قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الخميس، 11 ديسمبر 2014

ماهي مميزات عبودية القرن 21؟ 1 مقارنة بين استبداد جنكيزخان وستالين وعبودية العم سام

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ماهي مميزات عبودية القرن 21؟ 1
مقارنة بين استبداد جنكيزخان وستالين وعبودية العم سام
شبكة البصرة
صلاح المختار
أُسِرْتُ وما صَحْبي بعُزْلٍ لَدى الوَغى،*** ولا فَرَسي مُهْرٌ، ولا رَبُّهُ غُمْرُ
 
ولكنْ إذا حُمَّ القَضاءُ على امرئٍ *** فليْسَ لَهُ بَرٌّ يقيهِ، ولا بَحْرُ
 وقال أُصَيْحابي: الفِرارُ أو الرَّدى؟ *** فقلتُ:هما أمرانِ، أحْلاهُما مُرُّ
الشاعر ابو فراس الحمداني

الفرحون حتى الثمالة بعصر الحرية الحالي اسكروا بنبيذ معتق اسمه (تضليل العقل) من خلال احلال وحشية الرغبة الانسانية في الراحة محل الصواب او المشروع او الاخلاقي، فنراهم يجهلون انهم عبيد لانهم غارقون في راحة الحصول على اغلب ما يشبع طموحهم للراحة في ظل اشباع الفضول او الحصول على ما نريده، رغم ان هذه الراحة مثل شرب الكوكا كولا توقف العطش لمدة لكنها تزيده قوة، والذين دوخوا رؤوسنا لعقود برواية جورج اورويل (1984) والتي صورت مجتمعا مسيطرا عليه كليا من قبل (الاخ الاكبر) اي الدولة، اصبحوا يحسون بقوة ان الانموذج الكاركتيري للستالينية في تلك الرواية القامع للحرية يبدو الان نعمة من الله مقارنه ب(كرامات) العبودية الامريكية غير المسبوقة في التاريخ! فكما ان امريكا سباقة في التكنولوجيا والعلم والرفاهية فانها سباقة اكثر من غيرها في استعباد الانسان من داخله، بالقمع المنظم كما نرى الان في جريمة فريجسون، واستعباده من خارجة وهنا تعد امريكا وبامتياز قاطع اول دولة في التاريخ تفرض سيطرتها على الانسان من داخله بدعم واختيار الانسان!!! ولهذا فحتى الكاريكتير الستاليني عن الحرية افضل من حريتها المستبطنة لاسوأ واخطر اشكال العبودية.

حرفة صنع العبودية : لم يعد ثمة شك بان الانشغال الحالي للانسان بحياته اليومية غير مسبوق في التاريخ هو عمل متعمد ومخطط وليس ظاهرة عفوية، فالمجتمعات الاكثر تقدما هي المجتمعات التي نجد الانسان فيها الاكثر غرقا في مشاكل معقدة تدور حول كيفية تدبير امر حياته المصحوب بقلق عميق خفي وعلني! بل ان رتابة حياته تشكل بمرور الوقت حافزا للانتحار الغامض السبب وهي ظاهرة متنشرة في امريكا وغرب اوربا، فهو يكرر انماط الحياة بلا تغيير حقيقي : عمله بين 7 و9 ساعات، متصلة يتناول طعامه وهو واقف وعلى عجل من مطاعم الاكلات السريعة (وهي زبالة خطرة صحيا)، يؤدي عملا مراقبا بدقة كي لا تضيع منه دقيقة واحدة وبصرامة لا تطاق، يخرج متعبا ومستنزفا ويكاد يغفو، يغتسل في بيته وبسرعة ايضا يذهب الى اقرب حانة ليحتسي البيرة او غيرها، يختار امراة من البار ينام معها دون ان يعرف حتى اسمها! يستيقط في الخامسة صباحا ليكرر نفس الممارسات التي تصبح قاتلة تدريجيا.
المجتمع الاستهلاكي الامريكي يخلق يوميا احتياجات مصطنعة لم تكن موجوة في كل مجال من الطعام الى ادوات الزينة الى ادوات الخدمة بل حتى طريقة السير والجلوس واللبس! والسبب ان الرأسمالي اذا لم يخترع حاجة فانه سيفلس ويموت من الجوع لان غيره يحتكر ما عرف وما يستخدم! وهكذا يجد الانسان انه اسير الدين فهو يشتري بالبطاقة الالكترونية (Credit card) مثل فيزا او ماستركارت، وغالبا لا ينتبه لمقدار ما يصرفه خصوصا وان الاغراء كبير ولا يقاوم في الدعايات الاستهلاكية، يصرف راتبه في منتصف الشهر فيصبح مدينا للبنك.
تغريه سهولة شراء بيت بالتقسيط فيأخذ سلفة من البنك تستقطع شهريا، تسحره اعلانات سيارة جميلة فتبدأ زوجته بالالحاح عليه لشراءها فيشتريها بالدين طبعا، وتطرح ابل او سامسونج موبايل جديد فيتقافز اولاده وبناته حوله بالحاح لشراء الجديد، وتطرحه زوجته ارضا من الالحاح لشراءه عندما ترى طلاء اظافر او شفاه جديد...الخ، وهكذا يصبح اسير حلقة مفرغة تحصره حتى الاختناق بعجز عن السداد وتهديد بمصادرة بيته وسيارته وسجنه، لهذا يضطر للعمل في مجال ثان فيزداد ارهاقه ويتفاقم ملله وشعوره بانه الة، او يجد نفسه عاملا خارج اطار القوانين وضدها او يغرق في المخدرات الى ان يصبح متشردا. وهذه الوضعية هي التي ادت الازمة المالية في عام 2008 فالبنوك كانت تقرض اكثر مما لديها من مال.
وفي مجتمع يضع الانسان اما خيارات كلها غير مناسبة له، لكنها مغمسة ببهارات ومطيبات كيمياوية لا تقاوم، فيفقد تدريجيا طبيعته الانسانية وتنعدم روح التعاون الصادق وتسود حيل اقناع الناس بشراء سلعة لا يحتاجونها، وتؤلف قصص تبرير الخروج عن المألوف ويعجز الانسان عن زيارة امه او ابوه العجوز ويستغني عن ذلك ببطاقة تهنئة بالكرسمس فقط! وينسى شقيقه او شقيقته لانه مشغول بكيفية سداد ديونه وحل مشاكله اليومية.
وهكذا تتولد نزعة فردية انانية رغم انف الانسان، تحصره في قوقعة مميتة. الجار لا يعرف جاره وان عرفه فانه يريد بيعه سلعة او استغلاله فكل شيء مباح مادامت الفردية الانانية هي التي تتحكم بالانسان، ويتحول الحب الى ممارسة جنسية عابرة وسريعة قد لا تتكرر ودون معرفة اسم الطرف الاخر في حالات كثيرة، فتسقط القيم العليا التقليدية ويحل الفرد الاناني الشرس محل الانسان الوديع المتعاطف مع الانسان الاخر!
وهذه الظواهر لم تكن موجودة في مجتمعات ما قبل العصر الصناعي الحديث، حيث كان الانسان يعيش ببساطة نسبية وبدون تعقيدات كثيرة حتى حينما يكون تابعا لاقطاعي او طاغية لانه يدرك ان قوته متوفر وسكنه مضمون مادام يعمل ل(سيد) مقتدر، نعم كان السيد يضطهد العبد لكن الاضطهاد، باستثناء الاستغلال البشع، كان حالة عقابية عندما لا يعمل او لا ينفذ لكنه كان يأكل ويعيش مع عائلة ويتعامل مع ناس في عالم تتغير الاشياء فيه بطريقة تفرح الانسان حتى لو كان مستعبدا. اما الان وفي القرن الجديد فان الانسان يواجه اخطر واكبر مشاكلة على الاطلاق وهي انه يفقد حريته تدريجيا وبطريقة ملحوظة تماما ولكن وياللعجب نجد هذا الانسان يختار عبوديته بقرار منه تحت ضغط اغراءات لا تقاوم غالبا تصنعها الة الدعاية الجهنمية، بينما كان الانسان القديم يضطر لقبول العبودية ويستسلم لها لانها ليست خيارا بل حالة اجبار مباشرة.
ولكن ومع كل تلك الرذائل الرأسمالية فان ما جرى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي كان هو الاشد خطورة وتدميرا لحرية الانسان او ماتبقى منها، فقد حدث انقلاب صامت غير منظور، لكن نتاجه كانت مدوية بصورة غير مسبوقة، انقلاب هو الاخطر والاكثر تدميرا للانسان والمجتمع والقيم في التاريخ كله، وهذا الانقلاب ليس في ستراتيجيات الدول – رغم ان هذا قد حصل - بل في حياة الناس العاديين، نعم كان زوال الاتحاد السوفيتي انقلابا ستراتيجيا خطيرا لكن اخطر ما فيه ليس بروز الفقر مجددا في الدول الاشتراكية سابقا مع كل ما يرافق ذلك من مظاالم بل انه مهد الطريق لانقلاب اخطر واسوأ منه بكثير وهو الانقلاب الاجتماعي الذي غير انماط التفكير والصلات بين الناس نتيجة الثورة التكنولوجية المفاجئة : ثورة الانترنيت والمعلوماتية.
والانقلاب الاجتماعي اخطر من النتائج السياسية والاقتصادية لزوال الاتحاد السوفيتي، لانه اطلق يد الرأسمالية للتحول من راسمالية مقيدة نسبيا الى رأسمالية مطلقة الحرية في التعامل مع الانسان فوصفت من قبل الغربين انفسهم ب(الرأسمالية المتوحشة)! ما الذي احدثه الانقلاب الاجتماعي للانسان خصوصا منذ انهيار المعسكر الاشتراكي؟ هل جعله متحررا من الاستبداد الستاليني المجسد في الاتحاد السوفيتي والصين ودول اوربا الشرقية كما كان الغرب يروج في دعاياته؟ ام ان الاستبداد الغربي الراسمالي اظهر كامل طبائعه المخفية وصار عبودية هي الاكثر قسوة ووحشية من كل ما سبقها من وحشيات بداية التاريخ والقرون الوسطى والعصر الحديث؟
في التاريخ المعروف يشار الى امبراطورية المغولي جنكيزخان على انها الاكثر وحشية وتفننا في ممارسة الابادة والقتل لكن امريكا بزت جنكيزخان في الجرائم ليس بكميتها فقط بل بنوعيتها ايضا وهذا هو الاخطر في جرائم الامبراطور العم سام. لننظر فيما فعله الامبراطور العم سام :
1- اخضاع الانسان : كل انظمة الاستبداد والقمع السابقة للاستبداد الامريكي كانت تقمع الانسان من الخارج فهي تفرض عليه قيودا في الكلام والتصرف والاعتقاد الديني وغيره، وتسجن من يخالف او تقتله، تنصب اجهزة الالتقاط وتسجل حركاته الخارجية في بيته وعمله واماكن لهوه وتنشر لوائح الاوامر في مكان ومن يخالف يتعرض للعقاب، اما من يستسلم فانه غالبا لا يصاب باذى سوى الناتج عن قهر الاستبداد. في تلك الانظمة وعبر التاريخ كله كان الانسان مازال انسانا بل ان الاضطهاد زاد من احساسه بالحاجة للحرية والتحرر من عبودية الاخر وعمق حصانته ضده وزاد من اتساع الشقة بينه وبين جلاده وتبلورت في ضمائر الشعوب مفاهيم عن العدو وهو من يقوم بالاستعباد رسمت له صور منفّرة ومكروهة خلدها التاريخ لهذا فان كلمة استعباد او استبداد ترتبط بقوة بكراهية المستبد والمستعبد.
هنا نواجه رضوخ للاستبداد مفروضة من الخارج فتسلب حرية الانسان وتصادر حقوقه المعروفة لكنها تعجز عن تغييرافكار الناس وفقا لما يريد المستعبد بل انها تخلق كرها وعداء لافكاره وممارساته ووجوهه المتعددة ومهما اختلفت. فانت حينما تقول اقطاع او طاغية او محتل فانك تضع فيها كل ما لديك من مشاعر كراهية ورفض وادانة ومن ثم فانك تتعمد خلق كل ما يميزك عن المستعبد والمستبد ويمنع تماهيك معه.
امريكا في القرن الجديد تمارس الاستعباد التقليدي فقط في حالة اضطرار لا يمكن تأجيله والاضطرار الامريكي في حالة العراق يتمثل في انه اجتاز الخطوط الحمر التي وضعتها لدول العالم، فالعراق مثل اي قطر عربي غير مسموح له بالخروج من كهوف التخلف والامية والفقر الى عالم الابداع العلمي والتكنولوجي والتقدم الحضاري وعندما حقق العراق هذا التقدم فعلا بازالة الامية وبناء جيش العلماء والمهندسين وازال الامراض المستوطنة والفقر واسس عهد الرفاهية لاول مرة واخذ يأكل مما يزرع ويستخدم ما يصنع تقرر تدميره وارجاعه لعصور ما قبل الصناعة كما هدد جيمس بيكر وزير الخارجية الامريكية علنا في عام 1991.

وزاد الخطر العراقي على نزعة الهيمنة الامريكية على مصادر الثروة في العالم عندما اقترن تحقيق التقدم في كافة المجالات بالتمسك بخط نضالي يرفض اي مساس بعروبة فلسطين واي اقتراب من النفط العراقي الذي امم وسخرت موارده لاعادة تربية الانسان ليكون مبدعا مثل الامريكي والفرنسي والصيني، عندها تيقنت امريكا ان العراق ان واصل ذلك التطور المدهش فسوف ينسف اسس توسعها الامبريالي في العالم كله، والذي لخص تقدم العراق تقرير للامم المتحدة في نهاية السبعينيات بقوله اذا واصل العراق تقدمه على نفس الوتيرة الحالية فانه سيخرج من نادي الدول المتخلفة ويدخل نادي الدول المتقدمة، ويقينا ان هذا التقرير كان جرس الانذار لامريكا كي تتدخل بطريقة الاستعباد التقليدية وهي الغزو المسلح ضد العراق بعد مسلسل تامر لم ينقطع منذ تاميم النفط في عام 1972.
اذن امريكا عندما تكون في حالة اضطرار تمارس الاستعباد التقليدي مثل جنكيز خان واي طاغية دموي والدليل انها ابادت 112 مليون هندي احمر واكثر من 90% من ضحايا حروب العالم ومن بينهم من قتل من العراقيين على يديها وبلغ عددهم اكثر من ستة ملايين عراقي منذ عام 1991 وحتى الان، ولهذا فامريكا تحتل موقع الدولة التي قتلت من البشر اكثر مما قتل في كل حروب البشرية وعلى يد كافة الطغاة.
لكنها عندما تكون مرتاحة فانها تعمل بطريقة اخرى مختلفة تماما لم تمارسها دولة اخرى قبلها وهي الاستعباد من الداخل، فما هو الاستعباد من الداخل؟ الاستعباد الامريكي مختلف نوعيا عن كل استعباد سابق له وبلا اي استثناء لانه استعباد يزرع في داخل الانسان قبل الفرض من الخارج، فامريكا تعمل وفقا لخطة مدروسة للسيطرة على الانسان من داخله بحيث لا يستطيع تمييز نفسه عن جلاده ومستعبده بل انه يتحول الى محب لمستعبده ومقلد له بحماس! فكيف حصل ان المظلوم بشدة يحب ظالمه ويقوم بتقليده بلا اكراه مباشر؟ وكيف يتحول الانسان الذي سبق لامريكا ان اضطهدته بطريقة بالغة الوحشية الى متعاون معها وراغب في التماهي مع الطابع الاستهلاكي المتقدم تكنولوجيا لمجتمعها؟ يتبع.
Almukhtar44@gmail.com
8-12-2014
شبكة البصرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق