قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الأحد، 9 نوفمبر 2014

الحرس الثوري الإيراني قادم وليس الحرس الوطني.. شيوخ العشائر ألا تعقلون؟!

نزار السامرائي

ما حصل في جرف الصخر أخيرا يجسد نزعة الانتقام لدى عناصر الحرس الثوري الإيراني والميليشيات التي تقدمت بقيادات إيرانية نحو هذه المدينة الصغيرة النائمة على ضفة الفرات من جهة وعلى حافة الصحراء من جهة أخرى.

وما قدمه الطيران الحربي الأمريكي من إسناد لقوات الحرس الثوري الإيراني الذي كان يقوده الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس، يلخص حقيقة المشهد السياسي الراهن أو المطلوب تكريسه كأمر واقع على الأرض، ليس في العراق وحده، بل في العراق وسوريا ولبنان واليمن والذي يعكس أطوار الاستحالة في الحلف الأمريكي الإيراني من السرية إلى العلن، وما يراد تنفيذه للوطن العربي من إعادة رسم خرائط الجغرافيا السياسية على أسس جديدة وإن كانت ترتكز على مبادئ اتفاقية سايكس بيكو، أي أن الغرب الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة كوريث للاستعمار البريطاني الفرنسي، والتي لم تعد تشعر بالرضا الكافي عما أنتجته اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، التي جزأت الوطن العربي جغرافيا ولكنها عجزت عن تقسيمه فكريا وثقافيا وإنسانيا وحضاريا وضعت الخطط للبدء بالمرحلة الثانية وهي تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ.

وهذا دليل على إخفاق الفكرة التي دفعت كلا من بريطانيا وفرنسا لإعادة رسم الخارطة السياسية للوطن العربي،لأن نمو الفكر القومي من المنطقة التي خضعت للمقص البريطاني الفرنسي أي بلاد الشام وتحول هذا الفكر خلال سنوات معدودات إلى أكبر قوة ثورية في المنطقة وجدت أصداءها القوية في كل من العراق ومصر وترددت أمواج إعصارها إلى بلاد المغرب العربي حيث اندلعت ثورة المليون شهيد في الجزائر، كاد أن يصفي مرتكزات الوجود الاستعماري القديم.

في ضوء هذه الحقائق كان لا بد للولايات المتحدة التي خرجت إلى العالم وهي ترفع شعارات براقة عن احترام حقوق الدول في التحرر من السيطرة الاستعمارية مستفيدة من أنها كانت ضحية الاستعمار البريطاني لقرون طويلة فظنت الشعوب أنها لن تتحول إلى أكبر قوة استعمارية عرفها تاريخ البشرية، وإذا بها تتحول بعد الحربين العالميتين إلى أسوأ قوة إمبريالية عرفها العالم توظف ماكنة الحرب الهائلة التي تمتلكها وقوة اقتصادها وأدواتها السياسية والإعلامية لقهر الشعوب وممارسة أسوأ ظلم مارسه نظام السيطرة الاستعمارية، حتى بدأت شعوب الدول المستعمرة تترحم على عهود السيطرة الاستعمارية البريطانية والفرنسية والبرتغالية والإسبانية والهولندية، نتيجة الويلات التي عانت منها شعوب الأرض على يد المستعمرين الجدد الذين أعادوا عهود الاحتلال العسكري المباشر بأسوأ صفحاته إضافة إلى السعي الممنهج للسيطرة على عقول وأفكار الشعوب من خلال رسم البرامج التربوية ومناهج التعليم، جنبا إلى جنب مع السيطرة على الثروات الطبيعية في البلدان الصغيرة أو في الأراضي البكر التي لم تكن دخلت إلى جانب أي من المعسكرين أثناء الحرب الباردة، وذلك عن طريق السيطرة على الاستثمارات عبر الشركات العملاقة العابرة للقارات، والتي كانت تحمل صفة الشركات المتعددة الجنسية من حيث الشكل ولكنها في حقيقتها كانت شركات أمريكية من حيث الرساميل الضخمة ومن خلال السيطرة على مجالس إدارتها ورسم سياساتها الإنتاجية والتسويقية والتسعيرية، وخاصة في مجال انتتاج الطاقة.

ما حصل في جرف الصخر مؤخرا، لم يكن معركة بين تنظيم الدولة الإسلامية من جهة والقوات الحكومية المسندة من المليشيات والقوى شبه العسكرية التي تم تشكيلها بموجب فتوى الجهاد الكفائي كما تزعم الدوائر الحكومية والدوائر الإعلامية المعبرة عن وجهات نظرها، بل كان معركة بين الحرس الثوري الإيراني وقوات البسيج، وقوات بدر التي لا تعدو عن كونها أحد الأذرع الخارجية للحرس الثوري الإيراني، وكان قادة بدر مثل هادي العامري وأحمد الخفاجي ووزير الداخلية الحالي يتقاضون مرتباتهم كأفراد مجندين رسميين في صفوف الحرس، فما جرى إذن هو تغير في مسار العمليات العسكرية التي تنسب كذبا إلى القوات الحكومية من جيش وأجهزة أمن، ويبدو أن هذا البرنامج العسكري الإيراني المباشر الذي قبلت به الولايات المتحدة ودعمته سياسيا وبقوة النار والذي بدأ في مدينة آمرلي في محافظة صلاح الدين، بدأ بالتوسع الأفقي ليشمل مناطق ذات خصوصية معروفة بانتمائها العشائري والمذهبي، مما يعد تطورا خطيرا على طبيعة المواجهة، حتى بدا الأمر وكأنه استبدال خطر داعش الذي يقطع الرقاب ولكنه لا ينتهك الأعراض ولا يمثل بالجثث، بخطر الاحتلال الإيراني البغيض الذي إن ثبّت أقدامه فإن إزاحته ستحتاج إلى سنين طويلة من الكفاح المسلح وإلى تضحيات لا يمكن تقدير حجمها بشريا وماديا مع ضياع فرصة العراق للتقدم والتطور.

ويمكن الاستدلال على هوية القوات التي دخلت جرف الصخر من رصدنا لظاهرة التوسع في مفهوم الانتقام لدى الجهات المهاجمة وذلك بإقامة سوق علنية لبيع الممتلكات والأموال التي تم الاستيلاء عليها من سيارات ومولدات ومعدات كهربائية واعتبارها غنائم حرب لممتلكات "النواصب" لأن الإيرانيين سبق لهم وأن مارسوا هذا النوع من جرائم الحرب أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وخاصة ما استولوا عليه من مدينة الفاو بعد احتلالها مطلع عام 1986، وكذلك التعامل مع المعتقلين من رجال ونساء وأطفال كسبايا.

ولا يختلف مشهد المعارك التي تشهدها مدن محافظة صلاح الدين مثل تكريت وبيجي والضلوعية، في الدور القيادي للجنرال قاسم سليماني وذلك من خلال الدور المموه لفيلق القدس الإيراني تحت عباءة الحشد الشعبي، مما ينذر بوقوع عمليات انتقام أخذت أسماء كثيرة منها بما يرتبط بأن تكريت هي مسقط رأس الرئيس الراحل صدام حسين، ومنها ما يرتبط بعقدة الهزيمة النفسية والسياسية والعسكرية التي منيت بها إيران في حرب الثماني سنوات، ومنها ما هو مستحدث نتيجة مقاومة المحافظة شأنها شأن كثير من مدن العراق للاحتلال الأمريكي وما أفرزه تأسيس الصحوات التي اصطفت مع المحتلين الأمريكان ثم مع حكومة نوري المالكي ضد إرادة أبناء المحافظة، ومنها ما يرتبط بالنزاعات الطائفية التي عاشها العراق بعد عام 2006، ومنها ما هو من إفرازات ما بعد التاسع من حزيران 2014 حيث استولى المسلحون على مناطق شاسعة من الأراضي العراقية بما فيها مدن الموصل وتكريت وبيجي، وما قيل عن فقدان أكثر من 1700 من متطوعي الحشد الشعبي في قاعدة القوة الجوية "سبايكر"، والذين حصلت بشأنهم ضجة سياسية وكأنهم مدنيون تواجدوا بمحض الصدفة في القاعدة المذكورة ولم يكونوا متطوعين للقتال مع كل ما يحمله القتال من نتائج.

إن التجييش الطائفي الذي رافق العمليات العسكرية، ركز على المقاتلين الأجانب الذين دخلوا العراق مع داعش، ولم يتحدث أحد بالمرة عن آلاف المقاتلين الإيرانيين واللبنانيين والأفغان الذين انخرطوا في المليشيات التي تدعمها إيران لقتال السكان الأصليين في مدن عراقية كثيرة وقتلهم وتهجيرهم في خطة تغيير ديموغرافي لا يمكن أن تخفى على المراقب المنصف والحصيف، وفي وسط أجواء الشحن الطائفي الذي تقوده إيران في أكثر من قطر عربي، كانت حكومة نوري المالكي تقدم كل أشكال الدعم المالي لهذه المليشيات لتواصل برامجها بدعم سياسي وقانوني، وسقط نوري المالكي وجاء حيدر العبادي، وظن بعض المراهنين على سراب الوهم والخديعة، أن العبادي يمكن أن يبدأ مشروعا غير المشروع الذي سار عليه المالكي، ولكن الطبع الذي يغلب التطبع إذ لم يسمح للمتفائلين أن يمضوا في هذا الطريق المحفوف بألغام من كل العيارات، إذ سرعان ما تراجع العبادي عن أكثر من نصف تعهداته ووعوده، وخاصة ما يتصل بتشكيل الحرس الوطني وتوسيع دائرة صنع القرار وكذلك المصالحة الوطنية، لأن النصيحة الإيرانية تلخصت في نقطتين اثنتين:

الأولى: أن تشكيل الحرس الوطني من رجال العشائر ومن السكان الأصليين للمناطق التي يراد استردادها من سيطرة المسلحين بصرف النظر عن انتماءاتهم، ستحول دون إطلاق يد قوات الحرس الثوري الإيراني من تنفيذ مجازر ثأرية في محافظة صلاح الدين بشكل خاص للأسباب التي مر ذكرها، وسيحول الحرس أن تم تشكيله عن التعامل مع موجودات المدن كغنائم حرب من جيش "النواصب" وسيحول دون التعامل مع مواطني تلك المدن كسبايا، وهي الحالة التي تم تنفيذها بروح غادرة مع سكان الضلوعية وجرف الصخر، هذا فضلا عما يمكن أن يحصل من احتكاكات بين القائد الحقيقي للقوات وهو قاسم سليماني، ومن يظن نفسه امتلك القدرة على اتخاذ القرارات العسكرية سواء في المدى الذي تذهب إليه العمليات الحربية، أو بطريقة التعامل الميداني مع التطورات الآنية التي تفرزها ظروف المعركة، فالحرس الثوري لم يأت إلى العراق كي يكون بندقية مستأجرة لهذا الشيخ أو ذاك، وإنما جاء ليرسم مسار القرار السياسي والعسكري قبل العمليات وأثناءها وبعدها، وما على العراقيين إلا التنفيذ.

الثانية: إن الأوساط المتطرفة والمتنفذة في التحالف الحاكم، ومن ورائها إيران، ترى أن وجود كتلة سنية مسلحة وتحمل سلاحا مرخصا وشبه رسمي، يمكن أن تشكل خطرا جديا على سلطة الحكومة المركزية في بغداد، وإذا ما استذكرنا أن المحافظات السنية هي وحدها التي كانت تخضع فعليا لسلطة الحكومة فيما يتعلق بالتعيينات في المراكز الأمنية خلال السنوات التي حكم فيها المالكي، لأنه لم يكن ليقدر على تمرير أوامره على سلطة كردستان شبه المستقلة، وكذلك الحال مع محافظات الجنوب والتي كانت تحكم من جانب حكومات محلية قوية تستند على كتل وأحزاب شيعية معارضة للمالكي ونهجه، فلم يجد المالكي غير نينوى وديالى وصلاح الدين والأنبار مكانا لتأكيد سلطته المستبدة وأوامره الصارمة، فكلنا نتذكر كيف أن المالكي رفض قرارات عدة لمجالس هذه المحافظات في تغيير القادة الأمنيين وقادة الشرطة فيها، ليس لأنه يرى فيهم المقدرة والكفاءة والنزاهة، وإنما لمجرد تأكيد سلطته في إذلال هذه المحافظات والتي لم تجد رجالا يتصدون للمالكي واستبداده.

إن هاجس حكومة العبادي لا يختلف بشيء عن هاجس المالكي أو هاجس سليماني إلا بالتفاصيل، فالكل يخشى من البندقية السنية المجردة عن الناصب والجازم أن تتجه نحو الحكومة بعد التخلص من داعش، وتصوب فوهتها نحو أي عدو خارجي لاسيما إيران التي تحمل موروثا من العداء مع العراق والعرب لن تفصل فيه قاعات الحوار على كثرة ما أنتجت من اتفاقيات لم تحترمها إيران في يوم من الأيام.

إن الحرس الوطني الذي يدعو إليه بعض المتصدين للواجهة العشائرية من أجل الكسب المالي المجاني والحصول على وجاهة دور سياسي واجتماعي مفقود، ليس هو الإطار الصالح لمعالجة الملف الأمني المتدهور في المحافظات المقصود تشكيل الحرس الوطني فيها، لأن الحل السياسي الجذري للأزمة الذي تقوده حكومة وطنية حقيقية هو الحل الأمثل، ذلك أن الحكومات يفترض بها أنها لا تحمل ثأرا مع أحد ولا يجوز لأحد أن يحمل نحوها ثأرا، أما مع التشكيلات شبه العسكرية فالأمر مختلف تماما، ولهذا فإن الحكومة إذا استكملت شروط تشكيلها وصارت ممثلة لكل العراقيين ومدافعة عنهم بنفس القوة، هي الجهة الوحيدة التي تناط بها مهمة صيانة الأمن بقوات مسلحة وطنية غير طائفية أو جهوية ويتم بناؤها على أسس مهنية وعبر قانون واضح للخدمة الإلزامية.

إن ما تعاني منه بعض المناطق وخاصة محافظة الأنبار هو تجسيد للحلول الخاطئة التي تم اعتمادها خلال السنوات الأولى للاحتلال الأمريكي وذلك بالاعتماد على الصحوات التي أدخلت العشائر فيما بينها أو مع القاعدة في قضايا دم قد لا تنتهي في الأفق المنظور، ولا شك في أن بعض الشيوخ هم الذين ورطوا عشائرهم في معارك وثارات لا مصلحة لها فيها، ولكن أولئك الشيوخ استغلوا بطالة بعض الشباب من أبناء عشائرهم وزجوا بهم في معركة لم يكن الهدف منها إلا جني المال الحرام من المحتل الأمريكي، وبعد استنفاد الغرض من هذه الصحوات تم رميها جانبا وحتى مرتبات عناصرها التي كانت تخضع للسطو من بعض قادتها، تم وقف صرفها من قبل حكومة المالكي التي أرادت توظيفها لأغراض سياسية بوجه الشركاء والخصوم، وتم شق هذه الصحوات أكثر من مرة من دون أدنى رادع أخلاقي من قبل السلطات الرسمية.

إن تكرار تجربة الصحوات وتحت أي اسم آخر ليس الحل الناجح، لأنها قوات مسلحة شبه نظامية وتنطبق عليها مواصفات المليشيات وربما هي أقرب للقطاع الخاص منها إلى الحكومي والتي لا تؤدي وظيفة وطنية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق