قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الثلاثاء، 12 مارس 2013

الامريكان وجماعات الاسلام السياسى وجائزة النفاق العالمى الرخيص


الامريكان وجماعات الاسلام السياسى وجائزة النفاق العالمى الرخيص

حمدى السعيد سالم

الامريكان وجماعات الاسلام السياسى وجائزة النفاق العالمى الرخيصإن المشروع الذي يحمله الإسلام السياسي قد بدأ يؤتي ثماره ، إن المصائب الحالية كبيرة ولكن المصائب الآتية على أيدي هؤلاء أو بسببهم ستكون أعظم وأشد والتاريخ لن يرحم المغفلين ….فالتنبؤ المستقبلي يجعلنا نتوقع أن الأحداث ستسلك في المدى المنظور أحد طريقين، أولهما هو أن يحدث للشعوب العربية ما يحدث للشعوب الحية في المحن، فيصحو لديها الفكر النقدي من غيبوبته، ويصبح قادراً على تشخيص الواقع الكارثي كما هو بحقيقته، وإن كانت كارثة واقع الهيمنة الأمريكية واضحة للجميع…. وكذلك كارثة فشل كل الأنظمة العربية بسبب استبداديتها وغوغائيتها تبدو أيضاً بذات الدرجة من الوضوح أما ما هو غائب عن بصيرة الجميع فهو إفلاس الإسلام السياسي والكوارث التي تجرها غوغائيته وقصوره وعنفه وتخلفه ….. اسمعوا أخطر كلام نطق به احد اقطاب السلفية فى مصر ، حتى تدركوا حجم الكارثة القادمة …
يقول القيادى بتيار السلفية الجهادية، محمد مصطفى الشهير بـ«أبو شادى»: لا ينكر أحد بأن للتيار السلفى الفضل الأكبر فى قيام الثورة، لأنهم كشفوا للشعب ولاء الأنظمة العربية للغرب، وإهدارهم مقدرات الأمة، وعدم الحفاظ على مقدساتها».. مؤكدا أن السلفيين لم يبتعدوا عن ممارسة السياسة، لكنهم قاموا بتطبيقها بمفهوم شرعى، وقاموا أيضا بدور «التنوير قبل التثوير»، معترفا بأن الثورات الشعبية أعظم وسيلة للتغيير……. أبو شادى يؤكد أيضا أنه كان أحد خطباء ميدان التحرير خلال الثورة، وأن السلفية الجهادية موجودة فى مصر، وبأعداد ضخمة، تصل إلى الملايين، كما يقول….ويرى أبو شادى فى حوار لصحيفة “التحرير” أن الشارع يتوافق تماما مع السلفية، وأن الهجوم على السلفيين يأتى من جانب «أعداء الدين»، وهى فى رأيه «قوى الكفر والصليبية»…. ثم يؤكد، بثقة، أن القوى الإسلامية المصرية تمتلك «آلية التعامل مع الكفرة».. ولا يرى أبو شادى سوى الخوف، وربما الخطأ، كان دافع دعاة السلفية الذين نادوا بعدم الخروج على مبارك….وأشار إلى أن مبارك حارب الإسلاميين، وأضر بالإسلام، لأنه ساعد الصليبيين على احتلال العراق وأفغانستان، وقال: لا طاعة لمن لا يحكم بالشريعة، مشترطا الإسلام والذكورة والعلم إلى درجة الاجتهاد، فى حاكم الدولة المسلمة….ودعا الحركة الإسلامية إلى الفصل بدقة بين المؤمنين والكافرين….
