تلاشي الإخوان وظهور السلفيين وسيناريو البدائل الأمريكية في مصر
- الناشر : بانوراما الشرق الاوسط
د.أشرف الصباغ
لقد رأى النظام السياسي في مصر أن إصدار أحكام قابلة للنقض، في قضية مذبحة بور سعيد، هو حل وسط شكلي يمكنه أن يهدئ الأمور لدى جميع الأطراف. وفي الحقيقة، فهذا الحكم يساوي بالضبط تأجيل المحاكمة. فمن الصعب التصديق بالحكم على قيادات أمنية كبيرة بالسجن لمدة 15 عاما. ومن المستحيل أن يتم إعدام 21 مصريا ليس لهم علاقة مباشرة بما جرى في مذبحة بور سعيد. وبالتالي، من الواضح أن الإخوان المسلمين يصيغون خططا جديدة قد تتضح معالمها خلال الأيام المقبلة على خلفية بشائر انهيار حكمهم على أرض الواقع.
إن جميع الأحكام الصادرة في قضية مذبحة بور سعيد، وخاصة أحكام الإعدام الجماعي، هي أول اختبار لردود أفعال المصريين على ما سيأتي من إجراءات أمنية مشددة قد تصل إلى إعدامات جماعية واغتيالات سياسية واعتقالات عشوائية للمواطنين والناشطين والقيادات السياسية المعارضة. وحتى إذا كان الإخوان المسلمون أسوأ مما يتصور المصريون، وقام الرئيس مرسي بإصدار عفو أو تخفيف حكم، فإن الإخوان ونظامهم السياسي قد أدركوا الآن أن الوقت قد حان لاتخاذ إجراءات أمنية غير مسبوقة، وقد تصل الأمور إلى درجات غير متوقعة. إن كل ما يجري اليوم في مصر من حرائق اتحاد الكرة ونادي الشرطة وما يتردد عن تهديدات كتائب القسام ورفع حالة الاستعداد القصوى للجيش أو الأمن في سيناء وإضرابات أقسام الشرطة وإعلان الجماعة الإسلامية فى أسيوط قيامها بمهام الأمن وإعلان تحالف الأحزاب الإسلامية وتصريحات حازم صلاح أبو اسماعيل، كل ذلك حملة ممنهجة للتغطية على ما يجري فعليا في مصر.
من الواضح أن الإخوان المسلمين والأحزاب الإسلامية المتطرفة والتنظيمات الإسلامية الجهادية تحاول استباق أي محاولات للإطاحة بالرئيس محمد مرسي وأعضاء مكتب الإرشاد. فالإعلان الصادر عن تحالف 7 أحزاب إسلامية من الأنواع المذكورة آنفا يوضح أن هناك الكثير الذي يدبر في الخفاء برعاية مكتب الإرشاد أو بتواطئه. فهم لن يتركوا السلطة بسهولة. ولكن ما يجري على أرض الواقع يشير إلى أنهم قاب قوسين أو أدنى من الانهيار. ولم يعد أمامهم الآن إلا العنف. ما يملي على الشارع والقوى الوطنية ضرورة مواصلة المواجهات بكل الطرق والأساليب الممكنة.
لا يشك أحد في الداخل أو الخارج الآن أن حكم الإخوان المسلمين في مصر ينهار تدريجيا وبمعدلات متسارعة. هذه الأمور تحديدا التقطها السلفيون والتنظيمات الجهادية، ورأوا أنها فرصتهم التاريخية للنزول من أجل تجريب حظهم، ولسان حالهم يقول “الإخوان في كل الأحوال ليسوا أفضل منا”!! هكذا هو نمط التفكير السلفي المتسرع والمتعجل بكل ألوانه والذي يعتمد على التحذيرات والإنذارات والتهديدات.
الأحداث في مصر تتفاقم، وبخاصة مع ازدياد الانفلات الأمني والتدهور الاقتصادي، وهما عاملان يمكنهما أن يذهبا بالأحداث إلى نتائج غير محمودة العواقب، لاسيما أن الدوائر الأمنية المصرية وغير المصرية تتحدث عن وجود أسلحة ومجموعات جهادية في مصر.
لكن السلطات المصريةَ الرسمية ووسائل الإعلام الحكومية تقلل كثيرا من مخاطر ما يجري، وتؤكد أنه لا يؤثر على الأوضاع العامة في البلاد، وأنه أيضا موضوع طبيعي بعد الثورة.
على هذه الخلفية، نرى العصيان المدني يمتد تدريجيا من بورسعيد إلى الاسماعيلية، ومن دمياط إلى المنصورة. وفي حال امتداده إلى مناطق صناعية مثل المحلة الكبرى وحلوان ستكون الأمور أصعب. في هذا السياق، لا يمكن تجاهل الاحتجاجات في المصانع والمؤسسات والتي بدأت تصل إلى العاملين في المؤسسات السيادية بأشكال مختلفة، ولأسباب مختلفة أيضا، وعلى رأسها جهاز الشرطة.
وعلى الصعيد الإقليمي، من الواضح أن دور قطر بدأ يتراجع مع بدايات انهيار حكم الإخوان في مصر، وفي المقابل بدأ دور السعودية يتنامى بظهور السلفيين وتصريحات أبو اسماعيل الخطيرة. وعموما فكرامات جولة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، لمصر والسعودية والإمارات وقطر، لم تظهر كلها بعد!! غير أن التصريحات التي صدرت منه في قطر بخصوص سورية تشير إلى أن واشنطن بدأت تنقل ملفات ما يسمى بـ “الربيع العربي” من اليد القطرية إلى أيادٍ أخرى، وربما هذا تحديدا ما استفز الأمير القطري ودفعه للتصريح بأن “قطر لم تكن الدولة الوحيدة التي زودت المسلحين في ليبيا وسورية بالسلاح”!
لقد أصبح المزاج الشعبي في مصر واضحا، وربما كان لقاء وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بوزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي، هو الأكثـر إثارة للتساؤلات من بين كل اللقاءات التي أجراها الوزير الأمريكي، إذ أوضح أن واشنطن لا تزال تنظر إلى الجيش المصري كقوة سياسية بديلة في حال تعقد الأمور. من هنا تحديدا بدأت أسهم الجيش ترتفع مرة أخرى في الشارع المصري في ظل المواجهات العنيفة بين قوات الأمن والمحتجين في كل محافظات مصر والكراهية والانتقام المتصاعدين بينهما.
وكذلك انسحاب قوات الأمن مؤخرا وترك الساحة أمام الجيش، أو في أسوأ الأحوال أمام مليشيات الإخوان المسلمين والسلفيين والجماعات الجهادية. ما دعا نسبة ضخمة من المصريين تدعو إلى عودة الجيش لا إلى الحكم، وإنما إلى إزاحة الإخوان المسلمين عن السلطة وتسليمها إلى مجلس رئاسي مدني. لكن من الواضح أن ذلك غير وارد بكل المؤشرات.
هذا العنصر الأخير تحديدا يحيلنا بشكل أو بآخر إلى إمكانية حدوث انعطافة مفاجئة في الأحداث في حال تفاقم الأمور إلى درجة تهدد بانهيار تام للبلاد أو ظهور تهديدات واقعية من تنظيمات جهادية مسلحة، وذلك إما بنزول مليشيات الإخوان المسلمين إلى الشارع في صفقة مع الجيش، أو وقوع انقلاب عسكري جزئي يضمن وضع خاص للإخوان المسلمين.
هذا السيناريو الذي يتضمن حالتين واضحتين لا يمكن أن يمر بدون الاتفاق الكامل مع الولايات المتحدة وبرعايتها ودعمها الإعلامي والسياسي. وبالتالي ستكون موافقة القوى السلفية والتنظيمات المتطرفة غير المسلحة بعد، والتي ظهرت بقوة الآن، مطلوبة. هذا على الرغم من الخلافات القائمة بينها وبين الإخوان المسلمين على توزيع السلطة والقضايا الفقهية الأخرى. وبالتالي فإشراك السعودية في هذا السيناريو أمر في غاية الأهمية، ما يجعل الأمريكيين يفكرون فعلا في نقل ملفات مصر وبقية دول ما يسمى بـ “الربيع العربي” من الدوحة إلى الرياض، أو في أسوأ الأحوال إشراك الأخيرة بقوة على خلفية النشاطات التركية المتزايدة في هذه الملفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق