|
ويكابيديا |
بعد 9/نيسان/2003 شُرعت ابواب مؤسسات الدولة على مصراعيها أمام "أعوان الأحتلال" من الوصوليين، الذين انتهزوا الفرصة ليفوزوا بالأرشيف الغني بالمعلومات والوثائق المهمة، التي تدين وتفضح حقيقة الذين جاءوا مع الدبابة الأمريكية للعراق!!، فتسابق "الشركاء" للحصول على تلك الوثائق من أجل تقوية مراكزهم في ميدان المنافسة على الكراسي والمصالح الشخصية، ولهذا لم ينشروا منها شيئاً يذكر بل أحتفظوا بها في أدراج مكاتبهم!!، أما الصدارة فكانت لكلب الأحتلال الأجرب "أحمد الجلبي" الذي نال حصة الأسد من أرشيف جهاز المخابرات والأمن العامة، ولا يخفى على أحد أن "الجلبي" معروف بإستخدامه الوسائل القذرة في إدارة شؤونه، فهو يمارس سياسة المافيات في تهديد منافسيه وأبتزازهم، المهم في الأمر أن هناك وثائق مهمة تتعدى حدود الشخص المعني لتقلب موازين وقناعات أذا ما ظهرت، ومنها وثائق تخص "محمد باقر الصدر"، الذي أعدم بتهمة العمالة والتخابر مع إيران عام 1980، وهذا الشخص روج له الإعلام كرمز للتحدي، الصمود، الكبرياء والحكمة... إلخ، ومجدت به الأجندات الطائفية إلى حدود تشبيهه بالحسين (رضي الله عنه)، ليس على مستوى المواقف فقط وإنما أقتبس له نفس السيناريو، الحصار، العطش والمعاناة، حتى خطاب "زينب" في الشام نسبوا واحداً مماثلا لشقيقته"أمنة الصدر"!!، الغاية من ذلك التلاعب بعواطف البسطاء لاثارة المشاعر المذهبية لدى الشيعة المتعاطفة مع قضية ظلم الحسين (رضي الله عنه)، ورغم التطبيل المستمر للصدر لكننا لم نجد وثائق تخصه من الأرشيف المستحوذ عليه من أجهزة الدولة تثبت ثباته على موقفه وصموده!!، أين ذهبت محاضر التحقيق وملف المحاكمة؟!، الجواب يعرفه "الجلبي"،فهو يمتلك كافة الوثائق الخاصة بقضيته ومن بينها جلسات التحقيق مسجلة!!، والمقربون منه يعرفون هذه الحقيقة وأطلعوا على تلك الوثائق، لكن أظهارها لا يخدم الاجندة الطائفية المعمول بها، لأنها ستهدم الصنم الذي صنعوه وتذهب بـ "محمد باقر الصدر" إلى سلة القمامة، كما أخفي تسجيل نادر للقاء حدث بين "محمد باقر الصدر" والرئيس الراحل "صدام حسين" (رحمه الله) في نهاية السبعينات، وقد حضره السكرتير الصحفي (آنذاك) "صباح سلمان" الذي أختطف وقتل بسببه بعد الأحتلال.
ظل "محمد باقر الصدر" تحت الأقامة الجبرية في داره عشرة أشهر (تقريبا)، ثم صدر أمر قضائي بتقديمه للمحاكمة بتهمة العمالة والتخابر مع دولة أجنبية، وحُكم عليه بالإعدام شنقاً حتى الموت من قبل القاضي "علي السيد هادي السيد وتوت" حسب قانون العقوبات ذي رقم 111 لسنة 1961، الصدمة الكبرى التي تلقاها الصدر هي أدلة الأدانة التي استندت عليها قضيته، معظمها كان مصدرها "الخميني" الرجيم، فقد أراد الخميني أن يتخلص من "محمد باقر الصدر" بأي شكل من الأشكال وأزاحته عن الطريق، فأظهر الأدلة التي تثبت تورط الصدر بالخيانة العظمى، السؤال الذي يطرح نفسه.. لماذا فعل الخميني هذا؟!.
عندما كان هدام الأسلام "الخميني" الرجيم في النجف، أنقسم رجال الدين بين معسكرين، الأول.. جماعة "الخوئي" ومؤيدي مرجعية النجف، والثاني.. جماعة "الخميني" ومؤيدي نظرية ولاية الفقيه، وكان "محمد باقر الصدر" تابعاً للخميني كتبعية العبد للسيد في زمن الجاهلية، إلى الدرجة التي طعن فيها بمرجعية الخوئي التي وصفها بالضعيفة، فرد الخوئي عليه بطرده من الحوزة العلمية وقطع راتبه، ثم أعلن الصدر نواياه في التصدي للمرجعية بتوزيع رسالته العلمية (الفتاوي الواضحة)، ووجه خطاب إلى حزب الدعوة جاء فيه.. "أنا معكم ولن أتخلف عنكم لحظة واحدة، غير أني رأيت في الوقت الحاضر أن الحركة الأسلامية لاتؤدي دورها المنشود إلا بدعم المرجعية لها، كما لاغنى للمرجعية عن الحركة الأسلامية، فكل منهما يدعم الأخر، وأنا أرى من الأن التصدي للمرجعية هو الوظيفة الشرعية وهو المطلوب، والمطلوب منكم دعم هذه الفكرة"، فحصل الصدر على دعم "الدعوجية" الذي كان يتزعمهم "محمد هادي السبتي" في حينها، وقد لعب الحزب دوراً كبيراً في الترويج لمرجعية الصدر على حساب المرجعية النجفية التي تصادم الحزب معها منذ عهد "آل الحكيم"، كما أن الخميني الرجيم وجماعته كان لهم دوراً داعماً ايضاً في هذه القضية، وذلك لأن الخطوة التي أقدم عليها "محمد باقر الصدر" كانت مكسباً للخميني لسببين، الأول.. الخلاف الكبير مع الخوئي (بشكل خاص) ورجال النجف (بشكل عام)، فقد ذكر الخميني الرجيم عن رجال الدين النجفيين في أحدى رسائلة ما يلي.. "لست أدري أي ذنب أرتكبته حتى أبتليت في آخر عمري بالنجف، كلما خطوت خطوة واجهت معارضة وكسراً من عدة من مشايخ النجف، أننا في النجف مبتلون بأناس يعتقدون أن بريطانيا وأمريكا ملجأ الأسلام وحماه وأنه اذا زالت هاتان القدرتان فالاسلام سيزول"، وعلى المستوى الشخصي مع الخوئي أصدر الخميني الرجيم بياناً أتهم فيه الخوئي بصرف الحقوق الشرعية بغير محلها، وذلك على خلفية الهدية التي قدمها الخوئي لزوجة شاه إيران "فرح ديبا"، وهي عبارة عن خاتم من الألماس باهض الثمن!!، السبب الثاني.. هو موقف الخميني الرجيم من المرجعية النجفية، فقد كان يسعى لأقامة "ولاية الفقيه" التي ستهمش دور المرجعيات الدينية وتجعلها تابعة لولاية الفقيه، وتنقل مركز القيادة الشيعية إلى إيران، هذا الأمر لم يجد قبولا لدى معظم رجال الدين في النجف ومنهم الخوئي الذي رفض فكرة التنازل عن سلطة مرجعيته لصالح ولاية الفقيه، الخميني وجد بـ "محمد باقر الصدر" وسيلة لضرب مرجعية الخوئي وأشعال نار الفتنة بين رجال الدين النجفيين، وكانت فعلا كما أراد الخميني وجماعته.
بعد وصول الخميني الرجيم للسلطة في إيران وقيام نظام ولاية الفقيه، أصبح من الضروري أن ينتهي دور "محمد باقر الصدر" وتسدل الستارة عن شخصيته، ولأسباب عديدة، أولها وأهما جذور آل الصدر العربية، والخميني شخص شعوبي مؤمن بأن المرجعية الشيعية يجب أن تكون للفرس فقط، ورغم العداء الكبير بين الخميني والخوئي إلا أن الفرس يفضلون بقاء الخوئي على أستفراد الصدر بالمرجعية النجفية رغم ولاءه الأخير للخميني وولاية الفقيه، فعلى أقل تقدير أن الخوئي ضمان لبقاء المرجعية والحوزة العلمية بعيدة عن التعريب، وهناك أمر آخر له أهمية، فالخميني لايريد له منافسين لا على الصعيد الديني ولا السياسي، فهو يرى نفسه قائداً ثورياً دينياً لا يقارن به أحد، فيذكر السيد "موسى الموسوي" في كتاب (الاستاذ الخميني في الميزان) أن الخميني أنزعج كثيراً بسبب ذكر اسم الإمام "الطباطبائي القمي" مع أسمه في كتاب (إيران في ربع قرن)!!، وكدليل على أصابة الخميني الرجيم بـ "داء العظمة" فأنه فرض أن ينادى بأسمه في الآذان قبل الرسول (صلى الله عليه وسلم)، "الله أكبر.. الله أكبر.. خميني رهبر"!!، وعندما بدأ اسم الخميني يظهر كرجل دين ثوري حارب منافسيه، وكان أولهم "موسى الصدر" الذي أتهمه بالعمالة للشاه!!، رغم مواقف "موسى الصدر" الإيجابية مع الخميني وجماعته وصلة المصاهرة التي تجمعهم، وكذلك فعل الخميني الرجيم مع المرحوم "كاظم شريتمداري" (أكبر مراجع إيران)، وهو من فل حبل المشنقة من رقبة الخميني عام 1963 عندما قال أن الخميني مرجع ولا يمكن أعدامه!!، مع العلم أن الخميني لم يكن كذلك، حتى أن رسالته العلمية (وهي من متطلبات التصدي للمرجعية) لم تكن مكتملة، بل نشرها بعد ذلك بسنوات في النجف، وعندما عاد الخميني لإيران وتسلم السلطة فرض الإقامة الجبرية على "شريعتمداري" ومنع عنه العلاج والأطباء حتى توفي، ثم أمر بدفنه قرب الحمامات في المقبرة!!، وعن ذلك تقول "فرح ديبا" (زوجة الشاه) في مذكراتها "الخميني قتل من أنقذ حياته"!!، على أية حال.. الخميني الرجيم لايريد أن يبرز شخص بوجوده، فهو يريد أن تكون الأضواء مسلطة عليه وحده، ولاشك بأن "محمد باقر الصدر" فيه مقومات البروز التي يخشاها الخميني، تصديه للمرجعية الدينية، خلفيته الحزبية، مواقفه السياسية... إلخ، ولهذا كان لابد أن ينتهي دوره قبل أن تتسع قاعدته الجماهيرية وينافس الخميني، خصوصاً أنه كان ينوي تكرار دور الخميني في العراق.
وضع "محمد باقر الصدر" نهايته عندما أرسل "محمود هاشمي الشاهرودي" ممثلا عن مرجعيته إلى إيران، مما أثارت هذه الفعلة غضب الخميني فأرسل رسالة غريبة عجيبة للصدر عبر اذاعة طهران العربية، والتي هي مراقبة من قبل السلطات العراقية، وقد جاء بالرسالة.. "سماحة حجة الإسلام والمسلمين الحاج السيد محمد باقر الصدر دامت بركاته، علمنا أن سماحتكم تعتزمون مغادرة العراق بسبب بعض الحوادث، إنّني لا أرى من الصالح مغادرتكم مدينة النجف الأشرف مركز العلوم الإسلامية وإنّني قلق من هذا الأمر، آمل إن شاء الله إزالة قلق سماحتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، أولا.. ابتدأ الخميني رسالته بـ "حجة الأسلام والمسلمين"، وهذه الكنية لايخاطب فيه المرجعيات، لكن الخميني اراد ان يبعد انظار الشيعة عن مرجعية الصدر، ثانيا.. اشار في رسالته إلى نية الصدر بمغادرة العراق، وهذا ما تفاجأ به الصدر وتعجب له فهو لم ينوي القيام بهذا العمل، فمن أين وصلت هذه المعلومة له؟!، الجواب عرفه "محمد باقر الصدر" بعد فوات الأوان، وعرف لماذا كان الخميني الرجيم يتواصل معه علناً دون تكتم، عبر الإذاعة العربية من طهران، واستخدام البريد العادي لأرسال الرسائل، وتسجيل الأتصالات الهاتفية وإذاعتها، ففي أحدى جلسات التحقيق المسجلة التي يمتلكها "أحمد الجلبي" وأطلع عليها بعض المقربين منه، قال الصدر.. "لقد غدر بي الخميني"، وهذه هي الحقيقة، عندما كان الخميني في العراق كان يتواصل مع جماعته في إيران بسرية بالغة، لكنه عمل العكس مع الصدر لأنه اراد أن يزيحه عن الطريق ويسلم السلطات العراقية أدلة دامغة تدينه وتصل به لحبل المشنقة.
باحث في الشؤون الإيرانية والتاريخ الصفوي
11/تشرين الثاني/2012
|
كاتب هذه الاسطر ادخل نفسه في دوامة الهلاك ليلحق بالكلب صدام ويحشر معه الى جهنم و بئس المصير
ردحذف