القيادى السلفى يوضح: نحن لا نعادى النصارى، ولكن يجب عليهم أن يدفعوا الجزية أو اعتناق الإسلام أو الحرب…ويضيف: «هنتنجتون» صدق وهو كذوب، فالصراع القادم صراع حضارات والنصر للإسلام وسوف تحكم العالم «خلافة إسلامية»…. أبو شادى يهون من رموز العلمانية فى «ديار المسلمين»، واصفا إياهم بالقلائل، واستدرك بأن هناك التباسا «فى حقيقة كفرهم لدى الناس»، مهددا ببيان سيكشف حقيقتهم، سيعلنه السلفيون قريبا «وسيجعل الجماهير تضربهم بالنعال، ولا بد أن نقاتلهم لأنهم فى خندق الكفر» فى عرف القيادى السلفى….تنظيم القاعدة، له عند أبو شادى مكانة مقدسة، فأعضاؤه هم «الصحابة بعد الصحابة»، معتبرا أنه أحدث فى الأمة طفرة غير مسبوقة بتوجيهها نحو هدف شرعى سليم، وقال: لم تثر الجماهير على الحكام العرب إلا بفضل تنظيم القاعدة، وما قدموه من بيانات وحقائق بالصوت والصورة…. وبلهجة مليئة بالبشرى أكد أن فكرة الجهاد ما زالت حية فى مصر، وأن «الصراع سيظل حتى تقف الأمة فسطاطين، هما الإيمان والكفر»…يعود القيادى السلفى بذاكرته إلى مربع داكن، حين كتب مقالة بعنوان «رؤية نحو التغيير» فى مدونة إسلامية، فكانت سببا فى اعتقاله بتهمة التحريض على الثورة ضد النظام….. يقول: داخل المعتقل كانت الكهرباء تلامس كل مواضع جسدى…كما يرى ان الفكر الصوفى يشبه إلى حد كبير الفكر الشيعى، وهم السبب الرئيسى فى احتلال ديار الإسلام، الصوفية مرض خبيث، وهى خنجر فى جسد الأمة، لا بد من التخلص منه حتى تتعافى الأمة، وستأتى ريح قوية تنافح أعداء الله … هذا الكلام اخطير يوضح بجلاء إن المجتمعات العربية بحاجة حيوية لاختراع بديل ثالث وبدايته هو القناعة بأنه لا حل سوى خارج الإسلام السياسي تماماً مثلما هي مقتنعة بأنه لا حل لمشاكلها بالخضوع للاستعمار الأمريكي ….
إن الخروج من هذه الوصاية المزدوجة هو بداية الوعي أما اكتمال هذا الوعي فهو بالقناعة بأن الديمقراطية هي صالحة لنا حتى ولو كانت تشكل عماد النظام السياسي لأعدائنا وهي صالحة لنا كما هي صالحة للشعوب الأخرى، وإن خصوصيتنا الثقافية المزعومة لا يجوز أن تبقينا قابعين في صفوف المعاقين غير القادرين على تقبل الديمقراطية…. الفكر الإسلامي السياسي الحالي والذي يفكر بعقلية عصور غابرة، عاجز في حقيقة الأمر، عن أي تحليل واقعي لما يحصل وهو بالتالي سجين هذيان وهلوسة، وهو لن ينتشل المجتمعات العربية من مشاكلها وكيف ذلك وهو أحد الأسباب الرئيسة لهذه المشاكل ؟…. وهو لا يقترح عموماً سوى حلول مسطحة وشعارات مفرغة من أي محتوى، وآفاق محدودة يلخصها شعاره المسطح (( الاسلام هو الحل )) … هذا الشعار خطير جدا … لماذا احمل الاسلام اخطائى كرجل سياسة ؟!!….فمثلا لو انا اسلامى واعمل مع هذا الشعار وفشلت سياستى الاقتصادية او السياسية او الاجتماعية … فلمن ينسب الفشل ؟! …طبعا للاسلام !!! فلماذا احمل الاسلام فشلى ؟! …
كذلك الشعار يعنى اغلاق باب الحوار امام النصوص المقدسة …فلا كلام امام النصوص المقدسة …. وهذا لايجدى نفعا فى عالم السياسة …… بينما حقيقة عملهم على الأرض توضح أنه لا أفق لأي شيء مع الإسلام السياسي إنهم يكتفون بالزعيق والصراخ والتحريض على العنف والقتل المجاني في كل مكان وهم سيظلون مستمرين في عملهم التهديمي حتى تصبح البلدان العربية كلها تحت الاستعمار المباشر أو غير المباشر وتغدو المنطقة متشرذمة، ومتقطعة الأوصال بين المطرقة الأمريكية والسندان الأصولي، والنتيجة لاستمرار هذه الثنائية هي بقاء المجتمعات العربية غارقة في الفوضى والإحباط وانسداد الأفق … إن التحالفات الانتهازية والظرفية التي قامت بين معظم أطياف التيار الإسلامي السياسي وحكومات الديمقراطيات الغربية ومخابراتها هي حقيقة لا بد من تثبيتها قبل المضي قدماً في التحليل لأن طرفي هذا التحالف، وبنفاق ما بعده نفاق، حاولا التستر في أدبياتهم عن هذا التحالف وإنجازاته …..فالتيارات الإسلامية السياسية، التي حاربت وبشراسة منقطعة النظير كل المشاريع التنويرية العربية، كانت تتمتع دائماً بمراكز لتنسيق نشاطها وتمويلها في قلب العواصم الغربية وخاصة لندن، وهذه التيارات تتستر الآن برداء فضيلة غير موجودة وتتنكر صباح مساء لتعاملها السابق الطويل وارتمائها في أحضان المخابرات الغربية، وإننا نرى في المقابل نفس الموقف لدى معظم الدوائر الغربية التي تدعي أنها فوجئت بالفكر السياسي الإسلامي ومدى العنف والإرهاب القادر على ارتكابه، متناسية بدورها تاريخاً كاملاً من التعاون المشترك والمثمر بينهما، من رعاية وحماية لأنظمة أصولية وتدريبات لجماعات مسلحة ورعاية لقاعدة عريضة من التنظيمات الإسلامية،والحقيقة الوحيدة هي أن الدوائر الغربية لم تفاجأ بعنف الإسلام السياسي وإنما فوجئت الآن بارتداده عليها…..
ومن ناحية أخرى، كان الإسلام السياسي الحليف الطبيعي للديمقراطيات الغربية التي كانت، ومن منظور نفعي إمبريالي ، راغبة في خنق المشروع القومي العربي الوحدوي، بغرض استمرار هيمنتها، وسيطرتها على المنطقة العربية وثرواتها النفطية ، وقد نجح الإسلام السياسي، بانتهازيته المعروفة وشهوته الهائلة للسلطة، للمساهمة في محاربة الفكر القومي بالتعاون مع الدوائر الاستخباراتية الغربية لإفشال المشروع القومي الوحدوي، دون إغفال منا لحقيقة هامة هي أن الفشل كان مرده لعيوب داخلية وأهمها إهماله للبعد الديمقراطي وتفضيله للتوجهات الشمولية عموماً والطائفية أحياناً والاستبدادية دائماً في كل صيغة حاول تنفيذها، لكن هذه العيوب، على فظاعتها لا تستر الأعمال الهدامة التي تطوع بها التيار الإسلامي ممثلاً بالدول التي ترعاه كالمملكة العربية السعودية، وبالأحزاب والجماعات المناصرة لها، كالإخوان المسلمين وجميع الأحزاب الإسلامية التي خرجت من تحت مظلتهم إضافة إلى الفكر القدري المتسلل مع استثمار نفطي في الدول العربية …. لقد ساهم كل هؤلاء بإيجابية منقطعة النظير في التعاطي مع عروض سخية من المخابرات الغربية بكل أشكال التحالف والتآمر لإسقاط كل رموز التيار القومي من دول وأنظمة وأحزاب ومفكرين …لقد شكلت المصلحة المشتركة لمحاربة عدو واحد محركاً لهذا التحالف الغير مقدس والذي ساهم مع العدوان الإسرائيلي عام 1967 في تهديم المشروع القومي والوحدوي والذي أصبحت الدول العربية من بعده في مرحلة من التخبط الأعمى بين نموذجين كلاهما عقيم :
النموذج الأول هو: الدكتاتوريات العشائرية القبلية الطائفية وأسوأ نماذجها كان نظام صدام حسين….
والنموذج الثاني هو: الأصوليات الإسلامية كسلطات قائمة أو كتنظيمات ساعية للسلطة بدءاً من وهابية آل سعود ووهابية معارضيهم، مروراً بإخوانجية مصر وسوريا وجزاري الجزائر وغيرهم في السودان والمغرب وتونس والكويت والقائمة تطول …. فالإسلام الحالي لا يمكن فصله عن التيارات السياسية التي تدعي انتماءها له، لأنه يعرف عن ذاته كعقيدة دين ودنيا، فيجاوز في بعده دستور الحياة لكل مسلم إلى تنظيم سياسي يقوم على تأمين العدل والمساواة بين البشر ….وبما أنه يقيم ذاته كذلك، فهو يدعي أنه الأصلح لإدارة المجتمع البشري من الديمقراطية الكافرة التي خرجت من رحم الإنسان العبد ضعيف الرؤيا ومحدود الفكر، والتي لا تقارن بالرؤيا الإلهية التي منحها الله للمسلمين في كتابه العزيز، وفي المقابل فإن الديمقراطية الغربية تبادل الإسلام هذه النظرة الدونية التي يصمها بها، فهي ترى في الإسلام السياسي أحد أكثر الأنظمة السياسية تخلفاً وبدائية….فالعلاقة الحالية الراهنة بين الإسلام كتيار سياسي والديمقراطية كمنظومة دولية هي علاقة صدمة هائلة بين كائنين ارتبطا يوماً ما بعلاقة غير شرعية ….وبدأت المواجهة وغدا كل طرف محبط من الآخر…فالمنهجان، الديمقراطي والإسلامي يختلفان في كل شيء من حيث المنشأ والتطور والآلية المحركة لكل منهما،فالإسلام السياسي هو تسليم بسلطة شريعة عمرها 1400 سنة، ومحملة بميراث ثقيل من التقليدية والأصولية والفقه السلفي والتفسيرات والتأويلات والأحكام والفتاوى وما إلى آخر القائمة من أدبيات وتشريعات….
أما الديمقراطية الغربية فهي آلية لإدارة مجتمع حديث متغير باستمرار يضع حقوق الإنسان الفرد في المقدمة وفوق أي شريعة دينية … ومع انشغال الديمقراطيات الغربية بصراعها الاستراتيجي مع الدول الشيوعية والمنظومة الشمولية ، وفي خضم هذا الصراع المستميت، وجدت الديمقراطيات الغربية في الإسلام السياسي حليفاً شديد الحماس لمؤازرتها ومعاداة الفكر الشيوعي وهكذا لم تبخل المخابرات الغربية في استعمال الإسلام السياسي كحليف جهادي ضد الشيوعية … وهذا ما تجلى في تبنيها للأنظمة السياسية الأصولية في العالم العربي والعالم الإسلامي كالنظام السعودي وسواه واستضافة العواصم الأوربية لزعماء التيار الإسلامي المطاردون من حكومات دولهم العربية الإسلامية وتعاملها معهم كزعماء للمعارضة السياسية لا كمجرمين صدرت بحقهم أحكام قضائية ، فكان دعمها للتنظيمات الأصولية كما حصل في أفغانستان، حيث تطوع الإسلاميون من كل حدب وصوب لمحاربة الشيوعية تحت غطاء الرعاية الاستراتيجية الأمريكية، لقد أثلج الإسلاميون صدر أميركا لأنهم كانوا أشد عداءً منها للشيوعية وأكثر اندفاعاً، فأخذت أميركا تمدهم بالدعم والتسليح وكل أشكال المساعدة، فالغرب عموماً استعمل تيار الإسلام السياسي كأداة قاتلة سرعت في انهيار الكتلة الشرقية، وشعر أتباع هذا التيار بزهو الانتصار كونهم سددوا ضربة قاضية للفكر الشيوعى ….
والسؤال الذي سنطرحه الآن: كيف انتقل هذان الطرفان من التحالف الودود إلى الصدام اللدود؟….إن هذا التحالف الانتهازي قد وقع ضحية نجاحه المنقطع النظير فلقد نجح هذا التحالف في إفراغ السلطة العربية ممن أراد الطرفان إسقاطه فالتيارات الاشتراكية والشيوعية سقطت .. والتيارات القومية خف بريقها تحت الضربات المشتركة من التيار الإسلامي والعداء الأمريكي والعدوان الإسرائيلي،وفرغت الساحة العربية من أي تيار فكري شعبي تنويري وبدا أغلب المفكرين العرب التنويريين كطيور تغرد خارج السرب يعانون الاضطهاد والتهميش …. وقد أفاد هذا التيار من التغطية الأميركية والأوروبية له ليحارب كافة الأفكار الليبرالية والتنويرية في المجتمعات العربية مستغلاً إحباط ويأس الشعوب العربية من فساد حكامها وعجزهم عن مكافحة الفقر والتخلف وعجزهم عن إيقاف العدوان الإسرائيلي ، ومن محاربة رموز التيارات السياسية الوطنية بنفيهم أو سجنهم أو قتلهم قد أصابوا المجتمعات التي تربعوا على عرشها بحالة أشبه بالغيبوبة الدائمة أو الوفاة السريرية، ومنذ ذلك الحين بدت الساحة السياسية خاوية من قوى حقيقية فاعلة ومحركة، ولم يبق في الميدان،كديناميكية حقيقية، سوى طرفي هذا التحالف الذي بدأ يصيبه التراخي بسبب انعدام وجود أعداء حقيقيين ألداء يستحقون أن تحاك لهم المؤامرات كما في السابق، وصارت المنطقة العربية مفرغة إلا من قطبين هما القطب الإسلامي والقطب الأمريكي ….
امريكا بعد الحرب الباردة غضت الطرف تماماً عن الأنظمة العربية الاستبدادية أو الأصولية وتابعت رعايتها لها طالما أنها بقيت تلك تابعة وطيعة ، وهكذا لم تغير أمريكا من استراتيجيتها كما لم ينعم أي مشروع عربي ديمقراطي أو تنويري بمناصرتها ، ومن جهة أخرى، كانت القوة الأخرى الموجودة تتمثل في التيار الإسلامي السياسي، القوي بغوغائيته وطروحاته المسطحة والمخدرة لعقول الجماهير العربية المحبطة، والذي أصبح ، وبسبب الغيبوبة الفكرية النقدية العربية لاعب الساحة الرئيسي يسرح ويمرح بكامل حريته متجهاً في طروحاته المتواترة نحو مزيد من التطرف والعنف والإرهاب الفكري وتغييب العقل والفكر النقدي … وهكذا، صار هذا التيار رغم تهوره، وتخلفه وقصوره المعرفي، شديد الحركة والفاعلية، في ساحة شبه خاوية، لضرب بقايا أي فكر تنويري نقدي قد ينافسه أو يكشف نواقصه وعيوبه فضاعت في عالمنا العربي فرصة فريدة للتقدم نحو الديمقراطية أفادت منها غالبية مجتمعات العالم في فترة التسعينات، بينما بقيت مجتمعاتنا تلوك قيم وثوابت كانت قد ارتدت عليها بعد فترة من النهضة الفكرية العربية والتي قامت على مفكرين عرب عظماء أدركوا فشل الفكر الديني السياسي الذي استمر في بلادهم لعقود طوال مخدراً شعوب المنطقة وسالباً إياهم أي قدرة على الحراك باتجاه تطور وتقدم مواطنيهم …
الأمريكيون لم يكتشفوا فجأة ما كانوا يعرفونه تماماً، وهو أن الإسلاميين هم أبعد البشر عن الديمقراطية وحقيقة الأمر هي أن مفاجأة الأمريكيين كانت في قدرة الإسلاميين على الحقد على الغرب وإيذائه بهذا القدر الشديد من العنف …وهكذا اصطنع الغربيون مفاجأتهم ودهشتم تجاه تصاعد هذا الوباء الخطير الذي ساهموا في إذكائه ونشره ليصيب الآخرين فإذا به يرتد عليهم ويصبح قادراً على إيلامهم وبقسوة ….مغمضين العين عن آلاف الملفات المخابراتية التي تمتلئ بها خزائن مكاتب مخابراتهم و الكفيلة بإعطاء العالم أجمع الصورة الواضحة عن التعاون والرعاية التي توليها هذه الأجهزة لمنابر الفكر الإسلامي السياسي بدوله وأنظمته وتنظيماته المسلحة وغير المسلحة… أما الإسلاميون في المقابل، وبنفاق لا يوازيه سوى النفاق الأمريكي، أخذوا يوضحون لكل مغفل بأنهم وعلى الدوام كانوا أشد أعداء السياسة الأمريكية متنكرين تماماً لتاريخ عريق من التحالف والعلاقات الحميمة، إن هذا البراءة المصطنعة للطرفين لا يجوز أن تغيب عن ذهن من لديه ذرة من الذاكرة أو المنطق، فالطرفان الأمريكي والإسلامي، يستحقان على هذا الأداء الجائزة الأولى للنفاق العالمي، إن هذه البراءة المزدوجة المزعومة قد وجدت فقط للتمويه ولغرض التسويق الداخلي لجماهير طرفي النفاق العالمي ….أمريكا تحديداً، قد أفاقت على إحساس جديد بخطر من حليف قديم قادر على الإيذاء في عقر الدار وبشكل مباغت غبر تقليدي، وبأسلوب شديد العنف والقسوة، كل هذا أشعر هذا المارد بالإهانة ….. فبدا كعملاق جريح وقد حدد أولياته التي تتمحور بالثأر أولاً والوقاية من هجمات أخرى ثانياً ،ثم السعي لتغيير المنطقة العربية بحيث لا تعود تشكل مصدراً لمثل هذه التهديدات مستقبلاً وذلك بتفكيك كياناتها أكثر وغزو بعض أقطارها وعزلها عن جوارها وإلغاء أي رابط عربي أو إسلامي بين شعوبها، وبالفعل فقد أعلنت أمريكا الحرب على الإرهاب الإسلامي واعتبرت أن من ليس معها فهو ضدها في الحرب على الإسلاميين الذين هم بادلوها نفس الدرجة من العداء ….
لقد بات الضغط الأميركي المتواصل يضع جميع الأنظمة العربية في خانة لا يحسدون عليها، والأنكى من ذلك أن استراتيجيتها الجديدة ليست متكاملة، فهي بعد أن قررت تصفية الوحش الأصولي الذي سبق وزرعته فتطاول عليها، لا تبدو جادة أبداً في وضع التغيير الديمقراطي كهدف مباشر فحسابات مراكز الضغط تدفع القرار الأمريكي في اتجاهات أخرى …. إذ لا مصلحة لها بأنظمة ديمقراطية تضع الثروة النفطية في خدمة النمو العربي، ولا مصلحة بأوضاع ديموقراطية تؤدي إلى لملمة الوضع العربي المفكك والمرغوب باستمراره إسرائيلياً، ولا مصلحة بديمقراطية عربية تضع الصراع العربي – الإسرائيلي من جديد في واجهة العلاقات مع أمريكا ….إن اللوبي النفطي ( ضمن استراتيجية الإمبراطورية العالمية )) مثله مثل اللوبي الصهيوني (( ضمن استراتيجية الهيمنة الإسرائيلية )) ….
لا يريدان للشعوب العربية أن تأخذ مصيرها بيدها وهكذا فإن العملاق الأمريكي الهائج يتم توجيهه عن بعد بواسطة اللوبي النفطي من جهة واللوبي الصهيوني من جهة أخرى ليخدم مصالح إسرائيل قبل مصالح العرب وحتى قبل مصالح أمريكا (حيث المصلحتان متطابقتان وأمريكا لا يمكن لها أن تضحي بمصالحها)…. أما من جهة نظر الإسلاميين فلقد توقع هؤلاء،وانطلاقاً من أدبياتهم الغوغائية الحماسية الفارغة التي تتعامى عن أسباب القوة الحقيقية، أن تحالف نظام الطالبان والقاعدة سوف يصمد .. وإذا بنظام الطالبان ينهار بشكل سريع وكرتوني مثير للهزل والسخرية .. وإذا ببن لادن يهرب طريداً للنجاة بروحه لاجئاً للإختفاء في الكهوف بعد أن حث زملاءه في الجهاد إلى موت مجاني سخيف لم يفد أحداً ولم ينفع قضية الى ان تم قتله بيد القوات الامريكية ، وبالرغم من كل عنتريات الطالبان والقاعدة ومن تعاطف معهم على طول التيار الإسلامي وعرضه، كانت هزيمة سهلة وسريعة وتظهر عمق الفجوة بين دولة ديمقراطية حديثة وبين إمارة المؤمنين المثالية الإسلامية ….وبعد أن أصابت الصدمة الطالبان وبن لادن، امتدت أمواجها لتصيب كل من تعاطف معهم في بوتقة الاحتقان الغوغائي الهائل المعتاد على الساحات العربية والإسلامية، وصدم كل الإسلاميين ليصحوا على واقع مر من أن كافة منظوماتهم المسلحة هي نمور من ورق أعجز عن أبسط أشكال الصمود وبأن تعويلهم على الخطابات النارية الحماسية الدينية لدفع الجماهير للثورة والعنف ليس في محله واكتشفوا بأنهم قد وقعوا ضحية غوغائيتهم التي أعمتهم هم أنفسهم بعد أن أعمت غيرهم، وهم الآن يصحون على الكارثة، فقواعدهم الأفغانية قد دكت وأمريكا تضيق عليهم وهم ملاحقون في كل مكان يريدون أن يقيموا فيه وجوداً مسلحاً والمنطقة تقترب أكثر فأكثر من عودة عصر الاستعمار المباشر كما هو الحال فى العراق …
لذلك لا تندهش من ان الدول العربية صارت تتبارى في الهرولة لتقديم فروض الطاعة لأمريكا درءاً لشرها ولغضبها وبعض هذه الدول، ذات الخطاب الإسلامي ، أصبحت واقعة بين المطرقة الأصولية والسندان الأمريكي، وصار مطلوب منها الاختيار بين أحد المعسكرين، بينما كان كل ارتكاز وجودها قائم على تبني الخطاب الإسلامي داخلياً وتبعية السياسة الأمريكية خارجياً حتى هؤلاء باتوا محرجين لأن اللعب على الحبال قد انتهى وضاق هامش المناورة بهؤلاء الذين أصبحوا أكثر هشاشة من أي وقت مضى .. والطامة الكبرى هي أن الجماهير العربية الغارقة في الجهل والإحباط والواقعة تحت تأثير غوغائية الإسلاميين، قد أضحت مغيبة البصر والبصيرة،فهي ضمن النفق المسدود باتت غير قادرة على الخروج منه قبل أن تنكفئ هذه الردة الإسلامية الظلامية التي جلبت الكوارث وشكلت حاجزاً لكل تقدم، وإن لم يحدث مثل هذا الوعي فالهبوط إلى الهاوية مستمر والآتي أعظم، فغوغائية الإسلام السياسي تخلط دائماً بين الاستعمار من جهة وبين النظام الديمقراطي كمنظومة من جهة أخرى وهي ترى بأن الوصفة الديمقراطية لا تصلح للمجتمعات المسلمة لتناقضها مع الإسلام السياسي من جهة ولأنها الوصفة التي يروج لها الأعداء…

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق