هل ستطغى طبول الحرب في واشنطن على فرص السلام في سوريا
بقلم سامر عرابي/وكالة إنتر بريس سيرفس
واشنطن , أغسطس (آي بي إس) - تتزايد إحتمالات التدخل العسكري الدولي في سوريا يوما بعد يوم، وذلك في أعقاب تصاعد أعمال العنف في سوريا.
ففي وقت سابق من هذا الأسبوع حذر الرئيس الأمريكي باراك أوباما من "عواقب وخيمة إذا بدأنا نشهد تحركات على جبهة الأسلحة الكيميائية أو الإستخدام الفعلي للأسلحة الكيميائية". وجاء ذلك التحذير بعد مرور عام تقريباً على أول نداء وجهه الرئيس باراك أوباما للرئيس السوري بشار الأسد طالباً منه التنحي.
وعلى الرغم من أن هذا التحذير لايشير إلى تحول كبير في سياسة إدارة أوباما تجاه الكارثة المتنامية في سوريا، إلا إنه يمثل أحدث خطوة للتحول البطئ لرغبة المسؤولين في الإدارة الأمريكية للنظر في إستخدام القوة العسكرية المباشرة ضد الدولة السورية.
فجاءت ردود الفعل الأولى لإدارة أوباما -وغالبية الرأي العام الأميركي - معارضة بدرجة كبيرة لتدخل عسكري أجنبي آخر. ولا يزال مسؤولو الإدارة، التي ما زالت تعاني من نكسات في العراق وأفغانستان، وقواتها المنتشرة من اليمن إلى باكستان ومالي، وغيرها، محبطون أيضاً بسبب عدم تحقق مكاسب سياسية للتدخل المثير للجدل في ليبيا.
وهكذا وقفوا ضد تورط الولايات المتحدة في مسعى عسكري أخر في الشرق الأوسط، على الرغم من تبني الصقور في كلا الحزبين لشن حملة جوية فورية على نظام الأسد.
لكن واشنطن لم تكن تكتفي بالجلوس على الهامش وإنتظار نتائج الصراع، وإنما شملت نفسها بشكل معمق في جميع المستويات الإنتفاضة -من العنف اليومي للخطط الانتقالية- أملا في قولبة العملية ونتائجها لتتناسب مع مصالحها الإقليمية الجيوسياسية.
وبدلاً من توريط القوات الامريكية، اختارت الإدارة تكتيكاً مختلفاً. فلعدة أشهر الآن تقوم واشنطن بتسهيل تسليح وتنسيق مهام الجيش السوري الحر، وهو المجموعة الفضفاضة من أعضاء الميليشيات، والمقاتلين الأجانب، والمنشقين عن الجيش التي نمت بسرعة من حيث الحجم والقدرة على مواجهة قوات الأسد الأمنية.
وكانت وكالة رويترز قد كشفت مؤخراً عن تورط المخابرات المركزية الأمريكية السري مع الجيش السوري الحر في تركيا، وكيف أن الإدارة سمحت لمنظمة أمريكية بتحويل الأموال للقوى المعارضة السورية.
بيد أن مثل هذه التحركات لا تضع الإدارة الأمريكية إلي جانب كل فئات المعارضة المناهضة للأسد، وإنما مجموعة فرعية معينة من هذه الحركة المعارضة التي أعطت الأولوية للصراع العنيف قبل أي بدائل أخرى.
فهي لا تعتبر أن الإنتفاضة المسلحة للاطاحة بالدكتاتور هي بالضرورة عمل غير شرعي، فكثير من الثورات الناجحة والملهمة اتبعت نهجاً مماثلاً. ومع ذلك، يمكن القول إن الإنتفاضة المسلحة في سوريا هي المكون الأقل شرعية للثورة التي بدأت منذ سنتين في البلاد.
فمنذ البداية، اضطر "المتمردون" للإعتماد على المعدات والتمويل وحتى القوى البشرية من مصادر خارجية، وجاء ذلك غالباً من الدول الإستبدادية المجاورة التي لا تتوقع وجود ديمقراطية في سوريا ما بعد الأسد، أو من اللاعبين الدوليين ممن لهم سجلات كارثية تتعلق بالمشاركة والتأثير في شؤون الشرق الأوسط السياسية.
وفي هذا السياق، لا توجد مؤشرات على أن ذلك سيكون مختلفاً بشكل جوهري عن المحاولات الأخرى-التي لا تعد ولا تحصى– والتي فشلت قبل ذلك.
هذا ويدرك أنصار التدخل العسكري الدولي في سوريا جيداً هذه المخاطر، وإن كان بعضهم قد اختاروا تجاهلها. ومع ذلك، تدعي الأغلبية بأن هذه التعقيدات هي ثمن ضروري في غياب أي بديل آخر. فبدون التدخل الخليجي والغربي، كما يقولون، فإن مصير المعارضة هو الهزيمة، وهو ما من شأنه أن يؤدي حتماً إلى حمام دم لشعب سوريا.
هذا الادعاء يناقض حقيقة أن العصيان المسلح ليس هو الطريقة الوحيدة لإسقاط نظام الأسد، وأن تعزيز الجماعات المسلحة يقوض الطرق البديلة لحل النزاع بشكل مباشر.
وتشمل المعارضة عدداً من الأشكال المختلفة، مع تكتيكات متباينة على نطاق واسع، واختلافات تتناسب مع الفعالية والشرعية. فمن الواضح أن المظاهرات الشعبية في سوريا قد إختفت مع تمكن التمرد المسلح من السيطرة والبروز.
ويشير الحس الشعبي إلى خيبة الأمل لدى الكثير من السوريين من العصابات المسلحة التي "اختطفت" انتفاضتهم، والتي يحتمل أن تكون لخدمة مصالح بعض القوى الأجنبية التي تحمل خططاً خاصة بها لسوريا.
فقد حذر تشارلز غلاس، كبير مراسلي الشرق الأوسط السابق لوكالة إيه بي سي نيوز، والذي عاد مؤخرا من سوريا، بأن المعارضة السورية الشعبية الديمقراطية "قد صمتت وسط أصوات المدفعية ونيران البنادق".
كما هناك شعور بآثار الانتفاضة المسلحة في جميع أنحاء المنطقة. فبالإضافة إلى تدفق اللاجئين إلى تركيا ولبنان والعراق بأعداد كبيرة، عملت الأزمة السورية كمحفز لاشعال التوترات الكامنة في الدول المجاورة لها، وهو تطور خطير لا سيما على التوازن السياسي الهش في لبنان.
ففي اشتباكات يوم 22 الحاري، قتل ما لا يقل عن عشرة أشخاص في تبادل لاطلاق النار بين الفصائل الموالية للأسد ومعارضيه في طرابلس، وكانت لبنان موقعاً لعدد من عمليات خطف الأفراد السوريين رداً على خطف اللبنانيين في وقت سابق بسوريا.
في هذا السياق يعتبر تغير موقف واشنطن في التعامل مع الأزمة أمر خطير بشكل خاص: فالدعم الصريح للمعارضة المسلحة قد غطى على جميع البدائل.
وقد أدى ذلك لإبعاد المعتدلين والنشطاء السلميين، وجزء كبير من الشعب السوري الذي لا يكن التعاطف مع بشار الأسد، ولكن ليس له مصلحة في رؤية الدولة السورية مستقبلاً تتبع رؤية دولة قطر، والمملكة العربية السعودية أو أمريكا.
الأهم من ذلك، فقد شجع ذلك المتمردين على مواصلة المسار الذي سيؤدي حتما إلى مزيد من العداء وسفك الدماء والإنهيار الإجتماعي.
فالمسار الحالي يعطي السلطة والشرعية السياسية –دون داعي- للأطراف الفاعلة الخارجية والتي لا يهمها ما يحدث من تدهور مستمر في سوريا نحو المزيد من الفوضى، بل التحمل والإنتظار لتحقيق أهدافها المتطرفة لأنها ليست هي التي تتحمل التكاليف الحقيقية.
أما النظام السوري فهو يتعرض أيضاً لمحاولات الإلتفاف الروسي والإيراني للحفاظ على مواقعهما الإستراتيجية، فقد طرحتا علنا فكرة استقالة الأسد، ودعتا إلى بدء حوار مع جماعات المعارضة.(آي بي إس / 2012)
بقلم سامر عرابي/وكالة إنتر بريس سيرفس
علم الإستقلال السوري مرسوم على جدار مدرسة حكومية Credit: Freedom House/ CC by 2.0 |
واشنطن , أغسطس (آي بي إس) - تتزايد إحتمالات التدخل العسكري الدولي في سوريا يوما بعد يوم، وذلك في أعقاب تصاعد أعمال العنف في سوريا.
ففي وقت سابق من هذا الأسبوع حذر الرئيس الأمريكي باراك أوباما من "عواقب وخيمة إذا بدأنا نشهد تحركات على جبهة الأسلحة الكيميائية أو الإستخدام الفعلي للأسلحة الكيميائية". وجاء ذلك التحذير بعد مرور عام تقريباً على أول نداء وجهه الرئيس باراك أوباما للرئيس السوري بشار الأسد طالباً منه التنحي.
وعلى الرغم من أن هذا التحذير لايشير إلى تحول كبير في سياسة إدارة أوباما تجاه الكارثة المتنامية في سوريا، إلا إنه يمثل أحدث خطوة للتحول البطئ لرغبة المسؤولين في الإدارة الأمريكية للنظر في إستخدام القوة العسكرية المباشرة ضد الدولة السورية.
فجاءت ردود الفعل الأولى لإدارة أوباما -وغالبية الرأي العام الأميركي - معارضة بدرجة كبيرة لتدخل عسكري أجنبي آخر. ولا يزال مسؤولو الإدارة، التي ما زالت تعاني من نكسات في العراق وأفغانستان، وقواتها المنتشرة من اليمن إلى باكستان ومالي، وغيرها، محبطون أيضاً بسبب عدم تحقق مكاسب سياسية للتدخل المثير للجدل في ليبيا.
وهكذا وقفوا ضد تورط الولايات المتحدة في مسعى عسكري أخر في الشرق الأوسط، على الرغم من تبني الصقور في كلا الحزبين لشن حملة جوية فورية على نظام الأسد.
لكن واشنطن لم تكن تكتفي بالجلوس على الهامش وإنتظار نتائج الصراع، وإنما شملت نفسها بشكل معمق في جميع المستويات الإنتفاضة -من العنف اليومي للخطط الانتقالية- أملا في قولبة العملية ونتائجها لتتناسب مع مصالحها الإقليمية الجيوسياسية.
وبدلاً من توريط القوات الامريكية، اختارت الإدارة تكتيكاً مختلفاً. فلعدة أشهر الآن تقوم واشنطن بتسهيل تسليح وتنسيق مهام الجيش السوري الحر، وهو المجموعة الفضفاضة من أعضاء الميليشيات، والمقاتلين الأجانب، والمنشقين عن الجيش التي نمت بسرعة من حيث الحجم والقدرة على مواجهة قوات الأسد الأمنية.
وكانت وكالة رويترز قد كشفت مؤخراً عن تورط المخابرات المركزية الأمريكية السري مع الجيش السوري الحر في تركيا، وكيف أن الإدارة سمحت لمنظمة أمريكية بتحويل الأموال للقوى المعارضة السورية.
بيد أن مثل هذه التحركات لا تضع الإدارة الأمريكية إلي جانب كل فئات المعارضة المناهضة للأسد، وإنما مجموعة فرعية معينة من هذه الحركة المعارضة التي أعطت الأولوية للصراع العنيف قبل أي بدائل أخرى.
فهي لا تعتبر أن الإنتفاضة المسلحة للاطاحة بالدكتاتور هي بالضرورة عمل غير شرعي، فكثير من الثورات الناجحة والملهمة اتبعت نهجاً مماثلاً. ومع ذلك، يمكن القول إن الإنتفاضة المسلحة في سوريا هي المكون الأقل شرعية للثورة التي بدأت منذ سنتين في البلاد.
فمنذ البداية، اضطر "المتمردون" للإعتماد على المعدات والتمويل وحتى القوى البشرية من مصادر خارجية، وجاء ذلك غالباً من الدول الإستبدادية المجاورة التي لا تتوقع وجود ديمقراطية في سوريا ما بعد الأسد، أو من اللاعبين الدوليين ممن لهم سجلات كارثية تتعلق بالمشاركة والتأثير في شؤون الشرق الأوسط السياسية.
وفي هذا السياق، لا توجد مؤشرات على أن ذلك سيكون مختلفاً بشكل جوهري عن المحاولات الأخرى-التي لا تعد ولا تحصى– والتي فشلت قبل ذلك.
هذا ويدرك أنصار التدخل العسكري الدولي في سوريا جيداً هذه المخاطر، وإن كان بعضهم قد اختاروا تجاهلها. ومع ذلك، تدعي الأغلبية بأن هذه التعقيدات هي ثمن ضروري في غياب أي بديل آخر. فبدون التدخل الخليجي والغربي، كما يقولون، فإن مصير المعارضة هو الهزيمة، وهو ما من شأنه أن يؤدي حتماً إلى حمام دم لشعب سوريا.
هذا الادعاء يناقض حقيقة أن العصيان المسلح ليس هو الطريقة الوحيدة لإسقاط نظام الأسد، وأن تعزيز الجماعات المسلحة يقوض الطرق البديلة لحل النزاع بشكل مباشر.
وتشمل المعارضة عدداً من الأشكال المختلفة، مع تكتيكات متباينة على نطاق واسع، واختلافات تتناسب مع الفعالية والشرعية. فمن الواضح أن المظاهرات الشعبية في سوريا قد إختفت مع تمكن التمرد المسلح من السيطرة والبروز.
ويشير الحس الشعبي إلى خيبة الأمل لدى الكثير من السوريين من العصابات المسلحة التي "اختطفت" انتفاضتهم، والتي يحتمل أن تكون لخدمة مصالح بعض القوى الأجنبية التي تحمل خططاً خاصة بها لسوريا.
فقد حذر تشارلز غلاس، كبير مراسلي الشرق الأوسط السابق لوكالة إيه بي سي نيوز، والذي عاد مؤخرا من سوريا، بأن المعارضة السورية الشعبية الديمقراطية "قد صمتت وسط أصوات المدفعية ونيران البنادق".
كما هناك شعور بآثار الانتفاضة المسلحة في جميع أنحاء المنطقة. فبالإضافة إلى تدفق اللاجئين إلى تركيا ولبنان والعراق بأعداد كبيرة، عملت الأزمة السورية كمحفز لاشعال التوترات الكامنة في الدول المجاورة لها، وهو تطور خطير لا سيما على التوازن السياسي الهش في لبنان.
ففي اشتباكات يوم 22 الحاري، قتل ما لا يقل عن عشرة أشخاص في تبادل لاطلاق النار بين الفصائل الموالية للأسد ومعارضيه في طرابلس، وكانت لبنان موقعاً لعدد من عمليات خطف الأفراد السوريين رداً على خطف اللبنانيين في وقت سابق بسوريا.
في هذا السياق يعتبر تغير موقف واشنطن في التعامل مع الأزمة أمر خطير بشكل خاص: فالدعم الصريح للمعارضة المسلحة قد غطى على جميع البدائل.
وقد أدى ذلك لإبعاد المعتدلين والنشطاء السلميين، وجزء كبير من الشعب السوري الذي لا يكن التعاطف مع بشار الأسد، ولكن ليس له مصلحة في رؤية الدولة السورية مستقبلاً تتبع رؤية دولة قطر، والمملكة العربية السعودية أو أمريكا.
الأهم من ذلك، فقد شجع ذلك المتمردين على مواصلة المسار الذي سيؤدي حتما إلى مزيد من العداء وسفك الدماء والإنهيار الإجتماعي.
فالمسار الحالي يعطي السلطة والشرعية السياسية –دون داعي- للأطراف الفاعلة الخارجية والتي لا يهمها ما يحدث من تدهور مستمر في سوريا نحو المزيد من الفوضى، بل التحمل والإنتظار لتحقيق أهدافها المتطرفة لأنها ليست هي التي تتحمل التكاليف الحقيقية.
أما النظام السوري فهو يتعرض أيضاً لمحاولات الإلتفاف الروسي والإيراني للحفاظ على مواقعهما الإستراتيجية، فقد طرحتا علنا فكرة استقالة الأسد، ودعتا إلى بدء حوار مع جماعات المعارضة.(آي بي إس / 2012)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق