مرت 44 سنة على هزيمة حزيران و63 سنة على النكبة، في عام النكبة 1948 أحتل الصهاينة القدس الغربية، وفي عام الهزيمة 1967 احتلوا القدس الشرقية وبالذات القدس المسورة، التي تحتوي المقدسات الإسلامية كلها ذات الدلالة الدينية والروحية والتاريخية والحضارية مثل المسجد الأقصى وقبة الصخرة ومسجدها، إضافة إلى ما تحويه من أبواب مفتوحة ومغلقة، ومآذن ومساجد وقباب ومدارس وأروقة وبيارق وأسبلة ومحاريب وغيرها الكثير.
القدس تمتاز بموقعها الاستراتيجي الجغرافي والروحي حيرت القادة والجيوش التي قدمت لاحتلالها عبر مئات القرون، هذه المدينة حباها الله بكل القيم الدينية المقدسة لأصحاب الديانات السماوية الثلاث (اليهودية والمسيحية والاسلام) . ففيها الكنائس وابرزها (كنيسة القيامة) والكنس القديمة والجديدة التي بناها الاحتلال الصهيوني، اضافة الى اجوائها المعتدلة وخيراتها التي وصفها الغربيون انها "تفيض لبنا وعسلا" . لكن القدس لم تنعم بالأمان والهدوء والتقدم إلا في ظل حكم المسلمين الذين عمروا كنوزها الدينية والأثرية الخالدة حتى اليوم، أما الدول والقوى التي جاءت من خارج بلاد العرب فقد أمعنت في تدميرها والتنكيل في سكانها كما فعل الأشوريون والكلدان والفرس والرومان، وكذلك اليهود، .
اليوم يسير الاحتلال الصهيوني على ذات النهج التدميري الإجرامي، ضد المواطنين العرب في بلدات فلسطين عامة، وضد المقدسيين خاصة. ومنذ أن وطئت أقدام المحتلين ارض فلسطين زمن الانتداب البريطاني (1917- 1948)، اخذوا بتطبيق خطتهم للسيطرة على القدس ومن ثم تهويدها، فقد سيطروا على الأراضي العربية بالقوة أو الإغراء المالي، واستفادوا من الإجراءات والقوانين التي فرضتها سلطات الانتداب البريطاني، التي سهلت لهم الهجرة إلى فلسطين وشراء الأراضي ومصادرتها كما سمحت لليهود بتشكيل مجلس لجاليتهم، وسمحت لهم ببناء المدارس والمشافي والجامعة العبرية، كما شاركوا العرب في إدارة مدينة القدس بممثلين مساوين لعدد العرب.
وبعد هزيمة حزيران وسيطرة اليهود الصهاينة على القدس الشرقية طبقت سلطات الاحتلال ذات السياسة التي سبق أن طبقتها في القدس الغربية، أي إلغاء أي معلم للثقافة العربية، بتغيير أسماء الشوارع والمؤسسات العربية إلى اسماء عبرية، وبالمقابل منع العرب من البناء والسكن في القدس الغربية.، وهكذا صارت القدس الغربية خالصة لليهود، والقدس الشرقية في طريقها للتهويد . وقد استغلت سلطات الاحتلال القوانين التي أصدرتها لمصادرة أراضي العرب وبيوتهم في القدس، مثل قانون (أملاك الغائب) و(قانون المصلحة العامة) وقانون (سحب هويات المقدسيين) تمهيدا لطردهم خارج القدس كلها.
هدمت سلطات الاحتلال الصهيوني بعد احتلال القدس الشرقية 1967 (حي المغاربة) الملاصق لحائط البراق والسور الغربي الجنوبي لبيت المقدس، انتقاما من العرب الذين أشعلوا ثورة البراق 1929 وتمهيد الطريق أمامهم لتوسيع الساحة المقابلة للحائط الذي يسمونه (حائط المبكى) ومن ثم الدخول إلى الحرم القدسي بسهولة. ومن اجل السير بخطوات مدروسة باتجاه تهويد المدينة المقدسة، تم الإعلان عن ضمها إلى القدس الغربية واعتبار القدس مدينة موحدة ومن ثم عاصمة للكيان الصهيوني العنصري،
وعلى طريق التهويد أغلقت سلطات الاحتلال البنوك والشركات وغرف التجارة والصناعة ومكاتب المهندسين والمحامين وإجبار هذه الجهات في تسجيل نفسها في مؤسسات (إسرائيلية) وخضوعها للقوانين السارية في دولة الاغتصاب. ولم يقتصر الأمر على هذا بل تطاولت سلطات الاحتلال على القضاء والقوانين وأهمها قانون التعليم وقانون التنظيمات الإدارية، فقد ألغت القوانين الأردنية السارية منذ عام 1948 إلى، 1967 ونقلت محكمة الاستئناف من القدس إلى رام الله، وأوكلت المحكمة الشرعية في مدينة يافا صلاحية المحكمة الشرعية في مدينة القدس.
حددت سلطات الاحتلال الصهيوني أهدافها الاستيطانية في القدس الشرقية بالاتي :
1- الحط من مكانة القدس الدينية بالنسبة للمسلمين ومحاولة تدنيس المسجد الأقصى أكثر من مرة ووصل الأمر إلى حرقه في 21 آب 1969 بهدف تغيير معالمه التاريخية والتراثية ولتعطيل إقامة الصلاة فيه.
2- تغيير معالم القدس الشرقية بهدم الأبنية التراثية من مدارس وتكايا وأربطة وأسبلة، وإقامة مكانها إما وحدات سكنية لليهود أو كنس لهم.
3- طرد السكان العرب بشتى السبل، سواء من خلال قانون سحب الهويات لكل المقدسيين ممن ولدوا خارج مدينة القدس، أو الاشتباه بهم كونهم معادين لسلطات الاحتلال.
4- محاصرة القرى والمدن الفلسطينية من حول القدس مثل البيره ورام الله وبيت لحم والخليل وفصلها عن القدس ومن ثم دمجها بالقدس الغربية.
5- هدم الأحياء العربية في القدس الشرقية مثل حي السلسلة وحي الباشورة وحي الشيخ جراح وإقامة مجمعات سكنية لإسكان اليهود المهاجرين من روسيا.
6- التوسع في ضم الأراضي والقرى والبلدات العربية من حول القدس بهدف توسيع مساحة القدس الموحدة، بحيث تشكل 30 % من مساحة الضفة الغربية .
القدس على طريق التهويد في ظل الصمت العربي الرسمي، في وقت يتم تبذير الاموال العربية على مشاريع لا تعود بالفائدة على العرب . فالقدس بحاجة الى دعم حقيقي، وعلى سبيل المثال : مستشفى المقاصد الخيرية في القدس بحاجة مبلغ 10 ملايين دولار لتوسعته، وهذا المبلغ سبق ان اقرته قمة سرت العربية ضمن المبلغ الذي اقرته القمة لدعم السلطة الفلسطينية، ولكن لم يصل اي دولار للسلطة حتى الان .
يحصل كل هذا في وقت تنفق بعض الدول مثل قطر ملايين الدولارات لوضع شارة شركة قطرية على قمصان لاعبي منتخب برشلونة الاسباني في دورة الالعاب الاولمبية الحالية 2012 في لندن، كما انها تنفق مليارات لتنفيذ مخططات اجنبية ضد دول عربية كما حصل في ليبيا وسوريه .
ما يجري في القدس من عمليات حفر تحت المسجد الاقصى، وتدمير المؤسسات الاسلامية، وبناء "كنس" ومستوطنات يهودية، عمل خطير للغاية يستهدف تهويد المدينة المقدسة . فهل يسمع ويعي هذه المخاطر؟ .
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق