قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الثلاثاء، 4 نوفمبر 2014

خيانة الوطن في المفهوم البريطاني ما بين الإعدام والاستيزار.. وكم عدد العراقيين الموالين لغير بلدهم والذين يجب ان يخضعوا للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى فيما لو طبق عليهم ذات المعيار الذي طبق على ويليام جويس.! - شواهد

 
traitor00

اقترح وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، منذ ايام، محاكمة البريطانيين المنضمين إلى تنظيم «داعش» بتهمة الخيانة، إذا عادوا ‏الى بريطانيا، لأنهم أقسموا يمين الولاء للتنظيم. وهذا، بحد ذاته جريمة، « اذ يثير الشك بولائهم لهذا البلد. وهنا تكون جريمة الخيانة، كما ان مساعدتهم في التحريض ضد بريطانيا يمثل واحدة من أعظم الجرائم التي يمكن لبريطاني أن يرتكبها».
في اقتراحه، يعيد هاموند، الى الاذهان، مفردة غائبة، تماما، من معجم التداول اليومي في بريطانيا. كانت تهمة خيانة الوطن، الموصوفة بالخيانة العظمى، جريمة عقوبتها الأعدام شنقا منذ عام 1351 . وكان آخر شخص تمت ادانته واعدامه بالخيانة العظمى، عام 1946، هو السياسي والأعلامي الايرلندي ويليام جويس، وذلك لأنه كان يقدم برنامجا دعائيا ضد بريطانيا، في اذاعة ألمانية موجهة الى البريطانيين، وبريطانيا في حالة حرب مع ألمانيا، مما يشكل، حسب الحكم الصادر، بحقه « خيانة للملك والوطن» وتعاونا مع العدو.
اقتراح اعادة العمل بتهمة خيانة الوطن هو واحد من الخطوات التي تحاول الحكومة البريطانية من خلالها، كما تدعٌي ،مواجهة التنظيمات « الاسلامية» في منظومة «الحرب على الارهاب» التي تقودها أمريكا. وهي الحرب التي تحتاجها الدول الغربية الى اقصى حد للترويع وتخويف الشعب من عدو عالمي جديد، وللتوسع وتأمين الطاقة، واجراء صفقات السلاح بمليارات الدولارات، وتزويد التكنولوجيا العسكرية، والاستشارات الأمنية، والشركات الأمنية الخاصة ( المرتزقة).
استماعي الى اقتراح هاموند الذي طرحه للنقاش برلمانيا، يثير العديد من التساؤلات بخصوص موقف بريطانيا ودول أخرى، بضمنها العراق، من مفهوم الخيانة. ولنأخذ العراق، مثلا، لأن تناول جريمة الخيانة العظمى يمس بريطانيا، أيضا، لكونها الدولة التي وقفت جنبا الى جنب مع الولايات المتحدة الأمريكية في غزو واحتلال العراق، وقبل ذلك في احتضان المعارضة العراقية الداعية الى تغيير النظام فيه. فاذا كان ويليام جويس قد أعدم بتهمة الخيانة العظمى، ومن تتاح له فرصة الاطلاع على تفاصيل محاكمته سيدهش لضعف دليل الادانة ضده، فكيف تبرر بريطانيا موقف المتعاونين معها من العراقيين، ومنهم من تم تدريبه عسكريا وتم ارساله الى داخل العراق للقيام بعمليات خاصة؟ فما هي مفاهيم الولاء والخيانة، في هذه الحالة؟ وهل تطبيق تهمة الخيانة العظمى حكر على من يتطوع للتدريب والقتال مع داعش؟
ان مفهوم الخيانة، حسب القانون البريطاني هو أي محاولة لإلحاق الضرر أو إسقاط الملكية أو الحكومة – ويتم تصنيف هذه الافعال تحت مسمى جريمة مبايعة أعداء التاج. وكان رئيس الوزراء ديفيد كاميرون قد أشار، في كلمته أمام مؤتمر حزب المحافظين، منتصف الشهر الحالي، الى إمكانية مقاضاة « الجهاديين» بتهمة الخيانة، واصفا اياهم بالاعداء.
ترى، كم هو عدد العراقيين الذين يجب ان يخضعوا للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى فيما لو طبق عليهم ذات المعيار الذي طبق على ويليام جويس ( مهما كان رأينا بمعتقده السياسي)، وفيما لو طبق، اليوم، ذات المعيار المقترح من قبل هاموند، والمتضمن ولاؤهم لجهة هي غير الوطن وتعاونهم في التحريض ضد بلدهم؟ ماذا عن تبادل القبل والتحاضن مع المحتل واقامة الولائم والشعب يذبح وقد تجاوز عدد ضحاياه المليون والعراق يقسم وهم يضحكون؟ ألا يتطلب هذا ان نعرف ما هي حدود تهمة خيانة الوطن وما هي شروط ومتطلبات الولاء ؟ هل من زمن معين للولاء والخيانة ام انهما مفهومان مطلقان يتجاوزان الزمان والمكان؟ الم تقم فرنسا، بعد تحريرها من الاحتلال النازي بأدانة حتى اعلاميين وكتاب، كما السياسيين، بتهمة الخيانة وكانوا من اوائل من عوقبوا، وذلك لتوفر كتاباتهم المؤيدة والمبررة للاحتلال؟
هذه تساؤلات اثارها اقتراح وزير الخارجية البريطاني وليست دعوة للاجتثاث او المحاكمات واصدار احكام الأعدام. فعراق اليوم لديه ما يكفيه، وهو غارق حتى قمة جباله في حملات الانتقام. انها دعوة لمراجعة المواقف والنظر في المفاهيم الأخلاقية والمبادىء التي تشكل هوية المواطن من خلال انتمائه الى الوطن وتحمله المسؤولية والواجبات والولاء بالدرجة الاولى. هذه المبادىء، التي تربينا عليها، يجتهد الكثيرون من ساسة «العراق الجديد» ومثقفيقراطه في تقديمها الى الجيل الجديد من ابناء العراق، بصورة مشوهة ومضللة، ترويجا للاحتلال واستنجادا بالقوات الاجنبية والمرتزقة.
ولايزالون يتبارون باجتهادات وفتاوى، تقلل من قيمة الولاء للوطن وتسوغ التعاون مع اعدائه اعلاما وكتابة وسياسة، من أقصى يسار العلمانية التكفيرية الى أقصى يمين الدينية التكفيرية.
الملاحظ، أيضا، كيف يتحاشى المثقفون واجهزة الاعلام مفردتي الولاء للوطن وخيانته، باعتبارهما خطابا عتيقا أكل عليه الدهر وشرب، أو لم يعد يتماشى مع روح العصر الليبرالي وعولمة الخطاب الاعلامي. حيث تحول فعل احتلال العراق وافغانستان ومن قبلهما فلسطين، وجرائم الاحتلال الصهيونية – الامريكية بوحشيتها التي تفقأ العين، الى مجرد وجهة نظر او دعوة مهذبة للقبول بالامر الواقع. فالاستديوهات الجائعة للبث، على مدى 24 ساعة، لاتخاطر بما قد يغضب المدعوين او من يقف وراءهم. والمثقف اليساري الساعي للحصول على راتب تقاعدي بحجة النضال ضد النظام السابق، لايخاطر باغضاب السلطة التي ستمنحه الراتب.
يقول ماركوس كيكيرو، مفكر روما الكبير، عن الخيانة ان من السهل محاربة العدو الواقف على بوابات المدينة لانه معروف ويحمل رايته بشكل واضح، لكن الخائن يتحرك بحرية بين من يعيشون في الداخل وتنتقل همساته الخبيثة بين دروب المدينة، لأن الخائن لا يظهر بمظهر الخائن، انه يتحدث بلهجة مألوفة لدى ضحاياه، وهو يرتدي وجوههم وحججهم.
ان دلالة اقتراح وزير الخارجية البريطاني امام مجلس العموم واشارة رئيس الوزراء الى نفخ الحياة في عقوبة خيانة الوطن تضعنا أمام تساؤل جديد مفاده اذا كانت خيانة الوطن واحدة أم ان لها معاني عدة تخضع لاجتهادات وسياسة الدول الكبرى، وما تطبقه حماية لمصالحها لايماثل ماتطبقه في بقاع الارض الاخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق