قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الجمعة، 22 مارس 2013

في مهرجان الدم العراقي المراق.. لن يكفي الاعتراف بالخطأ.. بل محاكمة المشاركين وتعويض العراق ما خلفته حرب الكوارث ..هدف راسخ في ضمائر العراقيين ولن يساوموا عليه ولن يسمحوا بتذويبه في بحار النسيان.!


في مهرجان الدم العراقي المراق.. لن يكفي الاعتراف بالخطأ.. بل محاكمة المشاركين وتعويض العراق ما خلفته حرب الكوارث ..هدف راسخ في ضمائر العراقيين ولن يساوموا عليه ولن يسمحوا بتذويبه في بحار النسيان.!

المرابط العراقي
uprr01
كان لافتا أن أكثر من مسؤول في الدول التي شاركت مع الولايات المتحدة في شن العدوان على العراق عام 2003، بدأ في كشف خفايا وأسرار التحضيرات التي سبقت الغزو، وبدأ بسرد اعترافات باهتة بأن ما وقع كان خطأ فادحا ارتكبته دول التحالف، لأن أيا من الأسباب التي اتخذت كذريعة لشن العدوان، لم يثبت وجودها أبدا على الرغم من الجهود التي بذلت من أجل إثباتها.
كان على رأس قائمة دوافع شن الحرب، الزعم بوجود أسلحة الدمار الشامل على نحو أصبح هذا الحديث في حينها وكأنه الخطر الوحيد الذي يهدد العالم، وانتقلت أصداء خطاب التحريض على العراق من واشنطن ونيويورك ولندن، وأوشك أن يطبق على أعصاب شعوب القارة الأوربية بكاملها، وصدّق كثير من المسؤولين في الخط الأول بدول العدوان، ما كانوا ألفّوه من قصص خرافية تصلح لحكايات آخر الليل، حول قدرات العراق الصاروخية القادرة على الوصول إلى أهدافها وإصابتها بدقة متناهية في غضون أربعين دقيقة فقط، تأكد بعد الاحتلال أن ذلك لم يكن أكثر من كذبة كبيرة ساهمت بصنعها نفوس مخرَبة وعقول مريضة من عناصر باعت نفسها لشيطان الغواية لإرضاء نوازع الشر والتدمير التي استوطنت في كائنات حية تمشي للأسف الشديد على رجلين، وخلت من الضمير والرادع الأخلاقي والوازع الوطني أو الإنساني، حينما تبرعت بتقديم معلومات مضلِلة تم تنضيدها في دوائر الاستخبارات الأمريكية والبريطانية والألمانية، ثم تم تسريبها عبر تلك الدوائر إلى أجهزة إعلام من درجة متدنية ثم لتتلقفها ذات الدوائر وتبدأ بتضخيمها ونقلها إلى صحافة الخط الأول في أوربا وأمريكا حتى تصبح وكأنها حقائق مسَلم بها، وبعد ذلك توضع على موائد الحوار بين رؤساء الدول والحكومات ووزراء الخارجية والدفاع ومجالس الأمن القومي ومجالس النواب والشيوخ، وتصبح على ألسنتهم يلوكونها كما تجتر الحيوانات ما تختزنه من غذاء مع أنهم يعلمون بأن هذه الأفلام الهابطة من بنات أفكار أجهزة مخابراتهم.
بعد خطاب توني بلير رئيس الوزراء البريطاني أمام مجلس العموم في 27/2/2003، والذي بكى فيه واستبكى (كما لم ينجح به متعهدو مراسم العزاء في مجتمعاتنا الشرقية) خشية على مصير الشعب البريطاني من صواريخ عراقية تحمل أسلحة كيمياوية وجرثومية لا تنتظر أكثر من ضغطة زر لتتساقط بلا هوادة على لندن ومانجستر وأدنبرة وغيرها من كبريات المدن في بريطانيا وسائر المدن الأوربية فتزيلها من الخارطة كما فعلت القنبلتان الذريتان الأمريكيتان في هيروشيما وناكازاكي، توني بلير يعرف قبل غيره أنه كان يكذب ويسوْق لأكبر كذبة عرفها تاريخ العلاقات بين الدول في الألفية الثالثة وربما التي قبلها، لكنه لم يشعر بتأنيب ضمير ولم يرف له جفن لما يمكن أن تؤول نتائج لهاثه على جر بلاده إلى هذه الحرب العمياء، وذلك لسبب بسيط هو أنه ربط نفسه في مؤخرة جورج بوش فأصبح ذيلا ذليلا هو وبلاده للولايات المتحدة بعد أن كان القارة الأمريكية بكاملها لزمن طويل مجرد مستعمرة بريطانية، ولأنه هكذا ولأن الذيول لا ضمير لها عادة، فقد استمرأ الخوض في هذا المستنقع الآسن بعد أن خلع ضميره وارتداه برجله وخاض به في مستنقع الرذيلة.
أما الجنرال كولن بول وزير خارجية الذي أراد أن يغسل يديه عما ارتكبته من آثام ويتبرأ من دماء ألاف الجنود الأمريكان الذين سقطوا في مستنقع الوحل والدم العراقي، فقد استيقظ ضميره في وقت متأخر جدا ووصف خطابه الذي كان قد ألقاه في مجلس الأمن الدولي في الخامس من شباط عام 2003، والذي أقسم فيه أنه يمتلك أدلة غير قابلة للدحض عن امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، ومن الطريف أن باول الذي كان يشغل منصب رئيس الأركان للقوات الأمريكية في عهد بوش الأب وأثناء حرب الخليج الثانية، تم استغفاله من جانب عملاء هواة وجدد جاءوا له بتسجيلات مفبركة، وأقنعوه بأنها تحتوي على حوار هاتفي مسترق من أجهزة المخابرات، بين اثنين من الضباط العراقيين المكلفين بتضليل فرق التفتيش الدولية المكلفة بمتابعة ملف أسلحة الدمار الشامل، وإذا به ليس أكثر من حديث ممنتج تم إعداده على مقربة من مكتب باول أي في وكالة المخابرات المركزية، واعتبرها هذا الجنرال الكبير الذي كان كتفه يتهدل من ثقل ما يحمله من نجوم، دليلا قاطعا على وجود أسلحة الدمار الشامل العراقية والتي يتم نقلها من مكان إلى آخر بعربة متنقلة.
نعم في صحوة ضمير متأخرة عن مهرجان الدم، قال الجنرال باول، إن خطابه المذكور في مجلس الأمن، سيبقى وصمة عار تلاحقه طيلة حياته، وقد تلاحقه في قبره كلما وقف أحد وقرأ على القبر اسم الجنرال أربع نجوم كولن باول الذي شغل منصبين كبيرين ومهمين في الولايات المتحدة، رئيس هيئة الأركان المشتركة، ومن ثم وزير الخارجية، المضحك أن هذا الجنرال المستغفل أو المغفل، قال في تبرير موقفه، إنه كان ضحية للتضليل وغسيل الدماغ، ترى ماذا يقول باول لو أنه كان عريفا في المارينز؟
بعد سنوات عدة من البحث، بذلت فيه المخابرات المركزية كل ما في طاقتها من جهد، ونقبت كل الملفات وفتشت كل الزوايا، ولكنها مارست صفاقة إضافية حتى في هذا المسعى، لأنها تعرف أن كل ما قيل كان مفبركا وهو من بنات أفكارها هي وأملتها على أحمد الجلبي ومجموعة من صغار يبحثون عن الفتات وأدوار أكبر منهم، فاضطرت للإعلان عن خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل أو أي دليل يشير إلى نية عراقية بامتلاكه، ولأنها لا تخجل من جريمة بهذا الحجم، فقد حاولت التغطية على ذلك بلفلفة أوراقها وطي ملف القضية، فتعاملت مع الحدث لاحقا بصمت يشبه صمت أهل القبور، فلم تعترف بأنها هي التي روجت لهذه الكذبة واختارت لغة الشيطان الأخرس.
أما الفرية الثانية التي وضعت على لائحة اتهام لشن الحرب عليه، فقد كانت عن صلات العراق قبل الاحتلال مع الإرهاب العالمي، وكان جورج تينت مدير وكالة المخابرات المركزية في ولاية بوش الأولى، قد كشف النقاب عن أن الرئيس بوش الابن ونائبه ديك تشيني، كانا يلهثان باستماتة في محاولة إلصاق حادث 11/2001 بالعراق بأي شكل، وقال تينت إن بوش أراد توجيه التحقيقات نحو العراق بحيث يمكن إلصاق التهمة به، ولهذا كانت النوايا الجاهزة تسبق التحقيقات الميدانية، لاسيما وأن رغبات الرئيس أوامر عندما ينصرف الأمر إلى بلد مثل العراق، وهذه سابقة لا مثيل لها في تاريخ الولايات المتحدة عندما غادرت رصانتها المفترضة فزج رجل البيت الأبيض نفسه في قضية من وزن حادث 11/9 لم تبرز منها أية حقيقة أولية تبرر توجيه الاتهامات إلى أي دولة قبل أن تتم المباشرة بالتحقيق، حتى ليتساءل المرء هل كان ذلك سقوط لسمعة أمريكا وهيبتها وسقوط للسلطة القضائية أو سقوط للسلطة السياسية؟ وما هو الفرق بين أقوى بلد في العالم وآخر دولة أفريقية استقلت في التعامل مع ملفات بهذا القدر من الأهمية، هذه الواقعة يمكن أن تكون فضيحة لها قوائم أربع تتحرك عليها، ولكن الأحقاد السياسية تغلبت على حقائق الأرض، ربما كان لهول الضربة النفسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي تلقتها إدارة بوش، وقرعها طبول الحرب هي التي أدت إلى تكوين المشهد المأزوم في الولايات المتحدة، وهل كانت إدارة بوش المأزومة جديرة بقيادة بلد من وزن الولايات المتحدة؟
واستمر التحقيق طويلا ولكن أمهر المحققين لم يتمكن من التقاط خيط واحد يمكن أن يربط بين العراق وما يسمى بالإرهاب الدولي.
بعد كل هذه السنوات التي مرت على العدوان، خرجت علينا عقول من دهاليز الماضي كانت قد أسهمت بالتخطيط للعدوان ومهدت له، لأنها كانت في موضع تستطيع منعه ولكنها لم تفعل، وباتت تتحدث بصراحة عن خطأ الذهاب إلى خيار الحرب لأنه استند إلى أكاذيب في ذرائعه، ولأنه أدى إلى نتائج كارثية على السلام العالمي والاستقرار في المنطقة، ولكن من أسوأ ما تداولته أجهزة الإعلامية هو ما قاله توني بلير رئيس وزراء بريطانيا، والذي جاء فيه أنه لا يشعر بالندم لمشاركة بلاده في الحرب، ولكن بلير الذي لم يجرؤ على العودة إلى أسلحة الدمار الشامل أو العلاقة مع الإرهاب لسقوط أطروحتهما في قعر 10 دواننغ ستريت، فلا بد من تقديم حجة جديدة من أجل تبرير الحرب التي ذهب ضحيتها آلاف من البريطانيين ولا نريد العودة إلى ضحايا الحرب من العراقيين، فذلك أمر لا يحزن بلير ولا يكترث له، ولكن أن يسوق شخص برعونة بلير شباب بلده إلى هذه الكارثة فإن ذوي الضحايا يجب أن يحركوا دعاوى قضائية لتحميله مسؤولية دمائهم، وهنا تكمن واحدة من أكثر إشكاليات التفويض في الديمقراطيات الغربية التي تعطي حصانة حتى لأولئك الحمقى الذين يجرون على بلدانهم ويلات من دون أن يستندوا على حقائق ثابتة، غير أن بلير كان يجب أن يقدم أطروحة بديلة لذلك الخيار الغبي أي خيار الحديث عن أسلحة الدمار الشامل والعلاقة مع الإرهاب، فقال بأن الحرب حالت دون نشوب أزمة أسوأ بكثير من الأزمة السورية.
هذه النظرة الاستباقية والتدميرية في آن لا تصلح لعالم السياسة أبدأ ولا لمكانة الدول في المجتمع الإنساني، فهل هناك قانون جنائي أو إنساني أو أخلاقي، أو حكم شرعي أو وضعي، يحاسب على فعل لم يقع لأن رئيس وزراء الإمبراطورية التي كانت الشمس لا تغيب عن ممتلكاتها، أراد أن يحاكم العراق على فعل لم يرتكبه وقد لا يرتكبه أبدا، فهل هذه قاعدة جديدة من قواعد القانون الدولي تشرعها لنا بريطانيا لتضاف إلى مجموعة القواعد التي ما تزال سببا في معظم الأزمات الدولية؟ ألا يدعو ذلك إلى سخرية لا حدود لها عما آلت إليه العقول المريضة التي تحكم بريطانيا؟ حسنا أين هم عقلاء بريطانيا التي حكمت العالم لعدة قرون من هذا الهذيان المخزي الذي يريد بلير فرضه على القانون الدولي تحت دعاوى باطلة؟
إن العراقيين الذين أعادوا تلقين بريطانيا درسا ثانيا في عام 2003، لأنها على ما يبدو نسيت درس عام 1920، أو ربما أرادت الانتقام للدرس القديم، لا يمكن أن يكتفوا بقصائد النثر المتهافتة التي تعرض على أجهزة الإعلام، ولن يقبلوا بدموع تذرف خلسة لتطييب الخواطر، فما دفعه العراقيون من ثمن الغزو والاحتلال كان أكبر بكثير من النتائج المباشرة للعدوان، فقد كان تدمير النسيج الاجتماعي العراقي واحدا من أخطر ما تركوه لنا من تركة تحتاج إلى جهد منسق وتضحيات كبيرة من أجل تجاوز آثاره المدمرة، فدستور المحاصصة الطائفية كان مولودا كسيحا لا يقدر على بناء عراق جديد أبدا، ومصادرة الديمقراطية المزعومة باسم الديمقراطية يسقط آخر كذبة حاول بريطاني وأمريكا تسويقها لتضليل شعوب المنطقة.
والشعب العراقي بعد هذا وذاك لن يقبل بأقل من اعتذار دول العدوان ودفع التعويضات عما لحق ببلدهم من دمار وأعاده إلى القرون الوسطى وعصر ما قبل الصناعة، كما هدد جيمس بيكر وزير خارجية أمريكا في ولاية بوش الأب، وقد لا يأتي ذلك اليوم قريبا، ولكنه هدف راسخ في ضمائر العراقيين ولن يساوموا عليه ولن يسمحوا بتذويبه في بحار النسيان.
والعراقيون ينتظرون دخول الرؤوس الكبيرة التي خططت للعدوان لتعبر عن ندم كي تعرف الشعوب أية زعامات هي التي تقود ما يسمى بالدول الكبرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق