قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الثلاثاء، 8 سبتمبر 2015

العلامة السيد محمد علي الحسيني: عن نظرية ولاية الفقيه في الفقه الشيعي وتأثيرها على السياسة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
العلامة السيد محمد علي الحسيني:
عن نظرية ولاية الفقيه في الفقه الشيعي وتأثيرها على السياسة
شبكة البصرة
أکثر من ثلاثة عقود قد مضى على تأسيس نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية على ضوء نظرية ولاية الفقيه في إيران، ولازال الحديث والجدل يدور بقوة حول هذه النظرية سلبا وإيجابا، مع ملاحظة ان النظرة السلبية لها هي الغالبة لأنها بالاساس ليست بتلك النظرية التي تعتمد على أسس ومباني فقهية قوية ويعتد بها بل إن هناك قلة آمنوا بها ناهيك عن أنها حديثة الظهور قياسا للتاريخ الاسلامي.
مصطلح ولاية الفقيه العامة أي التسلط بالحكم الديني-السياسي المطلق على البلاد والعباد لو نظرنا إليه بدقة وبحثنا في مختلف جوانبه، لوجدنا انه مصطلح حديث وطارئ على الفکر والفقه الشيعي-الشيعة الإمامية يقولون إن النبي (ص) قد عين عليا للإمامة بالاسم والنص المباشر، وإن هذه الإمامة تستمر كذلك في ابنيه الحسن والحسين وتتسلسل بشكل وراثي عمودي في ذرية الحسين، وكل إمام يوصي لمن بعده إلى أن تبلغ الإمام الثاني عشرالمهدي الغائب المنتظر- لجأ إليه السيد الخميني من أجل إنشاء الدولة الحاکمة في غياب الامام المهدي المنتظر"ع" (استمرت الغيبة الصغرى للإمام المهدي من سنة 260هـ إلى سنة 329هـ وهي المدة التي كان يتصل فيها بالناس عبر نوابه)، وکما هو معروف، فإن الشيعة في القرون المنصرمة کانوا يعتقدون بأن للفقهاء ولاية ولکنها خاصة بأمور الإفتاء والأموال وأمثالها لا علاقة لها بالأمور السياسية، وذلك استنادا إلى ماقد نقل عن الامام المنتظر حيث قال: "أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا.."، وقال السيد الخوئي: من أنه لا ولاية له-للفقيه-إلا ولاية الإفتاء فهذ ارأي الشيعة الإمامية، أما الولاية العامة المطلقة والتي تخص إقامة الدولة الدينية والحكم المطلق والتحكم بالبلاد والعباد، فهي ولاية خاصة بالإمام المعصوم -الغائب- عند حضوره، ليست لأحد سواه، وهي موقوفة عليه حتى يظهر. وهنا نقول: "بما ان ممارسة الحكم من الناحية المنطقية تستلزم ادارة الشؤون البشرية، فان ماورد اعلاه حول ولاية الفقيه العامة في عصر غيبة الامام فان اقامة الحكم والحكومة وادارة الشؤون السياسية ستدار من قبل الشعب وباردته حسب الاتفاق او الوفاق وبالطبع عبر انتخاب مجلس من الشعب ووفق ارادته وبعبارة اخرى نرى في غيبة الامام المعصوم يعود حكم العباد وادارة البلاد الى الشعب أي ولاية الأمة على نفسها.
ولأن السيد الخميني الذي کان يتوق ويتحرق للسلطة يعلم بأن هذه النصوص تعارض تطلعاته وتحول دونها، فإنه صمم مع نفسه على إيجاد السبيل والوسيلة التي يحقق بها غايته وهدفه ولذلك فقد وجد في مبدأ ولاية الفقيه الذي لجأ إليه قبله النراقي (ت 1245 ه) والذي قال في "عوائد الأيام": "كلّما كان للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والإمام عليه السلام والذين هم سلاطين الأنام، وحصون الإسلام فيه الولاية وكان لهم فللفقيه ايضا ذلك، وبذلك فقد نجح الخميني و بفعل السلطة و الثروة التي تجمعتا بين يديه من أن يجعل من نظرية ولاية الفقيه أمرا واقعا ويفرضها على الضد من رغبة وإرادة کل المعارضين لها.
وبراينا ان نظرية ولاية الفقيه عند السيد الخميني تختلف عن غيره ولربما كانت مجرد نظرية فكرية مجردة اما بالنسبة للسيد الخميني تعتبر وسيلة وآلية للحصول على السلطة الدينية-السياسية واحتكارها، كما وان هذه النظرية عند السيد الخميني تغيرت وتطورت من بدايتها الى نهاية عهد السيد الخميني. وكلما مر الزمن اعطى الخميني لها ابعاد شمولية اكثر وذلك حسب الموقف وبما تتناسب مع مستلزمات كسب السلطة او الحفاظ عليها تماما كما حصل قبيل وفاة السيد الخميني حيث اكد على انه ليس بالضرورة ان يكون الولي الفقيه مرجعا دينيا فيكفي ان يكون مجتهدا! وهذا التعديل في نظرية ولاية الفقيه بعدما كان شرطا بالولي ان يكون مرجعا تم تعديله لمصلحة السيد علي الخامنئي.
ولاية الفقيه في المذهب الشيعي والتي تفتقد إلى أي سند فقهي معتبر، تشبه نظرية (الحاکمية لله)عند جماعة الاخوان المسلمين في المذهب السني، واساس هذه النظرية يرتکز على أنه لابد للأمة الاسلامية من إمام على أساس موقف الامام علي بن أبي طالب"ع" ضد الخوارج عندما رفع أتباع معاوية بن أبي سفيان المصاحف في حرب صفين وأطلقوا مقولتهم الشهيرة (لاحکم إلا لله)، وطالبوا أن يحتکموا الى القرآن، فرد عليهم الامام بقوله المشهور الذي ذهب مثلا (کلمة حق يراد بها باطل) وإن القرآن لايحكم بحد ذاته وانما من خلال البشر ولابد للرعية من امام، وهذا الامر تلاقفه النراقي والنائيني والخميني وبنوا عليهم مايرونه الحق والصواب، والذي يجب أن ننتبه إليه هنا هو أن الولي الفقيه يملك سلطة دينية-سياسية مطلقة ويعتبر نائبا للإمام المهدي في غيبته وطاعته واجبة على الامة الاسلامية جميعا (کما ترى هذه النظرية)، والحقيقة أن ولاية الفقيه الخمينية هي مطلقة وتتلخص في أن السيد الخميني أو من يخلفه في منصبه، كمرشد للثورة الإسلامية في إيران، هو ولي أمر كافة المسلمين في العالم، وطاعته واجبة كطاعة الإمام المهدي المنتظر لأنه نائبه ولايجوز مخالفته.
ولا يتم تعيين الولي الفقيه عن طريق الانتخابات من قبل الشعب، بل ينتخب من قبل نخبة من الفقهاء مجتهدين بدرجة آيات الله أي الخبراء كما ذكرنا أعلاه.
وقال السيد الخميني أن الأدلة التي تدل على وجوب الإمامة هي نفس الأدلة التي تدل على وجوب ولاية الفقيه، وأنها من الأمور الاعتبارية العقلانية، وذلك كجعل القيم للصغار، وأن القيم على الأمة لا يختلف عن القيم على الصغار من ناحية الوظيفة "کما يرى الخميني في کتابه الحکومة الاسلامية".

بموجب النظرية التي وضعها الخميني بدقة، فإنها تمنح سلطات وصلاحيات مطلقة وواسعة جدا للولي الفقيه حيث إن هذه النظرية تعتبر حکومة ولاية الفقيه هي شعبة من ولاية رسول الله (ص) المطلقة، وواحدة من الأحكام الأولية للإسلام، ومقدمة على جميع الأحكام الفرعية حتى الصلاة والصوم والحج..
فالولي الفقيه فوق الدستور والقوانين الوضعية، وقراراته تعتبر قوانين إلهية واجبة التنفيذ.
ومن المهم جدا الاشارة الى معارضي نظرية ولاية الفقيه الخمينية حيث أجمع معظم فقهاء الشيعة في النجف على رفضها ومعارضتها، ومنهم: السيد محسن الحكيم، والسيد أبو القاسم الخوئي، والسيد الشيرازي. والأحياء منهم مثل: السيد علي السيستاني، والسيد محمد سعيد الحكيم، والشيخ إسحاق فياض، والشيخ بشير النجفي. والمعارضون من فقهاء الشيعة في لبنان من الأموات والأحياء هم، السيد محسن الأمين، والسيد عبدالحسين شرف الدين، والسيد موسى الصدر، والشيخ محمد جواد مغنية، والشيخ محمد مهدي شمس الدين. أما آية الله السيد محمد حسين فضل الله، فقد أيد الخميني في البداية في ولاية الفقيه، ولكنه تراجع فيما بعد وقال "بتعدد ولايات الأمر" أو "تعدد القيادة الإسلامية في عصر الغيبة"، ولذلك حورب من قبل حزب الله في لبنان الذي يؤمن بولاية الفقيه.
أما في إيران فقد عارض (نظرية ولاية الفقيه) الشيخ مرتضى الأنصاري في كتابه (المكاسب) قبل قرنين من الزمان، وقد حاول دحض أقوال الشيخ نراقي في ولاية الفقيه. والسيد محمد كاظم اليزدي والميرزا محمد حسن النائيني وتحدث عن العدل الممكن في غياب المعصوم لأنه لايؤمن بولاية الفقيه المطلقة (كما في كتابه منية الطالب) "ولأن الحاكم العادل المثالي لايوجد" ولهذا لابد من تحديد صلاحياته بالدستور والقوانين
ومن المعاصرين للخميني الذين عارضوا ولاية الفقيه بشدة الامام السيد أبوالقاسم الخوئي في التنقيح في شرح العروة الوثقى كتاب الاجتهاد والتقليد ويقول: "إنما استدل به على الولاية المطلقة في عصر الغيبة غيرقابل للاعتماد عليه" وكذلك السيد محمد الحسيني الشيرازي وآية الله العظمى السيد شريعتمداري إلى حد أن اتهمه الخميني بالردة عن الإسلام، لکن الامر الذي يثير الانتباه والملاحظة أن حفيد الخميني، وهو عالم دين بدرجة آية الله من أشد المعارضين لنظرية ولاية الفقيه وزج الدين بالسياسة.

خلاصة القول: "إن نظرية ولاية الفقيه العامة والتي تعني الحاكمية المطلقة لمرجع الدين لا مستند فقهي متين لها في الفقه الشيعي، وهي نظرية مستحدثة وخلال أکثر من ثلاثة عقود من عمرها أثبتت بأنها نظرية سياسية قمعية إستبدادية تقوم على إقصاء العقل ورفض الآخر والتسلط المطلق على حياة الإنسان بحجة الدين والدين منه براء".
الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان.
شبكة البصرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق