من الكلمات الجميلة التي احببتها، بل عشقتها، وكنت ما زلت احب أن أسمعها كلمة «الحوار» لما لها من دلالة على أهمية المشاركة في الرأي والدعوة إلى التفاهم وتصويب الأفكار أدبية كانت او فكرية او سياسية، ولما يترتب على الحوار عادة من الانتقال من موقف الخلاف او الاختلاف الى موقف الوفاق والاتفاق، وما أكثر الاختلافات التي تبدأ صغيرة ثم تكبر حتى لا تترك مناخاً مناسباً للحوار والاحتكام الى ما يتوصل اليه المتحاورون، لكن ما يؤسف له حقاً ان هذه الكلمة الجميلة لم تسلم من التحريف ومن ان يعبث بها كثير من المفسدين في الأرض، ومنهم بعض الحكام والقادة والسياسيون الذين لا يجيدون شيئاً في الحياة كما يجيدون إفساد كل شيء بما في ذلك اللغة هذه الوسيلة المهمة للتواصل والتفاهم.
وفي العقود الأخيرة من حياتنا العربية كم شهدنا وقرأنا وشاهدنا من لقاءات ومؤتمرات تحت مسمى الحوار ثم لم ينتج عنها سوى المزيد من الخلافات والصراعات على أمور هي في كثير منها أصغر من ان توصف بالصغيرة، وحتى الآن ما تزال هناك في كل بلد عربي أكثر من دعوة للحوار، وفي الصحف كما في غيرها من وسائل الإعلام التقليدية والحديثة أحاديث لا تنقطع عن أهمية الحوار وضرورته للتعايش بين أبناء الأرض الواحدة واللغة الواحدة، ولا ينفك الكتاب المعروفون والمجهولون، المتمرسون منهم والمبتدئون يمارسون الحديث عن الحوار، وبات الإنسان العربي ينام على صوت هذه الكلمة ويصحو على اصدائها مما كان كفيلاً بان يعطيها مكانة خاصة في الواقع ويجعل منها مفتاحاً اساسياً لحل القضايا المعلقة وما أكثرها في اقطارنا العربية التي عانت وما يزال بعضها يعاني من سطوة الصوت الواحد والرأي الذي لا يقبل النقاش.
والسؤال الذي يطرحه الواقع الراهن هو: هل الإكثار في الحديث عن الحوار في صالح هذه الكلمة وفي التمكين لدلالتها من الانتقال من خانة الصوت الى خانة الفعل ام انه يظلمها ويمسخها ويفقدها ما كانت تتمتع به من حيوية وظلال تبعث على الأمل والارتياح؟ ومن وجهة نظري ان هذا الإكثار قد جنى على كلمة الحوار نفسها كما جنى من قبل على عدد من الكلمات المرتبطة بوجدان الإنسان وحياته مثل كلمة الحرية على سبيل المثال التي كان الطاغية والثائر يردد انها في وقت واحد ولدى كل واحد منهما مفهومه الخاص ووسيلته المختلفة في فهمها وطريقة التعامل مع معناها.
وإذا ما قلنا إن أوضاعنا العربية الراهنة بحاجة الى حوارطويل يتناول جميع المشكلات التي نعاني منها جميعاً، وفيها ماهو سياسي وماهو اقتصادي واجتماعي وثقافي، فإن التجارب السابقة لا تعطي بارقة امل واحدة، لسبب وحيد ربما، هو اننا لا نعرف شيئاً عن قواعد الحوار وما ينبغي ان يؤدي إليه، كل من يسعى إلى الحوار او ينادي به إنما يخفي وراءه هدفاً ثابتاً في نفسه لا يتزحزح عنه قيد انملة، ودعوته الى الحوار لكي يقنع به الآخر أو بالأصح يلزمه به، ولهذا كان الفشل الذريع نصيب كل حوار حيث ينفض المتحاورون دائماً وقد صار كل طرف أكثر تمسكاً بموقفه وآرائه مما كان عليه قبل الحوار، وهذا ما جعل كثيراً من العقلاء في الوطن العربي يقفون في وجه هذا النوع من الحوارات المؤججة للخلافات والداعية الى المزيد من الانقسامات والتشرذم، وتلك ظاهرة واحدة من ظواهر التخلف الضارب أطنابه في قلب الواقع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق