قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الثلاثاء، 2 أبريل 2013

في ذكرى إعلان ميلاد حزب البعث العربي الاشتراكي السادسة والستون : عسرة الميلاد وصعوبة التحدي مع قوى الاستعمار والاتجاه الاسلاموي

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
في ذكرى إعلان ميلاد حزب البعث العربي الاشتراكي السادسة والستون :
عسرة الميلاد وصعوبة التحدي مع قوى الاستعمار والاتجاه الاسلاموي
شبكة البصرة
بقلم: أ.عبدالعزيز أمين عرار - باحث فلسطيني
عندما ولد حزب البعث العربي الاشتراكي كانت معاناته تختلف عن باقي الأحزاب والسبب أن هذا الحزب شق دربا جديدا في صياغة التصور الفكري الذي لم يكن من قبل موجودا في هذه النظرية القومية الجديدة وشعارها (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) ومبادئها في ثالثها المقدس (وحدة ـ حرية ـ اشتراكية).

جاءت هذه الفكرة الجديدة لتشق دربها القاسي بين جملة أفكار ونظريات دينية وسياسية،وما يميزها أيضا أنها جاءت في إطار التحديث وفي سياق تلاقح الثقافات المختلفة(عربية وعالمية) و(ثقافات حاضرة وماضية) و(تقدمية وأصيلة) و(رأسمالية و(ماركسية)،لقد مكث البعث ما بين ميلاده عام 1939 منذ أن أسس نواته الأولى (حركة الأحياء العربي) وحتى إعلان تأسيسه في مؤتمره القومي عام 1947 وإطلاق اسم (حزب البعث العربي)،وهو يجاهد في بذر البذور الأولى.
ولد البعث في هذه الفترة وقوبلت فكرته بحرب من جميع التيارات والأنظمة ولكن الدرب العسير قوى جماهيريته طيلة الخمسينيات وتغلب على ديكتاتورية حسني الزعيم وأديب الشيشكلي في سوريا،ونجح في انتخابات المجلس النيابي ب16 مقعد وفي الأردن بمقعدين ووقف أمام الزعيم عبدالكريم قاسم في العراق ونج في ثورة 8 شباط عام 1963،وجسد مع نظام عبدالناصر أو وحدة قومية عربية في التاريخ المعاصر عام 1958.إلا أن عظم التحديات الخارجية تلاشى أمام سيطرت الانقلابيين في الحزب بما سمي عند البعثيين المخلصين ب(الردة الشباطية) في 23شباط 1966 وفيها سيطر العسكريون على القيادتين القطرية والقومية في سوريا وأزاحوا التيار المدني بقيادة أحمد ميشيل عفلق،ثم عاد الانقلابيون ليزيحوا بعضهم البعض وجلست على سدة الحكم العائلة الأسدية بقيادة الأسد والتي أطلق عليها الثورة التصحيحية،وحدثت حينما تسلم السلطة بانقلاب 16/11/1970، ومنذ ذلك الحين وكلا البلدين العراق وسوريا يعيشان الخلاف والشقاق والتناحر بين بعثين أحدهما: ينتسب للشرعية البعثية القومية والمتمثلة بمؤسس الحزب أحمد ميشيل عفلق والثانية تمارس التظليل والديماغوجيا باسم البعث في سوريا منذ سبع وأربعين عاما.
حاول حزب البعث في القطر العراقي ومنذ تسلمه للسلطة بثورة 17ـ 30 تموز العراقية أن يؤسس ويصنع قاعدة النهوض والاقتدار القومي العربي وأن يجعل العراق (إقليم القاعدة والمركز) بعد أن كانت مصر أيام الرئيس جمال عبدالناصر تحتل هذا المركز.
إلا أن الشقيق المدعي بالتقدمية البعثية كان دوما يقف في طريق شقيقه كحجر عثرة فهو الذي يتعاون مع عدو العراق اللدود متخطيا حدود رابطة العروبة والإسلام التي تجمعه مع البعث في العراق إلى عدو العروبة نظام الخميني وفوق هذا وذاك كان يمثل التجربة الفكرية الممسوخة والمشوهة فكرا وتطبيقا فهو كالسوسة التي بقيت تنخر الحزب وتسيء إليه طيلة فترة حكم حافظ أسد فهو : يعادي (م.ت.ف) ويرسل جنوده كي يقمعوها ويحدوا من امتدادها ودعما لتيار ماروني عميل للولايات المتحدة والكيان الصهيوني ويسميه غزوا قوميا في عام 1976،وهو الذي يحيي جملة الصراعات المذهبية والدينية على غير هدى الفلسفة القومية الوحدوية الاشتراكية،وهو الذي يكافئ القوات العراقية التي حضرت إلى سوريا عام 1973بدون دعوة من أحد لتهب نصرة للواجب القومي ولتحمي دمشق من السقوط أمام الهجمة المعاكسة للكيان الصهيوني فيقطع عنها الماء والكهرباء كي يجبرها العودة السريعة للعراق وحتى لا تحرجه أمام اعترافه بقرار 242 و338 وعدم استعداده لخوض معركة تحرير حقيقية،وهو الذي يتحالف مع الخميني ويرسل صواريخ كورية وصينية للنظام الإيراني ويلتقي مع طائفيا بدلا من اللقاء قوميا مع شقيقه العراقي.
وبالمجمل ودون الخوض في التفاصيل الكثيرة والمخازي المتعددة للنظام السوري منذ أن اتهم اللواء حافظ الأسد بتسليم الجولان في حرب حزيران 1967كان النظام السوري يعاكس النظام العراقي فكريا ونظريا وعمليا بحيث ظهر على البعث العراقي بقيادة الشهيد صدام حسين : (صدق المبادئ وفيض الوفاء) في تناوله القضية الفلسطينية وحفاضه على وحدة شعبه ووقوفه أمام الريح الصفراء التي هبت من بلاد فارس، بينما أظهر نظام حافظ الأسد التخلي عن المبادئ البعثية والانبطاح أمام العدو الصهيوني والمراوغة أمام الجماهير العربية والتلاعب بالفكرة القومية العربية والتحايل على جماهيرها بادعاء الممانعة تارة أو بتبني استراتيجية بعيدة المدى تارة أخرى.
ومات الأب وجاء الابن من بعده وبقي الحرس القديم وفيه (عش الدبابير) وظن البعض أن النظام قد يتغير في موقفه تجاه البعث المشنوق في سوريا منذ تسلم انقلابيو شباط 1966 سلطتهم بالحديد والنار، وتحول نحو طائفية علوية في ثورة حافظ الأسد التصحيحية،و زاد الأمر سوءا في موقفه من قضايا الشعب السوري والعراق و القضية الفلسطينية وينطبق عليه مقولة(من لا خير فيه لشعبه لا خير فيه لأمته)، وها نحن اليوم نشهد بطشه تجاه شعبه والذي لا حدود له وهو الذي جسد القول المأثور للشاعر: أسد علي وفي الحروب نعامة.
وأمام التطورات العربية الجديدة فيما أطلق عليه اسم (الربيع العربي) وما هو بربيع بل هو خريف عربي يتعرض البعث اليوم في العراق وسوريا إلى امتحان عسير ليس له مثيل من التشويه والتزييف والحرب المُعلنه لاجتثاثه حتى أن الأمة العربية التي قاتل وناضل وجاهد من أجل وحدتها،وهي مجزأة إلى عشرين دولة تراها اليوم يتهددها مزيد من الانقسام والتجزئة وبتنا نخشى عليها من خطر الطوائف والفرق والشيع التي أذكتها التيارات الطائفية المتأسلمة، وقد باتت هذه التحولات والارتدادات الطائفية عنوان المرحلة القادمة وهي مرحلة الموزاييك السياسي في بناء الشرق الأوسط الجديد الذي تنشده الولايات المتحدة الأميركية وخادمتها دولة الكيان الصهيوني.
وتزداد صعوبة التحدي الفكري والعقائدي للبعث مع القوى الداخلية والخارجية في تحد عميق مع تركيا الطامعة والطامحة للعب دور سليم الأول في احتلال وحكم الأرض العربية وفتحها من جديد،ومع دور إيراني فارسي صفوي شيعي يجسده خامنئي وأحمدي نجاد لمد نفوذهم في عراق العرب واليمن والبحرين ومع دور الكيان الصهيوني وحليفته الولايات المتحدة في تفتيت المنطقة إلى كنتونات طائفية وعرقية وغزوها وتعد نتائجها أكثر خطورة على وحدة الأمة العربية من الدولة القطرية وكيانها المصطنع.
بناء عليه لم يعد التنظير للبعث وحركة القومية العربية يجذب الجماهير العربية بنفس القدر الذي كانت عليه يوما ما في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي والذي أبدى الأستاذ أحمد ميشيل عفلق خشيته من أن تكون هذه الشعبية للحركة القومية العربية وتيارها الجارف مجرد موضة وتيار سطحي سرعان ما ينتهي ويذوي.
وأخيرا وإن كنا نأسف اليوم على حال الأمة العربية وما وصلته الأحداث في سوريا العربية ذات التاريخ العريق والماضي التليد،وحاضرة الفكرة القومية العربية الحديثة وما يتمثل فيها من خطر التقسيم والتفتيت الذي لاحت مخاطره على الأمة العربية ونزعتها للوحدة لا للتفريق، فإننا لا نأسف على حال هذا النظام الذي صنع المخازي ولم يصنع المغازي للعرب.بل نأسف على واقع أمة العرب الذي يسير نحو مزيد من التشظي والتفتت واسترجاعه للمذهبيات والاثنيات المتخلفة وعزوفه عن شعار أمة عربية واحدة وشعار عاشت فلسطين حرة عربية،أو فلسطين قضية العرب المركزية.
1/4/2013
شبكة البصرة
الاثنين 20 جماد الاول 1434 / 1 نيسان 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق