غاب النوروز وكاوا الحداد وحضر ذبح المالكي والضحاك.. ما لا تعرفه عن الأسطورة الكردية والانتفاض ضد الطغاة واكبر دبكة احتفالية وسط حمامات الدم العراقي المراق.! - استقراء
المرابط العراقي
ما أشبه اليوم بالبارحة ؟.. كنا نحتفل يوما بعيد الربيع، ونسميه بعيد الشجرة، كبرنا مع هموم السياسة فاكتشفنا ان للكرد والأذاريين والفرس وغيرهم من الاقوام التي آخيناها عيدا اسمه عيد النوروز. سارعنا الى تهنئة الكرد يوما وامتدت احتفالاتنا معهم في كل ربوع العراق، وزاد تعلقنا بالنوروز ابتداءا من كل 11 آذار / مارس عندما تم إقراره عيدا وطنيا عراقيا بالاعتراف بالحكم الذاتي والحقوق القومية للكرد، في اطار العراق الواحد المستقل، واحتفلنا ما بين 11 و 21 آذار/ مارس في كل عام .
جاءت السنوات المرّة وافترقنا في مسارات السياسة والاقتتال بين الحركة الكردية والحكومات المتعاقبة، ولكننا بقينا كشعب مرتبطين وجدانيا مع حنين ذكريات الفرح الملون لشعبنا ولأمس العراق المضئ بوحدة شعبنا الوطنية.
جاءت حروب الشمال وتم الشحن القومي والإثني وتعمقت جراح العراقيين وتمترس كل في خندقه حتى وصلنا الى ما أرادته وخططت له الإرادات الأجنبية في سعيها لتدمير العراق وتمزيق لحمة شعبه الوطنية، فكان لهم ما أرادوا من إشعال حروب ونزاعات وفتن، وفي إتمام الحصار الظالم وحصر شمال الوطن وجنوبه في مناطق ما سمته الولايات المتحدة وحلفائها بمناطق الحضر الجوي، ومن ثم بدأ الافتراق والإحتراب بين ساحات الوطن العراقي الواحد، وبعدهما إستمر التأليب الدائم على التقسيم والانفصال والفدرلة ليتوج كل شئ ووفق ما خطط له في تقسيم العراق من خلال الاحتلال والغزو.
هكذا نسينا أو تناسى البعض منا مشتركاتنا الوطنية العميقة الجذور في الذاكرة العراقية، وتجاهل البعض من إخوتنا الكرد حتى الاحتفال الرمزي بعيد 11 آذار 1970، وبعدها صار الاحتفال بعيد النوروز محدودا ومحصورا باحتفال يقيمه الكرد من دون العرب.
وها نحن نحتفل في النوروز مرة أخرى، كل بطريقته الخاصة. النوروز في 2013 له نكهته الخاصة بشمال الوطن، وطعمه المر في بغداد المحاصرة، التي تعيش المذبحة الدموية المستمرة، وتشهد كل لحظة تعليق الجثث على أعواد المشانق، وتدمى فلذات قلوبها بإرسال المفخخات والأحزمة والعبوات الناسفة إلى الساحات والمدارس والأحياء الشعبية، والحصيلة هي أكوام من اللحم البشري الممزق والمتفحم وسيول من الدماء والدموع في بيتنا العراقي الكبير.
بالأمس القريب مرت ذكرى 11 آذار من دون إشارة لها، وتناساها البعض تجاهلا أو تقصدا، رغم أنها كانت وستبقى محطة هامة من محطات تاريخنا الوطني العراقي المشترك، مرحلة اعترف بها العرب بحقوق الكرد، وثبتوا تلك الحقوق بميثاق وعهد وتنفيذ، وأُعلن عن ذلك العهد دستوريا، وتم الإقرار به بمشاركة الشعب العراقي الواحد وبمباركة قوميتيه الرئيسيتين، ومشاركة أقلياته الأخرى في مصير ومستقبل وطننا العراق.
في عيد النوروز 2013 هل نعيد لأطفالنا قصة كاوا الحداد بنسختها وحكايتها الأُسطورية المعروفة؟ أم نكيفها منسوخة بطبعتها المعاصرة التي تعيشها مدن العراق من اقصى شماله الى جنوبه، وهي تعيش المئآسي تحت كوابيس وتذكارات الذبح اليومي والقتل والاغتيالات والإعدامات على مدار الدقيقة والساعة، هل نتذكر حكاية النوروز وانتفاضة كاوا الحداد وحكومة المالكي وعصابات الإجرام تتجاهل المطالب الشعبية بشوارع بغداد المحاصرة والمنتفضة في سائر مدن العراق، بما فيها مدن وقرى شمال الوطن التي تترقب أخبار الانتفاضة الوطنية وتتعاطف معها يوماً بعد يوم .
هل نقدم لقرائنا اليوم وبمناسبة عيد النيروز أخبار نجاح إخوتنا في شمال الوطن في احتفالياتهم بانجاز اكبر رقصة كردية في تاريخهم ليدخلوا بها موسوعة غينينس؟ وشارك معهم المئات من ابناء القوميات والطوائف العراقية الاخرى؟ . وهل نضيف اليها انجاز شعبنا في بغداد وكل المحافظات المتجاورة مع شمال الوطن وقفتهم الثائرة وأخبار صمود المتظاهرين المنتفضين في مدن الأنبار ونينوى وديالى وصلاح الدين متضامنين بأطول انتفاضة ثائرة في تاريخ العراق الحديث لمواجهة حكم المالكي" الضحاك" الجديد.
لا بأس ان نستذكر هذا وذاك، ونحن نرى صورتين متباينتين تنقلها لنا برقيات وكالات الأنباء وتصلنا الاحداث الجارية في العراق، ساعة بساعة، بأخبار عاجلة، متواصلة، ومتسارعة تفسد علينا فرحة الاحتفال الوطني المشترك بما يصل الى الاعلام من نشر صور المذبوحين من أبناء العراق من شتى طوائفه واثنياته بمفخخات وتدابير داخلية المالكي وتنفيذ عصابات الإجرام، ونحن نرى الضحايا وجلهم من الأطفال، خاصة تفجير مدرسة ابتدائية في منطقة بغداد الجديدة واستهداف مدارس أخرى .
هو ذات المشهد الوطني بأمسه الغابر البعيد وحاضره المفجع اليوم، يتوزع في المكان والزمان، نشاهد بعضا من جزئياته فرحا ورقصات في محافظة أربيل: بالأمس المصادف 19 من آذار/ مارس والساعة هي الثالثة عصرا، والمشهد تنفيذ أكبر دبكة كردية في محيط قلعة أربيل، يراد لها أن تدخل في موسوعة غينيس للأرقام القياسية العالمية، رأيناها وهي تصور من الجو و خصص لها عدد من طائرات الهيلكوبتر لتصويرها ونقلها تلفزياً.
والمكان والمشهد الآخر هو مدن البصرة وبغداد عاصمة العراق، ومابين 19 و 20 مارس و 21 مارس 2013 وعلى طوال ساعات النهار، المشهد الدامي يتكرر في تفجيرات دموية رعناء، وممارسة قتل جماعي سادي لحاكم ظن انه سيبقى وهو يتلذذ في رؤية مشاهد جثث الأطفال وطائرات مأجورة لجيش المالكي وهي تصور وتوزع قطعات فلول وحداتها ومليشياتها، وتشرف على تقطيع أوصال محلات بغداد وسائر مدن العراق بالترهيب والقتل وتوزيع جثامين المعدومين المرسلة على مدار الساعات إلى كل بيت وساحة، ليدخل المالكي وتحالفه البغيض بأرقام جرائمه في تعداد وتعاظم أرقام ضحايا اليوم الواحد إلى موسوعة غينيس بأرقامه القياسية في الإجرام.
الاحتفال بأعياد نوروز هذا العام اختلف تماما عن الأعوام السابقة وعلينا تذكير أهلنا في شمال الوطن إن لأهلهم في بقية الساحات حقوقا عليهم لإسقاط حكومة الضحاك المالكي الجديد.
المشاعل في ساحات الانتفاضة اشتعلت منذ أكثر من شهرين وجماهير شعبنا الصابرة تنتظر ان تشتعل إيقاد نيران الانتفاضة في سوح شمال الوطن. وعندما تبدأ اليوم احتفالات نوروز عشية يوم الحادي والعشرين من آذار بإيقاد النيران فوق المرتفعات، ترميزا لانتصار الحق على الظلم، حسب ما ورد في كتب التاريخ، وفي اليوم التالي ومع بزوغ فجر يوم جديد تتوجه العوائل إلى سفوح الجبال والوديان حيث الطبيعة الخضراء في فصل الربيع، وكذلك إلى الحدائق والمتنزهات والأماكن العامة، للاحتفال بهذه المناسبة.
أصل كلمة نوروز مأخوذ من كتاب (الأفستيا) الذي يعد الكتاب المقدس لـ (زرادشت) ، والذي يعتبره الكرد نبيا بعث لهداية الناس إلى طريق الحق، تتكون من مقطعين (nava ) وتعني "جديد" و(rezaŋh) وتعني "يوم" أو "ضوء الصباح"، ما يعني (يوماً جديداً) أو ( ضوء جديداً)، وهذه الكلمة لها نفس المعنى في اللغة الفارسية ( نو معناها جديد، و روز معناها يوم، أي يوم جديد).
ونوروز من الأعياد القديمة التي يحتفل بها الكرد والفرس والأذريون ويصادف اليوم الأول للسنة الكردية (2712) التي تبدأ في 21 من آذار من كل عام ، لذا يعتبره الكرد بمثابة العيد القومي لهم، وكذلك يرى عدد من شعوب شرق آسيا.
الاحتفال بنوروز هذا العام لا بد من التذكير بأهم دلالاته الرمزية لنا كشعب عراقي، بعربه واكراده ، واذا كان لدى الكرد له بعداً قوميا ورمزيةً خاصة مرتبطة بقضية التحرر من الظلم فالأجدر ان نحتفل به هذا العام معا جميعا، وفي كل الساحات الوطنية العراقية المنتفضة على مظالم الاحتلال وجريرته .
وفق الأسطورة الكردية التي تشير إلى أن إشعال النار في أعالي الجبال كان رمزاً للانتصار والخلاص من الظلم، الذي كان مصدره أحد الحكام المتجبرين الطغاة.
النسخةَ الكرديةَ لعيد نوروز تشير إلى أسطورةُ (كاوا) الحداد، وتشير الحكاية: بأنه في قديم الزمان كان هناك ملك آشوري شرير يسمّى بـ (الضحاك). كان هذا الملك ومملكته قد لُعنا بسبب شرِّهما. وتشير الحكاية عن مدى جبروته وطغيانه فانه حتى الشمس رفضتْ الشروق، وكان من المستحيل نمو أيّ غذاء ولم يتم أي حرث أو زرع ونماء.
والملك (الضحاك) كان لديه لعنة إضافية سلطها على الشعوب التي كان يحكمها، وهي امتلاكه لأفعيين – مثنى أفعى - ربطهما على كتفيه، وعندما تجوع تلك الأفاعي يشعر (الضحاك) بألم عظيم، والشيء الوحيد الذي يرضي به نهم الأفعيين، ويسد جوعهما، كان تقديم أدمغةَ الأطفالِ لهما.؛ لذا كان الضحاك يقتل كل يوم اثنين من أطفالِ القُرى المحلية، ويقدم دماغاهما إلى الأفعيين.
وأمام هذا الطغيان كان (كاوا) الحداد، الرجل البسيط يعيش في إحدى تلك للقرى المنكوبة المبتلية بمظالم الضحاك وأفاعيه. كره كاوا الحداد ذلك الملك، بعد أن اضطر إلى تقديم (16) طفلا من مجموع أطفاله الـ (17) ، الذين ضحى بهم لأفاعي الملك. وعندما وصله الخبر: ان طفلَته الأخيرة، سوف تقتل، وتكون ضحية للأفاعي وضع خطة لإنقاذها والانتقام من الضحاك وتحرير شعبه من الخوف والظلم والطغيان.
وبدلاً من أن يضحّي بابنته، ضحى (كاوا) بخروف، وأعطى دماغ الخروف إلى ذلك الملك.الظالم الاختلاف في تلك الأدمغة والقرابين لَمْ يلاحظْ عند الملك وأفاعيه. وعندما سمع الآخرون عن خدعة (كاوا) الحداد، عملوا جميعاً بنفس الخطة، وفي الليل كانوا يرسلون أطفالَهم إلى الجبالِ مَع (كاوا)؛ كي يكُونوا هناك ويعيشوا بأمان. الأطفال ازدهروا ونموا في الجبالِ، وخلق (كاوا) منهم جيشاً، وقرر الثورة بهم لإنهاء عهد الملك الشريّر.
عندما أصبحت أعدادهم عظيمة، بما فيه الكفاية، نزلوا منْ الجبالِ واقتحموا القلعةَ. نفذ (كاوا) بنفسه الضربةَ القاتلةَ للملك الشريّر الضحاك. ولإيصال الأخبار المفرحة بالانتصار إلى شعوب بلاد ما بين النهرين بنى كاوا الحداد مشعلا كبيرا، أضاء السماء وطهر الهواء من شر عهد (الضحاك).
ذلك الصباح بَدأَت الشمس بالشروق ثانيةً وأينعت الأراضي والمروج بالخضرة والربيع وبَدأت الحياة بالنمُو مرةً أخرى في ظل الحرية. تلك هي البِداية " ليوم جديد" أَو نيروز (نه و روز) كما يتهجاه شعبنا في اللغة الكردية.
ما أحوجنا الى نيروز الثورة والحرية والتضامن المشترك لإنهاء حكم الضكاك المالكي الجديد، وما أحوجنا إلى كاوا الحداد في كل سوح وربوع عراقنا في عيد الربيع والثورة والتجدد والتحرر من كل انواع المظالم . ما أحوجنا الى مسح دموع كل الأمهات العراقيات وإطلاق سراح كل الثوار، ما أحوجنا إلى الوحدة في ربيع ثورة العراق وانتفاضته الوطنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق