة العربية تقوم على الأفكار التالية:
أ. متابعة تنفيذ كل قرارات العمل العربي المشترك، وقد تجاوز عددها الآلاف، الصادرة عن القمم العربية وجامعة الدول العربية أو المنظمات العربية المخّتصة، والتي لو تمّ تطبيق البعض القليل منها لدخلت أمّتنا مرحلة نوعية جديدة على طريق وحدتها وتنميتها واقتصادها وأمنها وثقافتها وأنظمتها التربوية والاجتماعية.
وفي هذا الإطار ندعو إلى تشكيل مرصد للعمل العربي المشترك مهمته متابعة تنفيذ قرارات العمل العربي المشترك، ومساءلة كل مسؤول عن التقصير في تنفيذها.
ب. بذل جهود إضافية من أجل أحياء معاهدة الدفاع العربي المشترك التي جرى التخلي عنها التواطؤ عليها معظم الأحيان، خلال الحروب واعتداءات وأزمات كبرى مرّت بها المنطقة.
ج. تنظيم استراتيجية عمل شعبية للضغط على الأنظمة العربية من أجل إقامة منطقة عربية حرّة للتجارة تفسح المجال أمام قيام السوق العربية المشتركة التي جرى إقرارها قبل ستين عاماً كقاعدة لتكامل اقتصادي عربي شامل بكل آلياته ومتطلباته، لاسيّما لجهة إلغاء كل المعوقات التي تحول دون انتقال الأشخاص والسلع والأموال بين الأقطار العربية بما فيها إلغاء تأشيرات الدخول بين الأقطار العربية.
د. السعي مع الهيئات المعنية، لاسيّما غرف التجارة والصناعة والزراعة والسياحة العربية، لإطلاق مشروعات استثمار عربية مشتركة في مختلف أقطار الأمّة تستفيد من الطاقات والموارد المتاحة، وتنظيم عملية تكامل الإمكانات العربية من خلال:
(1) تشبيك شبكات الطاقة بين كافة الأقطار.
(2) تشبيك قنوات وأنابيب المياه بين كافة الأقطار.
(3) تشبيك أنابيب النفط والغاز بين كافة الأقطار.
(4) خطوط المواصلات السلكية واللاسلكية.
(5) إنشاء اسطول عربي لنقل البضائع العربية.
(6) توحيد خطوط الطيران العربية وسائر وسائل النقل البرّية
(7) السعي مع المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم إلى تعزيز وحّدة المناهج التربوية العربية، وتعزيز دور الثقافة العربية والدفاع عن اللغة العربية، بكل تجلياتها، في حياة الأمّة.
(8) السعي لتأسيس وكالة عربية للطاقة النووية للأغراض السلمية، كما السعي لتفعيل حركة عالمية لنزع أسلحة الدمار الشامل.
ثالثاً: على الصعيد الشعبي
1 – تعّزيز دور المنظمات والاتحادات والمؤتمرات الشعبية والنقابية والمهنية العربية باعتبارها إحدى تجليات وحّدة الأمّة على الصعيد الشعبي.
2 – التأكيد على فكرة قيام كتلة تاريخية بين تيارات الأمّة الكبرى (قومية، إسلامية، يسارية، ليبرالية، وطنية)، والعمل الجاد على تجاوز كل المعوقات التي تواجه بناء هذه الكتلة وعدم الانجرار إلى صراعات تبدّد ما تحقق من انجازات على طريقها.
3 – أخذ المبادرة في تشكيل "ملتقى للوحدة العربية" يضم كل الشخصيات والهيئات العاملة على المستوى القومي لوضع استراتيجية متكاملة للوحدة العربية على الصعيد الشعبي.
4 – تعزيز دور مراكز الدراسات والأبحاث ذات التوجه العربي والاعتماد عليها في المزيد من فهم الواقع العربي وفي تحديد سبل الخروج من التردي الراهن.
5 – الالتفاف الواسع حول حركة المقاومة في الأمّة، سواء في مقاومة احتلال الأرض أو احتلال الإرادة، ولا سيّما مقاومة الأمّة للعدو الصهيوني وسعيها لتحرير فلسطين، كما حول حركة مناهضة التطبيع مع العدو وحلفائه، وتفعيل كل القرارات المتّخذة بهذا الصدد على الصعيدين الرسمي والشعبي.
6 – إطلاق مبادرات شعبية عربية، ثقافية واجتماعية وتربوية وسياسية وشبابية، كمخيمات الشباب القومي العربي، تعزّز من تعارف أبناء الأمّة بعضهم إلى بعض، وتعريفهم بتاريخ الأمّة وجغرافيتها وطاقاتها وإمكاناتها، كما توحّد من صياغة مشتركة لرؤى وحدوية لمواجهة التحديات المفروضة على الأمّة.
7 – الاهتمام بالجانب التربوي لتعزيز ثقافة الوحدة بين الأجيال الجديدة، سواء عبر مناهج تربوية موحّدة أو متماثلة، أو عبر التوجه إلى الأطفال العرب بالوسائل الحديثة التي تعمّق ارتباطهم بأمتهم ووحدتها، وعبر حملة شعبية عربية شاملة لمكافحة الأميّة الواسعة على مستوى الأمّة.
8 – السعي بمختلف الوسائل لكي تلعب القوى الوحدوية في الأمّة دوراً في معالجة كل المشكلات الناجمة عن الفروق القائمة بين مكونات الأمّة المتعدّدة، واعتبار مقاومة مشاريع الفتنة العرقية والدينية والمذهبية والجهوية هدفاً رئيسياً من أهداف الأمّة.
إن أحداً لا يستطيع أن ينكر حجم الصراعات الأهلية الدموية المعلنة والكامنة في جسم الأمّة، ولكن أحداً لا يمكن له أن يجر تيار الوحدة في الأمّة إلى مواقع تعزّز هذه الانقسامات والصراعات.
إن الوحدويين في الأمّة هم جسور بين أبنائها ومكوّناتها وجماعاتها، وهم متاريس في وجه أعداء الأمّة، وثقافة الحوار باتت اليوم هي أحد تجليات ثقافة الوحدة.
9 – ربط حركة النضال من أجل الوحدة العربية بقضايا العصر، لاسيّما قضية حقوق المرأة، باعتبارها تشكّل نصف الأمّة، أو قضية البيئة العربية لتكاملها وارتباط مشكلاتها بأزمة البيئة على مستوى العالم كله.
رابعاً: آلية العمل
بما أن المبادرة مصدرها هيئة شعبية فمن الطبيعي والضروري إيجاد الآلية الشعبية المناسبة. نقترح في مشروع سكّة الحديد مثلا الذي هدفه ربط الأمة من المحيط إلى الخليج إنشاء أربع هيئات عليا شعبية قطرية في كل من دول الاتحاد المغربي (المغرب، موريتانيا، ليبيا، الجزائر، تونس)، دول وادي النيل (مصر، السودان، ايريتريا، جيبوتي، الصومال)، دول الجزيرة العربية (اليمن، عمان، المملكة السعودية، الإمارات، قطر، البحرين، والكويت)، دول بلاد الرافدين وبلاد الشام (لبنان، سورية، العراق، الأردن، فلسطين).
خاتمة
إننا إذ نضع هذا الإعلان بين أيدي أبناء الأمّة وقواها النهضوية والوحدوية، فإننا نرى فيه وفي أمثاله من مواثيق ونداءات وبيانات نصوصاً متكاملة على طريق ثقافة الوحدة العربية وآليات النضال من أجل وحّدة الأمّة ونهضتها. القوميون العرب يعلنون من بيروت "نداء صنعاء من أجل الوحدة العربية"
أطلق المؤتمر القومي العربي اليوم في العاصمة اللبنانية بيروت "نداء صنعاء من أجل الوحدة العربية" والذي سبق وأن أقر في اجتماعات الدروة العادية للأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي التي عقدت بصنعاء يومي 26 و 27 يناير الماضي على ان يطلق من بيروت بالتزامن مع الذكرى الـ55 لإعلان الوحدة بين مصر وسوريا وقيام الجمهورية العربية المتحدة .
وقد أعلن النداء في مؤتمر صحفي عقده الأمين العام للمؤتمر القومي العربي عبد الملك المخلافي في مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت بحضور الأمينين العامين السابقين للمؤتمر وأعضاء الأمانة العامة للمؤتمر.
وخلال المؤتمر الصحفي الذي استهله رئيس مجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية الدكتور/ خير الدين حسيب بكلمة أشاد فيها بهذا النداء وتحدث عن أهمية المشاريع الوحدوية العربية .. أوضح الأمين العام للمؤتمر القومي العربي, الهدف من إطلاق القوميين العرب لهذا النداء من اجل النضال في سبيل الوحدة العربية، وهو الهدف والمتكامل مع أهداف المشروع القومي النهضوي الأخرى في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية المستقلّة والاستقلال الوطني والقومي والتجدّد الحضاري.
وقال المخلافي :" وإذا كانت الأمّة كلها تواجه في هذه المرحلة من تاريخها مشاريع تفتيت وتقسيم ليس على مستوى العلاقة بين أقطارها، ولكن داخل أقطارها، فإننا ومن منطلق أن الوحدة العربية هي ضمانة الوحدة الوطنية، كما أن الوحدة الوطنية هي الطريق إلى الوحدة العربية ارتأينا في اجتماع الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي الذي انعقد في صنعاء بتاريخ 26 و 27 كانون الثاني/يناير الماضي، وبعد عامين على الثورة اليمنية الشعبية السلمية المجيدة، أن نطلق في الذكرى (55) لميلاد الجمهورية العربية المتحدة، ومن مركز دراسات الوحدة العربية، في بيروت، عاصمة الحرية والمقاومة والعروبة الحضارية المتنورة، "نداء صنعاء من أجل الوحدة العربية" ليكون دعوة للأمّة من أجل السير على طريق الوحدة، كما يكون دعماً لوحدة يمنية في نظام ديمقراطي يتساوى فيه أبناء اليمن جميعاً، وتسقط منه كل مظاهر التهميش والإقصاء والتمييز".
وأضاف:" إن العلاقة بين اليمن والوحدة لم تكن كعلاقة باقي الأقطار بها، فالوحدويون العرب يذكرون أن ثورة 26 سبتمبر 1962، كانت ثأراً من الانفصال المشؤوم، الذي وقع قبل عام، ومن القوى التي تآمرت على الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا".
واستطرد الأمين العام للمؤتمر القومي العربي قائلا:" وبعد ثلاثين عاماً، وحين بدا، كأن حلم الوحدة مستحيل التحقيق بزغ في اليمن في 22 أيار/مايو، فجر الوحدة اليمنية التي ما زالت حتى الساعة تواجه تحديات كبيرة من الداخل والخارج".
وفيما يلي نص "نداء صنعاء من أجل الوحدة العربية":
مقدّمة
من الحقائق الكبّرى في حياتنا العربية المعاصرة، أنه فيما تتجه قارات ودول باعدت بينها صراعات دامية، وحروب عالمية، وتعدّدت فيها لغات وثقافات وحضارات، إلى التكتل والتكامل والوحدة، نجد أن أقطار أمتنا العربية الموحّدة في لغتها وثقافتها وعقيدتها وحضاراتها ومصالحها، تتجه نحو المزيد من التجّزئة والانقسام والتفتيت والصراعات الأهلية المدمّرة.
ومن الحقائق الكبرى أيضاً، أنه فيما تشتدّ الحاجة إلى توحيد أمّتنا لمواجهة مختلف أنواع التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية، تتزايد نزعات الفرقة والتناحر والانفصال بما يخّدم مخططات أعدائنا ومصالحهم.
ومن الحقائق الكبرى كذلك، أنه فيما تذهب معظم ثروات الأمّة ومواردها الطبيعية إلى خارج الأمّة، يعيش معظم أبناء الأمّة في فقر مدقع، وبطالة متزايدة، وهجرة متنامية، وتخلّف مستدام.
ومن الحقائق الكبرى أيضاً وأيضاً، أنه فيما تنكشف أزمات الكيانات الوطنية والدول القطرية العاجزة عن صون الأمن الوطني والقومي، وتحقيق التنمية المستقلّة والمستدامة، والتخلص من الفساد والاستبداد، تزداد المسافة بين واقع هذه الدول المتردي والمتشظي وبين حركة العمل الوحدوي الجامع المؤهّل لمواجهة كل هذه الأزمات.
ومن الحقائق الكبرى واللافتة، أنه فيما تتجلّى الوحدة الشاملة في كلّ جوانب الحراك الشعبي العربي من أجل التغيير، وفي وحّدة شعاراته وآليات نضاله مؤكّدة على الطابع الجامع لأبناء الأمّة وأقطارها ومجتمعاتها المتطلعة إلى الحرية والكرامة والعدل الاجتماعي، نجد أن مخططات القوى المعادية للأمّة لتشويه هذا الحراك وإبعاده عن مساره الوحدوي تتصاعد في كل اتجاه، ونرى عجزاً لدى معظم القوى الثورية عن ترجمة وحدة الحراك الشعبي العربي إلى آليات تحقّق وحدة الأمّة ذاتها، وحدة الصف، وحدة الهدف، وحدة العمل، ووحدة الهوية الثقافية والحضارية، ووحدة الدفاع والأمن، ووحدة الاقتصاد المتكامل، ووحدة النضال في سبيل استعادة الحقوق المسلوبة وتحرير الأرض المحتلّة، لاسيّما في فلسطين.
إزاء هذه المفارقات الخطيرة، وتداعياتها الأكثر خطورة، وجدّنا في المؤتمر القومي العربي، (الذي سعى منذ تأسيسه عام 1990، كإطار عربي جامع للحوار والتلاقي بين مختلف تيارات الأمّة الملتزمة بمشروع نهوضها الحضاري)، الحاجة إلى إطلاق الدعوة مجدّداً إلى النضال في سبيل الوحدة العربية، وهو الهدف والمتكامل مع أهداف مشروعنا النهضوي الأخرى في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية المستقلّة والاستقلال الوطني والقومي والتجدّد الحضاري، وعلى قاعدة أن أي خطوة على طريق تحقيق أي من هذه الأهداف هو خطوة على طريق تحقيق الأهداف كلها دون مقايضة هدف على حساب هدف آخر، أو استبدال هدف منها بهدف آخر.
أولاً: مبادئ العمل الوحدوي العربي
إن تجديد النضال الوحدوي اليوم يلتزم بجمّلة مبادئ ويرتهن لجمّلة آليات:
أول المبادئ: هو أن الوحدة العربية هي ضمانة الوحدة الوطنية، تماماً مثلما تحصين الوحدة الوطنية هي الطريق الأقصر لتحقيق الوحدة القومية، بل أن العروبة كما نفهمها هي تكامل وطنيات مثلما أن الرابطة الوطنية والمواطنة المتساوية هي القاعدة الصلّبة للرابطة القومية، ومن هنا فالردّ الأسلم والافعل على محاولات تجّزئة المجزّئ، وتقسيم المقسّم، يكّمن في السير خطوات على طريق الوحدة الأشمل.
وثاني المبادئ: إن الوحدة العربية لا تلغي ما دونها من وحدات، كما لا تلغي الحاجة إلى ما هو أكبر منها من وحدات، بل أن الوحدة العربية هي ضمانة قيام المشروع العربي المسّتقل القادر على التكامل مع مشاريع أمم الجوار التي تجمعنا بها روابط العقيدة والحضارة والمصير المشترك، وهو المشروع القادر على مواجهة مشاريع أعداء الأمّة الطامعين في خيراتها ومواردها والعاملين لتدمير هويتها الثقافية والحضارية، وفي مقدم هؤلاء قوى المشروع الصهيوني والاستعماري.
وثالث المبادئ: هو تكامل النضال من أجل الوحدة مع السعي الحثيث لإقامة تنمية عربية صحيحة ومتكاملة تستفيد من تكامل عناصر الإنتاج في الأمّة، من موارد بشرية وطبيعية ومالية، ومن فرص استثمار وافر، ومن سوق واسعة.
ورابع المبادئ: هو تكامل النضال الوحدوي العربي مع العمل الدؤوب لإقامة حياة ديمقراطية سليمة لا استئثار فيها ولا إقصاء، ولا تسلّط فيها ولا استفراد، حياة ديمقراطية لا تمييز فيها على أساس الدين أو اللون أو العرق أو المذهب أو الجنس، بل الجميع يتمتعون بحق المواطنة في وطن ليس فيه أقليات وإنما فيه مكونات تشكل أكثريتين أولهما عربية تضمّ العرب، مسلمين وغير مسلمين، وثانيهما إسلامية تضمّ المسلمين، عرباً وكرداً وأمازيغ وأفارقة وغيرهم، باعتبارهم جميعاً مساهمون في صنع الحضارة العربية الإسلامية على مدى قرون وقرون.
فالوحدة العربية، بما توفره من مساحات واسعة، وحجم وازن، وثروات وافرة، هي الأقّدر على إيجاد حلول لكافة الإشكالات التي تطرح أحياناً بين مكونات الأمّة المتساكنة في وطن واحد، بل تمنح كل المكوّن القدرة الأكبر على تجاوز التوتر في علاقاته بالمكونات الأخرى، وعلى بناء تفاهمات رحبة في ضوء القيم والمبادئ الإنسانية والديمقراطية واحترام الخصوصيات والحقوق.
وخامس المبادئ: هو تكامل النضال من أجل الوحدة العربية مع النضال من أجل الاستقلال الوطني للأقطار مع الاستقلال القومي للأمّة، فالتجّزئة هي صنيعة الاستعمار، والوحدة هي صانعة القوة لمواجهة كل محتلّ أو غاصب أو ناهب لخيرات الأمّة وساع لسلب إرادتها.
وإذا كانت الوحدة بالضرورة هي الطريق إلى تحرير فلسطين وكل أرض محتلة أو مغتصبة، فإن تحرير فلسطين والأراضي العربية السليبة أو المحتلة هو السبيل لوحّدة الأمّة وتجاوز كل التناقضات الفرعية.
وسادس المبادئ: هو تكامل النضال من أجل الوحدة العربية مع النضال من أجل عدالة اجتماعية تعيد قسمة الثروة والدخل، قسمة عادلة بين أبناء الأمّة، كما بين أقطارها، فلا فقراء في كيان كبير وغني ككيان الوحدة، ولا أغنياء يحتكرون ثروة الأمّة وجهد كادحيها ويبددونه هدراً وترفاً وفساداً وإفساداً، فالوحدة أسلم الطرق إلى مجتمع الكفاية والعدل.
وسابع المبادئ: هو تكامل نضال الأمّة من أجل الوحدة مع تجدّد الأمّة الحضاري، فالوحدة التي تحقق التواصل بين أبناء الأمّة وأقطارها تستطيع أن تحقّق التواصل بين ماضي الأمّة التليد، وحاضرها الأليم، ومستقبلها المضيء، فتعيد للأمّة قدرتها على حمل الرسالة التاريخية الخالدة التي انطلقت من أرضها المباركة، وحملها رسولها الأكرم عليه الصلاة والسلام وصحبه الأوائل، بل وتحصن هذه الرسالة من كل غلو أو تعصّب أو تزمّت أو تشويه أو مجافاة لروح العصر، بل من كلّ محاولة لاستخدامها لذرّ الفرقة بين أبناء الأمّة وإشاعة الانقسام بين صفوفها.
وثامن المبادئ: إن الوحدة العربية ليست شكلاً دستورياً محدّداً بقدر ما هي وجهة نسير وفقها، واتجاه يحكم مسارنا ونضالنا، فالصيغ الدستورية للوحدة فدرالية كانت أمّ كونفدرالية أمّ تكاملية أمر يقرره أبناء الأقطار العربية على قاعدة احترام خصوصيات الكيانات ومكوناتها، فلا قهر في الوحدة العربية، ولا وصاية ولا هيمنة قطر على آخر، أو مكوّن اجتماعي أو ثقافي على مكوّن آخر.
وإذا كان المشروع النهضوي العربي الذي تأسس المؤتمر وفق الالتزام به، دعا إلى صيغة الدولة القومية الاتحادية، فإن "قوة الوحدة تقوم من إجماع الكيانات العربية القائمة على مؤسسات اتحادية مشتركة وتراضيها، تنتقل إليها السلطة الجامعة مع استمرار سلطاتها المحلية، وفي الأحوال كافة، لا بدّ أن يكون الإطار الاتحادي القومي محلّ تراضٍ وتوافق بين الكيانات القومية العربية كافة".
وتاسع المبادئ: إن وجود الأمة هي الحقيقة الكبرى، أما التوترات والصراعات والانقسامات على مستوى الحكومات والأنظمة فهي أمور طارئة وعابرة لن تصمد طويلاً أمام حركة الأمّة الصاعدة.
أمام هذا الأمر لا بدّ من العمل بشتّى الوسائل من أجل تحييد العلاقات الشعبية والإنسانية والثقافية والاقتصادية والاستراتيجية بين أبناء الأمّة عن صراعات الحكام السياسية، ولا يجوز لهذه الصراعات أن تتسبب بأضرار تلحق بحياة المواطنين اليومية من جراء عقوبات اقتصادية أو حصار حياتي.
ثانياً: آليات العمل الوحدوي
1 – إن الوصول إلى تحقيق الوحدة العربية أحد وسائله، عملية متدرّجة طويلة الأمدّ يجري إنجازها خطوة خطوة عن طريق النضال والدعوة المثابرة على مستوى الأمة لإعلاء شأن الوحدة وضرورتها، والتواصل بين أقطار الأمّة وتياراتها وأجيالها، والتكامل بين مقدّراتها وإمكاناتها، والتراكم في الجهود المبذولة من أجلها.
2 – إن كافة المداخل إلى الوحدة ممكنة، اقتصادية كانت أمّ سياسية، أمّ أمنية، أمّ ثقافية، أمّ تربوية، بحسب ما تفرضه الظروف والتطورات وديناميات العلاقات العربية، ولكنّها هذه المداخل كلها تحتاج إلى مدخل تعاوني عربي يؤسس للترابط بين البنى العربية المختلفة ويطلق ديناميات التفاعل التراكمي والتكاملي بينها.
3 – إن الوحدة هدف لمعظم قوى الأمّة الحيّة وتياراتها الرئيسة، كما هي مصلحة لمعظم طبقات الأمّة المنتجة، وبالتالي فكل هذه القوى مدّعوة إلى النهوض بعبء النضال من أجل تحقيق هذا الهدف، وليس لفريق دون آخر الحقّ في احتكار هدف الوحدة أو استبعاد غيره تحت أي عنوان سياسي أو أيديولوجي.
وإذا كانت الطبقات الاجتماعية في الأمّة بمعظمها صاحبة مصلحة في الوحدة، فإن للطبقات الكادحة والأكثر فقراً مصلحة أكيد في قيام كيان اقتصادي كبير يحرّرها من ربق العوز والفقر والبطالة، وبالتالي فإن عليها، كما على الطبقة الوسطى، الاعتماد في النضال من أجل الوحدة، كما من أجل كل أهداف المشروع النهضوي العربي الأخرى.
4 – إن تحقيق الوحدة العربية مهمّة بالغة التعقيد، وأبرزها حلّ المعضلات الموضوعية والذاتية التي تواجه النضال من أجل الوحدة، معضلة التباين في درجة التطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بين الأقطار العربية، ومعضلة عدم التوازن في القدرات والإمكانيات بين أطراف عربية كبرى، وأطراف عربية صغرى، ومعضلة الخلاف بين الفصائل القومية وتشرّذمها، ومعضلة التدخل الخارجي والإملاءات الأجنبية المعيقة باستمرار لمشروع التوحيد العربي، بل التآمر عليها كما رأينا في تجربة الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا (1958 – 1961) والعديد من تجارب ومحاولات وحدوية قديمة ومعاصرة مع التأكيد دوماً على أن الإدارة الوحدوية والتوجه الوحدوي يشكلان الأساس في مواجهة معضلات الوحدة وتعقيداتها.
5 – إن تحقيق الوحدة العربية يتطلب كذلك أعلى درجات التمسك بالوحدة الوطنية لكل قطر، لا باعتبارها خطوة على طريق الوحدة العربية، بل لأن تقسيم الكيانات القائمة وانفصال أجزاء منها هو تعزيز لمنطق التجزئة وتزويده بذرائع تمكنه من أن يصبح المنطق السائد في المنطقة حيث لا يقود التفتيت إلاّ إلى المزيد من التفتيت، بينما لا تقود الوحدة إلاّ إلى المزيد من الوحدة.
6 – إن الاتحاد الفدرالي العربي، وهو الصيغة المعتمدة في المشروع النهضوي العربي، لا يشّترط انضمام جميع الأقطار العربية ابتداء، بل يمكن أن يبدأ من اتحاد بعضها ممن أبدى جهوزيته للاتحاد أو توافرت فيه شروطه، بحيث يصبح لقوة المجموعة النواة، ونجاح تجربتها الوحدوية ما يمكنها من إقناع القوى الجديدة الراغبة في الانضمام إليها بتلبية المتطلبات السياسية والاقتصادية.
7 – إن مشروع توحيد الأمّة ممتنع عن التحقق دون أن يتوسّل بالوسائل الشعبية والديمقراطية نهجاً لتحققه، كما أن كل الأهداف النهضوية الأخرى ممتنعة عن التحقق، بل مستحيلة دون توحيد قومي.
في ضوء جملة المبادئ الفكرية والتوجهات العملية، يدعو المؤتمر القومي العربي إلى استراتيجية مرحلية على طريق الوحدة العربية تقوم على الأفكار التالية:
أ. متابعة تنفيذ كل قرارات العمل العربي المشترك، وقد تجاوز عددها الآلاف، الصادرة عن القمم العربية وجامعة الدول العربية أو المنظمات العربية المخّتصة، والتي لو تمّ تطبيق البعض القليل منها لدخلت أمّتنا مرحلة نوعية جديدة على طريق وحدتها وتنميتها واقتصادها وأمنها وثقافتها وأنظمتها التربوية والاجتماعية.
وفي هذا الإطار ندعو إلى تشكيل مرصد للعمل العربي المشترك مهمته متابعة تنفيذ قرارات العمل العربي المشترك، ومساءلة كل مسؤول عن التقصير في تنفيذها.
ب. بذل جهود إضافية من أجل أحياء معاهدة الدفاع العربي المشترك التي جرى التخلي عنها التواطؤ عليها معظم الأحيان، خلال الحروب واعتداءات وأزمات كبرى مرّت بها المنطقة.
ج. تنظيم استراتيجية عمل شعبية للضغط على الأنظمة العربية من أجل إقامة منطقة عربية حرّة للتجارة تفسح المجال أمام قيام السوق العربية المشتركة التي جرى إقرارها قبل ستين عاماً كقاعدة لتكامل اقتصادي عربي شامل بكل آلياته ومتطلباته، لاسيّما لجهة إلغاء كل المعوقات التي تحول دون انتقال الأشخاص والسلع والأموال بين الأقطار العربية بما فيها إلغاء تأشيرات الدخول بين الأقطار العربية.
د. السعي مع الهيئات المعنية، لاسيّما غرف التجارة والصناعة والزراعة والسياحة العربية، لإطلاق مشروعات استثمار عربية مشتركة في مختلف أقطار الأمّة تستفيد من الطاقات والموارد المتاحة، وتنظيم عملية تكامل الإمكانات العربية من خلال:
(1) تشبيك شبكات الطاقة بين كافة الأقطار.
(2) تشبيك قنوات وأنابيب المياه بين كافة الأقطار.
(3) تشبيك أنابيب النفط والغاز بين كافة الأقطار.
(4) خطوط المواصلات السلكية واللاسلكية.
(5) إنشاء اسطول عربي لنقل البضائع العربية.
(6) توحيد خطوط الطيران العربية وسائر وسائل النقل البرّية
(7) السعي مع المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم إلى تعزيز وحّدة المناهج التربوية العربية، وتعزيز دور الثقافة العربية والدفاع عن اللغة العربية، بكل تجلياتها، في حياة الأمّة.
(8) السعي لتأسيس وكالة عربية للطاقة النووية للأغراض السلمية، كما السعي لتفعيل حركة عالمية لنزع أسلحة الدمار الشامل.
ثالثاً: على الصعيد الشعبي
1 – تعّزيز دور المنظمات والاتحادات والمؤتمرات الشعبية والنقابية والمهنية العربية باعتبارها إحدى تجليات وحّدة الأمّة على الصعيد الشعبي.
2 – التأكيد على فكرة قيام كتلة تاريخية بين تيارات الأمّة الكبرى (قومية، إسلامية، يسارية، ليبرالية، وطنية)، والعمل الجاد على تجاوز كل المعوقات التي تواجه بناء هذه الكتلة وعدم الانجرار إلى صراعات تبدّد ما تحقق من انجازات على طريقها.
3 – أخذ المبادرة في تشكيل "ملتقى للوحدة العربية" يضم كل الشخصيات والهيئات العاملة على المستوى القومي لوضع استراتيجية متكاملة للوحدة العربية على الصعيد الشعبي.
4 – تعزيز دور مراكز الدراسات والأبحاث ذات التوجه العربي والاعتماد عليها في المزيد من فهم الواقع العربي وفي تحديد سبل الخروج من التردي الراهن.
5 – الالتفاف الواسع حول حركة المقاومة في الأمّة، سواء في مقاومة احتلال الأرض أو احتلال الإرادة، ولا سيّما مقاومة الأمّة للعدو الصهيوني وسعيها لتحرير فلسطين، كما حول حركة مناهضة التطبيع مع العدو وحلفائه، وتفعيل كل القرارات المتّخذة بهذا الصدد على الصعيدين الرسمي والشعبي.
6 – إطلاق مبادرات شعبية عربية، ثقافية واجتماعية وتربوية وسياسية وشبابية، كمخيمات الشباب القومي العربي، تعزّز من تعارف أبناء الأمّة بعضهم إلى بعض، وتعريفهم بتاريخ الأمّة وجغرافيتها وطاقاتها وإمكاناتها، كما توحّد من صياغة مشتركة لرؤى وحدوية لمواجهة التحديات المفروضة على الأمّة.
7 – الاهتمام بالجانب التربوي لتعزيز ثقافة الوحدة بين الأجيال الجديدة، سواء عبر مناهج تربوية موحّدة أو متماثلة، أو عبر التوجه إلى الأطفال العرب بالوسائل الحديثة التي تعمّق ارتباطهم بأمتهم ووحدتها، وعبر حملة شعبية عربية شاملة لمكافحة الأميّة الواسعة على مستوى الأمّة.
8 – السعي بمختلف الوسائل لكي تلعب القوى الوحدوية في الأمّة دوراً في معالجة كل المشكلات الناجمة عن الفروق القائمة بين مكونات الأمّة المتعدّدة، واعتبار مقاومة مشاريع الفتنة العرقية والدينية والمذهبية والجهوية هدفاً رئيسياً من أهداف الأمّة.
إن أحداً لا يستطيع أن ينكر حجم الصراعات الأهلية الدموية المعلنة والكامنة في جسم الأمّة، ولكن أحداً لا يمكن له أن يجر تيار الوحدة في الأمّة إلى مواقع تعزّز هذه الانقسامات والصراعات.
إن الوحدويين في الأمّة هم جسور بين أبنائها ومكوّناتها وجماعاتها، وهم متاريس في وجه أعداء الأمّة، وثقافة الحوار باتت اليوم هي أحد تجليات ثقافة الوحدة.
9 – ربط حركة النضال من أجل الوحدة العربية بقضايا العصر، لاسيّما قضية حقوق المرأة، باعتبارها تشكّل نصف الأمّة، أو قضية البيئة العربية لتكاملها وارتباط مشكلاتها بأزمة البيئة على مستوى العالم كله.
رابعاً: آلية العمل
بما أن المبادرة مصدرها هيئة شعبية فمن الطبيعي والضروري إيجاد الآلية الشعبية المناسبة. نقترح في مشروع سكّة الحديد مثلا الذي هدفه ربط الأمة من المحيط إلى الخليج إنشاء أربع هيئات عليا شعبية قطرية في كل من دول الاتحاد المغربي (المغرب، موريتانيا، ليبيا، الجزائر، تونس)، دول وادي النيل (مصر، السودان، ايريتريا، جيبوتي، الصومال)، دول الجزيرة العربية (اليمن، عمان، المملكة السعودية، الإمارات، قطر، البحرين، والكويت)، دول بلاد الرافدين وبلاد الشام (لبنان، سورية، العراق، الأردن، فلسطين).
خاتمة
إننا إذ نضع هذا الإعلان بين أيدي أبناء الأمّة وقواها النهضوية والوحدوية، فإننا نرى فيه وفي أمثاله من مواثيق ونداءات وبيانات نصوصاً متكاملة على طريق ثقافة الوحدة العربية وآليات النضال من أجل وحّدة الأمّة ونهضتها. القوميون العرب يعلنون من بيروت "نداء صنعاء من أجل الوحدة العربية"
سبأ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق