إلى لقاء وطني جامع، تحول حفل التكريم الذي أقامته للدكتور عبد المجيد الرافعي، الجامعة اللبنانية – الفرنسية للتكنولوجيا والعلوم التطبيقية بشخص رئيسها ومؤسسها الدكتور محمد سلهب وعمداء كلياتها وأساتذتها، بحضور سياسي بارز تقدمه ممثلون عن الرئيسين نجيب ميقاتي وسعد الحريري والوزير محمد الصفدي، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، كما حضر الوزير السابق النائب سمير الجسر والوزير السابق جان عبيد، ونواب وسفراء سابقون وأعضاء مجالس بلدية ومختارين وممثلي أحزاب وجمعيات وقوى وطنية وسياسية ونقابية ورجال دين مسيحيين ومسلمين وأكاديميين وشخصيات عامة.
وقد بدأ الحفل بالوقوف للنشيد الوطني اللبناني وعرض لشريط مصور تناول مختلف مراحل مسيرة الدكتور الرافعي، إلى كلمة الجامعية نورما عرب مرحبة بالمكرَّم الذي جمع بين صفات المناضل السياسي الذي لا يهاب موقفاً ولا يخاف قضية، وبين المواطن الذي يتلاقى مع الآخر ويتفانى في سبيله وهو الذي عُرف عنه دماثة الأخلاق ونُبل المواقف وصفاء النية وجهوزية كاملة للتضحية والعطاء.
د. سلهب: آثر النضال على المال وجمع الثروات
ثم أعطي الكلام لرئيس ومؤسس الجامعة المكرِّمة، الدكتور محمد سلهب، الذي قدم للدكتور الرافعي الدرع التكريمي للجامعة مرحباً بالحضور في مناسبة تكريم "رجالات مميزين نسترجع منهم قدوة ومثالاً للأجيال الصاعدة في عملها التربوي، وعليها أيضاً مهمة تقديم المثال واستخلاص التميز".
وأضاف: قد يخال المرء أنه من السهل تقديم مزايا الدكتور عبد المجيد لفيضها وغزارتها، فهو الإنسان والعالم والسياسي الوطني العروبي والفرنكوفوني الرفيع المثقف المولع بالشعر وآدابه، إلا أن هذا الفيض وهذه الغزارة وللأمانة يجعلان التقديم ضرباً من ضروب السهل الممتنع، فالرجل الذي نكرمه اليوم يجمع صفات ندُر أن اجتمعت، فهو قد آثر النضال على المال وجمع الثروات، كما آثر موقع المسؤولية على تبوء المناصب والمراكز، هو ابن بيئته طرابلس، يحبها وهي تحبه، وهو لمن يعرفه، المتواضع بترفع والمترفع بتواضع، القائد المقدام بخدمة وطبابة وبلسمة الجسور بحكمة الحازم بحياء ورهفه، الصلب بانفتاح ومحبة.
وبعد أن تطرق الدكتور سلهب إلى مختلف المحطات التاريخية في حياة الدكتور الرافعي منذ ولادته إلى اليوم، ختم كلمته ببيت من الشعر واصفاً الرافعي:
هو الجواد الذي يلقاه مادحه وان غلى فوق ما أثنى وما وصفا
د. نزيه كباره: كان ظاهرة في العمل السياسي والحزبي
وفي شهادته التي قدمها، رئيس المجلس الثقافي للبنان الشمالي، الدكتور نزيه كبارة، حول المُحتفى به قال:
شرف لي أن أكرّم في شخصه الوفاء لمبادئ البعث واستنهاض الأمة التي آمن بها وناضل من أجلها، ثابتاً صامداً، وما بدل تبديلا، على الرغم من الاضطهاد والملاحقة والحبس والمنفي، هو الذي اختارته المدينة التي أحب، فبادلته المحبة وكانت وفية معه، وأنالته من الأصوات (عام 1972) ما كان يستحق متفوقاً حتى على الزعامة التاريخية، فقام بدوره مدافعاً عن حقوق طرابلس ومطالبها، مترفعاً عن هُجر الكلام وسفاسفه كما نسمع اليوم من كلام بعضهم.
وأضاف: كان الدكتور عبد المجيد ظاهرة في العمل السياسي والحزبي، نضال دؤوب لا يعرف الكلل، وتعلق شديد بالمبادئ التي آمن بها، ووفاء مثالي لا نظير له.
وتطرق الدكتور كبارة إلى المراحل النضالية للرافعي منذ العام 1957 ودوره الإنساني والطبي في العناية بالفقراء والمحتاجين وجرحى ثورة 1958، وقبلها اعتناءه بمنكوبين فيضان نهر أبي علي 1955، إلى مساهمته في المشروع المرحلي الإصلاحي والسياسي للحركة الوطنية اللبنانية وتشبثه بوحدة لبنان أرضاً وشعباً ومؤسسات، وما تحمل ورفاقه من أذى وتهجير واعتقال جراء هذه المواقف الوطنية المشرفة، وصولاً إلى تأسيسه حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي ليكون حاضراً ورفاقه في كل الأنشطة والمعارك السياسية والنضالية والاجتماعية.
د. الرافعي: وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
ثم أعطي الكلام للمُحتفى به المكرَّم الدكتور الرافعي الذي توجه بالشكر بداية إلى الحاضرين ومن أرسلوا ممثلين عنهم، وخص بالشكر أيضاً الدكتورين سلهب وكبارة على هذه العاطفة النبيلة الجياشة تجاهه، متوجهاً بالتحية إلى الجامعة اللبنانية الفرنسية رئيساً وعمداء وأساتذة وطلاب على مبادرتها الكريمة، وهي الجامعة الشابة التي أثبتت جدارة أكاديمية وعملانية خلال عقد ونيف من السنين لما امتلكته من مقدرة متطورة لمواكبة علوم العصر وثورته التكنولوجية وتقديم كل ما هو أفضل لطلبتها.
وتطرق الرافعي إلى الأجواء السياسية والاجتماعية والنضالية التي بدأ فيها مسيرته الوطنية مؤكداً على ثوابت الانتماء الوطني الجامع العابر للطوائف والمذاهب والمناطق التي آمن بها أبناء جيله وهم يقرعون أبواب التغيير السياسي الديمقراطي اللاطائفي والتحرر الوطني، مناشداً الجميع ولاسيما الطلبة والشباب والجيل الناشئ عدم الانجرار إلى الخطاب التعبوي المذهبي الذي يناشد الغرائز بدل العقول، وان لا يرضخوا للتحريض الفئوي، ولا يستسلموا لليأس والإحباط الذي يدفعهم إلى الهجرة والهروب القسري من الوطن مؤكداً على قول الشاعر العربي المتنبي:
وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
مؤكداً في هذه المجال على أن الحقوق تتنزع انتزاعاً ولا تعطى بمنة واستجداء، مقدماً أكثر من مثال على ذلك عاشه شخصياً سواء في مشاركته مع أقرانه في العام 1942 ضد السلطة التموينية الفرنسية وطحينها المغشوش الذي رفض الشعب أكله وتظاهر ونزل إلى الشارع للحصول على جودة الطحين، أم في مساهمته مع أبناء جيله في العام 1943 في تظاهرة الإفراج عن الزعماء السياسيين للبلاد، وكيف واجهت الدبابات الفرنسية المتظاهرين وأطلقت النيران عليهم وهو الذي تغمدت كتبه وثيابه بالدماء الذكية لصديقه أمين هاجر الذي تعرض لإصابة بليغة آنذاك، وكان اعتزازهم بهذا العمل أنه ساهم في الإفراج عن الزعماء وإنهاء الانتداب.
كما قدم أمثلة أخرى عن مبادرته في العمل الشعبي المنظم المتابع لقضايا المواطنين الحياتية، كمعركته ورفاقه ضد شركة كهرباء قاديشا العام 1969 ومثابرتهم عليها حتى العام 1972 لتحقيق مطالب الشعب وانتزاعها من إدارة هذه الشركة، كذلك معركة رغيف الخبز التي اضطر ورفاقه فتح بعض الأفران لبيع الرغيف فيها بسعره الحقيقي عام 1973 عندما عمدت نقابة الأفران آنذاك لرفع السعر خمسة قروش فقط، وأغلقت الأفران للضغط على الدولة، هكذا كان وعادت النقابة عن قرارها.
وختم الرافعي كلمته بقصيدة وجدانية عبَّر فيها عن مجمل آرائه ومواقفه عنونها "هذا أنا"، بعد أن قرأ على الحضور أبياتاً شعرية ما زالت حافرة في ذاكرته وذاكرة جيله وكانت نشيداً للأمة يوماً ما من المحيط إلى الخليج:
بلاد العُرب أوطاني من الشامِ لبَغدانِ
ومن نجدٍ إلى يمنٍ إلى مِصرَ، فتطوانِ
مشدداً:
فلا حدٌ يباعدُنا ولا دينٌّ يُفَرِّقُنا
لسانُ الضادِ يجمعُنا بغسانٍ وعدنانِ
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق